24akhbar
| | خطبة صلاة الاستسقاء ( 1 ) صبري عسكر | |
لحمد لله رب العالمين، الحمد لله غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير . لا إله إلا الله! مجيب الدعوات، وغافر الزلات ، سبحانه مِن إله كريم، ورب رحيم، عم بفضله وكرمه جميع المخلوقات. لا إله إلا الله الولي الحميد، لا إله إلا الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، سبحان مَن يعطي ويمنع! ويخفض ويرفع! ويصل ويقطع! إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [هود:56]. اللهم لك الحمد كله، ولك الشكر كله، وإليك يُرجع الأمر كله، علانيته وسره، فأهلٌ أنت أن تُحمد، وأهلٌ أنت أن تُعبد، وأنت على كل شيء قدير. وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، ومصطفاه وخليله، خاتم النبيين، وإمام المرسلين، وسيد ولد آدم أجمعين، صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الغر الميامين، والتابعين ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلَّم تسليماً كثيراً. أما بعد: فيا عباد الله! اتقوا الله تعالى حق تقواه، فإن مَن اتقى الله حفظه ووقاه، ومَن سأله منحه وأعطاه، ومَن توكل عليه كفاه وآواه. أيها المسلمون: إن دلائل وحدانية الله وآيات قدرته كثيرة، لا تُعدُّ ولا تُحصى، وشواهدُ عظمته وفيرة، لا تُحد ولا تُستقصَى ولكن القلوب عن آيات الله غافلة، والنفوس عن شواهد قدرته لاهية، والعقول عن دلائل عظمته شاردة، إلا من رحم الله. إخوة الإسلام: هنالك نعمة من نعم الله، وآية من آياته، لا غنى للناس عنها، هي مادة حياتهم، وعنصر نمائهم، وسبب بقائهم، منها يشربون ويسقون، ويحرثون ويزرعون، ويرتوون ويأكلون، تلكم - يا رعاكم الله- هي نعمة الماء والمطر وآية الغيث والقطر. إخوة الإيمان: الماء أصل النماء الفائق على الهواء والغذاء والاتق اللهاء والدواء، هو عنصر الحياة وسبب البقاء، مَن الذي أنشأه من عناصره إلا الله؟! ومَن الذي أنزله من سحائبه إلا الله؟! أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ وقال سبحانه : وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ أمة الإسلام: إنه لا يَقْدُر هذه النعمة قَدْرَها إلا مَن حُرِمَها، تأملوا في أحوال أهل الفقر والفاقة التي تغلب على حياة من ابتلوا بالجدب والقحط والجفاف والمجاعة، سائلوا أهل المزارع والمواشي: في أي حالة من الضُّرِّ يعيشون، من قلة الأمطار وغور المياه، وهي سبب خصب مزارعهم وحياة بهائمهم؟! ومن حكمته تبارك وتعالى ألا يديم عباده على حالة واحدة، بل يبتليهم بالسراء والضراء، ويتعاهدهم بالشدة والرخاء، ويمتحنهم خيراً وشراً، نعماً ونقماً، محناً ومنحاً يقول سبحانه : وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ . ومن ابتلاء الله لعباده: حبسُ القطر أو تأخيرُه عنهم، أو نزعُ بركته منهم، مع ما للمطر من المنافع العظيمة للناس والبهائم والزروع والثمار؛ وما في تأخيره من كثير من المضار. معاشر المسلمين: إن للغيث أسباباً جالبة وأخرى مانعة، هل سألنا أنفسنا ونحن في مواسم الغيث؟! هل أخذنا بأسباب نزوله؟! أم قد نكون نحن بأفعالنا سبباً في منعه؟! تعالوا بنا نعرض شيئاً من أحوالنا، لعلها تكون ذكرى نافعة، وسبباً في تقويم أوضاعنا على منهج الله، لنحظى برزقه الوافر الذي لا يُنال إلا بمرضاته، فالغيث جماع الرزق، قال تعالى: وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ والمطر أصل البركات، قال سبحانه: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ . فيا عباد الله: لنحاسب أنفسنا:ألم نقصر في تحقيق الإيمان والتقوى؟! ففي أهم أركان الإسلام بعد الشهادتين وهي الصلاة ضيعها كثير من الناس والسؤال : ما ميزان الصلاة، وهي ثاني أركان الإسلام، والفارق بين الكفر والإيمان، وقد خف مقدارها، وطاش ميزانها عند كثير من الناس؛ إلا من رحم الله؟! وإذا سألت عن الزكاة المفروضة وإخراجها، ترى العَجَب العُجاب من بخل بعض الناس وتقصيرهم في أدائها، مما نزع البركة من الأموال، وكان سبباً كبيراً في منع القطر من السماء، وقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {ولم ينقص قوم المكيال والميزان إلا أُخذوا بالسنين وشدة المئونة وجور السلطان عليهم، ولم يَمنعوا زكاة أموالهم إلا مُنعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا } . لقد راجت المنكرات، وعمت المحرمات في كثير من المجتمعات، فلم يتمعَّر منها وجه، ولم يشمئز منها قلب إلا من عصم الله؛ قتلٌ وزنا، ظلمٌ وربا، خمورٌ ومسكرات، مجونٌ ومخدرات. وفي مجال المعاملات غشٌّ، وتزوير، وبخسٌ، ومماطلة، ورشاوى، في انتشار رهيب للمكاسب المحرمة، والمعاملات المشبوهة، وتساهل في حقوق العباد. فاللهم سلِّم سلِّم! ورُحماك ربنا رُحماك! وإلى الله المشتكى! ولا حول ولا قوة إلا بالله! عباد الله: إن ذنوبنا كثيرة، ومعاصينا عظيمة، وإن شؤم المعاصي جسيم وخطير، يقول الإمام ابن القيم رحمه الله: وهل في الدنيا شر وبلاء إلا سببه الذنوب والمعاصي؟! الذنوب ما حلت في ديار إلا أهلكتها، ولا في مجتمعات إلا دمرتها، ولا في نفوس إلا أفسدتها، ولا في قلوب إلا أعمتها، ولا في أجساد إلا عذبتها، ولا في أمة إلا ألَمَّتْها فاحذروا غضب الله عليكم عباد الله . فاتقوا الله عباد الله! واعلموا أن ما عند الله لا يُسْتَنْزَل إلا بالتوبة النصوح، يقول أمير المؤمنين علي رضي الله عنه: [[ما نزل بلاءٌ إلا بذنب، وما رُفع إلا بتوبة ]]. عباد الله: لقد شكوتم إلى ربكم جدب دياركم، وتأخر المطر عن إبَّان نزوله عن بلادكم وأوطانكم، فما أحرى ذلك أن يدفعكم إلى محاسبة أنفسكم ومراجعة دينكم! إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ . أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ . ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الروم:41]. وما ابتلي المسلمون اليوم بقلة الأمطار، وغور المياه, وانتشار الجدب والقحط، وغلبة الجفاف والمجاعة والفقر في بقاع كثيرة من العالم إلا بسبب الذنوب والمعاصي. أعلى النموذج وما ابتلي المسلمون اليوم بقلة الأمطار، وغور المياه, وانتشار الجدب والقحط، وغلبة الجفاف والمجاعة والفقر في بقاع كثيرة من العالم إلا بسبب الذنوب والمعاصي. فلنتقِ الله عباد الله! ولنتأس بنبينا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، فقد خرج يوم الاستسقاء متخشعاً متذللاً متضرعاًَ مجتهداً في الدعاء؛ لأن الاجتهاد في الدعاء من أعظم الأمور التي يُسْتَنْزَل بها المطر. وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ . وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ . وقد ورد أن الله عزَّ وجلَّ يستحيي من عباده إذا رفعوا أيديهم إليه أن يردها صفراً، أي: خائبتَين. إذا علمتم ذلك -يا عباد الله- فارفعوا قلوبكم وأيديكم إلى ربكم ومولاكم، والهجوا بالثناء عليه سبحانه، طالبين الغيث منه، راجين لفضله، مؤمِّلين لكرمه، مُلِحِّين عليه بإغاثة القلوب والأرواح، وسقي البلاد والعباد، ومتى علم الله إخلاصكم وصدقكم وتضرعكم أغاث قلوبكم بالتوبة إليه، وبلدكم بإنزال المطر عليه. ......... لا إله إلا الله غياث المستغيثين، وراحم المستضعفين، وجابر كسر المناتق اللهرين! لا إله إلا الله العليم الحليم! ........... لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم! نستغفر الله، نستغفر الله، نستغفر الله ........... نستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم ونتوب إليه. اللهم يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث، فلا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، ولا أقل من ذلك. عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ . { لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ } لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين. اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين. اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين. اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا. اللهم إنا خلقٌ من خلقك فلا تمنَعَنَّا بذنوبنا فضلك. اللهم آنس قلوبنا بالإيمان واليقين، وبلادنا بالخيرات والأمطار يا رب العالمين. اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفاراً، فأرسل السماء علينا مدراراًَ. اللهم أغثنا غيثاً هنيئاً مريئاً مريعاً سحاًَ غدقاًَ طبقاً عاماً واسعاً مجللاً نافعاً غيرَ ضار، عاجلاً غيرَ آجل. اللهم سُقيا رحمة، لا سُقيا عذاب ولا بلاء ولا هدم ولا غرق. اللهم اسقِِ عبادك وبهائمك، وانشر رحمتك، وأحي بلدك الميت. اللهم أغثنا غيثاً مباركاً تحيي به البلاد، وتسقي به العباد، وتجعله بلاغاً للحاضر والباد. اللهم أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلته عوناً لنا على طاعتك وبلاغاً إلى حين. اللهم أنبت لنا الزرع، وأدر لنا الضرع، واسقنا من بركاتك، وأنزل علينا من بركات السماء، وأخرج لنا من بركات الأرض. اللهم ارحم الشيوخ الركَّع، والبهائم الرتَّع، والأطفال الرضَّع. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين. اللهم ادفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا والزلازل والمحن والقحط وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن. ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. عباد الله: لقد كان من سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم بعدما يستغيث ربه أن يقلب رداءه، فاقلبوا أرديتكم اقتداءً بسنة نبيكم صلى الله عليه وسلم، وتفاؤلاً أن يقلب الله حالكم من الشدة إلى الرخاء، ومن القحط إلى الغيث، وليكون ذلك شعاراً وعهداً تأخذونه على أنفسكم بتغيير لباسكم الباطل إلى لباس الإيمان والتقوى، بدلاً من لباس الذنوب والمعاصي. ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، واغفر لنا ولوالدِينا ولجميع المسلمين، الأحياء منهم والميتين، برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم لا تردنا خائبين، ولا عن بابك مطرودين، ولا من رحمتك محرومين. اللهم هذا الدعاء ومنك الإجابة، وهذا الجهد وعليك التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين. وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلَّم تسليماً كثيراً. | |
|