أدعياء عمل المرأة
مكتبة الخطب
الخطب المكتوبة
جديد
الخطبة الأولى
الحمد لله جلت قدرته وعظمت حكمته، أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له كملت نعمته ووسعت كل شيء رحمته، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المحمودة سيرته، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم اللقاء في أعلى جنته.
أما بعد فيا عباد الله:
المرأة في هذا الزمن وفي كل زمن بل منذ خلقت وهي سلاح ذو حدين، إن صلحت فهي مصنع للرجال وأم للأبطال، وإن فسدت فهي سبب للضلال ومفسدة للأجيال، ويكفي في ذلك حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم حين قال:" اتقوا الدنيا، واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء. أخرجه مسلم.
أيها المسلمون: لما أدرك أعداء الإسلام والمسلمين مكانة المرأة في المجتمع، ودورها العظيم في صنع الرجال، وتأثيرها الكبير على الأمم، سعوا في تغريبها وتبرجها وإفسادها تارة باسم تحرير المرأة، وتارة باسم الحرية والمساواة، وتارة باسم الرقي والتقدم، مصلحات ظاهرها الخير والرحمة وباطنها شر يهدف إلى قلب القيم، والتخلص من كل الضوابط والأخلاق والآداب.
لقد أيقن الأعداء أنهم متى ما نجحوا في إفساد المرأة هان عليهم السيطرة على المسلمين والقضاء عليهم.
قال أحد الصليبيين الحاقدين: لن تستقيم حالة الشرق مالم يرفع الحجاب عن وجه المرأة ويغطى به القرآن.
وقال آخر على شاكلته: على النصارى أن لا يقنطوا؛ إذ من المحقق أن المسلمين قد نما في قلوبهم الميل الشديد إلى علوم الأوربيين، وإلى تحرير نسائهم.
أما ثالثة الأثافي من أصحابهم فيقول: إن التأثير الغربي الذي يظهر في كل المجالات، ويقلب المجتمع الإسلامي رأساً على عقب لا يبدو في جلاء أفضل مما يبدو في تحرير المرأة .
عباد الله: ولتحقيق أعداء الإسلام أهدافهم سخروا أجهزة الإعلام بجميع أنواعها من مسموع ومقروء ومشاهد، سخروها لتصوير المرأة في أجمل مفاتنها، فتارة عارية، وتارة راقصة، وتارة مغنية، وبذلوا في ذلك جهوداً كبيرة، ولم يقف كيدهم عند هذا بل تعدى إلى أكثر من ذلك، فهاهي أغلفة بعض الأواني المنزلية لا تخلوا من صور النساء الفاتنات، بل أغلفة بعض الأدوية والمأكولات تتنوع فيها صور النساء أشكالاً وألواناً.
أيها المسلمون: دارت عجلة التغريب وتحرير المرأة في كثير من البلاد الإسلامية فخرجت المرأة من بيتها إلى مجتمعات الرجال، نزعت حجابها وألفت التبرج والسفور، تركت حيائها وعفتها ومضت إلى دور الخنا والفساد، فاعتلت المسارح أمام الرجال، وتعرت في دور السينما والأزياء، وزينت بصورها أغلفة المجلات والدوريات محتذية في ذلك بالمرأة الغربية التي صورها الإعلام.
عباد الله: لم تتوقف عجلة التغريب والتحرير فوصلت وللأسف إلى بلادنا، فرأينا تغيرا ملحوظا في بيوت المسلمين يتجلى في مظاهر عدة وأخلاق بديلة لم نكن نعرفها قبل هذا الغزو الفكري والإعلامي :
أو ليس الاختلاط أصبح أمراً واقعاً في كثير من المستشفيات والمراكز الصحية وكليات تعليم الطب والصيدلة ؟ ألم يصل الاختلاط إلى بعض البنوك والشركات والمؤسسات التجارية؟ أليس من نسائنا من تمردن على الفطرة وخلعن جلباب الحياء فنافسن الرجال في قيادة الطائرات وسباق الفروسية والظهور مع علية القوم متبرجات؟ أليس من بناتنا من خرجت وسافرت خارج بلادها للدراسة بلا محرم؟
فهل هذه أخلاق نسائنا ؟ وهل كان هذا في مجتمعنا في أزمان ماضية؟
ما كنت أحسبني أعيش لكي أرى * بنت الجزيرة بالمبادئ تسخر
جهلت بأنا أمة محكومة بالدين * يحرسها الإله وينصر
جهلت بأنا أهل دين ثابت * في ظله لا يستحل المنكر
أختاه يا بنت الجزيرة هكذا * وخنادق الباغين حولك تحفر
قد تهدم السد المشيد فأرة * ولقد يحطم أمة متهور
أخشى على الأخلاق كسراً بالغاً * إن المبادئ كسرها لا يجبر
عباد الله : إن هذا الواقع المشين لبعض نساء المسلمين لم تبلغه المرأة دفعة واحدة، ولم تجر إليه بين عشية وضحاها، وإن خط الانحراف في إفساد المرأة عموماً والمرأة المسلمة خصوصاً لا يأتي جملة واحدة، فالحجاب مثلاً لا ينزع في البداية بأكمله، وإنما يكتفى بكشف الوجه ثم يتدرج إلى كشف شيء من الشعر ثم الذراعين وهكذا حتى يصل المخطط نهايته، والاختلاط لا ينبغي أن يصادم به المجتمع في الجامعات أو حتى في الثانويات وما دونها، وإنما يطرح الاختلاط في الصفوف الدنيا لتستمرأه النفوس وتخف النفرة من كلمة الاختلاط، فينتقل المخطط بعد حين إلى مرحلة أخرى.
وأما مزاحمة المرأة للرجال في العمل واختلاطها بهم في كثير من المجالات والأعمال، فتبدأ بافتتاح مجالات واسعة لتعليم الفتاة في غير مجالها الذي يناسبها، والتضييق على المجالات التي تلائمها، ثم بعد ذلك حثها وحث وليها على المطالبة بتوظيفها، فتطرح وظائف محدودة للنساء، حتى إذا امتلأت الأماكن الخاصة بالنساء وبقيت طوابير أخرى لم تتح لها الوظائف، كانت الخطوة الجريئة بعد ذلك، بتوظيف المرأة بوظائف خاصة بالرجال، والرجل أحوج ما يكون إليها، وربما كانت مع الرجل في مكتب واحد أو بينها حجاب خفيف في البداية سرعان ما يخترق وتزال الحجب، فتنبهوا عباد الله للخطر واستفيدوا من حصاد تجربة الآخرين، والسعيد من اتعظ بغيره.
أيها المسلمون: إن الأدهى والأمر أن يكون من أبناء المسلمين أو من المحسوبين على الإسلام من قد تأثر بأفكار أولئك الأعداء فحذا حذوهم، وتكلم بلسانهم، فلا حسن إلا ما رأوه حسنا، ولا قبيح إلا ما رأوه قبيحاً.
لقد استغل بعض أعدائنا من بني جلدتنا قضية المرأة في بث شبههم وشهواتهم، فتارة يظهرون بمظهر الناصحين من خلال أقوالهم وكتاباتهم، وتارة يبثون شبههم على أنهم يطلبون الحق في الإجابة عنها، وإذا سنحت لهم فرصة كشروا عن أنيابهم وكشفوا عن قناعهم وجاهروا بخبث مقصدهم ومرادهم، وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال.
لقد شوه أولئك المنحرفون صورة الحجاب، وحاربوا التعدد بحجة أنه ظلم وإجهاض لحق المرأة، طالبوا بالتحرر من القوامة الشرعية لأن فيها كبتاً لحرية المرأة، ونادوا بالمساواة بين الجنسين زعماً منهم أن فيها إنصافاً وعدلا بين الرجل والمرأة، وإذا كان الحديث عن البطالة تباكى هؤلاء الموتورون على بطالة المرأة وتناسوا بطالة الرجل، وهم في قرارة أنفسهم يعلمون ويعلم غيرهم أن توظيف رجل واحد يكفي إعالة أسرة بأكملها.
عباد الله: إن أمر أولئك النتنى خطر جسيم على المجتمع أفراداً وجماعات، ولئن كان الجاهليون يئدون النساء، فهؤلاء يئدون الحياء والحشمة والعفة والكرامة.
عجباً والله من شأنهم! أهل الغرب والشرق أدرى الناس ببلادهم ونسائهم وحضارتهم، يرفعون أصواتهم كل يوم وحين محذرين ومرهبين، ودعاة تحرير المرأة في بلاد المسلمين يسوقون أمهمم إلى مراتع الرذيلة والفحشاء.
ياللعجب منهم! أليس لهم قلوب؟ أليس لهم أعين؟ أليس لهم آذان فيتعظوا ويعتبروا بما حل في أمم الشرق والغرب من الفوضى الأخلاقية واسترخاص القيم والأعراض؟ ألم يروا ويسمعوا بتلك المجتمعات التي تئن وتحتضر من وطأة الرذيلة والضياع، ولكن " لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون " (الأعراف: 179).
أيها المسلمون: إن الخطأ خطأ ولو كثر الواقعون فيه، وإن المنكر لا ينقلب معروفاً بمجرد انتشاره، وهكذا الباطل يبقى باطلاً ولو زينه المزورون بزخرف القول وروجوه بالدعاية، وإن انتشار الباطل وانتشاء أهله، وغربة الحق وضعف حملته لا يسوغ السكوت والتخاذل، وإلا لغرق المجتمع كلَّه في حمأة الباطل وطوفان الرذيلة.
عباد الله: إن السعي إلى تحرير المرأة في بلادنا أو الدعوة إلى ذلك، أو الرضا أو السكوت عليه، هو سعي لجر الأمة إلى السقوط والانهيار حينما تخسر أعظم مقوماتها وهي الدين والأخلاق والمثل، ولئن سكتنا ورضينا فسنجد أنفسنا يوماً ما في الدرك الذي سقط فيه غيرنا، غارقين في الوحل الذي غرق فيه من حولنا، فاحذروا البدايات المضلة فهي موصلة للنهايات المؤلمة.
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت * فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
وأبلغ من ذلك قوله تعالى: " وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرنها تدميرا " (الإسراء:16).
أيها المسلمون: إذا كان أعداء الحجاب والحشمة والحياء يستميتون في إفساد مجتمعنا ونسائنا وبيوتنا، فلزاماً علينا أن نستميت في الدفاع عن ديننا ورد كيدهم ومكرهم وفجورهم، وذلك من نصر دين الله تعالى: " يأيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدمكم " (محمد:7)
وإن من نصر دين الله: رد الباطل وكشف عواره، وأن تطرح قضية المرأة وغيرها من القضايا الهامة في المجالس العامة والخاصة، وبخاصة عندما يقدم أولئك النشاز على خطوة جديدة تحقق مآربهم وأهدافهم، فبطرح هذه القضية وما شاكلها وبرد الباطل وفضحه يتنبه الجاهل، ويتفطن الغافل لما يحاك لنسائه وبناته.
عباد الله: يجبُ أن نعلمَ أنَّ هذه الحربَ المبطنةَ والظاهرةَ على المرأةِ في بلادنا لن تُحَقِّقَ أهدافَها وتنالَ مرادَها إلا حينَ نغفلُ عن بيوتِنا وأهلينا، ونهملُ التواصي فيما بينَنا على الحقِّ والصبِر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولنتذكر جميعاً قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: " كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته " أخرجه الشيخان.
أيها المسلمون: إنه لا مفر في سبيل مدافعة عدوان الأعداء من توعية نسائنا وبناتنا بما يراد بهن من مكر وكيد من قبل الأعداء، وإيضاح حقيقة هذه الدعوات التي تستهدف المرأة المسلمة لإخراجها وإفسادها وإهلاكها، وإذا لم نحصن نساءنا علمياً وعملياً وعقلياً وخلقياً، ولم نجعلْ ذلكَ من أوَّل مهامِنا فإن دعاة التغريب والإفساد ينتظرون غفلةً منا وتغافلاً ليتوجسوا خلال عقلِ المرأة وقلبِها لتميل ميلاً عظيماً.
يأهل الشهامة والمروءة: أخاطب فيكم شهامتكم إلا كنتم حراساً أوفياء للفضيلة، استجيبوا لنداء ربكم " كونوا أنصار الله " واستشعروا جميعاً مسؤوليتكم – كل بحسبه – العالم بعلمه، والكاتب بقلمه، والواعظ بنصحه، وبكل الوسائل الشرعية المتاحة، مكاتبة، أو مهاتفة، أو مشافهة، وهكذا كلما تكاتفت الجهود أثمرت النتائج.
تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسراً * وإذا افترقنا تكسرت آحادا .
يأهل الإيمان: احذروا التسويف والتواكل فذلك من تلبيس إبليس، وليحرص كل منكم على أن يكون مفتاحاً للخير مغلاقاً للشر، قال صلى الله عليه وسلم: " طوبى لمن جعله الله مفتاحاً للخير ومغلاقاً للشر، وويل لمن جعله مفتاحاً للشر مغلاقاً للخير " أخرجه ابن ماجه.
اللهم أكفنا شر الأشرار وكيد الفجار يا ذا الجلال والإكرام .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...
الخطبة الثانيةالحمد لله على إحسانه، نحمده سبحانه ونشكره على فضله وإنعامه، ونشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نرجو بها النجاة يوم لقائه، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وإخوانه أما بعد
عباد الله: وفي هذه الأجواء القاتمة تلوح في الأفق بشائر العودة إلى الدين في البلاد الإسلامية؛ حتى في البلاد التي كانت منبعاً للعلمانية، أضحينا بحمد الله في زمن تتزايد فيه العودة إلى الحجاب على إثر حصاد تجربة مرة تورطت بها بعض نساء المسلمين حين خرجت واختلطت فعادت تحذر بنات جنسها وتدعو للزوم الحجاب والعفاف، عادت المرأة في تلك الديار إلى ربها مختارة طائعة رغم ما تواجهه من موجات السخرية والاستهزاء، وما يمارس عليها من إرهاب فكري وعملي، ولكنها صبرت وصابرت، لأنها ذاقت حلاوة الحق بعد أن عاشت في مرارة الباطل سنين عدداً.
أيها المسلمون: وإن من نعم الله على بلادنا هذه حشمة نسائها ولزومهن العفاف والحجاب، وقيامهن بمسؤوليتهن دون أن يتعثرن بحجابهن أو يقبلن دعاوى الماكرين والماكرات، رغم كثرة الفتن والداعين لها في كل مكان وزمان.
والله نسأل أن يحفظ بلادنا من شر كل ذي شر ومكيدة، وان يكفينا شر الحاسدين وكيد الكائدين، اللهم أحفظ نساءنا من التبرج والسفور ومشابهة أهل الفجور، اللهم من أراد بهن كيداً وفتنة فرد اللهم كيده في نحره واجعل تدبيره تدميره يا سميع الدعاء.
سبحان ربنا رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.