مسيحيون الجنوب: يؤيدون الوحدة ويكشفون مؤامرة التقسيم
أكد كثير من مسيحيي جنوب السودان أنهم صوَّتوا لصالح الوحدة وليس الانفصال، مبررين اختيارهم بأن الانفصال معناه الحياة في
بلد ليس فيه أية إمكانيات.
وكشف كثير من الجنوبيين-أمام عدد من مقارِّ الاقتراع، وخاصةً عند مقبرة جون قرنق- أنهم صوَّتوا لخيار الوحدة؛ لأنهم يقدِّرون خطورة الانفصال عليهم جيدًا، في ظل حكومة جنوبية لا يهمُّها إلا مصالحها الشخصية.
وتؤكد "بيبرا"، وهي إحدى هؤلاء الذين صوَّتوا للوحدة، أن هناك كثيرًا غيرها صوَّتوا للوحدة ضد الانفصال حتى لو كانوا يهتفون مع الانفصاليين، موضحةً أن حقيقة صوتهم لا يطَّلع عليها أحد.
وعن السبب الذي دفعها للوحدة، قالت إن حكومة الحركة الشعبية أهملت الجنوب بشكل كبير، ولم تقدم له الخدمات الكافية طوال 6 سنوات هي عمر حكمهم لنا، وضربت مثالاً بالتنمية التي حدثت قبل "اتفاقية نيفاشا" على يد المؤتمر الوطني عندما كان يحكم الجنوب من خلال حكومة مركزية، مشيرةً إلى أن إقليم أعالي النيل- وتحديدًا في ولاية ملكال- شهد تنمية شديدة قبل الاتفاقية؛ ما جعله يفوق جوبا، رغم أنها عاصمة الجنوب.
وتشير "بيبرا" إلى أن ملكال بها مطار كبير أنشأته الحكومة المركزية قبل الاتفاقية، بينما مطار جوبا الدولي الذي من المفترض أنه مطار الدولة المرتقبة ليس به أية إمكانيات تُذكر، ولا يعدو مجرد مطار محلي.
"الشعبية" مارست إرهابا على الجنوبيين:
وتضيف "بيبرا" أن الحركة الشعبية مارست إرهابًا شديدًا على أهل الجنوب، وحاولت التفرقة بين المسيحيين والمسلمين، إلا أن الحقيقة تخالف ذلك، وضربت مثالاً بنفسها فهي مسيحية من أب جنوبي مسيحي، وأمها مسلمة شمالية مستقرة في الجنوب، وعمُّها مسلم، ويعمل في جامعة الأزهر بالقاهرة، وشقيقتها- تدعى "معايش"- مسلمة مقيمة في مصر أيضًا.
وتابعت "بيبرا"- التي تعمل في مكان مهم بالدولة- أن هناك غزوًا صينيًّا وهنديًّا وصهيونيًّا وأمريكيًّا بدأ يحدث للجنوب منذ اتفاقية نيفاشا، وأرجعت السبب في ذلك إلى أن الجميع يريد أن يستولي على إمكانات الجنوب وثرواته، وخاصةً البترول وغيره من خيرات الأرض التي لم يتم اكتشافها بعد.
الانفصال يعني عودة الحرب:
أما "ريمون"، وهو الاسم الذي اختاره مسيحي آخر تحدث لموقع "إخوان أون لاين"، فيؤكد أن الانفصال معناه عودة الحرب من جديد، ولكنها هذه المرة ليست حربًا بين الشمال والجنوب، ولكن بين الجنوب ذاته؛ حيث سيكون هناك صراع كبير على السلطة بين القبائل التي تريد أن تتحكم في موارد الدولة. وقال بلهجة سودانية: "المغفلين رايدين انفصال حتى تعود الحرب من جديد".
وأشار ريمون- الذي يعمل في إحدى وسائل الإعلام بجوبا- إلى أن الحكومة والحركة الشعبية أجبرتا الجنوبيين على التسجيل في الاستفتاء الذي يُدار في اتجاه واحد فقط؛ لأن هناك من يدعمهم ويريد للسودان التقسيم من أجل أهداف خبيثة، وفي النهاية سوف يتكبَّد المواطن الجنوبي تكلفة هذا الانفصال المدمر.
نحن أقارب .. كيف ننفصل؟!
أما الكهل المسيحي الذي تجاوز عمره الـ 60 عامًا "سيسا تور"، فقد وقف أمام موظف الاستفتاء في أحد مراكز الاقتراع، وطبقًا لإجراءات الاستفتاء فإنه يتعيَّن على الموظف أن يوضح للمصوِّتين- وأغلبيتهم أميون لا يجيدون القراءة والكتابة- طريقة التصويت في البطاقة التي تشتمل على رمزين؛ الأول: كفان ممسكان ببعضهما، وهو ما يعني الوحدة، والآخر: كف واحد، ويعني الانفصال، وقبل أن ينتهي الموظف من الشرح قام "سيسا" بوضع يده في زجاجة الحبر، وقام بالبصم على الرمز الأول أمام الجميع، وليس في المكان المخصَّص للاستفتاء، وعندما سئل لماذا أعطيت صوتك للوحدة؟ قال: "نحن والشمال نعيش مع بعض من زمان.. وهم ونحن أقارب فكيف ننفصل؟!".
المؤامرة!
ويؤكد مراسل إخوان أون لاين في جوبا أن النماذج السابقة لم تكن الوحيدة التي صوَّتت للوحدة، ولكن الخوف دفع كثيرًا من هؤلاء إلى عدم إظهار رأيهم؛ حتى لا يتعرَّضوا للمساءلة والتضييق، وفي بعض الأوقات قطع المعونات عنهم من الكنائس، وهو ما برَّره "بيتر تتي"، أحد قيادات الهيئة الشبابية للسلام والتنمية بجنوب السودان، بأن هناك عددًا كبيرًا من مسيحيِّي الجنوب يدركون المؤامرة التي تحاك ضد تقسيم السودان، ويعرفون جيدًا أن الوحدة هي الخيار الأفضل للجميع، كما أشار الخبراء من الجانبين، وتؤكده الحقيقة على الأرض، خاصةً أن اتفاق السلام لم يوضع لتشتيت شمل السودان، وإنما قصد منه الوصول إلى الأمن والاستقرار بصورة دائمة.
وأكد "بيتر" أن الحركة الشعبية خالفت ما نصَّت عليه اتفاقية السلام بدفع الشعب نحو الوحدة الجاذبة، من خلال تنفيذ حكومة الحركة في الجنوب البرامج التنموية التي تدفع المواطنين هناك إلى اختيار الوحدة، ولكن للأسف فإن المصالح التي سيطرت على الحركة الشعبية وقيادتها المرتبطين بمصالح خارجية، ويتم دعمهم دوليًّا من خلال الولايات المتحدة والكيان الصهيوني؛ هم الذين يحرِّكون الاستفتاء نحو الانفصال، رغم أنه ليس خيار معظم الشعب الجنوبي، الذي يرتبط بالشمال بعلاقات تاريخية لا يمكن أن يتجاهلها أحد.
الشعب الجنوبي مغلوب على أمره:
وأشار "بيتر" إلى أن الشعب الجنوبي مغلوبٌ على أمره وتحرِّكه أحزاب لا تنظر إلا إلى مصالحها، ولا تهتم بمعاناة الشعب الجنوبي الذي يحتاج إلى التنمية والطعام والمياه، والسكن والكهرباء، وكل هذه الأمور تأتي من الشمال.
وحول التدخلات الدولية لدفع الحركة نحو الانفصال وتأثير ذلك على السودان، قال بيتر إن هناك العديد من التدخلات الخارجية بعضها إفريقي مثل أوغندا وكينيا، والبعض الآخر دولي مثل أمريكا، والصهاينة الذين يريدون الاستحواذ على خيرات الجنوب، موضحًا أن كل دولة من هذه الدول لها مصالح في الجنوب، ولها رجال وأتباع في الحركة الشعبية، وهؤلاء الأتباع كل همِّهم تنفيذ هذه المخططات للحصول على مكاسب وامتيازات أكثر، بصرف النظر عن المستقبل الذي يهددنا جميعًا.
وعن الصراعات المتوقَّعة في حال الانفصال قال "بيتر" إنه أمر متوقَّع جدًّا؛ لأن كل فريق له مصالح، ولا بد أن تتداخل هذه المصالح مع الفريق الآخر، بالإضافة إلى صراع القبائل، وخاصة الكبيرة منها ضد قبيلة الدينكا، مثل النوير والشلك والفراتيت، فهذه القبائل تريد هي الأخرى أن يكون لها نصيب من السلطة والنفوذ والثروة، ولن تقبل بسيطرة الدينكا التي منها رئيس الحكومة على السلطة والثروة، وهو ما يعرِّض الجنوب لحرب طاحنة سوف يكون لها تداعيات على المنطقة كلها.
مفكرة الإسلام