الحقوق الزوجية
خالد بن محمد الشارخ
ملخص الخطبة
1- تقصير الزوجين بحق بعضهما ينعكس على أبنائهما. 2- حقوق الزوجة على زوجها. 3- حقوق الزوج على زوجته. 4- الحقوق المشتركة.
الخطبة الأولى
أما بعد:
فقد تكلمنا في الخطبة الماضية عن الأسرة المسلمة ومكانتها في الإسلام، وتكلمنا عن مقومات الأسرة المسلمة والأخطاء التي تصدر من أفراد الأسرة.
ووعدتكم أن أتكلم في هذه الخطبة عن الحقوق الزوجية العامة والخاصة. فها أنا ذا أنجز لكم ما وعدت والله المستعان. وإن كان هذا الموضوع أيها الأخوة لا تكفيه خطبة واحدة ولكن سوف أجمل هذه الحقوق وأعلق على ما يحتاج إلى تعليق.
أيها الناس:
إن الإسلام قد وضع حقوقاً على الزوجين، وهذه الحقوق منها ما هو مشترك بين الزوجين، ومنها ما هو حق للزوج على زوجته، ومنها ما هو حق للزوجة على زوجها.
وإن الحياة الزوجية بحقوقها وواجباتها والتزاماتها لتمثل بناءاً ضخماً جميلاً يعجب الناس منظره.
وإن أي نقص في أي حق من الحقوق الزوجية سواء كان حقاً مشتركاً أو خاصاً يسبب شرخاً عظيماً في بناء الأسرة المسلمة.
وليت هذا النقص – أيها الأخوة – يعود أثره على الزوجين فقط.
بل إن أي تقصير أو نقص في واحد من هذه الحقوق وخاصة الحقوق الظاهرة التي يراها الأبناء والبنات سيكون أثره على الأبناء والبنات جميعاً على حد سواء.
فإن الولد سواءً كان ابناً أو بنتاً، إذا كان يصبح ويمسي على شجار وخلاف بين أبويه، وترى البنت أمها لا تقوم بحق والدها حق القيام ويرى الابن أباه لا يقوم بحق أمه حق القيام. لا شك أن هذا سيورث عندهما تصوراً خاطئاً وسيئاً ويجعل الأب والأم في قفص الاتهام دائماً من قبل الابن أو البنت.
وإن الزوجين إذا التزما منهج الإسلام الكامل في الحقوق الزوجية عاشا في ظلال الزوجية الوارف سعداء آمنين. لا تعكرهما أحزان المشاكل؛ ولا تقلقهما حادثات الليالي.
والحقوق الزوجية ثلاثة:
1- حق الزوجة على زوجها.
2- حق الزوج على زوجته.
3- حقوق مشتركة بينهما.
أما حق الزوجة على زوجها:
1- توفية مهرها كاملاً امتثالاً لقوله تعالى: وآتوا النساء صدقاتهن نحلة.
فلا يجوز للزوج ولا لغيره من أب أو أخ أن يأخذ من مهرها شيئاً إلا برضاها.
فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً فكلوه هنيئاً مريئاً.
2- الحق الثاني: الإنفاق عليها:
وهذه النفقة تتناول نفقة الطعام والكسوة، والعلاج والسكن لقوله: وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف.
3- الحق الثالث: وقايتها من النار: امتثالاً لقوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً.
قال علي في قوله تعالى: قوا أنفسكم وأهليكم ناراً أدبوهم وعلموهم. أهـ.
وكذلك يخبر أهله بوقت الصلاة وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها.
وإذا كان الزوج لا يستطيع تعليم امرأته فلييسر لها أسباب التعليم، أعني بالتعلم تعلم أحكام الدين، ومعرفة ما أوجب الله عليها ومعرفة ما نهاها الله عنه.
لكن المصيبة إذا كان الزوج نفسه واقع في الحرام؛ فهي الطامة الكبرى، لأن الرجل قدوة أهل بيته، والقدوة من أخطر وسائل التربية.
عن فضيل بن عياض قال: رأى مالك بن دينار رجلاً يسيء صلاته، فقال: ما أرحمني بعياله، فقيل له: يا أبا يحيى يسيء هذا صلاته وترحم عياله؟
قال: إنه كبيرهم ومنه يتعلمون.
ومن المصيبة أيضاً ومن النقص العظيم أن يُنزل الرجل نفسه في غير منزلتها اللائقة بها، فإن الله تعالى جعل الرجال قوامين على النساء، ومن شأنه أن يكون مطاعاً لا مطيعاً، متبوعاً لا تابعا.
وما المرء إلا حيث يجعل نفسه فإن شاء أعلاها وإن شاء سفّلا
وقد استشرى داء تسلط المرأة وطغيانها في أوساطنا بسبب التقليد تارة، وبسبب ضعف شخصية الزوج أو التدليل الزائد تارة أخرى.
وهو من أخطر الأمور وأكثرها إيذاءً، فالكلمة الأولى والأخيرة بيد المرأة، والزوج مجرد منفذ لهذه الأوامر، ومن أجل ذلك تجد في صفات بعض المسلمين اليوم الميوعة والضعف والانهزامية واللامبالاة.
4- الحق الرابع: أن يغار عليها في دينها وعرضها، إن الغيرة أخص صفات الرجل الشهم الكريم، وإن تمكنها منه يدل دلالة فعلية على رسوخه في مقام الرجولة الحقة والشريفة.
وليست الغيرة تعني سوء الظن بالمرأة والتفتيش عنها وراء كل جريمة دون ريبة.
فعن جابر بن عتيك قال: قال رسول الله : ((إن من الغيرة غيره يبغضها الله وهي غيرة الرجل على أهله من غير ريبة)) [رواه أحمد وأبو داود، وحسنه الألباني في ال\رواء].
وقد نظم الإسلام أمر الغيرة بمنهج قويم:
1) أن يأمرها بالحجاب حين الخروج من البيت.
2) أن تغض بصرها عن الرجال الأجانب.
3) ألا تبدي زينتها إلا للزوج أو المحارم.
4) ألا تخالط الرجال الأجانب ولو أذن بذلك زوجها.
5) أن لا يعرضها للفتنة كأن يطيل غيابه عنها، أو يشتري لها تسجيلات الخنا والفحش.
5- الحق الخامس: وهو من أعظم حقوقها: المعاشرة بالمعروف.
والمعاشرة بالمعروف تكون بالتالي:
حسن الخلق معها، فقد روى الطبراني عن أسامة بن شريك مرفوعاً: ((أحب عباد الله إلى الله أحسنهم خلقاً)) [حديث صحيح].
ومن حسن الخلق أن تحترم رأيها وأن لا تهينها سواء بحضرة أحد أم لا. ومن حسن الخلق إذا صدر منك الخطأ أن تعتذر منها كما تحب أنت أن نعتذر منك إذا أخطأت عليك، وهذا لا يغض من شخصك أبداً، بل يزيدك مكانة ومحبة عندها.
ومن المعاشرة بالمعروف التوسيع بالنفقة عليها وعلى عيالها.
ومنها استشارتها في أمور البيت وخطبة البنات، وقد أخذ النبي بإشارة أم سلمة يوم الحديبية.
ومنها: أن يكرمها بما يرضيها، ومن ذلك أن يكرمها في أهلها عن طريق الثناء عليهم بحقٍ أمامها ومبادلتهم الزيارات ودعوتهم في المناسبات.
ومنها أن يمازحها ويلاطفها، ويدع لها فرصاً لما يحلو لها من مرح ومزاح، وأن يكون وجهه طلقاً بشوشاً، وأن إذا رآها متزينة له لابسة لباساً جديداً أن يمدحها ويبين لها إعجابه فيها، فإن النساء يعجبهن المدح.
ومنها التغاضي وعدم تعقب الأمور صغيرها وكبيرها، وعدم التوبيخ والتعنيف في كل شيء.
فعن أنس أن النبي لم يقل له قط أفٍ (ولا قال لشيء فعلته لم فعلته؟ ولا لشيء لم أفعله لا فعلت كذا) [رواه البخاري ومسلم].
ومن المعاشرة بالمعروف: أن يتزين لها كما يحب أن تتزين له، ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف.
ومنها أن يشاركها في خدمة بيتها إن وجد فراغاً.
فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: (كان النبي يكون في مهنة أهله -يعني خدمة أهله- فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة) [رواه البخاري].
تلكم كانت أهم الحقوق التي يجب أن تقوم بها الزوج تجاه زوجته كما أمر الإسلام.
بارك الله لي ولكم بالقران العظيم..
الخطبة الثانيةالحمد لله ذي الحمد والثناء، والمنع والعطاء والجود والحباء، وأصلي وأسلم على النبي النبيل صاحب الغرة والتحجيل، الذي علم ودعا وجاهد وأوذي في جنب الجليل، فلذلك قربه أحبه ورفعه فوق منزلة إبراهيم الخليل.
أما بعد:
فيا عباد الله:
كما أن للزوجة حقاً على زوجها، فللزوج حق على زوجته.
الحق الأول من الحقوق:
1- الحق الأول: طاعته بالمعروف: على المرأة خاصة أن تطيع زوجها فيما يأمرها به في حدود استطاعتها. وهذه الطاعة أمر طبيعي تقتضيه الحياة المشتركة بين الزوج والزوجة.
ولا شك أن طاعة المرأة لزوجها يحفظ كيان الأسرة من التصدع والانهيار.
وتبعث إلى محبة الزوج القلبية لزوجته، وتعمق رابطة التآلف والمودة بين أعضاء الأسرة.
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : ((إذا صلّت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحصنت فرجها، وأطاعت زوجها، قيل لها: ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة، شئت)) [رواه ابن حبان ورواه الإمام أحمد من حديث عبد الرحمن بن عوف].
ولتعلم المرأة المسلمة أن الإصرار على مخالفة الزوج يوغر صدره، ويجرح كرامته، ويسيء إلى قوامته، والمرأة المسلمة الصالحة إذا أغضبت زوجها يوماً من الأيام فإنها سرعان ما تبادر إلى إرضائه وتطييب خاطره، والاعتذار إليه مما صدر منها. ولا تنتظره حتى يبدأها بالاعتذار.
2- الحق الثاني: المحافظة على عرضه وماله:
قال تعالى: فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله وحفظها للغيب أن تحفظه في ماله وعرضه.
فقد روى أبو داود والنسائي أن رسول الله قال: ((ألا أخبركم بخير ما يكنز المرء؟ المرأة الصالحة، إذا نظر إليها سرته، وإذا أمرها طاعته وإذا غاب عنها حفظته في نفسها وماله)).
3- الحق الثالث: مراعاة كرامته وشعوره:
فلا يرى منها في البيت إلا ما يحب، ولا يسمع منها إلا ما يرضى، ولا يستشعر منها إلا ما يُفرح.
والزوج في الحقيقة إذا لم يجد في بيته الزوجة الأنيقة النظيفة اللطيفة ذات البسمة الصادقة، والحديث الصادق، والأخلاق العالية، واليد الحانية والرحيمة فأين يجد ذلك؟
وأشقى الناس من رأى الشقاء في بيته وهو بين أهله وأولاده، وأسعد الناس من رأى السعادة في بيته وهو بين أهله وأولاده.
2- الحق الرابع: قيامها بحق الزوج وتدبير المنزل وتربية الأولاد.
قال أنس : كان أصحاب رسول الله إذا زفوا امرأة إلى زوجها يأمرونها بخدمة الزوج ورعاية حقه، وتربية أولاده.
3- الحق الخامس: قيامها ببر أهل زوجها:
وهذه من أعظم الحقوق على الزوجة، وهي أقرب الطرق لكسب قلب الزوج، فالزوج يحب من امرأته أن تقوم بحق والديه، وحق إخوانه وأخواته، ومعاملتهم المعاملة الحسنة، فإن ذلك يفرح الزوج ويؤنسه، ويقوي رابطة الزوجية.
4- الحق السادس: ألا تخرج من بيته إلا بإذنه حتى ولو كان الذهاب إلى أهلها.
5- السابع: أن تشكر له ما يجلب لها من طعام وشراب وثياب وغير ذلك مما هو في قدرته. وتدعو له بالعوض والإخلاف ولا تكفر نعمته عليها.
6- ومن حقه عليها ألا تطالبه مما وراء الحاجة وما هو فوق طاقته فترهقه من أمره عسراً بل عليها أن تتحلى بالقناعة والرضى بما قسم الله لها من الخير.
تلكم أهم الحقوق التي تجب على الزوجة مراعاتها والقيام بها:
· أما الحقوق المشتركة بين الزوجين فأجملها:
1- التعاون على جلب السرور ودفع الشر والحزن ما أمكن.
2- التعاون على طاعة الله والتذكير بتقوى الله.
3- استشعارهما بالمسؤولية المشتركة في بناء الأسرة وتربية الأولاد.
4- إلا يفشي أحدهما سر صاحبه، وألا يذكر قرينه بسوء بين الناس سواءً كان الشخص قريباً أم بعيداً.
حتى والديك أو والديها فإن المشاكل البيتية تحل بسهولة ويسرّ ما لم تخرج المشكلة خارج البيت حينها يصعب حلها وتتعقد أكثر وأكثر.
روى مسلم في صحيحه أن النبي قال: ((إن من شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتقضي إليه ثم ينشر أحدهما سر صاحبه)).
تلكم أيها الأزواج:
أبرز معالم المنهج الذي رسمه الإسلام في حقوق الزوجين.
وأؤكد لكم أنكم إذا التزمتموه في حياتكم الزوجية تطبيقاً وتنفيذاً، كانت المحبة رائدكم، والتعاون سبيلكم، وإرضاء الله سبحانه وتعالى غايتكم.
وتربية أولادكم على الإسلام هدفاً أساسياً من إهدائكم، بل عاش الواحد منكم مع زوجه في الحياة كنفس واحدة في التصافي والتفاهم والمودة.
على أني أُذكر الأخوة جميعاً أن الله تعالى أبى أن تكون هذه الدنيا كاملة في لذتها وفرحها ومتعتها وزينتها، فلابد أن يحصل شيء ما من الكدر والضيق، ولعل من حكمة الله تعالى في ذلك أن يتذكر المسلم بنقصان نعيم الدنيا كمال نعيم الآخرة.
والله اسأل أن يوفق الزوجين على القيام بحقوقهما. عسى أن يعيشا معاً في ظل الزوجية الوارف آمنين مطمئنين سعداء مكرمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين..