مكتبة الخطب
الخطب المكتوبة
ملخص الخطبة
أثر الإسلام في توحيد الأمة وإنقاذها من مهاوي الرذيلة إلى العزة والكرامة - الشريعة هي المنهج الذي يصون الإنسان من الزيغ والشر - منبع الشريعة الكتاب والسنة وفيهما أصول الشريعة وقواعدها في العقائد والأخلاق والحلال والحرام - السنة مُفسِرة للقرآن دالة عليه مبينة له - الإسلام عقيدة وشريعة , تهيمن على الحياة في جميع أشكالها - من لوازم الإيمان الإقرار بحق التشريع لله وحده - صد المنافقين والكافرين الأمة عن التحاكم لشريعة الله - حقيقة الإيمان , وارتباطها بالخضوع والرضا بحكم الله
-------------------------
الخطبة الأولى
أما بعد:
فاتقوا الله أيها المؤمنون. فبتقوى الله تزكو الأعمال، وتنال الدرجات، وارغبوا فيما عنده. فبيده الخير وهو على كل شيء قدير. اتبعوا ما أنزل إليكم ولا تتبعوا من دونه أولياء.
أيها المؤمنون : من حق هذه الأمة أمة الإسلام - خير أمة أخرجت للناس - أن تفخر بدينها، وتعتز بتشريعها، حيث توحدت به الصفوف، والتقت به القلوب. أنقذها من مهاوي الرذيلة إلى مشارف الفضيلة ونقلها من الذل والاستعباد إلى العزة والكرامة وصحيح الحرية، دين الأمن والأمان، وشريعة العدل والرحمة. دين أكمله الله فلن ينقص أبدا، ورضيه فلن يسخط عليه أبداً: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً [المائدة:3].
عباد الله: شريعة الله هي المنهج الحق الذي يصون الإنسانية من الزيغ، ويجنبها مزالق الشر ونوازع الهوى.شفاء الصدور، وحياة النفوس، ومعين العقول. يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون [يونس:57-58].
منبع الشريعة ومصدرها كتاب الله تبارك وتعالى وسنة نبيه محمد .
كتاب الله أساس الدين ومصدر التشريع، رحمة الله على العالمين، حوى أصول الشريعة وقواعدها في عقائدها وأخلاقها وحلالها وحرامها، يضيء للأئمة مسالك الاستنباط في معرفة أحكام الحوادث والمستجدات في كل زمان ومكان.
((فليست تنزل بأحد من أهل دين الله نازلة إلا في كتاب الله الدليل على سبيل الهدى فيها)) كما قال الإمام الشافعي رحمه الله.
ويقول الشاطبي: ((الكتاب كل الشريعة، وعمدة الملة ،وينبوع الحكمة، وآية الرسالة، ونور البصائر والأبصار. لا طريق إلى الله سواه ولا نجاة إلا لمن استضاء بهداه)). اهـ .
يفتح مغاليق القلوب وتستنير به الأفئدة.
كتاب الله الحكيم، فيه نبأ من قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، وهو حبل الله المتين، ونوره المبين، والذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، من قال به صدق، ومن حكم به عدل، ومن عمل به أجر، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم.
أما سنة المصطفى في أقواله وأفعاله وتقريراته فهي المفسرة للقرآن الدالة عليه، والمبينة لمجمله والمفصلة لأحكامه، فرض اتباعها، وحرام مخالفتها: من يطع الرسول فقد أطاع الله [النساء:80]. وما ءاتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا [الحشر:7]. فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم [النور:63].
أيها المؤمنون: الإسلام عقيدة وشريعة. إيمان بالله وتوحيد له في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته - إيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره - عبودية تامة، وخضوع مطلق. رضى بدين الله، وتصديق برسول الله من غير شك ولا ريب ولا حرج.
التزامه في المنهج والعمل. في التعامل والقضاء. في الحكم والإدارة. في الأفراد والجماعات.
إن الإسلام حياة تعبدية. تجعل المسلم موصول القلب بربه، يبتغي رضوانه في شئونه كلها.
نظام خلقي يقوم على إشاعة الفضيلة واستئصال الرذيلة، نظام سياسي أساسه إقامة العدل، وتثبيت دعائم الحق، نظام اجتماعي نواته الأسرة الصالحة وعماده التكافل بين أبناء المجتمع. دين عمل وإنتاج. منهج كامل متكامل لكافة أنماط النشاط البشري على نور من الله. ابتغاء مرضاة الله.
ومن هنا - أمة الإسلام - فإن هذا الدين بأصوله ومبادئه وفّى ويفي بحاجات البشرية في كل عصر ومصر. انتشر في أنحاء الدنيا، ودخل تحت سلطانه أجناس البشر، فوسع بمبادئه وقواعده كل ما امتد إليه نفوذه من أصقاع المعمورة. عالج كافة المشكلات على اختلاف البيئات. وما عجز في يوم من الأيام عن أن يقدم لكل سؤال جوابا، ولكل واقعة فتوى، ولكل قضية حكما. ومدونات الفقه والفتاوى برهان للمتشككين.
وكيف يكون ذلك والشريعة - كما قال الحافظ ابن القيم رحمه الله: ((مبناها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، عدل كلها، رحمة كلها، ومصالح كلها. فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث فليست من الشريعة))، لقد كانت هذه الشريعة أساس الحكم والقضاء والفُتيا في العالم الإسلامي كله أكثر من ثلاثة عشر قرنا، انضوى تحت لوائها أعراق شتى، وامتزجت بها بيئات متعددة، فما ضاقت ذرعا بجديد، ولا قعدت عن الوفاء بمطلوب.
ولماذا نرجع إلى الماضي، وبين أيدينا - ولله الحمد والمنة حجة قائمة، وبرهان ظاهر، فهذه بلاد الحرمين الشريفين المملكة العربية السعودية قائمة على كتاب الله وسنة رسول الله ، محكمة شرع الله. قادتها وحكومتها وأهلها ومجتمعها يعيشون في ظلال الشريعة، ونور الكتاب والسنة في أمن وطمأنينة، وخير ونعمة، ملء القلوب الرضى، وما يرجى من الله خير وأبقى ،أدام الله علينا نعمه، وزادنا إيمانا وتوفيقا ورضى وتسليما.
أيها الإخوة في الله: إن من مقتضيات الإيمان الإقرار بحق التشريع لله وحده، فالحكم لله وحده إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه [يوسف:40].
والتولي والإعراض عن تحكيم شرع الله، من مسالك المنافقين والظالمين وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله بل أولئك هم الظالمون [ النور:48-50].
ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم ءامنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيداً [ النساء:60].
أمة الإسلام: على الرغم من هذا الوضوح والجلاء.. إلا أن أعداء الإسلام أبوا إلا وضع العراقيل، وتلفيق التهم، والاختلاق الفكري الذي يجعل من بعض المسلمين - حتى المثقفين يستحيون أو يشمئزون من ذكر بعض شرائع الإسلام، كالحدود والقصاص والحجاب، وكأنهم لا يرون مانعا أن تكون ديار الإسلام ميدانا فسيحا تنمو فيه الدنايا وسفاسف الأخلاق، وموطنا رحبا يجد فيه المجرمون والمتوحشون فرصا للاعتداء والاغتيال. بل إنك ترى في بعض من يخوض فيها ويلوك.. أناسا لا يعرفون الطريق إلى المساجد، أو لا يتورعون عن الموبقات والمزالق، فتراهم يسرون أو يعلنون: إن تحريم الخمر والزنا وقطع دابر اللصوص والمفسدين... تشدد وهمجية. أما سمعوا قول الله في المنافقين: ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم [محمد:9]. وقوله سبحانه: ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم [محمد:28].
أيها الإخوة في الله: ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني، وليس الإسلام مجرد الانتساب الاسمي، ولكنه ما استيقنه القلب وصدقه العمل.
ومن هنا فحين يصدق المسلمون ويخلصون لدينهم، فيجعلون كتاب الله وسنة نبيه محمد أساس الحكم، وتبنى عليهما مناهج التربية والتوجيه.. حينئذ يتحقق الوعد ويتأكد التمكين وينزل النصر.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيراً من الناس لفاسقون أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون [المائدة:49-50].
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه وسنة نبيه محمد .
-------------------------
الخطبة الثانيةالحمد لله شرح صدور المؤمنين فانقادوا لطاعته، وحبب إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم.. فلم يجدوا حرجا في الاحتكام إلى شريعته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
أيها المؤمنون: إن حقيقة الإيمان: هي الرضا بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد نبيا ورسولا، ومن ثم الخضوع والطاعة والانقياد والتسليم.
أما الحرج في الصدور والريب في القلوب والاستسلام للهوى ورغبات النفوس، فهو من مظاهر النفاق فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً [النساء:65]. إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون [النور:51-52].
فاتقوا الله وأطيعوه واعملوا بشرعه يرتفع الشأن، ويعز السلطان، ويندحر العدو.
(1/10)