شأن شهر شعبان الخطب المكتوبه
الحمد لله الذي بنعمه تتم الصالحات، وبرحمته يدخل المؤمنين الجنات، وأشكره سبحانه على جميع النعم والكرامات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له خالق الأرض والسماوات، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله الذي فضله الله على جميع المخلوقات، وأكمل الله به الدين وأظهر على يديه الآيات والمعجزات، الذي جاهد في سبيل الله حق جهاد وعبد ربه حتى الممات، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه الأئمة الهداة، ومن تمسك بسنته، ودعا الخلق إلى ملته، وعمل الصالحات.
أما بعد:
فيا أيها الناس اتقوا الله حق تقاته، وسارعوا إلى مغفرته ومرضاته حتى يدخلكم الجنات.
إخواني المسلمين: إن الله سبحانه قد فاضل بين الأشخاص والأمكنة والأزمان؛ فجعل لشهر رمضان فضلاً يخصه من دون سائر الليالي والأيام، بل جعل صيامه أحد أركان الإسلام الخمسة التي بني عليها الإسلام، وإن بلوغه للمسلم وصيامه نعمة عظيمة على أهل الإسلام، ولهذا يدعو نبينا الكريم بإبقاء الله له حتى يدرك رمضان فيقول: "اللهم بارك لنا في رجب وشعبان، وبلغنا رمضان".
ويقول في تفضيله واحداً من ثلاثة: "أليس أدرك بعدهما رمضان فصامه وصلى بعدهما كذا وكذا؟ إن بينهما أبعد مما بين المشرق والمغرب".
ويقول: "خيركم من طال عمره وحسن عمله، وشركم من طال عمره وساء علمه".
فينبغي للمسلم أن يغتنم الفرصة في الأعمال الصالحة من كل شهر فاضل، أو أيام أو ليال، ويبتعد عن الخرافات والأوهام، والبدع واتباع الطغام؛ الذين لا يفرقون بين الحلال والحرام والمشروع والممنوع، ويرغبون في البدع ويتركون السنن، ويتعلقون بالضعيف ويتركون الصحيح؛ كالذين يعظمون ليلة النصف من شبعان، أو ليلة الإسراء والمعراج، أو يوم المولد، بغير دليل ولا برهان، أو أعياد النصارى الخرافية التي ما أنزل الله بها من سلطان.
وهكذا أمر الجاهلية لا خير فيها وتهوي بأهلها إلى النار، كما قال المصطفى عليه الصلاة والسلام: "كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار".
وما استحدث قوم بدعة إلا وتركوا سُنَّة؛ لأن البدع تطمس السنن، وتوصل أهلها إلى الارتباك والاختلاط، كما قال الله تعالى: (بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ) [قّ: 5]، أي مختلط ملتبس.
وقال سبحانه: (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ) [الأنعام:110].
نسأل الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة.
إخواني المسلمين: بادروا إلى قضاء الديون، إن كان عليكم دين للرحمن من زكاة باقية، أو صيام من شهر رمضان الماضي، قبل أن تفوتكم الأيام وقبل (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ ) [الزمر: 56].
قالت عائشة رضي الله عنها: "كان يكون علي صوم من رمضان، فلا أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان؛ لمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مني".
وقالت أيضاً: "ما رأيت رسول الله صام شهراً كاملاً غير رمضان، وكان يصوم أكثر شعبان".
فقد يحتمل أن صيامه في شعبان كالتوطئة لشهر رمضان، أو لتعويد النفس على الصيام عند استقبال هذا الشهر الشريف، أو أنه يقضي أياماً من رمضان الماضي لأجل غزواته فلا يستطيع أن يقضيها إلا في شعبان، فإنه كثير الغزوات صلوات الله وسلامه عليه، وكثيراً ما توافق في شهر رمضان وقد قال صلى الله عليه وسلم: " لولا أن أشق على أمتي ما تخلفت عن سرية قط".
فقد كانت غزوة بدر في رمضان، وكانت غزوة فتح مكة في رمضان.
نسأل الله أن يقيم علم الجهاد في سبيل الله، وأن يقمع أهل الشرك والكفر والنفاق، وأن ينصر دينه، ويعلي كلمته، إنه على كل شيء قدير.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [آل عمران:133-134].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.