مكتبة الخطب
الخطب المكتوبة
ملخص الخطبة
1- الأسماء التي لا يجوز التسمي بها. 2- أهمية الاسم للمسمى. 3- أحب الأسماء إلى الله. 4- شروط التسمية وآدابها. 4- التحذير من الأسماء الأعجمية والدخيلة.
الخطبة الأولى
أما بعد:
فإن الله ائتمننا على هذه الذرية التي رزقنا إياها واسترعانا لها وأمرنا بالقيام بحق تلك الرعاية، وهو سائلنا عن هذه الذرية يوم القيامة هل قمنا برعايتها أم لم نقم؟ ومحاسبنا على ذلك.
وإن لهذه الذرية من أبناء وبنات حقوقاً كثيرة تحتاج إلى خطب عديدة للحديث عنها. لكننا اليوم نقف مع حق واحد من حقوق هذه الذرية، وهذا الحق هو حق التسمية. وأعني بذلك حق اختيار الاسم الحسن للمولود.
ولكن... لماذا الحديث عن هذا الأمر في خطبة جمعة؟ ولعلنا نجد الإجابة على هذا السؤال المهم في ثنايا الخطبة.
إخوتي في الله لنعلم أن الاسم عنوان المسمى ودليل عليه وضرورة للتفاهم معه ومنه وإليه، وهو للمولود زينة ووعاء، وشعار يدعى به في الآخرة والأولى وإشارة إلى الدين و إشعار بأنه من أهله، وانظر إلى من يدخل في دين الله ـ الإسلام. كيف يغير اسمه إلى اسم شرعي لأنه شعار لصاحبه. ثم هو رمز يعبر عن والده ومعيار دقيق لديانته.
ولهذا صار من يملك حق التسمية وهو الأب مأسوراً في قالب الشريعة ولسانها العربي المبين حتى لا يجني على مولوده باسم يشينه.
ومن أبرز سماته أن لا يكون في الاسم تشبه بأعداء الله، ذلك النوع من الاسماء الذي تسابق إليه بعض أهل ملتنا نتيجة اتصال المشارق بالمغارب وغفلة بعض المسلمين وجهل آخرين، وسبحان الله كم وقع في حبائل مثل هذه التسميات من أناس. إلا أنه يرثى لحالهم إذ كيف تراه متسلسلاً من أصلاب إسلامية كالسبيكة الذهبية ثم تموج به الأهواء فيصبغ مولوده بهدية أجنبية، مسمياً له بأسماء قوم غضب الله عليهم من اليهود والنصارى وغيرهم من أمم الكفر.
فعلى المسلمين عامة العناية بتسمية مواليدهم بما لا يخالف الشريعة بوجه ولا يخرج عن لغة العرب. أما تلك الأسماء الأعجمية المولدة لأمم الكفر المرفوضة لغة وشرعاً فينبغي علينا البعد عنها والتحذير منها.
وعلينا جميعاً أن نتقي الله ونلتزم بأدب الإسلام وسنة النبي صلى الله عليه وسلم وأن لا يؤذوا السمع والبصر بتلكم الأسماء المرذولة وأن لا يؤذوا أولادهم بها، فيحجبوا بذلك عنهم زينتهم من الأسماء الشرعية.
وعجيب والله أن ترى الآباء المسلمين يتهافتون على تسمية الأبناء بأسماء أعداء الله. وإذا كان الكتاب يقرأ من عنوانه فإن المولود يعرف دينه من اسمه، فكيف نميز أبناء المسلمين وفينا من يسميهم بأسماء الكافرين.
وعجيب اختيار تلك الأسماء الأعجمية والخروج عن لغة العرب ولغة القرآن وكأنها ضاقت علينا لغتنا نحن العرب لغة القرآن فلم نجد فيها ما يتسع لاسم مولود.
وقديماً قال بعضهم يهجو رجلاً اسمه خنجر: أمن عوز الأسماء سميت خنجراً. ونحن نقول للمتهافتين على تلك الأسماء:
أمن عوز الأسماء سميت فالياً وشر سمات المسلمين الكوافر
وأعجب من هذا أنك لا ترى منتشراً في الكافرين من يتسمى بالأسماء الخاصة بالمسلمين إلا أن هذه عزة الكافر وهي مرذولة، أما عزة المسلم فهي محمودة فكيف نفرط فيها.
وعليه فهذه كلمات ضابطة نهديها لكل مسلم له مولود لتدله على هدي النبوة وأنوارها وميدان العربية ولسانها في تسمية المولود وله من عاجل البشرى في ذلك أجر ومثوبة على حسن الاختيار وفضل الاقتداء بالإسلام والسنة لكي ننتشله من دائرة التبعية الماسخة والمتابعة المذلة في أدواء المشابهة والأسماء الغثة المائعة، وتلك التي قد يبدو لها بريق وجرس وهي تحمل معاني سيئة مخذولة.
وأول الأصول في تسمية المولود: أهمية الاسم. وقديماً قيل الأسماء قوالب للمعاني ودالة عليها. ومن المنتشر قولهم: "لكل مسمى من اسمه نصيب".
واعلم أخي الكريم أن للاسماء تأثيراً في المسميات من الحسن والقبح والخفة والثقل. فأحسن بارك الله فيك في اختيار اسم حسن لمولودك في لفظه ومعناه. والاسم يربط المولود بهدي الشريعة وآدابها ويكون الوليد مباركاً فيذكر اسمه بالمسمى عليه من نبي أو عبد صالح يحصل فضل الاقتداء بالسلف الصالح.
وفيه إشباع لنفس المولود بالعزة والكرامة فإنه إذا كبر وسأل: لماذا سميتني بهذا الاسم؟ ولماذا اخترت هذا الاسم؟ وما معناه؟ وجدت لذلك جواباً شافياً إن كنت أحسنت الاختيار أو تقع في ورطة إن كنت أسأت الاختيار.
الأصل الثاني في التسمية وقت التسمية: وقد جاءت السنة في ذلك على ثلاثة وجوه:
1- تسميته يوم ولادته.
2- تسميته إلى ثلاثة أيام من ولادته.
3- تسميته يوم السابع.
وهو اختلاف تنوع يدل على أن في الأمر سعة.
الأصل الثالث: التسمية حق للأب وكم وقع البلاء بسبب تسمية النساء.
الأصل الرابع: مراتب الأسماء في الأفضلية .. ((أحب الأسماء عبد الله وعبد الرحمن)) التسمي بأسماء الأنبياء ورد الحديث بذلك عند أبي داود والترمذي. التسمي بأسماء الصالحين من المسلمين (الصحابة والتابعين).
الأصل الخامس: شروط التسمية وآدابها:
الشرط الأول: أن يكون عربياً.
الثاني: أن يكون حسن المبنى والمعنى، وهذا أخذ من تغيير الرسول صلى الله عليه وسلم لأسماء كثير من أصحابه.
الأصل السادس: الأسماء المحرمة.
1- كل اسم عبد لغير الله.
2- التسمية باسم من أسماء الله تبارك وتعالى مما يختص به الرب سبحانه مثل: الرحمن الرحيم الخالق البارئ، وقد غير النبي صلى الله عليه وسلم ما وقع من التسمية بذلك.
3- التسمية بالأسماء الأعجمية المولدة للكافرين الخاصة بهم.
4- التسمي بأسماء الأصنام المعبودة من دون الله ومنها: اللات، العزى، إساف، نائلة، هبل.
5- كل اسم فيه دعوى ما ليس لمسمى فيحمل الدعوى والتزكية والكذب. ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: ((إن أخنع اسم عند الله رجل تسمى ملك الأملاك)) [في الصحيحين].
6- التسمية بأسماء الشياطين مثل: خنزب والولهان والأعور والأجدب.
الأصل السابع: المخرج من الأسماء المحرمة والمكروهة التغيير.
هذه عباد الله معالم في تسمية الأبناء وأنتم أيها الأباء مسئولون عن هذا أمام الله جل وعلا وتلك أمانة ائتمنكم الله عليها، فإياكم والتفريط.
الخطبة الثانيةالحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، والحمد لله على ما قدره بحكمته من دقيق الأمر وجله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك كله، وله الحمد كله، وبيده الخير كله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليماً.
وبعد:
فإن مما ابتليت به هذه الأمة في زماننا هذا ذلك التقليد المقيت والمتابعة المذمومة لأمة الكفر في لهفة عجيبة وسعار غريب لكل ما يرد إلينا من تقاليد وعادات، وأفكار وترهات، يندفع إليها أبناء أمتنا اندفاع الظمآن للماء البارد في القيظ. ومما حصل فيه المتابعة تلك الأسماء المرذولة المبنى، الخالية من المعنى، التي إن دلت على شيء فإنما تدل على فقد الشخصية الإسلامية عند من سمى أو تسمى.
إخوة الإيمان، لقد انتشرت أسماء أعجمية غريبة عند بعض المسلمين هداهم الله، ولا سيما في أوساط النساء من مثل شيريهان، شيرين، جولي، ديانا، سوزان، لارا. وطائفة أخرى تافهة لا معنى لها من مثل زوزو، فيفي، ميمي، وغير ذلك. كل تلك الأسماء لم تكن لتوجد لو أن الأب - وهو الذي سمى- التزم بالأدب الشرعي في تسمية مولوده.
وهذا البلاء اخوة الإيمان هو أحد إفرازات التموجات الفكرية التي ذهبت ببعض الآباء كل مذهب، كل بقدر ما تأثر به من ثقافة وافدة.
أيها المؤمن، إن حجب الاسم الشرعي عن المولود سابقة لتفريغه من ذاتيته، وانقطاع للعنوان الإسلامي في عمود نسبه، فضلاً عما يتبع ذلك من الإثم والجناح.
إننا عباد الله نحمل تراثاً مجيداً في هذا الجانب المهم الذي هو جزء من الهوية الإسلامية التي يتميز بها المسلم. فكيف نرضى بالتنازل عن هويتنا فنلبس لباس غيرنا ونتدثر بدثار عدونا.
فأين اليوم تلك الأسماء التي دلنا عليها رسولنا ، ثبت في سنن أبي داود والترمذي وابن ماجه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله : ((أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن)) وعند أبي داود عن أبي وهب الجشمي وكانت له صحبة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تسموا بأسماء الأنبياء وأحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن وأصدقها حارث وهمام وأقبحها حرب ومرة)).
فأين هذه الأسماء اليوم؟ أين عبدالله؟ وأين عبدالرحمن؟ وأين الحارث؟ وأين همام؟ وأين أسماء الأنبياء عليهم صلوات الله وسلامه.
وأين في أسماء النساء خديجة وعائشة وحفصة وميمونة وفاطمة وغيرها من أسماء الصحابيات رضي الله عنهن وأرضاهن؟
لقد اختفت هذه الأسماء من واقعنا اليوم وحلت محلها تلك الأسماء الرخوة التافهة معنى ومضموناً.
فيا أيها الآباء هذه مسئوليتكم وتلك مهمتكم فاتقوا الله في هذه الذرية واختاروا لهم الأسماء الإسلامية العربية التي تحمل المعنى الجميل وتدل على الهوية الإسلامية، وفقنا الله وإياكم لما يحبه ويرضاه.