رؤية المؤمنين لرب العالمين
مهران ماهر عثمان نوري
أما بعد: فإن من أعظم المهمات وآكد الواجبات أن يعلم المسلم أنَّ عقيدته يجب أن تُستمد من كتاب الله ومن سنة رسول الله ، وأن لا يخضع أمرها إلى آراء الرجال.
ومن عقيدة المسلمين التي يجب الإيمان بها أن المؤمنين يرون الله رب العالمين يوم القيامة، والرؤية من أشرف مسائل أصول الدين، وهي الغاية التي شمَّر لها المشمرون، وتنافس فيها المتنافسون، وحُرمها الذين هم عن ربهم محجوبون وعن بابه مطرودون، وهي من المسائل التي بلغت أحاديثُها حدَّ التواتر، قال الناظم:
مما تواتر حديث من كذب *** ومن بنى لله بيتًا واحتسب
ورؤية شفـاعة والْحوض *** ومسح خفين وهذي بعض
والإيمان بها داخل في معنى الإيمان بالله وكتبه ورسله كما قرره علماؤنا رحمهم الله[1]؛ فإن الله أخبر بها، والإيمان بخبر الله إيمان بالله، وجاءت الأدلة عليها في كتابه سبحانه، ونصَّ النبي على وقوعها، فيكون الإيمان بها من الإيمان بالرسل والكتب كذلك.
وقد تنوعت مظانّ أدلّة هذه العقيدة، فدلَّ عليها القرآن الكريم في مواضع عديدة، فمن ذلك قوله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَة [القيامة:22-23]. وهي تدل على ما قُرّر من ثلاثة وجوه:
الأول: عُدّي النظر بـ(إلى) الدالة على الغاية، والنظر إذا عُدي بـ(إلى) دلَّ على المعاينة بالأبصار، كهذه الآية وكقوله تعالى: انظُرُواْ إِلِى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ [الأنعام:99]، وإذا عُدّي بـ(في) كان بمعنى التفكر والاعتبار، كما في قول الله تعالى: أَوَلَمْ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ [الأعراف:185]، وإن عُدي بنفسه كان بمعنى التوقف والانتظار، قال تعالى: يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ [الحديد:13].
الثاني: أن النظر في الآية محلّه الوجه، ولا يُتصوّر في مثل هذا إلا أن يكون معاينةً بالبصر.
الثالث: خلا الدليل من قرينة تصرف اللفظ عن ظاهره، فوجب حمله على حقيقته وموضوعه.
وإن من اللطائف في هذه الآية الكريمة أن الله هيأهم للنظر إليه، فقد نضر وجوههم قبل أن يشرفها بالنظر إلى وجهه الكريم، نَاضِرَةٌ أي: حسنة، كما قال سبحانه: وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا [الإنسان:11].
ومن الأدلة القرآنية التي تبين ذلك وتدل عليه قوله سبحانه وتعالى: إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ [المطففين:22-24]، قال الطبري: "ينظرون إلى ما أعطاهم الله من النعيم"[2]. وهذه الآية عامة تشمل كلّ شيء يتمتّعون بالنظر إليه، ومن ذلك النظر إلى وجه الله الكريم، فهو أكمل النعيم.
ومن الآيات الدالة على صحة هذا الاعتقاد قول الله: ( لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ )[يونس:26]، فقد جاء تفسيرها عن نبينا أن الحسنى الجنة، والزيادة النظر إلى وجه الله الكريم كما سيأتي، ولا عبرة بعد ذلك بقول أيّ أحد، فإنَّ أعلم الناس بربه وبما أنزله نبينا.
ومن الآيات قول الله: ( لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ) [ق:35]، فقد أورد الطبري رحمه الله تفسير أنس بن مالك لها أن المزيد رؤية الله تعالى في الجنة[3].
ومن أدلة ذلك أيها المؤمنون: (كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ) [المطففين:15]. استدلّ بها على ذلك الإمام الشافعي رحمه الله، قال: "لما حجب الكافرين حال السخط رآه المؤمنون في الرضا". أورد ذلك عنه الإمام ابن كثير في التفسير[4].
وقد جاءت سنة نبينا مؤكدة هذه العقيدة في أحاديث كثيرة بلغت حدَّ التواتر، منها ما جاء عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ فَنَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةً ـ يَعْنِي الْبَدْرَ ـ فَقَالَ: ((إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ لا تُضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ)) أخرجاه في الصحيحين، وفي رواية: ((لا تُضامُون)) بتخفيف الميم، فالأولى بمعنى: لا تزدحمون على ذلك كما يحصل عند رؤية الخفيّ من الأشياء، ينضم الإنسان إلى صاحبه لينظر إليه، والثانية بمعنى: لا يلحقكم ضيم وظلم بأن يحجب بعضكم عن رؤيته، وفي رواية: ((إنكم سترون ربكم عيانًا)).
وأما قوله : ((كما ترون القمر)) فهذا التشبيه منصرف إلى الرؤية وليس لتشبيه المرئي بالمرئي[5]، فالله تعالى لا يشبهه أحد من خلقه، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]. وهذه الرؤية خاصة بالمسلم دون الكافر.
وعَنْ أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَكُلُّنَا يَرَى رَبَّهُ مُخْلِيًا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَا آيَةُ ذَلِكَ فِي خَلْقِهِ؟ قَالَ: ((يَا أَبَا رَزِينٍ، أَلَيْسَ كُلُّكُمْ يَرَى الْقَمَرَ؟)) قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: ((فَاللَّهُ أَعْظَمُ)) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه.
ومن الأدلة قول النبي : ((إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ قَالَ: يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا؟! أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ وَتُنَجِّنَا مِنْ النَّارِ؟! فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ، فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنْ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ))، ثُمَّ تَلا هَذِهِ الآيَةَ: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ [يونس:26] رواه مسلم.
ومنها عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ أُنَاسٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ فَقَالَ: ((هَلْ تُضَارُّونَ فِي الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ؟)) قَالُوا: لا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: ((هَلْ تُضَارُّونَ فِي الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لَيْسَ دُونَهُ سَحَابٌ؟)) قَالُوا: لا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: ((فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ)) أخرجاه في الصحيحين.
معاشر المؤمنين، استدل المخالفون من أهل الاعتزال ومن سلك طريقهم بدليلين:
الأول: قول الله تعالى: وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ [الأعراف:143]، قالوا: الآية فيها نفي رؤية الله تعالى. والجواب أن (لن) لا تفيد النفي على التأبيد، كما قال في الخلاصة:
ومن رأى النفي بلن مؤبدًا *** فقوله اردد وسِواه فاعضدا
ودليل ذلك من القرآن قول الرحمن: وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمينَ [البقرة:95] مع قوله عنهم: وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ [الزخرف:77].
فالآية فيها أن رؤية الله في الدنيا منفية لأنَّا في ضعف لا يمكّننا من ذلك، بل لا يمكن للمرء في الدنيا أن ينظر إلى مَلك في صورته التي خلقه الله عليها، فمن باب أولى أنه لا يطيق رؤية الله تعالى فيها، قال تعالى: وَقَالُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَّقُضِيَ الأمْرُ ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ [الأنعام:8، 9]. لَّقُضِيَ الأمْرُ أي: "ماتوا من هول رؤية الملك في صورته؛ فإن أهل التأويل مجمعون على أن ذلك لا يمكن؛ لأنهم لم يكونوا يطيقون رؤية الملك في صورته، وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لكان في صورة بشر؛ لعدم إطاقة رؤيته"[6]، وقال الكلبي رحمه الله: "لا طاقة لهم على رؤية الملك في صورته"[7].
ونحن ـ أهلَ السنة ـ نقول: إن هذه الآية من الأدلة على وقوع الرؤية لوجوه منها:
الأول: أن موسى عليه السلام سأل ذلك، ولا يمكن أن يسأل محالاً على الله تعالى، قال القرطبي رحمه الله مثبتًا رؤية الله في الآخرة مستدلاً بهذه الآية: "إذ لو لم تكن جائزة ـ أي: الرؤية ـ لكان سؤال موسى عليه السلام مستحيلاً، ومحال أن يجهل نبي ما يجوز على الله وما لا يجوز"[8].
الثاني: أن الله تعالى لم ينكر عليه ذلك، فلو كان غير ممكنٍ لأنكر عليه كما أنكر على نوح عليه السلام في قوله تعالى: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ [هود:46].
الثالث: إذا جاز على الله أن يتجلى للجبل أفلا يتجلى لأوليائه في الآخرة؟!
وأما الآية الثانية التي استدلوا بها على نفي الرؤية فهي قوله تعالى: لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الأنعام:103].
والجواب أن الإدراك شيء زائد على الرؤية، ولذا فرَّق الله بينهما في قوله: فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ [الشعراء:61، 62]، فوقعت الرؤية وانتفى الإدراك فيها. وأنت في الدنيا قد ترى مخلوقًا ولا تحيط به إدراكًا كالسماء، ونحن نعلم ربنا ونؤمن به ومع ذلك لا نحيط به علمًا كما قال تعالى: وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا [طه:110].
أيها المؤمنون، من أحب أن يُكرمه الله بهذه النعمة فعليه أن يحرص على أداء صلاتي الفجر والعصر في جماعة، فقد قال النبي : ((إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ لا تُضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ، فَإِنْ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لا تُغْلَبُوا عَلَى صَلاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا))، ثُمَّ قَرَأَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ [ق:39]، والمعنى: لا تُغلبوا فتفوّتوا هاتين الصلاتين في جماعة[9].
بارك الله لي ولكم في القرآن الكريم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم وللمؤمنين، فاستغفروه إنه غفور رحيم.
الخطبة الثانية الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير المرسلين وخاتم النبيين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فقد مضى الحديث عن أناس من المكرمين الذين يُنعَّمون برؤية رب العالمين. وقد جاء في القرآن والسنة ذكر غيرهم من المحرومين الذين لا ينظر الله إليهم ولهم عذاب أليم، وفائدة ذكرهم والعلم بهم أن يُجتنب سبيلهم، فمنهم أهل الكفر والشرك الذين قال الله فيهم: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَـئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [آل عمران:77]، وهم أهل الكتاب، كتموا الحق فلم يشهدوا بصدق نبوة نبينا .
ومنهم الثلاثة الذين قال عنهم النبي : ((ثَلاثَةٌ لا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)) ثَلاثَ مِرَار، قَالَ أَبُو ذَرٍّ: خَابُوا وَخَسِرُوا، مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: ((الْمُسْبِلُ وَالْمَنَّانُ وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ)) رواه مسلم.
وقد أوضحت بعض الروايات أن المراد بالمسبل هنا من فعله على سبيل الخيلاء والكبر، وهذا من أسباب الخسف في الدنيا، قال النبي : ((بَيْنَمَا رَجُلٌ يَجُرُّ إِزَارَهُ مِنْ الْخُيَلاءِ خُسِفَ بِهِ، فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِي الأَرْضِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ)) أخرجاه في الصحيحين. والمنان الذي يُعطي ويؤذي، والمنة تهدم الصنيعة، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى [البقرة:264]. والمنفق سلعته بالحلف الكاذب الذي يحلف أنه اشترى بكذا أو أنه لو باع بكذا لخسر وهو يعلم أنه كاذب، وكثرة الحلف في البيع يمحق بركته وإن كان الحلف بارًا.
ومن أولئك المحرومين من قال فيهم النبي : ((ثَلاثَةٌ لا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: شَيْخٌ زَانٍ وَمَلِكٌ كَذَّابٌ وَعَائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ)) رواه مسلم.
فالزنا قبيح كله، ولكنه درجات في ذلك، فالزنا بالمتزوجة ليس كغيرها، والزنا بامرأة الجار أقبح، وبامرأة المجاهد في سبيل الله أعرّ، وهو من الشيخ أقبح من وقوعه من غيره من الشباب؛ لأن الشباب مظنة القوة وشدة الشهوة؛ ولذا قال النبي : ((إنَّ ربَّك ليَعجبُ للشابِّ ليست له صَبْوَة)) رواه أحمد، والصبوة: الميل إلى الهوى. وأما الملك فلا يحتاج إلى الكذب، فكذبه دليل على شدة ضعف الإيمان عنده. والفقر من شأنه أن يحدث انكسارًا وليس كبرًا وخيلاءً.
ومنهم من منع ماءً لا يدَ له فيه.
فاللّهم جنبنا سبيلهم، وعاملنا بما أنت أهله، اللهم إنا نسألك لذة النظر إلى وجهك الكريم...
ــــــــــ
[1] انظر العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
[2] جامع البيان (30/104).
[3] جامع البيان (26/174-175).
[4] تفسير القرآن العظيم (2/162).
[5] انظر: شرح مسلم للنووي (5/134).
[6] المحرر الوجيز (2/70).
[7] التسهيل (2/3).
[8] الجامع لأحكام القرآن (7/55).
[9] انظر: فتح الباري (2/33). المصدر: المنبر