خطبة مكتوبة عن "الإرهاب"والعمليات الإنتحارية
مقدمة الخطبة
الحمد لله، شرح صدور أوليائه للإيمان والهدى، وطبع على قلوب أقوام فلا تعي الحق أبداً، من يهدِ الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً . أحمده سبحانه وأشكره، جابر الكسير، وميسر العسير، ومجيب النداء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لم يتخذ صاحبة ولا ولداً، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله، كرم رسولاً، وشرف عبداً، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، صلاة وسلاماً دائمين سرمداً، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فأوصيكم ـ أيها الناس ـ ونفسي بتقوى الله عز وجل، فاتقوا الله
وَٱرْجُواْ ٱلْيَوْمَ ٱلآخِرَ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِى ٱلأرْضِ مُفْسِدِينَ [العنكبوت:36]. أقبلوا على ربكم بصدق القلوب، واحذروا الخطايا والذنوب، لعل الله أن يثبِّت لكم في الصادقين قَدَما، ويكتب لكم في التائبين صحيح الندم، فالحسرة كل الحسرة لنفوس ركنت إلى دار الغرور، والخراب لقلوب عمرت بالباطل من العمل والزور.
فما هو الإرهاب ؟ وما موقف المسلمين من الإرهاب ؟ وما أسباب الإرهاب ؟ وما هو دورنا وواجبنا في مثل هذه الأوقات ؟ عباد الله : ما هو الإرهاب ؟ الإرهاب معناه في اللغة الإخافة
وفي الاصطلاح هو الإخافة بالفعل كالقتل والتخريب والسرقة والسحر ونحو ذلك أو الإخافة بالقول كالتهديد والتحريض ومنع كلمة والحق ونحو ذلك .
عباد الله : وإن للمسلم موقف واضح وجلي من الإرهاب يستمده مما جاءت به نصوص القرآن الكريم والسنة المطهرة : يقول الحق في محكم التنزيل : (
وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا )
والنهي عن أذية الناس وإزعاجهم ليس مقصورا على المؤمنين بل يشمل حتى الكفار المسالمين غير المحاربين كمن يؤمنهم إمام المسلمين ، أو العجزة والنساء والأطفال فهولاء لا يجوز أذاهم ، بل يشرع الإحسان إليهم ..قال تعالى "(
لَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)
والمسلم يعلم قوله تعالى :
وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء:93]،
والمسلم يستمد من السنة المطهرة ما يبين حرمة قتل الكفار الذين يعيشون بين المسلمين .. والذين قد أعطوا عهدا بالأمان جاء في الحديث الصحيح قوله صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (
مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا ) *أخرجه البخاري
قال بن حجر في معنى المعاهد ( وَالْمُرَاد بِهِ مَنْ لَهُ عَهْد مَعَ الْمُسْلِمِينَ سَوَاء كَانَ بِعَقْدِ جِزْيَة أَوْ هُدْنَة مِنْ سُلْطَان أَوْ أَمَان مِنْ مُسْلِم ..) انتهى كلامه رحمه الله .
والمسلم يدرك قول المصطفى عليه السلام : (
إيّاكم والغُلوّ، فإنّما أهلك من كان قبلكم الغلوّ )
وقوله صلى الله عليه وسلم : (ه
لك المتنطِّعون، هلك المتنطِّعون، هلك المتنطِّعون )
والمسلم يتأسى بصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم : فقد جاء في وصايا أبو بكر الصديق رضي الله عنه لأحد قواده وهو يودعه متوجها إلى قتال الكفار .. قوله (
وَإِنِّي مُوصِيكَ بِعَشْرٍ لَا تَقْتُلَنَّ امْرَأَةً وَلا صَبِيًّا وَلَا كَبِيرًا هَرِمًا وَلَا تَقْطَعَنَّ شَجَرًا مُثْمِرًا ، وَلا تُخَرِّبَنَّ عَامِرًا وَلا تَعْقِرَنَّ شَاةً وَلا بَعِيرًا إِلَّا لِمَأْكَلَةٍ وَلا تَحْرِقَنَّ نَحْلا وَلا تُغَرِّقَنَّهُ وَلا تَغْلُلْ وَلَا تَجْبُن )
وفيما سبق نخلص إلى أن المسلم يعلم أنه لا يجوز له أذية الناس بشكل عام ولا إرهابهم إلا من حارب الله ورسوله كل حسب محاربته..
أيها المسلمون : في الوقت الذي نرى أن أغلب المسلمين هم من أبعد أهل الأرض قاطبة عن الغلو والتطرف والإرهاب وأذية الغير فإنهم أول من اكتوى بنار الإرهاب والعدوان والظلم فاليهود لم يرحموا الشجر أو الحجر فالمزارع أُتلفت والمنازل هُدمت فضلاً عن الآدميين كباراً وصغاراً رجالاً ونساء وهذا ليس خافٍ عن أعينكم أو أسماعكم
والمسلمون في البوسنة والهرسك حصلت لهم إبادة والمقابر الجماعية خير دليل على ذلك هي المقابر الجماعية .
والمسلمون في الشيشان تعرضوا للقهر والظلم والقتل والإرهاب والإبادة ذنبهم أنهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله .
والمسلمون في كشمير لم يذوقوا طعم الراحة والاستقرار
والمسلمون في الفلبين يُطاردون ويُقتَلون ويؤذون بسبب إسلامهم
والمسلمون في أفغانستان والعراق خسروا الأرواح والممتلكات فما تعرضوا له فإن كلمة الإرهاب والعدوان في حقهم قليلة فهم لا يأمنون على أرواحهم ولا على نسائهم ولا على ممتلكاتهم .
عباد الله : مما سبق يتضح لكل ذي لب وكل ذي بصيرة أن أول من اكتوى بنار الإرهاب هم المسلمون .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : (
وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (البقرة:217)
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي محمد ، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية
الحمدُ لله، الذي شرفنا وأعزنا واصطفانا بالإسلام وجعلنا من أمة خير الأنام ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبد الله ورسوله ، صلى الله وسلّم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، والتقرّبُ إليه بحبّهم عقيدة وعبادة وإكرام، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد :
عباد الله : لقد اكتوت بلادنا بلاد الحرمين الشريفين المملكة العربية السعودية بنار العدوان والإرهاب ومرجع ذلك إلى فئتين :
الفئة الأولى من الخارج فلأن هذه الدولة المباركة هي دولة التوحيد والعقيدة الصحيحة لم يقر لأعداء الإسلام قرار وهم يرونها تجمع بين التوحيد والأمان فبدأت مخططاتهم و بذلوا الأموال والجهود وأعدوا العدة والجنود ووجهوا سهام مزاعمهم وافتراءاتهم وأكاذيبهم على أماكن الإصلاح وأهل الصلاح حتى يشوهوا صورة الإسلام .
أما الفئة الأخرى فهم فئة من الضالين المنحرفين من أبناء هذه البلاد وهم قد غُرر بهم في الخارج فوقعوا في شباك الخديعة وأقدموا على أعمالهم الشنيعة ولكن بفضل من الله ثم بحكمة ولاة الأمر في هذه البلاد المباركة وجنودها البواسل وجهود العلماء وتكاتف الشعب لم تفلح جهود الفئة الأولى ولا الفئة الثانية ورد الله كيدهم في نحورهم
عباد الله : أما واجبنا نحن في مثل هذه الفترة العصيبة أن نعود إلى الله لأن ما نحن فيه في هذه الأيام هو من الابتلاء و الابتلاء سنة من سنن الله في هذه الحياة، فدار الدنيا دار بلاء،
وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْء مّنَ ٱلْخَوفْ وَٱلْجُوعِ وَنَقْصٍ مّنَ ٱلأمَوَالِ وَالأنفُسِ وَٱلثَّمَرٰتِ وَبَشّرِ ٱلصَّـٰبِرِينَ [البقرة:155]. وهذا الابتلاء ميدان تظهر فيه مكنونات النفوس، ومخفيات الصدور،
لِيَمِيزَ ٱللَّهُ ٱلْخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيّبِ [الأنفال:37]،
وَلِيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ نَافَقُواْ [آل عمران:167]. والمؤمن الصادق شاكر في السراء، ثابت في الضراء.
بسم الله الرحمن الرحيم:
الـم أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتْرَكُواْ أَن يَقُولُواْ ءامَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَلَيَعْلَمَنَّ ٱلْكَـٰذِبِينَ [العنكبوت:1-3]،
وَبَلَوْنَـٰهُمْ بِٱلْحَسَنَـٰتِ وَٱلسَّيّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الأعراف:168].
في حكمة الابتلاء تستيقظ النفوس، وترقّ القلوب، وتصدق المحاسبة، وفي ساعات الابتلاء يتجلى الثبات في الشديد من اللحظات، وسط صرخات اليائسين، وتبرُّم الشاكِّين، وقلق الشاكين،
فَلَمَّا تَرَاءا ٱلْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَـٰبُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِىَ رَبّى سَيَهْدِينِ [الشعراء:61، 62].
وإن الاستقامة على الحق، وملازمة العمل الصالح، من أعظم أسباب الثبات في الأزمات والملمات،
وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً وَإِذاً لآتَيْنَـٰهُمْ مّن لَّدُنَّـا أَجْراً عَظِيماً وَلَهَدَيْنَـٰهُمْ صِرٰطاً مُّسْتَقِيماً [النساء:66-68].
ولا تطمئنَّ إلى ثبات من الكسالى والقاعدين إذا أطلت الفتن برأسها، وادلهمّت الخطوب بويلاتها،
يُثَبّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ بِٱلْقَوْلِ ٱلثَّابِتِ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَفِى ٱلآخِرَةِ وَيُضِلُّ ٱللَّهُ ٱلظَّـٰلِمِينَ وَيَفْعَلُ ٱللَّهُ مَا يَشَاء [إبراهيم:27].
ألا فاتقوا الله يا أيها الناس جميعاً،
وَأَقِيمُواْ ٱلْوَزْنَ بِٱلْقِسْطِ وَلاَ تُخْسِرُواْ ٱلْمِيزَانَ [الرحمن:9].
ثم صلوا ـ أيها المؤمنون ـ وسلموا على نبيكم المبعوث رحمة وهدى للعالمين، فقد أمركم بذلك ربكم...
وأخر دعوانا الحمد لله رب العالمين