الطلاق
1653
الأسرة والمجتمع, فقه
الطلاق, قضايا الأسرة
محمد بن محمد المختار الشنقيطي
ملخص الخطبة
1- قصة بيت ينهدم بسبب كلمة. 2- السعادة الزوجية مرهونة بطاعة الزوجين لله. 3- كثر الطلاق عندما قل الخوف من الله بين الناس. 4- نصيحة إلى من يريد طلاق زوجته. 5- كلمة في فضل المدينة النبوية ، ودعوة للقيام بحق هذه البلدة المنورة.
الخطبة الأولى
أما بعد:
فيا عباد الله، اتقوا الله حقيقة التقوى واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى، واعلموا أن أجسادنا على النار لا تقوى، وأكثروا من ذكر الموت والبلى وقرب المصير إلى الله جل وعلا.
عباد الله:
كلمةٌ من الكلمات أبكت عيون الأزواج والزوجات، وروعت قلوب الأبناء والبنات، يا لها من كلمةٍ صغيرة، ولكنها جليلةٌ عظيمة خطيرة، الطلاق، الوداع والفراق والجحيم والألم الذي لا يطاق، كم هدم من بيوت للمسلمين، كم فرّق من شملٍ للبنات والبنين، كم قطّع من أواصر للأرحام والمحبين والأقربين، يا لها من ساعةٍ حزينةٍ، يا لها من ساعةٍ عصيبةً أليمة، يوم سمعت المرأة طلاقها، فكفكفت دموعها وودعت زوجها، ووقفت على باب بيتها؛ لتلقي آخر النظرات على بيتٍ مليءٍ بالذكريات، يا لها من مصيبةٍ عظيمةٍ، هُدمت بها بيوت المسلمين، وفُرّق بها شمل البنات والبنين.
الزواج نعمةٌ من نعم الله، ومنةٌ من أجلّ منن الله، جعله الله آية شاهدةً بوحدانيته، دالةً على عظمته وألوهيته، لكنه إنما يكون نعمةً حقيقية إذا ترسّم كلا الزوجين هدي الكتاب والسنة، وسارا على طريق الشريعة والملّة، عندها تضرب السعادة أطنابها في رحاب ذلك البيت المسلم المبارك، ولكن ما إن يتنكب الزوجان أو يتنكب واحدٌ منهما عن صراط الله حتى تفتح أبواب المشاكل، عندها تعظم الخلافات والنزاعات، ويدخل الزوج إلى بيته حزيناً كسيراً، وتخرج المرأة من بيتها حزينةً أليمةً مهانةً ذليلةً، عندها يعظم الشقاق ويعظم الخلاف والنزاع، فيفرح الأعداء ويشمت الحسّاد والأعداء، عندها – عباد الله – يتفرّق شمل المؤمنين، وتقطّع أواصر المحبين.
كُثر الطلاق اليوم حينما فقدنا زوجاً يرعى الذمم، حينما فقدنا الأخلاق والشيم، زوجٌ ينال زوجته اليوم فيأخذها من بيت أبيها عزيزةً كريمةً ضاحكة مسرورة، ويردها بعد أيام قليلة حزينة باكية مطلقة ذليلة.
كثر الطلاق اليوم حينما استخف الأزواج بالحقوق والواجبات، وضيّعوا الأمانات والمسئوليات، سهرٌ إلى ساعات متأخرةٍ، وضياعٌ لحقوق الزوجات، والأبناء والبنات، يُضحك الغريب ويبكي القريب، يؤنس الغريب يوحش الحبيب.
كثر الطلاق اليوم حينما كثر النمّامون، وكثر الحسّاد الواشون.
كثر الطلاق اليوم حينما فقدنا زوجاً يغفر الزلة ويستر العورة والهنّة، حينما فقدنا زوجاً يخاف الله ويتقي الله ويرعى حدود الله ويحفظ العهود والأيام التي خلت والذكريات الجميلة التي مضت.
كثر الطلاق اليوم حينما فقدنا الصالحات القانتات الحافظات للغيب بما حفظ الله، حينما أصبحت المرأة طليقة اللسان طليقة العنان، تخرج متى شاءت، وتدخل متى أرادت، خرّاجة ولاجة إلى الأسواق، إلى المنتديات، واللقاءات، مضيعة حقوق الأزواج والبنات، يا لها من مصيبةٍ عظيمةٍ.
كثر الطلاق اليوم حينما كثر الحسّاد والنمامون والواشون والمفرّقون.
كثر الطلاق اليوم حينما تدخّل الآباء والأمهات في شؤون الأزواج والزوجات، الأب يتابع ابنه في كل صغير وكبير، وفي كل جليل وحقير، والأم تتدخل في شؤون بنتها في كل صغير وكبير وجليل وحقير حتى ينتهي الأمر إلى الطلاق والفراق. ألم يعلما أنه من أفسد زوجةً على زوجها أو أفسد زوجاً على زوجته لعنه الله.
كثر الطلاق اليوم – عباد الله – لما كثرت المسكرات والمخدرات فذهبت العقول وزالت الأفهام، وتدنّت الأخلاق، وأصبح الناس في جحيم وألمٍ لا يطاق.
كثر الطلاق لما كثرت النعم وبطر الناس الفضل من الله والكرم، وأصبح الغني الثري يتزوج اليوم ويطلق في الغد القريب، ولم يعلم أن الله سائله، وأن الله محاسبه، وأن الله موقفه بين يديه في يوم لا ينفع فيه مالٌ ولا بنون ولا عشيرة ولا أقربون.
يا من يريد الطلاق، الطلاق الوداع والفراق، الطلاق جحيمٌ لا يطاق، الطلاق يبدد شمل البنات والبنين، ويقطّع أواصر الأرحام والأقربين.
الطلاق – عباد الله – مصيبة عظيمةٌ، فيا من يريد الطلاق اصبر فإن الصبر جميلٌ، وعواقبه حميدةٌ من الله العظيم الجليل.
يا من يريد الطلاق إن كانت زوجتك ساءتك اليوم فقد سرّتك أياماً، وإن كانت أحزنتك هذا العام فقد سرّتك أعواماً. يا من يريد الطلاق انظر إلى عواقبه الأليمة ونهاياته العظيمة، انظر لعواقبه على الأبناء والبنات، انظر إلى عواقبه على الذرية الضعيفة، فكم بُدد شملها، وتفرّق قلبها بسبب ما جناه الطلاق عليها.
يا من يريد الطلاق: صبرٌ جميلٌ فإن كانت المرأة ساءتك فلعل الله أن يخرج منها ذريةً صالحةً تقر بها عينك، قال ابن عباس في قوله تعالى: فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً.
قال: هو الولد الصالح. المرأة تكون عند زوجٍ تؤذيه وتسبّه وتُهينه وتؤلمه، فيصبر لوجه الله ويحتسب أجره عند الله ويعلم أن معه الله، فما هي إلا أعوامٌ حتى يقرّ الله عينه بذريةٍ صالحةٍ، وما يدريك فلعل هذه المرأة التي تكون عليك اليوم جحيماً لعلها أن تكون بعد أيام سلاماً ونعيماً، وما يدريك فلعلّها تحفظك في آخر عمرك، صبر فإن الصبر عواقبه حميدةٌ، وإن مع العسر يسراً.
عباد الله: اتقوا الله في الأزواج والزوجات ويا معاشر الأزواج تريثوا فيما أنتم قادمون عليه. إذا أردت الطلاق فاستشر العلماء، وراجع الحكماء، والتمس أهل الفضل والصلحاء، واسألهم عمّا أنت فيه وخذ كلمة منهم تثبتك، ونصيحةً تقوّيك.
إذا أردت الطلاق فاستخر الله وأنزل حوائجك بالله، فإن كنت مريداً للطلاق فخذ بسنة حبيب الله طلّقها طلقةً واحدةً في طهر لم تجامعها فيه، لا تطلّقها وهي حائضٌ فتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه، وإذا طلقتها فطلقها طلقة واحدةً، لا تزيد، جاء رجل إلى ابن عباس فقال: يا ابن عباس طلقت امرأتي مائة تطليقة. قال : (ثلاثٌ حرمت بهن عليك، وسبع وتسعون اتخذت بها كتاب الله هزواً). اللهم أصلح نياتنا، اللهم أصلح أزواجنا وذرياتنا وخذ بنواصينا إلى ما يُرضيك عنا.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانيةالحمد لله الذي نزّل على عبده الفرقان؛ ليكون للعالمين نذيراً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إنه كان بعباده خبيراً بصيراً، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، أرسله بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فيا عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل.
عباد الله: إن الله شرّف المدينة وكرّمها وعظّم شأنها وطيّبها، طيبةُ الطيبةِ مثوى رسول الله ، ودار المهاجرين والأنصار، دار الصفوة والخيرة والأبرار، يا لها من دارٍ إذا دخلها المؤمن تحرّكت في قلبه الذكريات من أخبار الصحابة والصحابيات، هنا كان مسجده، وهنا كان منبره، وهنا كان مصلاه، يا لها من دار تنبيك عن ملاحم الصفوة الأبرار، هذا أحدٌ جبلٌ يُحبّنا ونحبه، على سهله ملحمةٌ من ملاحم الإسلام ويومٌ من أيامه الجليلة العظام، سالت على ذلك السهل دماءُ الشهداء، وفاضت بجواره أرواح السعداء.
هذا بقيع الغرقد كم ضم في جنباته من الصحب الكرام، عشرة آلاف من أصحاب النبي عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام. كم ضمّ بين جوانحه من الأبرار والأخيار والعلماء الأعلام.
دارٌ وأي دار؟ أي دارٍ سكنتموها، وأي محلةٍ نزلتموها؟ إن لها عليكم حقاً كبيراً، دارٌ أحبّها رسول الله ودعا ربه أن يحببها إلى قلبه. قال فيه عليها الصلاة والسلام: ((اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا إلى مكة أو أشد)) قال فيها عليه الصلاة والسلام: ((اللهم إن عبدك وخليلك إبراهيم قد دعاك لمكة وإني أدعوك للمدينة: اللهم اجعل مع البركة بركتين، اللهم اجعل مع البركة بركتين)).
دار كان إذا أقبل عليها من السفر فبدت معالمها وبدا جبلُ أحدٍ من بعيدٍ أمام عينيه ضرب دابته وأسرع إليها صلوات ربي وسلامه عليه، أي دارٍ سكنتموها؟
فيا عباد الله: الله يعلم كم من قلوب حنّت وتمنت ركعة في مسجد رسول الله ، تمنت ألف صلاة في مسجده. تمنّت عمرة في هذا المسجد الطيب المبارك.
فيا عباد الله: إن لهذه الدار حقوقاً عظيمةً، طوبى لمن حفظ فيها حق الجوار، طوبى لمن خاف ربه ذا العزة والجلال الواحد القهار، طوبى لمن حفظ فيها الحرمات وابتعد عن الفواحش والمنكرات.
وهاأنتم اليوم – عباد الله – سكان طيبة الطيبة قد حل عليكم ضيفٌ كريمٌ، ضيفٌ ما وطئ الأرض أحب ولا أكرم على الله منه، حجاج بيت الله الحرام، ضيوفٌ على أهل طيبة الطيبة فافتحوا قلوبكم، وافتحوا صدوركم ودوركم، وخذوهم فإنهم ضيفٌ كريمٌ، ضيف يحبكم وتحبونه، ويجلّكم وتجلونه، فاظهروا لله ما يرضيه عنكم، ذكروا ناسيهم، ونبهوا غافلهم، وأطعموا جائعهم، واستروا عاريهم وأحسنوا إن الله يحب المحسنين.
صلوا وسلموا على خير الأنام، عليه من الله أفضل الصلاة وأزكى السلام، فقد أمركم الله بذلك حيث يقول ذو الجلال والإكرام: إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً، وقال : ((من صلى علي مرة صلى الله عليه بها عشراً)) اليوم يوم الجمعة، يوم الصلاة والسلام على خير خلق الله، وإن صلاتكم معروضةٌ عليه، تسليماً، وزاده تشريفاً وتكريماً، اللهم ارض عن الخلفاء الراشدين.