الخطب المكتوبه (الحمد)
الخطيب:::::::::بندر بن خلف العتيبي
أما بعد:
أيها المسلمون لنا مع الحمد وقفة:
وهو الحميد فكل حمـد واقع أو كان مفروضاً مدى الأزمـان
ملأ الوجود جميعـه ونظيره من غير ما عد و لا حسبــان
هو أهله سـبحانه وبحمـده كل المحامد وصف ذي الإحسان
هو سبحانه أهل الثناء والمجد، له الخلق والأمر، وله الملك والحمد، وله الدنيا والآخرة، وله النعمة والفضل، وله الثناء الحسن، له الملك كله، وله الحمد كله، وبيده الخير كله، شملت قدرته كل شيء ووسعت رحمته كل شيء، كل يوم هو في شأن، يرفع أقواماً ويخفض آخرين، لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، ويرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه، قال صلى الله عليه وسلم: ((أطت السماء وحق لها أن تئط، ما فيها موضع أربع أصابع إلا عليه ملك ساجد)).
((أطت السماء ويحق لها أن تئط، والذي نفس محمد بيده ما فيها موضع شبر إلا وفيه جبهة ملك ساجد يسبح الله وبحمده)) لو أن أهل سماواته وأهل أرضه وأول خلقه وأخرهم وإنسهم وجنهم كانوا على أتقى قلب رجل منهم ما زاد ذلك في ملكه شيئاً، ولو أن خلقه أولهم وآخرهم، إنسهم وجنهم كانوا على أفجر قلب رجل منهم ما نقص ذلك من ملكه شيئاً.
أخي: لو أن أشجار الأرض كلها من حين وجدت إلى أن تنقضي الدنيا أقلام والبحر وراءه سبعة أبحر تمده من بعده مداد فكتب بتلك الأقلام، وذلك المداد لفنيت الأقلام ونفد المداد ولم تنفد كلمات الخالق تبارك وتعالى: لِلَّهِ مَا فِى السَّمَـاوتِ وَلأرْضَ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِىُّ الْحَمِيدُ وَلَوْ أَنَّمَا فِى الأرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ وَلْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَـاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [لقمان:26-27].
هو الأول الذي ليس قبله شيء والآخر الذي ليس بعده شيء والظاهر الذي ليس فوقه شيء، والباطن الذي ليس دونه شيء، كل شيء هالك إلا وجهه، وكل ملك زائل إلا ملكه، لن يطاع إلا بإذنه ورحمته، ولن يعصى إلا بعلمه وحكمته، يطاع فيشكر، ويعصى فيتجاوز ويغفر، كل نقمة منه عدل، وكل نعمة منه فضل، أقرب شهيد، وأدنى حفيظ، حال دون النفوس، وأخذ بالنواصي، وسجل الآثار، وكتب الآجال فالقلوب له مفضية، والسر عنده علانية، عطاؤه كلام، وعذابه كلام إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ فَسُبْحَـانَ الَّذِى بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلّ شَىْء وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [يس:82-83].
أحق من ذكر، وأحق من عبد، وأحق من حمد، وأنصر من ابتغي، وأرأف من ملك، وأجود من سئل، وأكرم من قصد، أكبر من كل شيء، وأعظم من كل شيء، وأعز من كل شيء سبحانه وبحمده.
أنت الذي أطعمتني وسـقيتني
من غير كسب يد ولا دكــان
أنت الـذي آويتني وحبوتنـي
وهديتني من حيـرة الخـذلان
قال ابن القيم رحمه الله: "الحمد إخبار عن محاسن المحمود مع حبه وإجلاله وتعظيمه".
معنى اسم الله الحميد: قال ابن القيم رحمه الله في ذكر أسماء الألوهية والربوبية والرحمة والملك بعد الحمد: "ما يدل على إيتاء على مضمونها ومقتضاها أي أنه محمود في إلاهيته، محمود في ربوبيته، محمود في رحمانيته، محمود في ملكه، وأنه إله محمود، ورب محمود، ورحمن محمود، وملك محمود، فله بذلك جميع أقسام الكمال والجلال".
اسمع يا رعاك الله إلى هذه النصوص النبوية الواردة في الحمد: عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أحب الكلام إلى الله أربع: سبحان الله، والحمد الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، لا يضرك بأيهن بدأت ....)) [رواه مسلم].
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا مات ولد العبد، قال الله لملائكته: قبضتم ولد عبدي. فيقولون: نعم، فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده ،فيقولون: نعم، فيقول: ماذا قال عبدي، فيقولون: حمدك واسترجع، فيقول الله: ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة وسموه بيت الحمد)).
وفي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا رأى أحدكم رؤيا يحبها فإنما هي من الله، فليحمد الله عليها وليحدث بها، وإذا رأى غير ذلك مما يكره فإنما هي من الشيطان، فليستعذ بالله من شرها ولا يذكرها لأحد فإنها لا تضره)).
وفي الصحيحين عن علي رضي الله عنه قال: إن فاطمة اشتكت ما تلقى من الرحى في يدها وأتى النبي صلى الله عليه وسلم سبي، فانطلقت فلم تجده، ولقيت عائشة فأخبرتها، فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته عائشة بمجيء فاطمة إليها، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم إلينا وقد أخذنا مضاجعنا فذهبنا نقوم، فقال: النبي صلى الله عليه وسلم: ((على مكانكما ،فقعد بيننا حتى وجدت برد قدمه على صدري ثم قال: ألا أعلمكم خيراً مما سألتماه؟ إذا أخذتما مضاجعكما: أن تكبرا أربعاً وثلاثين وتسبحاه ثلاثاُ وثلاثين، وتحمداه ثلاثاً وثلاثين فهو خير لكما من خادم)) وفي صحيح مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها أو يشرب الشربة فيحمده عليها)) وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب، فإذا عطس أحدكم فحمد الله، فحق على كل مسلم سمعه أن يشمته، وأما التثاؤب فإنما هو من الشيطان، فليرد ما استطاع، فإذا قال: هاء ضحك الشيطان)) وعند مسلم في صحيحه عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((علمني كلاماً أقوله: قال: ((قل: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، سبحان الله رب العالمين، لا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم)) فهؤلاء لربي فمالي؟ قال: ((قل اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني)).
الخطبة الثانية الحمد لله الكبير المتعال الكريم المنان واسع الفضل والعطاء، الحمد لله على جزيل العطاء، مسدي النعماء وكاشف الضراء معطي السواء، الحمد لله أبداً سرمداً ولا نشرك معه أحداً تبارك فرداً صمداً، لم يتخذ صاحبة ولا ولداً، ولا شريك له ولا عضداً.
وبعد:
فعن فضالة بن عبيد الأوسي رضي الله عنه قال: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً يدعو في صلاته لم يمجد الله ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عجلت أيها المصلي)) ثم علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً يصلي فمجد الله وحمده وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ادع تجب، وسل تعط)).
وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عجبت من قضاء الله عز وجل للمؤمن، إن أصابه خير حمد ربه وشكر، وإن أصابته مصيبة حمد ربه وصبر، المؤمن من يوجد في كل شيء حتى اللقمة يدفعها إلى فيّ امرأته)). وروى البخاري في صحيحه عن رفاعة بن رافع رضي الله عنه قال: كنا يوماً نصلي وراء النبي صلى الله عليه وسلم: فلما رفع رأسه من الركعة قال: ((سمع الله لمن حمده)) قال رجل: ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، فلما انصرف قال: ((من المتكلم)) قال: أنا، قال: ((رأيت بضعة وثلاثين ملكاً يبتدرونها أيهم يكتبها أول)).
وعن أنس رضي الله عنه قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً، ورجل قائم يصلي، فلما ركع وسجد وتشهد دعا فقال في دعائه: اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم إني أسألك ..فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: تدرون بم دعا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم: قال: ((والذي نفسي بيده لقد دعا الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى)).
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لقيت إبراهيم ليلة أسري بي فقال: يا محمد أقرئ أمتك مني السلام: وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة عذبة الماء وأنها قيعان وأن غراسها: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر)).
عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما أنعم الله على عبد نعمة فقال: الحمد الله، إلا كان الذي أعطاه أفضل مما أخذ)).
عن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من رأى صاحب بلاء فقال: الحمد الله الذي عافاني مما ابتلاك به وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلاً، إلا عوفي من ذلك البلاء كائناً ما كان ما عاش)).
عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى ما يحب قال: ((الحمد الله الذي بنعمته تتم الصالحات، وإذا رأى ما يكره قال: الحمد الله على كل حال)).
قال حسان بن ثابت رضي الله عنه:
أغـر عليـه من النبوة خاتـم من الله مشـهود يلوح ويشـهد
وضم الإله اسم النبي إلى اسمه إذا قال في الخمس المؤذن أشهد
وشق له من اسمه ليجلـــه فذو العرش محمود وهذا محمد
وكان الحسن البصري رحمه الله إذا ابتدأ كلامه يقول: الحمد الله اللهم ربنا لك الحمد بما خلقتنا ورزقتنا وهديتنا وعلمتنا وأنقذتنا وفرجت عنا، لك الحمد بالإسلام والقرآن ولك الحمد بالأهل والمال والمعافاة، كبتّ عدونا وبسطت رزقنا وأظهرت أمننا وجمعت فرقتنا وأحسنت معافاتنا، ومن كل ماسألناك ربنا أعطيتنا، فلك الحمد على ذلك حمداً كثيراً ولك الحمد بكل نعمة أنعمت بها علينا في قديم أو حديث أو سر أو علانية أو خاصة أو عامة أو حي أو ميت، أو شاهد أو غائب، لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت.
رأى بكر بن عبد الله المزني رحمه الله تعالى حمالاً عليه حمله وهو يقول: الحمد لله، أستغفر الله، قال: فانتظرته حتى وضع ما على ظهره وقلت له: أما تحسن غير هذا؟ قال: بلى أحسن خيراً كثيراً: أقرأ كتاب الله غير أن العبد بين نعمة وذنب، فأحمد الله على نعمة السابغة وأستغفره لذنوبي فقال: الحمال أفقه من بكر.
قال الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى: من عرف نعمة الله بقلبه وحمده بلسانه لم يستقيم حتى يرى الزيادة لقوله تعالى: لَئِن شَكَرْتُمْ لازِيدَنَّكُمْ [إبراهيم:7].
قال الشافعي رحمه الله تعالى: أحب أن يقدم المرء بين يدي خطبته وكل أمر طلبه حمد الله تعالى والثناء عليه سبحانه وتعالى والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم.
قال ابن زيد رحمه الله تعالى: "إنه ليكون في المجلس الرجل الواحد يحمد الله عز وجل فيقضى لذلك المجلس حوائجهم كلهم".
والخاتمة رزقنا الله حسنها: أن الحمد من أعلى مقامات الإيمان ويوجب محبة الله عز وجل ونصرته، وفي كثرة الحمد جلب النعم المفقودة والمحافظة على الموجودة، وفيه غفران الذنوب وستر العيوب، وفي مجاورة الحمادين سعادة لمن جاورهم وجالسهم، وفي كثرة الحمد انشغال بذكر الله عز وجل عن الغيبة والنميمة وعن كل ما يسخط الله عز وجل، وفيه قوة البدن وعافيته، وهو أفضل من عتق الرقاب والصدقة بحرّ المال وكثرة الحمد تجعل العبد مطمئناً لقضاء الله بل ويوصله لمقام الرضا والحمد الذي هو من أجل الصفات التي تحلى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأوصى بها أمته.
المصدر: المنبر