بسم الله الرحمن الرحيم
بعـض أحكام الحـجالحمد لله القائل ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِي يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ﴾ [البقرة:197] والصلاة والسلام على عبده ورسوله القائل: (من حج لله، فلم يرفث ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه)( ) أما بعد:
عباد الله:
نظرا لحلول موسم الحج فسنتوقف في هذه الخطبة لبيان بعض أحكام الحج.
عباد الله:
وقف الخليل إبراهيم؛ على ربوع مكة ورفع صورته بالنداء بالحج استجابة لأمر الله تعالى حيث قال: ﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ *لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ * ثُمَّ لِيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الحج:27،29] وما زال نداء الخليل إبراهيم الخليل يتردد كل عام وستجيب له آلاف الناس من كل فج عميق،وما زال الأنبياء من ولده يحجون البيت استجابة لهذا النداء الشريف،وهاهو رسول الله ص ينبه الأمة على وجوب الحج فيقول: (أيها الناس! قد فرض الله عليكم الحج فحجوا) رواه البخاري، وقال أيضا: بني الإسلام على خمس - وذكر منها - وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا).
وانعقد الإجماع على وجوب الحج على المستطيع.
وقد شرع الحج في العام التاسع للهجرة على الصحيح من أقوال أهل العلم.
والعمرة واجبة على الصحيح من أقوال أهل العلم قال ص للمرأة التي سألته هل أحج عن أبي قال: {حج عن أبيك واعتمري} وقال لعائشة - رضي الله عنها – {عليهن ــ أي النساء ــ جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة}( ).
وأما السبيل فهو الزاد والراحلة لما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في تفسير الآية ((ولله على الناس حج البيت)) قال: ((الزاد والرحلة)) أخرجه الحاكم وغيره، وتدخل في الاستطاعة الـقدرة البدنية فمن كان مريض مرضا لا يرجى علاجه فهو ليس بمستطيع،ويجوز له أن ينيب غيره، أما من كان مستطيع بجسده ومنعه الفقر أو غيره من الموانع فلا يجوز له أن ينيب من يحج أو يعتمر بدلاً منه.
والحج والعمرة واجبان على الفور فقد قال تعالى: ((وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)) وقال أيضا: ((سارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة)) وقال ص: ((تعجلوا الحج - يعني الفريضة - فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له)) رواه أحمد بسند حسن وحسنه الألباني. وعن عمر بن الخطاب ا قال: (لقد هممت أن أبعث رجالاً إلى هذه الأمصار فينظروا كل من له جدة ولم يحج فيضربوا عليهم الجزية ما هم بمسلمين ما هم بمسلمين). وقال أيضاً: (من ملك زادا وراحلة تبلغه إلى بيت الله، ولم يحج، فليمت إن شاء الله يهوديا. وإن شاء نصرانيا).
وعن علي بن أبي طالب ا قال: (من ملك زاداً وراحلة تبلغه إلى بيت الله ولم يحج فلا عليه أن يموت يهودياً أونصرانياً وذلك أن الله قال: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}.
والحج واجب على كل مسلم بالغ عاقل حر مستطيع ويزداد على المرأة المحرم سواء بالنسب. أوبالمصاهرة. أوبسبب مباح كالرضاعة.والمرأة التي لا تجد المحرم لا يجوز لها أن تذهب للحج ولو كانت غنية فإن فعلت أثمت على ذلك وحجها صحيح.
عباد الله:
يجب على من بلغ الميقات وأراد الحج أو العمرة أن يحرم من الميقات ولا يتجاوزه بلا إحرام، فإن تجاوزه فعليه دم. ومن لم يمر بميقات أحرم إن حاذاه كمن ذهب بطائرة أو باخرة يحرم إن حاذى الميقات. ومن مر بمبقاتين يحرم من أيهما شاء.
أما من أراد دخول مكة لغير الحج أو العمرة فلا يجب عليه الإحرام.
عباد الله:
الإحرام هو: نية الدخول في النسك ويعرّفه بعضهم بنية ترك المحظورات. فمن نوى الحج ينوى ثم يهل فيقول: لبيك اللهم حجاً إن أراد الإفراد،أو حجاً وعمرة إن أراد القران،أو حجا متمتع به إلى العمرة إن أراد التمتع. فإن اشترط فلا بأس، ولا يجب، فيقول: فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني، وفائدة الاشتراط أن من اشترط ثم حبس فليس عليه حلق أو هدي أما من لم يشترط فعليه الهدي والحلق قال تعالى: ((فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ)).
عباد الله:
اختلف أهل العلم في أي الأنساك أفضل وتوسط شيخ الإسلام ابن تيمية / فقال: التحقيق أنه يختلف الأفضل في الأنساك يتنوع باختلاف حال الحاج فإن كان يسافر سفرة للعمرة، وللحج سفرة أخرى أو يسافر إلى مكة قبل أشهر الحج ويعتمر ويقيم بها حتى يحج فهذا الإفراد له أفضل باتفاق الأئمة الأربعة. أما إذا فعل ما يفعله غالب الناس وهو أن يجمع بين العمرة والحج في سفرة واحدة ويقدم مكة في أشهر الحج، فهذا إن ساق الهدي فالقران أفضل له وإن لم يسق الهدي فالتحلل من إحرامه بعمرة أفضل.
وأعمال الحج هي: 1. الإحرام بالحج في اليوم الثامن من مكانه.
2. الوقوف بعرفة ولو لدقائق، ويصح الوقوف صباحا أومساءا والأفضل الجمع بين الصبح والمساء والبقاء هناك يدعو الله ويرجوه ثوابه.
3. المبيت في مزدلفة ويدفع بعد الفجر إذا أسفر جداً فإن كان ضعيفاً أو معه ضعفاء دفع بعد نصف الليل.
4. فإن جاء منى رمى الجمرة الكبرى بسبع حصيات مثل حبة الحمصّ ويجب أن تكون من الحصى أما الإسفلت أو الأسمنت أو غيرها من المصنوعات فلا يجزئ، ولا يشرع غسل الحصى أوتطيبه، والشيطان لا يشعر بالضرب، ويجوز أخذ الحصى القريب الذي بجانب الحوض،ولكن لا يأخذ من داخل الحوض.
5. ويحلق أو يقصر والتحليق أفضل.
6. ثم يطوف الإفاضة ويسعى فإن انتهى فقد حل له كل شيء.
7. ويرمى كل يوم بعد الزوال على الترتيب الصغرى ثم الوسطى ثم الكبرى فإن لم يرتب أعاد مرة أخرى،ومن رمى عن غيره رمى عن نفسه ثم عن من وكله الصغرى مرتين ثم الوسطى مرتين ثم الكبرى مرتين.
8. ويجب المبيت في منى أكثر الليل فإن لم يجد في منى مكانا فلا يلزمه المبيت.
ويجب على من حج أن يطوف بالبيت طواف الوداع وتتركه الحائض والنفساء والمريض لما صح في البخاري وغيره أن النبي ع رخص للحائض.
الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على خير المرسلين محمد ص أما بعد:
عباد الله:
على الحاج لبيت الله تعالى أن يراعي أمورا منها:
1. أن الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة، فحافظ يا عباد الله على حجك واصبر على من آذاك وإياك أو تؤذي مسلما.
2. على الحاج عدم مزاحمة الناس والتضييق عليهم بحجة فعل سنة من السنن.
3. على الحاج الامتناع عن المعاصي والذنوب كالسب والشتم والغيبة والكذب وشرب الدخان وحلق اللحى ونحوها.
4. على الحاج التقليل من الكلام وترك الخصام.
5. على الحاج كثرة الدعاء؛خاصة في يوم عرفة يوم أن ينزل الرب فيباهى بعباده المؤمنين.
6. على الحاج رفع صوته بالتهليل: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك. من وقت احرامه وحتى يرى جمرة العقبة الكبرى.
7. على الحاج أن يكثر من التكبير في كل وقت الله أكبر الله الله أكبر لا إله إلا الله الله أكبر الله أكبر ولله الحمد. أما في أيام التشريق فيقال التكبير بعد الصلوات فقط
8. وعلى الحاج المبادرة بالتوبة لله تعالى من كل
الذنوب والمعاصي.