( قصة أبي هريرة وإناء اللبن )
عناصر الموضوع :
1. نص حديث أبي هريرة وإناء اللبن
2. أحاديث تبين حال النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه
3. شرح قصة أبي هريرة وإناء اللبن
4. فوائد من قصة أبي هريرة وإناء اللبن
5. نبذة مختصرة عن أبي هريرة وحاله بعد النبي صلى الله عليه وسلم
6. الأسئلة
قصة أبي هريرة وإناء اللبن:
أورد الشيخ حفظه الله حديث أبي هريرة وقصته مع إناء اللبن، ثم استطرد في شرحه وبيان كيف كان حال الصحابة رضوان الله عليهم في العيش ومعاناة الجوع، وختم ذلك بذكر فوائد من الحديث، ثم أسئلة مبينة لما انبهم من الدرس.
نص حديث أبي هريرة وإناء اللبن:
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، والصلاة والسلام على النبي المصطفى الأمين، خير خلق الله وخاتم رسله أجمعين، وعلى آله وصحبه والذين ساروا على هديه واقتفوا سنته ومنهجه القويم، ومن تبعهم بإحسان وتأسى بهم إلى يوم الدين. أيها الإخوة: سنتحدث إن شاء الله إليكم في هذه الليالي المباركة عن سلسلة من القصص من كلام النبي صلى الله عليه وسلم مع ذكر شرحها وفؤادها، وفي هذه الروائع من الكلام الذي جاء عن صحابة النبي صلى الله عليه وسلم مما رووه عن نبينا صلى الله عليه وسلم دروسٌ عظيمة وفائدة كبيرة لنا جميعاً. وفي هذه الليلة نتحدث عن قصة أبي هريرة رضي الله تعالى عنه مع أهل الصُّفة في إناء اللبن، وهذه القصة تبين عيش النبي صلى الله عليه وسلم، وكيف كان عيش أصحابه رضي الله تعالى عنهم. روى البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه، عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه كان يقول: (آلله -وفي رواية-: والله الذي لا إله إلا هو إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع، وإن كنت لأشد الحجر على بطني من الجوع، ولقد قعدت يوماً على طريقهم الذي يخرجون منه، فمر أبو بكر فسألته عن آية من كتاب الله، ما سألته إلا ليشبعني، فمر ولم يفعل، ثم مر بي عمر فسألته عن آية من كتاب الله ما سألته إلا ليشبعني، فمر ولم يفعل، ثم مر بي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم فتبسم حين رآني وعرف ما في نفسي وما في وجهي، ثم قال: يا أبا هر ! قلت: لبيك يا رسول الله! قال: الحق، ومضى فتبعته فدخل فاستأذن فأذن لي، فدخل فوجد لبناً في قدح، فقال: من أين هذا اللبن؟ قالوا: أهداه لك فلان أو فلانة، قال: أبا هر ! قلت: لبيك يا رسول الله! قال: الحق إلى أهل الصفة فادعهم لي، قال: وأهل الصفة أضياف الإسلام، لا يأوون إلى أهل ولا مال ولا على أحد، إذا أتته صدقة بعث بها إليهم ولم يتناول منها شيئاً، وإذا أتته هدية، أرسل إليهم وأصاب منها وأشركهم فيها، فساءني ذلك، فقلت: وما هذا اللبن في أهل الصفة؟ كنت أنا أحق أن أصيب من هذا اللبن شربة أتقوى بها، فإذا جاء أمرني فكنت أنا أعطيهم وما عسى أن يبلغني من هذا اللبن، ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم بد، فأتيتهم فدعوتهم فأقبلوا، فاستأذنوا فأذن لهم، وأخذوا مجالسهم من البيت، قال: يا أبا هر ! قلت: لبيك يا رسول الله! قال: خذ فأعطهم، قال: فأخذت القدح فجعلت أعطيه الرجل فيشرب حتى يروى، ثم يرد عليّ القدح، فأعطيه الرجل فيشرب حتى يروى، ثم يرد عليّ القدح، فأعطيه الرجل فيشرب حتى يروى، ثم يرد عليّ القدح، حتى انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد روي القوم كلهم، فأخذ القدح فوضعه على يده، فنظر إليّ فتبسم، فقال: أبا هر ! قلت: لبيك يا رسول الله! قال: بقيت أنا وأنت، قلت: صدقت يا رسول الله! قال: اقعد فاشرب فقعدت فشربت، فقال: اشرب فشربت، فما زال يقول: اشرب حتى قلت: لا والذي بعثك بالحق لا أجد له مسلكاً، قال: فأرني، فأعطيته القدح فحمد الله وسمى وشرب الفضلة). هذا الحديث أخرجه البخاري في كتاب الرقاق من صحيحه ، وأخرجه الترمذي و أحمد في كتبهم.
أحاديث تبين حال النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه:
هذا الحديث يبين كيف كانت عيشة النبي صلى الله عليه وسلم، ونحن اليوم في هذا الشهر من رمضان على طعام الإفطار نضع ألواناً من الطعام والشراب، فحريٌّ بنا أن نتذكر كيف كانت عيشة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وأن نستحضر في أنفسنا ما كانوا عليه من شظف العيش، فقد كانوا يعانون ويقاسون ومع ذلك صبروا، واجتمعت عليهم أمم الأرض فلم يغيروا ولم يبدلوا. لقد كان بإمكان النبي صلى الله عليه وسلم أن يعيش ملكاً من الملوك، لقد كان بإمكانه أن تجبى إليه خزائن الدنيا، ولكنه صلى الله عليه وسلم فضَّل أن يعيش على الزهد وعلى هذا الحال، حتى أن زوجته عائشة رضي الله عنها تقول لـعروة : (يا بن أختي! إن كنا لننظر إلى الهلال ثم الهلال ثم الهلال، ثلاثة أهلة في شهرين، وما أوقدت في أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم نار -شهران كاملان لا يوجد طبخ، ولا توقد نار؛ لم يكن عندهم شيء يطبخونه- فقلت: ما كان يعيشكم؟ قالت: الأسودان: التمر والماء -سميا بالأسودين من باب التغليب، وإلا فالماء شفاف لكن أطلق عليه الأسود تغليباً مع التمر الأسود- قالت: إلا أنه كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جيران من الأنصار، كان لهم منائح -والمنحة هي العطية من الشاة أو البقر- وكانوا يمنحون رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبياتهم فيسقيناه)، وكذلك قال سهل رضي الله عنه: (ما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم النقي من حين ابتعثه الله حتى قبضه الله) ما رأى الخبز الأبيض النقي حتى قبضه الله، فقلت: (هل كانت لكم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مناخل؟ قالت: ما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم منخلاً من حين ابتعثه الله حتى قبضه الله، قلت: كيف كنتم تأكلون الشعير غير منخول؟ قالت: كنا نطحنه وننفخه فيطير ما طار وما بقي ثريناه فأكلناه) رواه البخاري رحمه الله أيضاً. وروى مسلم، عن عائشة قالت: (جئنا بـعبد الله بن الزبير إلى النبي صلى الله عليه وسلم يحنكه، فطلبنا تمرة فعز علينا طلبها) بحثنا عن تمرة فعز علينا طلبها. وكذلك روى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: [ ما شبعنا حتى فتحنا خيبر ] ما شبعوا من التمر إلا في العام السابع من الهجرة، وقال الصحابي: (ما أكل النبي صلى الله عليه وسلم خبزاً مرققاً ولا شاةً مسموطةً حتى لقي الله) الشاة المسموطة: الصغيرة ذات الجلد الطري التي تطبخ مع جلدها ثم تقشر فتؤكل، وهي من طعام المنعمين، هذه ما رآها النبي صلى الله عليه وسلم ولا أكلها. وكذلك روى البخاري رحمه الله عن عائشة أنها سُئلت: (أنهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تؤكل لحوم الأضاحي فوق ثلاث؟ قالت: ما فعله إلا في عام جاع الناس فيه، فأراد أن يطعم الغني الفقير، وإن كنا لنرفع الكُراع -الكُراع: ما استدق من الساق ما فيه إلا شيء قليل من اللحم- فنأكله بعد خمس عشرة، قيل: ما اضطركم إليه؟ فضحكت، قالت: ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم من خبز بر مأدوم ثلاثة أيام حتى لحق بالله). وقالت أيضاً فيما رواه البخاري رحمه الله: [ لقد توفي النبي صلى الله عليه وسلم وما في رفي شيء يأكله ذو كبد إلا شطر شعير -نصف- في رفٍ لي، فأكلت منه حتى طال عليّ، فكلته ففني ] لو تركته بدون كيل لبقي، فلما كالته انتهى وفني. وقال سعد : (لقد رأيتني سابع سبعة مع النبي صلى الله عليه وسلم ما لنا طعام إلا ورق الحُبلة أو الحَبلة -أي: ورق الشجر- حتى يضع أحدنا ما تضع الشاة ما له خلط) لا يتبرز إلا مثل الشاة. وكذلك فإن هذا الحديث الذي سقناه في بداية الدرس دليل على ما كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يعانون.
شرح قصة أبي هريرة وإناء اللبن:
هذه القصة العظيمة التي رواها أبو هريرة رضي الله تعالى عنه قال: (آلله -أو- والله الذي لا إله إلا هو -يحلف- إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع) أي: ألصق بطني بالأرض من الجوع، فإما أن يكون المعنى أنه كان يشد الحجر على بطنه حتى لا يشعر بالجوع، أو أنه كناية عن سقوطه إلى الأرض مغشياً عليه، كما قال هو رضي الله عنه (فمشيت غير بعيد فخررت على وجهي من الجهد والجوع)، فكان يصل إلى درجة الغشيان، قال: (لقد رأيتني وإني لأخر ما بين المنبر والحجرة -يطوف بينهما ما عنده شيء في غاية الجوع- مغشياً عليّ من الجوع، فيجيء الجائي -يراه مغشياً عليه- فيضع رجله على عنقي يرى أن بي جنوناً وما بي إلا الجوع) كأنه كان يريد أن يقرأ عليه ليخرج الجن، يحسبه مصروعاً فيه جن، فيخرج الجن وما به جن ولا صرع ما به إلا الجوع، وقال: (كنت من أهل الصفة، وإن كان ليغشى عليّ فيما بين بيت عائشة و أم سلمة من الجوع)، وفي رواية: (وإني كنت ألزم رسول الله صلى الله عليه وسلم لشبع بطني) يلزمه بأخذ الأحاديث والعلم وليس له إلا الطعام فقط، وقال في رواية: (وكنت ألصق بطني بالحصى من الجوع، وإن كنت لأستقرئ الرجل الآية وهي معي -أي: أحفظها وأعلم بها منه كي يتفطن لحالي- كي ينقلب بي فيطعمني، وكنت إذا سألت جعفر بن أبي طالب -وكان يلقب بأبي المساكين رضي الله عنه- لا يعطيني جواب السؤال حتى يذهب بي إلى منزله ويطعمني)، قال: (وإن كنت لأشد الحجر على بطني من الجوع) وفي رواية: يقول عبد الله بن شقيق : [أقمت مع أبي هريرة سنة، فقال: لو رأيتنا وإنه ليأتي على أحدنا الأيام ما يجد طعاماً يقيم به صلبه، حتى إن كان أحدنا ليأخذ الحجر فيشد به على أخمص بطنه، ثم يشده بثوبه ليقيم به صلبه] الحجر في حالة الجوع الشديد إذا شد على البطن يفيد في الاعتدال والانتصاب، لأن الإنسان مع الجوع الشديد ينحني، فيشد الحجر على بطنه ويساعده على الاعتدال والانتصاب، أو يمنع كثرة تحلل الغذاء الذي في البطن فيبقى الطعام أكثر لكي يقتات به أكثر، أو حتى يبرد بالحجر حرارة الجوع في بطنه، فهكذا كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في شظف العيش، صبروا معه وما ذهبوا عنه يميناً ولا شمالاً. يأخذون صفائح رقاق من الحجر بطول الكف أو أكبر قليلاً، فيربطها الواحد منهم على بطنه وتشد بعصابة فوقها فتعتدل قامته بعض الاعتدال، قال أبو هريرة : (ولقد قعدت على طريقهم الذي يخرجون منه)؛ لأن طرق الصحابة من منازلهم إلى المسجد كانت متحدة في طريق واحد إلى المسجد (فمر بي أبو بكر فسألته عن آية ما سألته إلا ليشبعني -وفي روية- ليستتبعني) أي: يطلب مني أن أتبعه ليطعمني، ما كان أبو هريرة يريد أن يقول: هات وأعطني، كان متعففاً عن السؤال، لكنه كان مع ضرورة الحال يسأل السؤال وهو يعلم الجواب لعل المسئول يتفطن لحاله فيدعوه لطعام أو يعطيه شيئاً، مرَّ أبو بكر رضي الله عنه ولم يفطن لحال أبي هريرة ، ثم مرَّ به عمر رضي الله عنه فسأله أبو هريرة فلم يفطن عمر رضي الله عنه لذلك أيضاً. و عمر بعد ذلك علم، يقول أبو هريرة : (فلقيت عمر فذكرت له وقلت له ما حصل، أو ما كان مني) فتأسف على عدم إدخال أبي هريرة داره، وأنه لم يفطن له، وقال: لـأبي هريرة معتذراً بعد أن عرف القصة: [ والله لئن أكون أدخلتك أحب إليّ من أن يكن لي حمر النعم ].
تفطن النبي صلى الله عليه وسلم وتفقده لأحوال أصحابه:
قال: (ثم مرَّ النبي صلى الله عليه وسلم أبو القاسم فتبسم حين رآني وعرف ما في نفسي) فالتبسم يكون تارة للعجب، وتارة لإيناس الشخص الذي تتبسم إليه، فالنبي عليه الصلاة والسلام كان متفطناً لحال أصحابه، فأول ما رأى أبا هريرة عرف في وجهه الجوع، وعرف أنه يحتاج إلى ما يسد رمقه، ( ثم قال لي: يا أبا هر !) وهذا نوع من التحبب و أبو هر على التكبير، و أبو هريرة على التصغير؛ لأن هريرة تصغير هر، وكان لـأبي هريرة هرة يلازمها فكني بـأبي هريرة ، قال: (يا أبا هر ! قلت: لبيك يا رسول الله) وفي رواية: (فقلت: لبيك يا رسول الله وسعديك، قال: الحق ومضى فتتبعته فلحقته، فدخل النبي عليه الصلاة والسلام على أهله فاستأذن)، وفي رواية: (فاستأذنت فأذن لي، فدخل أبو هريرة رضي الله عنه). وفي رواية: (فدخلت فوجد النبي عليه الصلاة والسلام في البيت عنده لبناً في قدح، فسأل عليه الصلاة والسلام: من أين هذا اللبن؟ -ما هو مصدره؟ من أين لكم هذا؟ يقول - قالوا: أهداه لك فلان أو فلانة) والنبي عليه الصلاة والسلام كان يأكل الهدية، ولكن لا يأكل الصدقة، مقامه أرفع من أن يأكل صدقات الناس، لكن الهدية يأكل منها؛ لأن الهدية ليس فيها إزراء ولا تنـزيل من المقام، ولا إسفاف على النفس، والنبي عليه الصلاة والسلام لما وجد اللبن ما قال لـأبي هريرة: خذ واشرب، قال: ( الحق إلى أهل الصفة ).
تعريف بأهل الصفة ومكانهم وتحديد مكان الروضة:
أهل الصفة: أضياف الإسلام، هؤلاء أناس فقراء أسلموا، جاءوا من القبائل إلى المدينة، ما عندهم أهل ولا مال، ولا يأوون إلى أهل ولا مال ولا على أحد، وكان عليه الصلاة والسلام إذا جاءه الرجل وله قريب في المدينة أو عريف نزل عليه، فإذا لم يكن له عريف نزل مع أصحاب الصفة، وكان أهل الصفة أناساً فقراء لا منازل لهم، فكانوا ينامون في المسجد لا مأوى لهم غيره، أين مكان أصحاب الصفة الآن في المسجد النبوي؟ هل القبلة شمال البيت النبوي والقبر النبوي أو جنوب البيت النبوي؟ جنوب؛ لأن مكة جنوب المدينة ، على الناحية الأخرى، أي: شمال القبر النبوي. منبر النبي عليه الصلاة والسلام معروف، ومكانه موجود، وبيت النبي عليه الصلاة والسلام في حجرة عائشة التي دفن فيها صلى الله عليه وسلم ما بين البيت والمنبر روضة من رياض الجنة -كما قال النبي صلى الله عليه وسلم- لعله أراد تشجيع حلق الذكر في هذا المكان، وحلق الذكر من رياض الجنة. والمكان هذا فيه فضل، وقد ذهب ابن القيم رحمه الله إلى أن ما بين البيت والمنبر روضة من رياض الجنة أي: على الحقيقة، وأن هذا المكان هو من الجنة، أو يكون هذا المكان في الجنة يوم القيامة. كان النبي عليه الصلاة والسلام له حجرات، باب حجرة عائشة يفتح من جهة المنبر، وكذلك بيوت نساء النبي صلى الله عليه وسلم، لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم دفن في حجرة عائشة كما قال: (ما من نبي يموت إلا دفن حيث يموت). ودفن أبو بكر إلى جانبه وإلى جانبهما عمر رضي الله عنهما، ثم في العهود السابقة جاء من أدخل الحجرة في المسجد في عهد الوليد ، وإلا لكانت الحجرات خارج المسجد، ولما جاء عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى سداً لذريعة الشرك والبدع بنى جدراناً مثلثة حول القبر النبوي، وقبر صاحبيه، بحيث لا يستطيع أحد أن يستقبل القبر مع القبلة، جعلها بطريقة مثلثة سداً لذريعة الشرك، ولذلك لا يوجد الآن باب يدخل إلى قبر النبي عليه الصلاة والسلام، لأن بناء عمر بن عبد العزيز بناء مثلث مصمت ليس له أبواب لكنه مفتوح من الأعلى إلى القبة، وفي القبة فتحة إلى السماء، لكن القبة بنيت بعد ذلك، وأساء من أساء في علو النجارين على قبر النبي صلى الله عليه وسلم ودق الخشب، ثم تركت على حالها إلى الآن، وإلا فإنه لا يجوز البناء على القبور ولا وضع القباب عليها. لكن حجرة النبي عليه الصلاة والسلام مفتوحة ليس مبني عليها في الأصل، وكان القبر داخل الحجرة، ثم جاء عمر بن عبد العزيز رحمه الله وبنى عليها ثلاثة جدران ليس لها مدخل، ثم جاء بعده من بنى سوراً ثانياً حول الحجرة ثم وضع القفص الأخضر، فهو محاط بثلاثة أسوار، ولا يمكن الدخول إلى القبر مباشرة، وإنما يأتي الإنسان بمحاذاة القبر فيقول: السلام عليك يا رسول الله، ثم يخطو خطوة، فيقول: السلام عليك يا أبا بكر ، ثم يخطو أخرى، فيقول: السلام عليك يا عمر ، وفي العصور السابقة جاء من أدخل جزءاً من الحجرة في هذه الأسوار، فجزء من الروضة (ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة) مأخوذ داخل القبر، وإلا فإن الروضة أوسع من ذلك، ما بين المنبر وبيت النبي عليه الصلاة والسلام روضة من رياض الجنة، فهذا الذي كان أبو هريرة يطوف بينهما ويقع مغشياً عليه من الجوع. كان طريقهم إلى المسجد من البيوت، والآن زيدت التوسعة، وأزيلت كل البيوت القديمة، بل مدينة النبي عليه الصلاة والسلام كلها الآن زالت بالتوسعة، ولم يبق منها شيء، ومن العجائب أن الإنسان في القديم لو نظر من جبل أحد لا يمكن أن يرى المسجد النبوي؛ لأنه بناء محدود وحوله بيوت، وحول البيت مزارع ونخل، أما الآن فقد وسع المسجد توسعة كبيرة، وصار حوله ساحة كبيرة، ويغلب عليه اللون الأبيض من الخارج، فالآن يمكن أن يرى من جبل أحد. ومن العجائب ما رواه الإمام أحمد رحمه الله في مسنده ، بسند رجاله ثقات (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس، فقال: يوم الخلاص وما يوم الخلاص! يوم الخلاص وما يوم الخلاص! يوم الخلاص وما يوم الخلاص! ثلاثاً، فقيل له: وما يوم الخلاص؟ قال: يجيء الدجال، فيصعد أحداً، فينظر المدينة ، فيقول لأصحابه: أترون هذا القصر الأبيض، هذا مسجد أحمد). أي: يراه الدجال من جبل أحد ، وهو الآن كذلك، فهذا يعني أن الساعة قد اقتربت، ومن قبل لم يكن المسجد النبوي يُرى من جبل أحد، والآن يرى، وفي الحديث (ثم يأتي المدينة -يحاول دخول المدينة - فيجد بكل نقبٍ ملكاً مصلتاً -أي: بيده سيف، لا يستطيع الدجال الدخول إلى المدينة ، وهذه من ميزات المدينة ، ولا يدخل الدجال مكة- مصلتاً فيأتي سبخة الحرف -وهي الجانب والطرف- فيضرب رواقه في تلك المنطقة، ثم ترجف المدينة ثلاث رجفات، فلا يبقى منافق ولا منافقة، ولا فاسق ولا فاسقة إلا خرج إليه، فذلك يوم الخلاص). هذا يوم الخلاص.. يوم يخرج منافقو المدينة وفساقها إلى الدجال ولا يبقى فيها إلا المؤمنون.
أبو هريرة يدعو أهل الصفة إلى لبن رسول الله:
جلس أبو هريرة رضي الله عنه على طريقهم فلم يتفطن له أحد، حتى فطن له النبي صلى الله عليه وسلم، فأدخله إلى بيته ووجد لبناً في قدح، فسأل: (من أين هذا اللبن؟ قالوا: أهداه لك فلان أو فلانة، قال: الحق إلى أهل الصفة) هات أهل الصفة، وأهل الصفة: أضياف الإسلام، هؤلاء أناس ليس عندهم مال ولا مأوى، كانوا يأوون إلى المسجد النبوي، يقول أبو هريرة في رواية: (كنت من أهل الصفة، كنا إذا أمسينا حضرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأمر كل رجل فينصرف برجل أو أكثر، فيبقى من بقي عشرة أو أقل أو أكثر فيأتي النبي صلى الله عليه وسلم بعشائه فنتعشى معه، فإذا فرغنا، قال: ناموا في المسجد) ما عندهم إلا المسجد. ولذلك كان عليه الصلاة والسلام كثيراً ما يقول: (من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث)، ( طعام الاثنين يكفي الثلاثة) خذوا واحداً من أهل الصفة، كل واحد من أهل المدينة معه طعام اثنين يأخذ ثالثاً من أهل الصفة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى قسم ناساً من أصحاب الصفة بين أناس من أصحابه، فيذهب الرجل بالرجل، والرجل بالرجلين، حتى ذكر عشرة. لما جاء هذا القدح من اللبن قال: (يا أبا هر! الحق إلى أهل الصفة ادعهم، وكان عليه الصلاة إذا أتته صدقة بعث بها إليهم -إلى أهل الصفة- ولم يتناول منها شيئا، وإذا أتته هدية أرسل إليهم وأصاب منها وأشركهم.. وفي رواية: شركهم فيها، وكان يَقبل الهدية ولا يَقبل الصدقة، وإذا قيل له: صدقة، قال لأصحابه: كلوا ولم يأكل، وإذا قيل: هدية ضرب بيده فأكل معهم) فإذا كان صدقة، قال: اذهبوا بها إلى أهل الصفة، وإذا كان هدية قال: ائتوا بأهل الصفة فيشركهم في هذه الهدية، ويأكل هو وأهله صلى الله عليه وسلم. والأحوال كانت مختلفة معهم بحسب ما يتيسر في ذلك الوقت، وقد جمع بعض العلماء أسماء أهل الصفة، كما فعل أبو سعيد بن الأعرابي و أبو عبد الرحمن السلمي، وجمع بينهما أبو نعيم في أوائل كتاب: الحلية فسرد جميع الأسماء، وقيل: إنهم كانوا سبعين، والصحيح أنهم كانوا يقلون ويكثرون بحسب الأحوال، فلما قال النبي عليه الصلاة والسلام لـأبي هريرة : (ادع أهل الصفة، قال أبو هريرة : فساءني ذلك.. وفي رواية: أحزنني ذلك) أي: أنا الآن في غاية الجوع، وغاية الجهد، ومحتاج إلى شربة لبن، يقول: اذهب إلى أهل الصفة! نعم. وأهل الصفة ماذا يكفيهم؟! وإذا كفاهم ماذا يبقى لي؟! لا شيء، لذلك أبو هريرة: (فأحزنني ذلك، فقلت -أي: في نفسي- وما هذا اللبن؟! -أي: ماذا يجزئ؟ وماذا يكفي؟- في أهل الصفة؟ وأين يقع هذا اللبن من أهل الصفة وأنا ورسول الله؟ وكنت أرجو أن أصيب من هذا اللبن شربة أتقوى بها). ثم الأمر سيكون -أيضاً- زيادة: (فإذا جاء أهل الصفة؛ أمرني عليه الصلاة والسلام فكنت أنا أعطيهم)، أي: بالإضافة إلى ذلك لو دعوت أهل الصفة ولو كنت أنا أول من يشرب، أو ثاني من يشرب أو ثالث من يشرب، كان ذلك طيب، لكن المشكلة سوف أدعوهم ثم أكون أنا المضيف، ويقول لي: ضيفهم، وسأمر بالقدح عليهم واحداً واحداً، فإذاً أنا ساقي القوم: (ساقي القوم آخرهم شرباً) إذاً ذهبت! (فكنت أنا أعطيهم وما عسى أن يبلغني من هذا اللبن) أي: ماذا سيصل إلي بعدما يشربوا منه؟ ولكن يقول أبو هريرة : (ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسوله بد) لكن لا يمكن أن نحيد، من يطع الرسول فقد أطاع الله. قال: (فأتيتهم فدعوتهم، فجاءوا، فاستأذنوا فأذن لهم، فأخذوا مجالسهم من البيت) قيل: إن هؤلاء كانوا سبعين، وقيل: مائة، ولكنهم كانوا يتفاوتون بسبب اختلاف الأحوال، مرة تأتي سرية يخرج بعضهم مع السرية، لتبليغ الدعوة، ويأتي أحياناً أناس من خارج المدينة يزيدون، إذاً كان عددهم يتزايد ويتناقص بحسب الأحوال.
معجزة النبي صلى الله عليه وسلم في بركة اللبن:
قال النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء أهل الصفة كلهم وجلسوا: (يا أبا هر ! خذ فأعطهم) خذ القدح الذي فيه اللبن وأعطهم (فجعلت أعطي الرجل فيشرب حتى يروى من إناء اللبن، ثم يرد عليّ القدح فأعطيه الرجل -أي: الذي إلى جانبه- فيشرب حتى يروى) وهكذا واحد وراء الآخر يشربون من القدح نفسه، حتى انتهوا كلهم حتى روي القوم جميعاً، (حتى انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعدما شرب القوم كلهم من الإناء) وهذا معجزة من معجزات النبي عليه الصلاة والسلام، بركة تكثير الطعام والشراب للنبي عليه الصلاة والسلام، بقي النبي عليه الصلاة والسلام، (أعطيته القدح، فأخذ القدح وقد بقيت منه فضلة) أي: هو نقص لكن بقيت منه فضلة ما انتهى، (فأخذ القدح فوضعه على يده صلى الله عليه وسلم، فنظر إليّ فتبسم) كأنه يقول: يا أبا هريرة! أظننت في نفسك ألا يبقى منه شيء؟ انظر لقد بقي منه، هذا معنى الابتسامة، (فوضعه على يده، فنظر إليّ فتبسم، فقال: أبا هر ! فقلت: لبيك يا رسول الله! قال: بقيت أنا وأنت، قلت: صدقت يا رسول الله! قال: اقعد فاشرب، فقعدت فشربت، فقال: اشرب فشربت، فما زال يقول: اشرب حتى قلت: والذي بعثك بالحق لا أجد له مسلكاً، قال: فأرني، فأعطيته القدح فحمد الله -أي: على البركة التي حصلت ووقعت في اللبن مع قلته وكثرة القوم- وسمى وشرب الفضلة) أي: شرب البقية.
فوائد من قصة أبي هريرة وإناء اللبن:
هذا الحديث فيه فوائد كثيرة، منها: أولاً: استحباب الشرب جالساً، وهذا مذهب جمهور العلماء، وقال بعضهم بتحريم الشرب واقفاً ووجوب الجلوس، لكن مذهب جمهور العلماء هو استحباب الشرب جالساً وعدم الشرب واقفاً، اللهم إلا إن كان لحاجة، مثل: أن تكون القربة معلقة، أو مثل بعض برادات الماء -الآن- في بعض ممرات المستشفيات والمباني، يكون براد الماء مرتفعاً لا يمكن أن تشرب منه إلا وأنت واقف، فهذه حالة يمكن أن يشرب الإنسان وهو واقف، أو مثلاً في زمزم مع الزحام لا يمكن القعود وسط الزحام ، فالنبي عليه الصلاة والسلام شرب واقفاً، لكن الأصل أن يشرب الإنسان جالساً، والمسألة عليها تأكيد شديد في الأحاديث النبوية في قضية الشرب جالساً. ثانياً: أن خادم القوم إذا دار عليهم بما يشربون يتناول الإناء من كل رجل ويدفعه إلى الذي يليه، ولا يدع الرجل يناول رفيقه لئلا يكون فيه استخدام للضيف وهذا من باب زيادة الإكرام. ثالثاً: في هذا الحديث معجزة واضحة للنبي عليه الصلاة والسلام في تكثير الطعام والشراب ببركته عليه الصلاة والسلام، وهذه لها أمثلة كثيرة. رابعاً: في هذا الحديث جواز الشبع، أي: الأصل أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (فإن كان لا بد، فثلث للطعام، وثلث للشراب، وثلث لنفَسك) فهنا في الحديث: تركه يشرب وأمره أن يشرب حتى قال: (لا أجد له مسلكاً) فالعلماء حملوه على ما إذا كان الإناء بعد مسغبة شديدة -جوع شديد- فيمكن في بعض الأحوال أن يشبع الإنسان، لكنه دائماً يأكل حتى الشبع فهذا مذموم؛ ويؤدي إلى الكسل عن العبادة والنوم.. ونحو ذلك، ويكون فيه سبب للأمراض، فإذا كان بعد شدة جوع أو أنه يستبعد حصول شيء قريب فيشبع، ويتزود. خامساً: في هذا الحديث فائدة لطيفة في الخلق الكريم، وهي: أن كتمان الحاجة أولى من التصريح بها، وإذا اضطر فيلمح، لكن لا يصرح ويمد يده: أعطوني.. هاتوا، وإنما يلمح إذا اشتدت عليه الوطأة. وفيه حسن خلق النبي عليه الصلاة والسلام كيف قدَّم كل أصحاب الصفة وقدم أبا هريرة على نفسه وشرب آخرهم، مع أنه عليه الصلاة والسلام هو -أيضاً- جائع. سادساً: فيه طاعة النبي عليه الصلاة والسلام وتقديم أمره على حظ النفس مع شدة الحاجة. وفيه فضل أهل الصفة هؤلاء الذين جاءوا لنصرة الله ورسوله، وتركوا أهلهم وديارهم. سابعاً: فيه أنه لا بد من الاستئذان قبل الدخول. ثامناً: فيه جواز دعاء الإنسان خادمه بالكنية، لما قال: (يا أبا هريرة أو يا أبا هر) وهذا يؤخذ منه ترخيم الاسم، وفيه كذلك تفطن الإنسان لحاجة من حوله، النظر في الوجه (الفراسة) (فعرف ما في وجهي، وما في نفسي) فهذه فراسة، وأن الإنسان عليه أن يدقق النظر في أحوال من حوله ليعرف ماذا يخبئون أو ماذا تنطوي عليه نفوسهم أو ما هي حاجتهم. تاسعاً: فيه كذلك أن الإنسان إذا رأى في منزله ما لا عهد له به فإنه يسأل عنه من أين؟ وممن هو؟ عاشراً: فيه قبول الهدية ولا ترد مادامت حلالاً، وإيثار الفقراء بنصيب منها. حادي عشر: أن ساقي القوم آخرهم شرباً. ثاني عشر: حمد الله على النعم، إذا حدثت لك نعمة، تقول: الحمد لله، لما رأى البركة، قال: الحمد لله، والتسمية عند الشرب.
نبذة مختصرة عن أبي هريرة وحاله بعد النبي صلى الله عليه وسلم:
أبو هريرة رضي الله عنه التي وردت قصته في هذا الحديث كان متفرغاً للعلم، يقول أبو هريرة كما روى البخاري في صحيحه : (إن الناس يقولون: أكثر أبو هريرة) دائماً يحدثنا بأحاديث أكثر من غيره، لماذا؟ يقول أبو هريرة معللاً: [وإني كنت ألزم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشبع بطني، حتى لا آكل الخمير، ولا ألبس الحبير -أي: الثياب المزينة- ولا يخدمني فلان ولا فلانة، وكنت ألصق بطني بالحصباء من الجوع، وإن كنت لأستقرئ الرجل الآية هي معي كي ينقلب بي فيطعمني، وكان أخير الناس للمسكين جعفر بن أبي طالب كان ينقلب بنا فيطعمنا ما كان في بيته، حتى إن كان ليخرج إلينا العكة -قربة من الجلد يحفظ فيها السمن- التي ليس فيها شيء فنشقها ونلعق ما فيها ] أبو هريرة رضي الله عنه هذا الرجل الكريم الراوي الذي روى قرابة خمسة آلاف حديث، والذي يعد من أكثر الصحابة رواية على الإطلاق، ما سمع من النبي عليه الصلاة والسلام شيئاً فنسيه؛ كما دعا له عليه الصلاة والسلام مع أنه جاء في عام خيبر ، في آخر العهد النبوي المدني، ومع ذلك فهو أكثر الصحابة رواية؛ لأنه لزم النبي عليه الصلاة والسلام، لم يذهب في تجارة ولا صفق بالأسواق ولا زراعة ولا شيء، كان متفرغاً لسماع العلم، يلزم النبي عليه الصلاة والسلام على شبع بطنه فقط، يقول: أنا أسمع منك ولا أريد إلا الطعام، هذا الرجل العظيم صار أميراً بعد ذلك، أَمَّره عمر رضي الله عنه على مصرٍ من الأمصار. هل تغير أبو هريرة لما صار أميراً وانفتحت عليه الدنيا، وجاءت الغنائم؟ لم يتغير أبداً، كان يحمل حزمة الحطب على ظهره وهو أمير، ويقول: طرقوا للأمير، أي: خذوا الدرب، أي: خذوا الطريق للأمير، هو يقول بنفسه، وروى البخاري في صحيحه عن محمد قال: (كنا عند أبي هريرة وعليه ثوبان ممشقان من كتان، فتمخط فقال: بخٍ بخٍ، أبو هريرة يتمخط في الكتان، لقد رأيتني وإني لأخر فيما بين منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حجرة عائشة مغشياً عليّ، فيجيء الجائي فيضع رجله على عنقي ويُرى أني مجنون، وما بي من جنون، ما بي إلا الجوع) فإذا رأيت الإنسان يذكر حال الشدة وهو في حال الغنى فاعلم أن عنصره جيد ومعدنه طيب، لأن بعض الناس إذا ورث شيئاً أو غني بعد الفقر، يقول: ورثت هذا المال كابراً عن كابر، كذلك كان أبي وجدي، وينكر أيام الشدة، وأيام الفقر. فإذا رأيت الإنسان بالرغم مما فتح الله عليه يذكر أيام الشدة وأيام الفقر، ويقول: كنا في كذا .. وكانت حالتنا كذا .. ومنّ الله علينا وأعطانا، فهذا رجل طيب المعدن، جيد العنصر.. وهكذا أبو هريرة رضي الله عنه، ما تغير ولا تكبر مع أنه فتحت عليه الدنيا. هذه القصة وبعض ما اشتملت عليه من فوائد نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا ممن أحب هؤلاء القوم واتبعهم.
الأسئلة:
أجر صلاة الجماعة الأولى مضاعف على الثانية:
السؤال: إذا فاتت صلاة الجماعة الأولى فوجدت مجموعة من المصلين ممن لم يكونوا قد صلوا، هل نحن وهم في الأجر سواء، أم أجر الجماعة أكثر؟ الجواب: لا شك أن الأجر للجماعة الأولى، أما الجماعة الثانية فلهم أجر لكن ليس مثل الجماعة الأولى قطعاً.
كفارة من أتى زوجته وهي حائض:
السؤال: ما كفارة من أتى زوجته وهي حائض؟ الجواب: جاء في الحديث الذي حسنه بعض أهل العلم، عن النبي عليه الصلاة والسلام: (كفارة من أتى امرأته وهي حائض دينار أو نصف دينار، يخرجه الرجل صدقة) الدينار: مثقال، والمثقال: أربعة غرامات وربع من الذهب، أو نصفها، هذه كفارة الذي يأتي زوجته وهي حائض مع التوبة.
حكم إفطار الطفل قبل الغروب:
السؤال: أنا طفل عمري سبع سنوات، صمت من الفجر حتى العصر ثم أفطرت، فهل عليّ إثم؟ الجواب: ليس عليك إثم ولكنك ما أتممت الصوم، ولا يؤجر الإنسان إلا إذا أتم صومه، وإذا لم تقدر على الصيام لك أن تفطر ولا بأس بذلك.
حكم الخارج من الرجل حال تقبيل زوجته:
السؤال: إذا قبل الرجل امرأته فخرج منه شيء شفاف بلا لون هل يكون عليه غسل؟ الجواب: إذا كان الذي خرج مذي وليس بمني، فإنه نجس، يغسل موضع الخروج وما حوله، ويتوضأ للصلاة، ويغسل ما أصاب الثوب من هذا، ولا يبطل الصيام على الراجح، ولكن عليه أن يتوب إلى الله لأنه جَرَحَ صومه.
حكم من قتل خطأ وليس له مال يؤدي منه الدية:
السؤال: ما حكم من قتل خطأ ولم يكن عنده مال يؤدي منه الدية؟ الجواب: الذي عليه دية وقتل خطأ وليس عنده من المال يعطى من الزكاة.
حال حديث: (قراءة يس تعدل قراءة القرآن عشر مرات).
السؤال: هل قراءة يس تعدل قراءة القرآن عشر مرات؟ الجواب: هذا حديث موضوع فلا يصح عن النبي عليه الصلاة والسلام.
فتنة الدجال تكون على الأحياء:
السؤال: إذا مات الشخص ودفن في الأماكن التي لا يدخلها الدجال هل يأمن فتنة الدجال؟ الجواب: الفتنة تكون على الأحياء، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا ظهر وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم).
كتب فيها ترجمة لابن تيمية:
السؤال: أرجو من فضيلتكم أن تدلني على كتاب لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن نشأته وتعليمه وحياته؟ الجواب: هناك كتب كثيرة جداً تتكلم عن شيخ الإسلام ابن تيمية، ولعل من أفضلها كتاب ابن عبد الهادي رحمه الله العقود الدرية في مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية مع أن الكتاب ليس موجوداً متوفراً بكثرة، لكن هو من أحسن المراجع التي كتبت عن شيخ الإسلام ابن تيمية . أيضاً مقدمة رسالة: موقف ابن تيمية رحمه الله من الأشاعرة ، فيها تعريف جيد بحياة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
حكم التعامل مع المرأة الأجنبية في المستشفى:
السؤال: إذا اُضطر للتعامل مع المرأة في المستشفى للضرورة؟ الجواب: إذا لم يجد الإنسان للضرورة إلا ذلك ولم يستطع أن يجلب رجلاً أو ممرضاً، فإنه يتحاشى أن تمسه ما أمكنه ذلك؛ لأن مس المرأة الأجنبية للرجل لا يجوز.
حكم مشاهدة المنكر في رمضان:
السؤال: هل أُحضر جهاز المنكر لهؤلاء الذين زاروني في رمضان؟ الجواب: لا تعرض لهم شيئاً منكراً في رمضان! هذا زيادة في الإثم، لأن السيئات تعظم في الزمان الفاضل والمكان الفاضل.
حكم الخلوة ومتى تزول ومتى لا تزول:
السؤال: ذكرت بعد خطبة الجمعة سؤالاً عن الخلوة متى تزول ومتى لا تزول، الرجاء إعادة الإجابة؟ الجواب: الخلوة بالمرأة الأجنبية قال بعض العلماء: لا تزول إلا بمحرم، ولو داخل البلد، أما السفر فلا يجوز إلا بمحرم هذا واضح ومنتهي منه، لكن داخل البلد متى تزول الخلوة مثلاً في بيت أو في سيارة؟ بعض العلماء يقول: لا تزول إلا بمحرم، وقال بعضهم: إذا وجد رجل ثقة آخر مع هذا الرجل والمرأة الثالثة أو امرأة أخرى ثقة، فإن الخلوة تزول، أو وجد صبي يفهم ويعقل ويستحيا منه، أي: لو أراد أن يفعل لها شيئاً أو تفعل له شيئاً يستحيان من وجود الولد إذا كان يميز، كابن عشر سنين يزيل الخلوة، أما أن يأخذ طفلاً لا يفهم أو شخصاً نائماً فهذا حرام، والحوادث أكثر من أن تقال.
حكم من أحرم من الميقات ثم ذهب لقضاء بعض حاجاته:
السؤال: إذا نويت العمرة، ثم ذهبت ومكثت في جدة يوماً واحداً لقضاء بعض الحاجة؟ الجواب: لا بأس، لكن الإحرام باقٍ عليك، فلا يمكن أن تحرم من جدة لأنك من أهل الميقات الذي هو: قرن المنازل ميقات السيل، فتحرم من السيل.
حكم وضع المرهم في فم الصائم:
السؤال: هل يجوز وضع المرهم على الجرح داخل فم الصائم؟ الجواب: إذا كان لا يدخل إلى الجوف فلا بأس بذلك إذا احتاج فيضعه، وإذا دخل إلى جوفه قضى صومه، لكن إذا لم يدخل فلا بأس بذلك.
هل الدجال الآن موجود على أبواب المدينة؟
السؤال: حديث الدجال هل يفهم أنه على الأبواب؟ الجواب: إن كنت تقصد أبواب المدينة ، فهو خارج أبواب المدينة ، لكن الدجال لم يخرج بعد.
حكم من مات وعليه صلاة وصيام:
السؤال: كان والدي في حياته صلاته منقطعة، وصيامه متقطع، ولكن مرض ولزم الفراش وبقي على حاله إلى حين وفاته، وحججت عنه وأنا أدعو له، ماذا بالنسبة للصيام عنه؟ الجواب: إذا كان حين ترك الصيام مصلياً فإنك تصوم عنه إذا أردت ذلك: (فإن مات وعليه صيام صام عنه وليه).
حكم طواف الوداع على المعتمر:
السؤال: هل للمعتمر طواف وداع؟ الجواب: جمهور العلماء على أنه ليس على المعتمر طواف وداع وجوباً إن طاف فهو مستحب، ويؤجر على ذلك.
معنى قوله: (واجعله الوارث منا).
السؤال: ما معنى: واجعله الوارث منا، في قولك في الدعاء: ومتعنا بأسماعنا وأبصارنا؟ الجواب: قيل: اجعل هذه الأعضاء والحواس والسمع والبصر بأبصارنا وقواتنا، اجعلها وافرة وصابغة وكثيرة وكاملة عند وفاتنا كأننا نورثها إلى من بعدنا، يعني: أنها من الكمال والقوة كأنها تبقى لمن بعدنا، تفيض وتزيد، وقيل: اجعل ما بقي من قوتنا وسمعنا وبصرنا للورثة من بعدنا من أولادنا، انقل لهم هذا واجعله فيهم.
عدد الأسوار حول قبر النبي صلى الله عليه وسلم:
السؤال: أشكل عليّ فهم عدد الأسوار حول قبر النبي صلى الله عليه وسلم؟ الجواب: قلنا: إن هذا البناء الذي بناه عمر بن عبد العزيز المثلث، ثم وراءه سور آخر، ثم القفص الأخضر المذهب، ثلاثة، فإذا نظرت من خلال القفص الأخضر لا ترى القبر، بل ترى الجدار. أحد العمال الأتراك الذين كانوا يعملون في صيانة القبة وصل إلى هذه الفتحة في القبة -متروكة مفتوحة- فأشرف عليها فرأى ثلاثة قبور فأغمي عليه، لكن ماذا فعل به بعد أن رجع إلى تركيا الله أعلم.
حكم تزيين المساجد:
السؤال: ما حكم تزيين المساجد؟ الجواب: إذا كانت زخرفة فإنها منهي عنها، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تحمر ولا تصفر) زخرفة.. نقوش.. كتابات، كل ذلك ممنوع، فالمساجد بيوت الله لا يشغل فيها المصلون عن الصلاة في أي حال من الأحوال. والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.