24akhbar
| | غزوة الأحزاب | |
شبكة شهادة الإسلام
الخطب المكتوبة
خطب السيرة والتاريخ
واصل وكأنك على المنبر
غزوة الأحزاب
الخطبة الأولى
أما بعد. . .
أيها المؤمنون إن الله بعث محمداً r بين يدي الساعة بالسيف، حتى يعبد الله وحده لا شريك له، فجاهد r في الله حق جهاده بالقلب والجنان والدعوة والبيان والسيف والسنان، فكانت حياته كلها موقوفةً على الدعوة إلى الله والجهاد في سبيل الله، فكان r بذلك أرفع الناس ذكراً وأعظمهم عند الله قدراً، فقاتل r وقوتل وأصاب وأصيب منه هو وأصحابه رضي الله عنهم، فكان جهادهم، وكانت دماؤهم مشاعل نور وهداية، أخرج الله بها كثيراً من الناس من الظلمات إلى النور.
هم العصبة المثلى ولولا جراحهم لظل بهيم الليل كالموج عاتيا
ولولاهم كانت ظلاماً لأهلها ولكن هم فيها بدور و أنجم
أيها المؤمنون إن من المعارك التي خاضها رسول الله r بنفسه غزوة الأحزاب التي قص الله تعالى نبأها في كتابه في سورة سميت باسم تلك الغزوة وهي سورة الأحزاب أظهر الله سبحانه وتعالى فيها من عظيم قدرته وبديع صنعه ولطيف فعله ونصره لأوليائه وخذلانه لأعدائه ما تطيب به قلوب المؤمنين المتقين، ففي السنة الخامسة من الهجرة في شهر شوال جاءت قريش ومن معها من الأحزاب على الصفة التي ذكرها الله تعالى في كتابه حيث قال: ﴿إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُم﴾(1)، وذلك أن اليهود عليهم لعنة الله لما رأوا انتصار المشركين على أهل الإيمان يوم أحد طمعوا في القضاء على الإسلام بالكلية فانتشروا في أحياء العرب يحرضونهم على غزو رسول الله r ويؤلبونهم عليه ويعدونهم بالمؤازرة والنصر، فاستجابت قريش لهم وغطفان وغيرها من قبائل العرب فكان من وافى الخندق من الكفار عشرة آلاف مقاتل، يريدون أن يطفئوا نور الله بأسيافهم والله يتم نوره ولو كره الكافرون فلما سمع رسول الله e بمسيرهم إليه استشار أصحابه فأشار عليه سلمان الفارسي بحفر الخندق ليحول بين العدو وبين المدينة فأمر النبي r بحفر الخندق شمالي المدينة فبادر المسلمون إلى ذلك، وشاركهم النبي r بنفسه في الحفر فكان ينقل التراب يوم الخندق حتى اغبر بطنه وهو يقول: والله لولا الله ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا فأنزلن سكينة علينا وثبت الأقدام إن لاقينا.
وقد كان أيها المؤمنون في حفر النبي هذا الخندق من آيات نبوته وعلامات رسالته ما ازداد بها المؤمنون إيماناً فمن ذلك أن هذه الغزوة كان فيها من النصب والجوع مالم يكن في غيرها فاستمع إلى ما ذكره جابر t من نبأ تلك الغزوة قال t: ((كنا يوم الخندق فعرضت كُدية شديدة فأخبروا بها النبي r فقال: أنا نازل ثم قام وبطنه معصوب بحجر من شدة الجوع فأخذ النبي r المعول فضرب في الكُدية فعاد كثيباً أهيل فقلت: يارسول الله ائذن لي إلى البيت ؟ فقلت لامرأتي: رأيت بالنبي r شيئاً ماكان لي في ذلك صبر فعندك شيء ؟ فقالت: عندي صاع من شعير وعناق وهي الصغير من المعز فذبحت العناق وطحنت الشعير حتى جعلنا اللحم بالقدر فجئت النبي r فقلت: يارسول الله طعيم لي فقم ورجل أو رجلان قال: كم هو ؟ فذكرت له، فقال: كثير طيب فدعا النبي r المهاجرين والأنصار وقال: ادخلوا ولا تزاحموا فجعل يكسر من هذا الخبز ويجعل فيه شيئاً من اللحم، فما زال كذلك حتى شبع المهاجرون والأنصار، وبقي بقية من ذلك الطعام فقال: كلي هذا وأهدي فإن الناس أصابتهم مجاعة))(2).
ومن الآيات أيها المؤمنون التي ظهرت في حفر هذا الخندق: عن البراء بن عازب قال: ((أمرنا رسول الله r بحفر الخندق قال: وعرض لنا صخرة في مكان من الخندق لا تأخذ فيها المعاول قال: فشكوها إلى رسول الله e فجاء رسول الله r قال عوف: وأحسبه قال: وضع ثوبه ثم هبط إلى الصخرة فأخذ المعول فقال: باسم الله فضرب ضربة فكسر ثلث الحجر وقال: الله أكبر أعطيت مفاتيح الشام والله إني لأبصر قصورها الحمر من مكاني هذا ثم قال: باسم الله وضرب أخرى فكسر ثلث الحجر فقال: الله أكبر أعطيت مفاتيح فارس والله إني لأبصر المدائن وأبصر قصرها الأبيض من مكاني هذا ثم قال: باسم الله وضرب ضربة أخرى فقلع بقية الحجر فقال: الله أكبر أعطيت مفاتيح اليمن والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني هذا))(3).
فاستبشر بذلك المؤمنون الصادقون وتبلبل الواهنون المرتابون فقال الذين في قلوبهم مرض: ماوعدنا الله ورسوله إلا غروراً.
فلما اجتمعت جحافل الكفر حول المدينة وضيقوا عليها الخناق اشتدت الحال بالمسلمين وعظم عليهم الكرب وزاد الأمر أن اليهود يهود بني قريظة نقضوا العهد الذي بينهم وبين النبي r فضاق الأمر بالمسلمين كما قال الله تعالى: ﴿إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ﴾ يعني الأحزاب، ﴿وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ﴾ يعني يهود بني قريظة ﴿وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا ` هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً﴾(4) ومع شدة الكرب وعظم البلاء مازاد المؤمنون على أن قالوا: ﴿هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً﴾(5) أما المنافقون فقد قالوا: ما وعدنا الله ورسوله إلا غروراً.
أيها المؤمنون أقام المشركون محاصرين رسول r شهراً ولم يكن بينهما قتال يذكر لأجل ما حال الله به من الخندق بينهم وبين المسلمين. فأراد النبي r لما طال على المسلمين الخطب أن يصالح الكفار إلا أن الصحابة أبوا ذلك لما شاورهم النبي r.
فكان من بديع لطف الله وعاجل فرجه أن صنع للمسلمين أمراً من عنده خذل به أعداءه وهزم جموعهم ونصر به أولياءه وأعز حزبه فكان مما هيأ من ذلك أن نُعيم بن مسعود رضي الله عنه كان من المشركين فأسلم وجاء للنبي r فقال له: يارسول الله إني قد أسلمت فمرني بما شئت فقال له النبي r: ((إنما أنت رجل واحد فخذل عنا ما استطعت فإن الحرب خدعة))(6) فأوقع t الخلاف بين اليهود وحلفائهم من المشركين فتخاذل الفريقان، وبدت علامات الشقاق والخلاف بينهم.
وكان من عظيم ماهيأه أيضاً لأمة الإسلام أن أرسل على المشركين جنداً من الريح فقوضت خيامهم وخربت بنيانهم فلم تدع لهم قِدراً إلا كفأته ولا ظنباً إلا قلعته. وأرسل عليهم الملائكة فألقوا في قلوبهم الرعب والخوف. فلما بلغ الأمر مبلغه بقريش صاح فيهم أبو سفيان: يامعشر قريش إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام. فرد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً وكفى الله المؤمنين القتال، وكان الله قوياً عزيزاً.
الخطبة الثانية
أما بعد. . .
فقد سمعتم أيها المؤمنون نبأ هذه الوقعة وخبر هذه الغزوة التي حوت آيات بينة ودروساً قيمة فدروس هذه الوقعة وعبرها كثيرة فسأشير إلى أهمها وأبرزها. .
فمن أهم دروس هذه الغزوة:
أن الله سبحانه وتعالى يدافع عن الذين آمنوا كما قال جل ذكره: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا﴾(7) فالله سبحانه نعم المولى ونعم النصير يبتلي أولياءه ليميز الخبيث من الطيب فإذا تبين أهل محبته وأهل دينه وتميزت الصفوف جاءهم وعده ووقع خبره ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾(8). ومن دروس هذه الغزوة:
حسن بلاء النبي r وأصحابه حيث إنهم صبروا على ماقدره الله تعالى عليهم بقلوب ثابتة وعزائم راسخة فلم تستفزهم الكروب ولم تقعدهم الخطوب بل كانوا كلما اشتدت الكروب وادلهمت الخطوب زادهم ذلك إيماناً وتسليماً وتصديق ذلك في هذه الغزوة قوله تعالى: ﴿وَلَمَّا رَأى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً﴾(9).
ومن دروس هذه الغزوة:
أن المؤمنين إذا اجتهدوا في الدفاع عن دينهم وجهاد أعداء الله وأعداء رسوله وفعلوا قصارى طاقتهم في نصر الله ورسالته فإن الله سبحانه وتعالى يكرمهم بعون منه وتأييد فيصنع لهم ويهييء لهم من أسباب الغلبة والنصر ويبعث لهم من جنود العز والتمكين مالم يكن لهم على حساب ويؤيدهم بجند من عنده وما يعلم جنود ربك إلا هو فإذا صدقنا إيماننا وتمسكنا بديننا والتزمنا بنهج نبينا في كل أمورنا فلا يضرنا كيد الكائدين ولا مكر الماكرين. .
ومن دروس هذه الغزوة شدة عداوة اليهود للإسلام وأهله وأما نقضهم للعهود ونكثهم للمواثيق فهذه من أخص خصائصهم على مر العصور وكر الدهور، قال الله تعالى: ﴿أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ﴾(10).
(1) الأحزاب: 10. (2) أخرجه البخاري في المغازي من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنه برقم 4101. (3) أخرجه أحمد من حديث البراء بن عازب برقم 18219. (4) الأحزاب: 10 -11. (5) الأحزاب: 22. (6) تاريخ الطبري 2/ 96. (7) الحج: 38. (8) غافر: 51. (9) الأحزاب: 22. (10) البقرة: 100.
| |
|