24 ساعة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


 
24 ساعةالأخبارالرئيسيةأحدث الصورالمقالاتالتسجيلدخولالفيديو والمالتيمدياتابعنا على فيس بوك24 يوتيوبتابعنا على تويتر

 

 أسباب رفع العقوبة عن العبد لإبن تيمية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
خير امه

خير امه



أسباب رفع العقوبة عن العبد لإبن تيمية Empty
02082010
مُساهمةأسباب رفع العقوبة عن العبد لإبن تيمية

أسباب رفع العقوبة عن العبد لإبن تيمية


والقسم الثالث : أن يكون عقاب معصيته أزيد من ثواب طاعته ، وحينئذ ينحبط ذلك الثواب بما يساويه من العقاب ، ويفضل من العقاب شيء ، ومثل هذه المعصية هي الكبيرة ، وهذا الانحباط هو المسمى بالاحباط ، وبهذا الكلام ظهر الفرق بين الكبيرة وبين الصغيرة . وهذا قول جمهور المعتزلة .
واعلم أن هذا الكلام مبني علىأصول كلها باطلة عندنا . أولها : أن هذا مبني على أن الطاعة توجب ثوابا والمعصية توجب عقابا ، وذلك باطل لأنا بينا في كثير من مواضع هذا الكتاب أن صدور الفعل عن العبد لا يمكن إلا اذا خلق الله فيه داعية توجب ذلك الفعل ، ومتى كان كذلك امتنع كون الطاعة موجبة للثواب ، وكون المعصية موجبة للعقاب ، وثانيها : أن بتقدير أن يكون الأمر كذلك ، إلا أنا نعلم ببديهة العقل أن من اشتغل بتوحيد الله وتقديسه وخدمته وطاعته سبعين سنة ، فان ثواب مجموع هذه الطاعات الكثيرة في هذه المدة الطويلة أكثر بكثير من عقاب شرب قطرة واحدة من الخمر ، مع أن الأمة مجمعة على أن شرب هذه القطرة من الكبائر ، فان أصروا وقالوا : بل عقاب شرب هذه القطرة أزيد من ثواب التوحيد وجميع الطاعات سبعين سنة فقد أبطلوا على أنفسهم أصلهم ، فانهم يبنون هذه المسائل على قاعدة الحسن والقبح العقليين ، ومن الأمور المتقررة في العقول أن من جعل عقاب هذا القدر من الجناية أزيد من ثواب تلك الطاعات العظيمة فهو ظالم ، فان دفعوا حكم العقل في هذا الموضع فقد أبطلوا على أنفسهم القول بتحسين العقل وتقبيحه ، وحينئذ يبطل عليهم كل هذه القواعد ، وثالثها : أن نعم الله تعالى كثيرة وسابقة على طاعات العبيد ، وتلك النعم السابقة موجبة لهذه الطاعات ، فكان أداء الطاعات أداء لما وجب بسبب النعم السابقة ، ومثل هذا لا يوجب في المستقبل شيئاً آخر ، وإذا كان كذلك وجب أن لا يكون شيء من الطاعات موجبا للثواب أصلا ، وإذا كان كذلك فكل معصية يؤتى بها فان عقابها يكون أزيد من ثواب فاعلها ، فوجب أن يكون جميع المعاصي كبائر ، وذلك أيضاً باطل . ورابعها : أن هذا الكلام مبني على القول بالاحباط ، وقد ذكرنا الوجوه الكثيرة في إبطال القول بالاحباط في سورة البقرة ، فثبت أن هذا الذي ذهبت المعتزلة اليه في الفرق بين الصغيرة والكبيرة قول باطل وبالله التوفيق .
المسألة الثانية : اختلف الناس في أن الله تعالى هل ميز جملة الكبائر عن جملة الصغائر أم لا؟ فالأكثرون قالوا : إنه تعالى لم يميز جملة الكبائر عن جملة الصغائر ، لأنه تعالى لما بين في هذه الآية أن الاجتناب عن الكبائر يوجب تكفير الصغائر ، فاذا عرف العبد أن الكبائر ليست إلا هذه الأصناف المخصوصة ، عرف أنه متى احترز عنها صارت صغائره مكفرة فكان ذلك إغراء له بالاقدام على تلك الصغائر ، والاغراء بالقبيح لا يليق بالجملة ، أما إذا لم يميز الله تعالى كل الكبائر عن كل الصغائر ، ولم يعرف في شيء من الذنوب أنه صغيرة ، ولا ذنب يقدم عليه إلا ويجوز كونه كبيرة فيكون ذلك زاجراً له عن الاقدام عليه . قالوا : ونظير هذا في الشريعة إخفاء الصلاة الوسطى في الصلوات وليلة القدر في ليالي رمضان ، وساعة الاجابة في ساعات الجمعة ، ووقت الموت في جميع الأوقات . والحاصل أن هذه القاعدة تقتضي أن لا يبين الله تعالى في شيء من الذنوب أنه صغيرة ، وأن لا يبين أن الكبائر ليست إلا كذا وكذا ، فانه لو بين ذلك لكان ما عداها صغيرة ، فحينئذ تصير الصغيرة معلومة ، ولكن يجوز أن يبين في بعض الذنوب أنه كبيرة . روي أنه صلى الله عليه وسلم قال :" ما تعدون الكبائر " فقالوا : الله ورسوله أعلم ، فقال : " الاشراك بالله وقتل النفس المحرمة وعقوق الوالدين والفرار من الزحف والسحر وأكل مال اليتيم وقول الزور وأكل الربا وقذف المحصنات الغافلات " وعن عبدالله بن عمر أنه ذكرها وزاد فيها : استحلال آمين البيت الحرام ، وشرب الخمر ، وعن ابن مسعود أنه زاد فيها : القنوط من رحمة الله واليأس من رحمة الله ، والأمن من مكر الله . وذكر عن ابن عباس أنها سبعة ، ثم قال : هي إلى السبعين أقرب . وفي رواية أخرى إلى السبعمائة أقرب ، والله أعلم .
المسألة الثالثة : احتج أبو القاسم الكعبي بهذه الآية على القطع بوعيد أصحاب الكبائر فقال : قد كشف الله بهذه الآية الشبهة في الوعيد ، لأنه تعالى بعد أن قدم ذكر الكبائر ، بين أن من اجتنبها يكفر عن سيآته ، وهذا يدل على أنهم إذا لم يجتنبوها فلا تكفر ، ولو جاز أن يغفر تعالى لهم الكبائر والصغائر من غير توبة لم يصح هذا الكلام .
وأجاب أصحابنا عنه من وجوه : الأول : أنكم إما أن تستدلوا بهذه الآية من حيث أنه تعالى لما ذكر أن عند اجتناب الكبائر يكفر السيآت ، وجب أن عند عدم اجتناب الكبائر لا يكفرها ، لأن تخصيص الشيء بالذكر يدل على نفي الحكم عما عداه وهذا باطل . لأن عند المعتزلة هذا الأصل باطل ، وعندنا انه دلالة ظنية ضعيفة ، وإما أن تستدلوا به من حيث أن المعلق بكلمة «إن» على الشيء عدم عند عدم ذلك الشيء ، وهذا أيضا ضعيف ، ويدل عليه آيات : إحداها : قوله : { واشكروا الله إِن كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ } [ البقرة : 172 ] فالشكر واجب سواء عبد الله أو لم يعبد . وثانيها : قوله تعالى : { فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضًا فَلْيُؤَدّ الذى اؤتمن أمانته } [ البقرة : 283 ] وأداء الأمانة واجب سواء ائتمنه أو لم يفعل ذلك . وثالثها : { فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وامرأتان } [ البقرة : 282 ] والاستشهاد بالرجل والمرأتين جائز سواء حصل الرجلان أو لم يحصلا . ورابعها : { وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِبًا فرهان مَّقْبُوضَةٌ } [ البقرة : 283 ] والرهن مشروع سواء وجد الكاتب أو لم يجده . وخامسها : { وَلاَ تُكْرِهُواْ فتياتكم عَلَى البغاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً } [ النور : 33 ] والاكراه على البغاء محرم ، سواء أردن التحصن أو لم يردن . وسادسها : { وَإِنْ خِفْتُمْ أَن لا تُقْسِطُواْ فِى اليتامى فانكحوا مَا طَابَ لَكُمْ مّنَ النساء } [ النساء : 3 ] والنكاح جائز سواء حصل ذلك الخوف أو لم يحصل ، وسابعها : { فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصلاة إِنْ خِفْتُمْ } [ النساء : 101 ] والقصر جائز ، سواء حصل الخوف أو لم يحصل وثامنها : { فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثنتين فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ } [ النساء : 11 ] والثلثان كما أنه حق الثلاثة فهو أيضاً حق الثنتين ، وتاسعها : قوله :{ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فابعثوا حَكَماً مّنْ أَهْلِهِ } [ النساء : 35 ] وذلك جائز سواء حصل الخوف أو لم يحصل . وعاشرها : قوله : { إِن يُرِيدَا إصلاحا يُوَفّقِ الله بَيْنَهُمَا } [ النساء : 35 ] وقد يحصل التوفيق بدون إرادتيهما ، والحادي عشر : قوله : { وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ الله كُلاًّ مّن سَعَتِهِ } [ النساء : 130 ] وقد يحصل الغنى بدون ذلك التفرق ، وهذا الجنس من الآيات فيه كثرة ، فثبت أن المعلق بكلمة «إن» على الشيء لا يلزم أن يكون عدما عند عدم ذلك الشيء ، والعجب أن مذهب القاضي عبد الجبار في أصول الفقه هو أن المعلق بكملة «إن» على الشيء لا يكون عدما عند عدم ذلك الشيء ، ثم إنه في التفسير استحسن استدلال الكعبي بهذه الآية ، وذلك يدل على أن حب الانسان لمذهبه قد يلقيه فيما لا ينبغي .
الوجه الثاني من الجواب : قال أبو مسلم الاصفهاني : إن هذه الآية إنما جاءت عقيب الآية التي نهى الله فيها عن نكاح المحرمات ، وعن عضل النساء وأخذ أموال اليتامى وغير ذلك ، فقال تعالى : إن تجتنبوا هذه الكبائر التي نهيناكم عنها كفرنا عنكم ما كان منكم في ارتكابها سالفا . وإذا كان هذا الوجه محتملا ، لم يتعين حمله على ما ذكره المعتزلة . وطعن القاضي في هذا الوجه من وجهين : الأول : أن قوله : { إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَائِرَ مَا تُنهَوْنَ عَنْهُ } عام ، فقصره على المذكور المتقدم لا يجوز . الثاني : أن قوله : إن باجتنابهم في المستقبل هذه المحرمات يكفر الله ما حصل منها في الماضي كلام بعيد؛ لأنه لا يخلو حالهم من أمرين اثنين : إما أن يكونوا قد تابوا من كل ما تقدم ، فالتوبة قد أزالت عقاب ذلك لاجتناب هذه الكبائر ، أو لا يكونوا قد تابوا من كل ما تقدم ، فمن أين أن اجتناب هذه الكبائر يوجب تكفير تلك السيآت؟ هذا لفظ القاضي في تفسيره .
والجواب عن الأول : أنا لا ندعي القطع بأن قوله : { إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَائِرَ مَا تُنهَوْنَ عَنْهُ } محمول على ما تقدم ذكره ، لكنا نقول : إنه محتمل ، ومع هذا الاحتمال لا يتعين حمل الآية على ما ذكروه . وعن الثاني : أن قولك : من أين أن اجتناب هذا الكبائر يوجب تكفير تلك السيئات؟ سؤال لا استدلال على فساد هذا القسم ، وبهذا القدر لا يبطل هذا الاحتمال ، وإذا حضر هذا الاحتمال بطل ما ذكرتم من الاستدلال والله أعلم .
الوجه الثالث : من الجواب عن هذا الاستدلال : هو أنا إذا أعطيناهم جميع مراداتهم لم يكن في الآية زيادة على أن نقول : إن من لم يجتنب الكبائر لم تكفر سيآته ، وحينئذ تصير هذه الآية عامة في الوعيد ، وعمومات الوعيد ليست قليلة ، فما ذكرناه جوابا عن سائر العمومات كان جوابا عن تمسكهم بهذه الآية ، فلا أعرف لهذه الآية مزيد خاصية في هذا الباب ، وإذا كان كذلك لم يبق لقول الكعبي : إن الله قد كشف الشبهة بهذه الآية عن هذه المسألة وجه .
الوجه الرابع : أن هذه الكبائر قد يكون فيها ما يكون كبيرا ، بالنسبة إلى شيء ، ويكون صغيراً بالنسبة إلى شيء آخر ، وكذا القول في الصغائر ، إلا أن الذي يحكم بكونه كبيرا على الاطلاق هو الكفر ، وإذا ثبت هذا فلم لا يجوز أن يكون المراد بقوله : { إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَائِرَ مَا تُنهَوْنَ عَنْهُ } الكفر؟ وذلك لأن الكفر أنواع كثيرة : منها الكفر بالله وبأنبيائه وباليوم الآخر وشرائعه ، فكان المراد أن من اجتنب عن الكفر كان ما وراءه مغفورا ، وهذا الاحتمال منطبق موافق لصريح قوله تعالى : { إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء } [ النساء : 48 ] وإذا كان هذا محتملا ، بل ظاهراً سقط استدلالهم بالكلية وبالله التوفيق .
المسألة الرابعة : قالت المعتزلة : إن عند اجتناب الكبائر يجب غفران الصغائر ، وعندنا أنه لا يجب عليه شيء ، بل كل ما يفعله فهو فضل وإحسان ، وقد تقدم ذكر دلائل هذه المسألة .
ثم قال تعالى : { وَنُدْخِلْكُمْ مُّدْخَلاً كَرِيماً } وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : قرأ المفضل عن عاصم { يَكْفُرْ وَيُدْخِلْكُمْ } بالياء في الحرفين على ضمير الغائب ، والباقون بالنون على استئناف الوعد ، وقرأ نافع { مُّدْخَلاً } بفتح الميم وفي الحج مثله ، والباقون بالضم ، ولم يختلفوا في { مُدْخَلَ صِدْقٍ } بالضم ، فبالفتح المراد موضع الدخول ، وبالضم المراد المصدر وهو الادخال ، أي : ويدخلكم إدخالا كريما ، وصف الادخال بالكرم بمعنى أن ذلك الادخال يكون مقرونا بالكرم على خلاف من قال الله فيهم : { الذين يُحْشَرُونَ على وُجُوهِهِمْ إلى جَهَنَّمَ } [ الفرقان : 34 ]
المسألة الثانية : أن مجرد الاجتناب عن الكبائر لا يوجب دخول الجنة ، بل لا بد معه من الطاعات ، فالتقدير : ان أتيتم بجميع الواجبات ، واجتنبتم عن جميع الكبائر كفرنا عنكم بقية السيئات وأدخلناكم الجنة ، فهذا أحد ما يوجب الدخول في الجنة . ومن المعلوم أن عدم السبب الواحد لا يوجب عدم المسبب ، بل ههنا سبب آخر هو السبب الأصلي القوي ، وهو فضل الله وكرمه ورحمته ، كما قال : { قُلْ بِفَضْلِ الله وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ } [ يونس : 58 ] ، والله أعلم .

[النساء/31] }، فَالْفَرَائِضُ مَعَ تَرْكِ الْكَبَائِرِ مُقْتَضِيَةٌ لِتَكْفِيرِ السَّيِّئَاتِ ،وَأَمَّا الْأَعْمَالُ الزَّائِدَةُ مِنْ التَّطَوُّعَاتِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لَهَا ثَوَابٌ آخَرُ ،فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ يَقُولُ : { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)سورة الزلزلة }(1)
__________
(1) -وفي الوسيط لسيد طنطاوي - (ج 1 / ص 4554)
و " المثقال " مفعال من الثقل ، ويطلق على الشئ القليل الذى يحتمل الوزن ، و " الذرة " تطلق على أصغر النمل ، وعلى الغبار الدقيق الذى يتطاير من التراب عند النفخ فيه . والمقصود المبالغة فى الجزاء على الأعمال مهما بلغ صغرها ، وحقر وزنها .
والفاء : للتفريع على ما تقدم . أى : فى هذا اليوم يخرج الناس من قبورهم متفرقين لا يلوى أحد على أحد . متجهين إلى موقف الحساب ليطلعوا على جزاء أعاملهم الدنيوية . . فمن كان منهم قد عمل فى دنياه عملا صالحا رأى ثماره الطيبة ، حتى ولو كان هذا العمل فى نهاية القلة ، ومن كان منهم قد عمل عملا سيئا فى دنياه ، رأى ثماره السيئة ، حتى ولو كان هذا العمل - أيضا - فى أدنى درجات القلة .
فأنت ترى أن هاتين الآيتين قد جمعتا أسمى وأحكم ألوان الترغيب والترهيب ، ولذا قال كعب الأحبار : لقد أنزل الله - تعلى - على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم آيتين ، أحصتا ما فى التوراة والإِنجيل والزبور والصحف ، ثم قرأ هاتين الآيتين .
وقد ساق الإِمام ابن كثير عند تفسيره لهاتين عددا من الأحاديث ، منها : ما أخرجه الإِمام أحمد . " أن صعصعة بن معاوية ، أتى النبى صلى الله عليه وسلم فقرأ عليه هاتين الآيتين ، فقال : حسبى لا أبالى أن لا أسمع غيرها " وفى صحيح البخارى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " اتقوا النار ولو بشق تمرة ، ولو بكلمة طيبة " .
وفى الصحيح - أيضاً - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تفرغ من دلوك فى إناء المستقى ، ولو أن تلقى أخاك ووجهك إليه منبسط " .
وكان صلى الله عليه وسلم يقول لعائشة : " يا عائشة ، استترى من النار ولو بشق تمرة ، فإنها تسد من الجائع مسدها من الشبعان . يا عائشة . إياك ومحقرات الذنوب ، فإن لها من الله - تعالى - طالبا " .
ومن الآيات الكريمة التى وردت فى معنى هاتين الآيتين قوله - تعالى - { إِنَّ الله لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً } وقوله - سبحانه - : { وَنَضَعُ الموازين القسط لِيَوْمِ القيامة فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وكفى بِنَا حَاسِبِينَ } نسأل الله - تعالى - أن يجعلنا جميعا ممن يواظبون على فعل الخيرات .
وفي تفسير الرازي - (ج 17 / ص 163)
وفيه مسائل :
المسألة الأولى : { مِثْقَالَ ذَرَّةٍ } أي زنة ذرة قال الكلبي : الذرة أصغر النمل ، وقال ابن عباس : إذا وضعت راحتك على الأرض ثم رفعتها فكل واحد مما لزق به من التراب مثقال ذرة فليس من عبد عمل خيراً أو شراً قليلاً أو كثيراً إلا أراه الله تعالى إياه .
المسألة الثانية : في رواية عن عاصم : { يَرَهُ } برفع الياء وقرأ الباقون : { يَرَهُ } بفتحها وقرأ بعضهم : { يَرَهُ } بالجزم .
المسألة الثالثة : في الآية إشكال وهو أن حسنات الكافر محبطة بكفره وسيئات المؤمن مغفورة ، إما ابتداء وإما بسبب اجتناب الكبائر ، فما معنى الجزاء بمثاقيل الذرة من الخير والشر؟ .
واعلم أن المفسرين أجابوا عنه من وجوه : أحدها : قال أحمد بن كعب القرظي : فمن يعمل مثقال ذرة من خير وهو كافر فإنه يرى ثواب ذلك في الدنيا حتى يلقى الآخرة ، وليس له فيها شيء ، وهذا مروي عن ابن عباس أيضاً ، ويدل على صحة هذا التأويل ما روي أنه عليه السلام قال لأبي بكر : « يا أبا بكر ما رأيت في الدنيا مما تكره فبمثاقيل ذر الشر ويدخر الله لك مثاقيل الخير حتى توفاها يوم القيامة » وثانيها : قال ابن عباس : ليس من مؤمن ولا كافر عمل خيراً أو شراً إلا أراه الله إياه ، فأما المؤمن فيغفر الله سيئاته ويثيبه بحسناته ، وأما الكافر فترد حسناته ويعذب بسيئاته وثالثها : أن حسنات الكافر وإن كانت محبطة بكفره ولكن الموازنة معتبرة فتقدر تلك الحسنات انحبطت من عقاب كفره ، وكذا القول في الجانب الآخر فلا يكون ذلك قادحاً في عموم الآية ورابعها : أن تخصص عموم قوله : { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ } ونقول : المراد فمن يعمل من السعداء مثقال ذرة خيراً يره ، ومن يعمل من الأشقياء مثقال ذرة شراً يره .
المسألة الرابعة : لقائل أن يقول : إذا كان الأمر إلى هذا الحد فأين الكرم؟ والجواب : هذا هو الكرم ، لأن المعصية وإن قلت ففيها استخفاف ، والكريم لا يحتمله وفي الطاعة تعظيم ، وإن قل فالكريم لا يضيعه ، وكأن الله سبحانه يقول لا تحسب مثقال الذرة من الخير صغيراً ، فإنك مع لؤمك وضعفك لم تضيع مني الذرة ، بل اعتبرتها ونظرت فيها ، واستدللت بها على ذاتي وصفاتي واتخذتها مركباً به وصلت إلي ، فإذا لم تضيع ذرتي أفأضيع ذرتك! ثم التحقيق أن المقصود هو النية والقصد ، فإذا كان العمل قليلاً لكن النية خالصة فقد حصل المطلوب ، وإن كان العمل كثيراً والنية دائرة فالمقصود فائت ، ومن ذلك ما روى عن كعب : لا تحقروا شيئاً من المعروف ، فإن رجلاً دخل الجنة بإعارة إبرة في سبيل الله ، وإن امرأة أعانت بحبة في بناء بيت المقدس فدخلت الجنة .
وعن عائشة : «كانت بين يديها عنب فقدمته إلى نسوة بحضرتها ، فجاء سائل فأمرت له بحبة من ذلك العنب فضحك بعض من كان عندها ، فقالت : إن فيما ترون مثاقيل الذرة وتلت هذه الآية» ولعلها كان غرضها التعليم ، وإلا فهي كانت في غاية السخاوة . روي : «أن ابن الزبير بعث إليها بمائة ألف وثمانين ألف درهم في غرارتين ، فدعت بطبق وجعلت تقسمه بين الناس ، فلما أمست قالت : يا جارية فطوري هلمي فجاءت بخبز وزيت ، فقيل لها : أما أمسكت لنا درهماً نشتري به لحماً نفطر عليه ، فقالت : لو ذكرتيني لفعلت ذلك» وقال مقاتل : نزلت هذه الآية في رجلين كان أحدهما يأتيه السائل فيستقل أن يعطيه التمرة والكسرة والجوزة ، ويقول ما هذا بشيء ، وإنما نؤجر على ما نعطي! وكان الآخر يتهاون بالذنب اليسير ، ويقول : لا شيء علي من هذا إنما الوعيد بالنار على الكبائر ، فنزلت هذه الآية ترغيباً في القليل من الخير فإنه يوشك أن يكثر ، وتحذيراً من اليسير من الذنب فإنه يوشك أن يكبر ، ولهذا قال عليه السلام : " اتقوا النار ولو بشق تمرة ، فمن لم يجد فبكلمة طيبة " والله سبحانه وتعالى أعلم ،
وفي الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - (ج 1 / ص 6198)
فيه ثلاث مسائل :
الأولى : قوله تعالى : { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ } كان ابن عباس يقول : مَن يعمل من الكفار مثقال ذرّة خيراً يَرَهُ في الدنيا ، ولا يُثاب عليه في الآخرة ، ومن يعمل مثقال ذرّة من شر عُوقب عليه في الآخرة ، مع عقاب الشرك ، ومن يعمل مثقال ذرة من شر من المؤمنين يَرَهُ في الدنيا ، ولا يعاقَبْ عليه في الآخرة إذا مات ، ويُتجاوز عنه ، وإن عمل مثقال ذرّة من خير يُقْبلْ منه ، ويضاعفْ له في الآخرة . وفي بعض الحديث : " الذرّة لا زِنة لها " وهذا مَثَلٌ ضَرَبه الله تعالى : أنه لا يُغْفِل من عمل ابن آدم صغيرةً ولا كبيرة . وهو مِثل قوله تعالى : { إِنَّ الله لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ } [ النساء : 40 ] . وقد تقدم الكلام هناك في الذرّ ، وأنه لا وزن له . وذكر بعض أهل اللغة أن الذرّ : أن يضرب الرجل بيده على الأرض ، فما علِق بها من التراب فهو الذَّرّ ، وكذا قال ابن عباس : إذا وضعت يدك على الأرض ورفعتها ، فكل واحد مما لزق من التراب ذَرَّة . وقال محمد بن كعب القُرَظِيّ : فمنْ يَعْمَل مِثقْالَ ذَرّة منْ خَيْر من كافر ، يرى ثوابه في الدنيا ، في نفسه وماله وأهله وولده ، حتى يخرج من الدنيا وليس له عند الله خير . ومن يعمل مثقال ذرّة من شرّ من مُوْمن ، يرى عُقوبته في الدنيا ، في نفسه وماله وولده وأهله ، حتى يخرج من الدنيا وليس له عند الله شرّ . دليله ما رواه العلماء الأثبات من حديث أنس : أن هذه الآية نزلت على النبيّ صلى الله عليه وسلم وأبو بكر يأكل ، فأمسك وقال : يا رسول الله ، وإنا لنُرَى ما عَمِلْنا من خير وشرّ؟ قال : " ما رأيت مما تكره فهو مثاقيل ذرّ الشرّ ، ويُدَّخَر لكم مثاقيلُ ذَرّ الخير ، حتى تُعْطَوْه يومَ القِيامة " . قال أبو إدريس : إن مِصْداقه في كتاب الله : { وَمَآ أَصَابَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ } [ الشورى : 30 ] . وقال مقاتل : نزلت في رجلين ، وذلك أنه لما نزل { وَيُطْعِمُونَ الطعام على حُبِّهِ } [ الإنسان : 8 ] كان أحدهم يأتيه السائل ، فيستقل أن يعطِيه التمرة والكِسرة والجوزة . وكان الآخر يتهاون بالذنب اليسير ، كالكَذبة والغِيبة والنظْرة ، ويقول : إنما أوعد الله النار على الكبائر؛ فنزلت ترغبهم في القليل من الخير أن يُعْطُوه؛ فإنه يوشِك أن يكثُر ، ويُحَذِّرهُمْ اليسيرَ من الذنب ، فإنه يوشِك أن يكثُر؛ وقاله سعيد بن جبير . والإِثم الصغير في عين صاحبه يوم القيامة أعظم من الجبال ، وجميع محاسنه أقل في عينه من كل شيء .
الثانية : قراءة العامة «يَرَهْ» بفتح الياء فيهما . وقرأ الجَحْدَرِيّ والسُّلَمِيّ وعيسى ابن عمر وأبان عن عاصم : «يُرَهْ» بضم الياء؛ أي يُريه اللَّهُ إياه .
والأَوْلَى الاختيار؛ لقوله تعالى : { يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً } [ آل عمران : 30 ] الآية . وسكن الهاء في قوله «يَرَه» في الموضعين هشام . وكذلك رواه الكسائي عن أبي بكر وأبي حَيْوة والمغيرة . واختلس يعقوب والزهري والجحدرِي وشيبة . وأشبع الباقون . وقيل «يَرَه» أي يرى جزاءه؛ لأن ما عمله قد مضى وعُدم فلا يُرَى . وأنشدوا :
إنّ منْ يَعْتدِي ويَكْسِبُ إِثْما ... وَزْنَ مِثْقالِ ذرّة سَيَرَاهُ
ويُجَازَى بفعله الشرَّ شرا ... وبفعل الجميلِ أيضاً جَزَاهُ
هكذا قوله تبارك ربِّي ... في إذا زُلزلت وجَل ثَناه
الثالثة : قال ابن مسعود : هذه أحكم آية في القرآن؛ وصَدّق . وقد اتفق العلماء على عموم هذه الآية؛ القائلون بالعموم ومن لَمْ يقل به . وروى كعب الأحبار أنه قال : لقد أنزل الله على محمد آيتين أحْصَتَا ما في التوراة والإنجيل والزَّبور والصُّحُف : { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ } . قال الشيخ أبو مَدْين في قوله تعالى : { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ } قال : في الحال قبل المآل . وكان النبيّ صلى الله عليه وسلم يسمي هذه الآية الآية الجامعة الفاذة؛ كما في الصحيح لما سئل عن الحُمُر وسكت عن البغال ، والجواب فيهما واحد؛ لأن البغل والحمار لا كَرّ فيهما ولا فرّ؛ فلما ذكر النبيّ صلى الله عليه وسلم ما في الخيل من الأجر الدائم ، والثواب المستمر ، سأل السائل عن الحُمُر ، لأنهم لم يكن عندهم يومئذٍ بَغْل ، ولا دخل الحجاز منها إلا بغلة النبيّ صلى الله عليه وسلم «الدُّلْدُل» ، التي أهداها له المقوقِس ، فأفتاه في الحَمِير بعموم الآية ، وإن في الحمار مثاقيل ذرّ كثيرة؛ قاله ابن العربيّ . وفي الموطأ : أن مِسْكيناً استطعم عائشة أم المؤمنين وبين يديها عِنَب؛ فقالت لإنسان : خذ حبة فأعطه إياها . فجعل ينظر إليها ويعجب؛ فقالت : أتعجب! كم ترى في هذه الحبَة من مثقال ذرّة . وروي عن سعد بن أبي وَقَّاص : أنه تصدق بتمرتين ، فقبض السائل يده ، فقال للسائل : ويقبل الله منا مثاقيل الذرّ ، وفي التمرتين مثاقيل ذرّ كثيرة . وروى المُطَّلب بن حَنْطَب : " أن أعرابياً سمع النبيّ صلى الله عليه وسلم يَقرأُها فقال : يا رسول الله ، أمثقالُ ذرّة! قال : «نعم» فقال الأعرابيّ : واسَوْأَتَاه! مِراراً : ثم قام وهو يقولها؛ فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : «لقد دَخَلَ قلبَ الأَعْرابيّ الإيمانُ» " وقال الحسن : قَدِم صعصعة عَمّ الفرزدق على النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فلما سمع { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ } الآيات؛ قال : لا أبالي ألا أسمع من القرآن غيرها ، حَسْبي ، فقد انتهت الموعظة؛ ذكره الثعلبي . ولفظ الماوردِيّ : ورُوي أن صعصعة بن ناجية جدّ الفرزدق أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم يستقرئه ، فقرأ عليه هذه الآية؛ فقال صعصعة : حسبي حسبي؛ إن عَمِلتُ مِثقالَ ذرَّةٍ شَرًّا رأيتُه . ورَوى مَعمر عن زيد بن أسلم : " أن رجلاً جاء إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال : عَلِّمني مما علمك الله . فدفعه إلى رجل يعلمه؛ فعلمه { إِذَا زُلْزِلَتِ } حتى إذا بلغ { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ } قال : حسبي . فأخبر النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال : «دَعُوهُ فإنَّهُ قد فَقُه» " ويحكى أن أعرابياً أخَّر «خَيْراً يَرَهُ» فقيل : قدمت وأخرت . فقال :
خذ بطنَ هَرشَى أو قَفاها فإنهُ ... كِلا جانِبي هَرْشَى لهنّ طرِيق

.
( الثَّانِي ) : أَنَّهُ قَدْ جَاءَ التَّصْرِيحُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحَادِيثِ بِأَنَّ الْمَغْفِرَةَ قَدْ تَكُونُ مَعَ الْكَبَائِرِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :{غُفِرَ لَهُ وَإِنْ كَانَ فَرَّ مِنْ الزَّحْفِ }(1) .
وَفِي السُّنَنِ عَنِ وَاثِلَةَ بْنِ الأَسْقَعِ :قَالَ أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِى صَاحِبٍ لَنَا أَوْجَبَ - يَعْنِى - النَّارَ بِالْقَتْلِ فَقَالَ « أَعْتِقُوا عَنْهُ يُعْتِقِ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْهُ مِنَ النَّارِ »(2).
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ فِي { حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ }(3)
__________
(1) - سنن أبى داود برقم(1519 ) عن بِلاَلِ بْنِ يَسَارِ بْنِ زَيْدٍ مَوْلَى النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ سَمِعْتُ أَبِى يُحَدِّثُنِيهِ عَنْ جَدِّى أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « مَنْ قَالَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِى لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ غُفِرَ لَهُ وَإِنْ كَانَ فَرَّ مِنَ الزَّحْفِ » وهو صحيح .
وفي تحفة الأحوذي - (ج 8 / ص 475)
قَالَ الطِّيبِيُّ : الزَّحْفُ الْجَيْشُ الْكَثِيرُ الَّذِي يُرَى لِكَثْرَتِهِ كَأَنَّهُ يَزْحَفُ قَالَ فِي النِّهَايَةِ مِنْ زَحَفَ الصَّبِيُّ إِذَا دَبَّ عَلَى اِسْتِهِ قَلِيلًا قَلِيلًا . وَقَالَ الْمُظْهِرُ هُوَ اِجْتِمَاعُ الْجَيْشِ فِي وَجْهِ الْعَدُوِّ أَيْ مِنْ حَرْبِ الْكُفَّارِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ الْفِرَارُ بِأَنْ لَا يَزِيدَ الْكُفَّارُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِثْلَيْ عَدَدِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا نَوَى التَّحَرُّفَ وَالتَّحَيُّزَ .
وفي فتح الباري لابن حجر - (ج 18 / ص 59)
وَمِنْ أَوْضَح مَا وَقَعَ فِي فَضْل الِاسْتِغْفَار مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ وَغَيْره مِنْ حَدِيث يَسَار وَغَيْره مَرْفُوعًا " مَنْ قَالَ أَسْتَغْفِر اللَّه الْعَظِيم الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْحَيّ الْقَيُّوم وَأَتُوب إِلَيْهِ غُفِرَتْ ذُنُوبه وَإِنْ كَانَ فَرَّ مِنْ الزَّحْف " قَالَ أَبُو نُعَيْم الْأَصْبِهَانِيّ : هَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ بَعْض الْكَبَائِر تُغْفَر بِبَعْضِ الْعَمَل الصَّالِح ، وَضَابِطه الذُّنُوب الَّتِي لَا تُوجِب عَلَى مُرْتَكِبهَا حُكْمًا فِي نَفْس وَلَا مَال ، وَوَجْه الدَّلَالَة مِنْهُ أَنَّهُ مَثَّلَ بِالْفِرَارِ مِنْ الزَّحْف وَهُوَ مِنْ الْكَبَائِر ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَا كَانَ مِثْله أَوْ دُونه يُغْفَر إِذَا كَانَ مِثْل الْفِرَار مِنْ الزَّحْف ، فَإِنَّهُ لَا يُوجِب عَلَى مُرْتَكِبه حُكْمًا فِي نَفْس وَلَا مَال .
(2) - سنن أبى داود برقم(3966 ) وهو حسن لغيره
عون المعبود - (ج 8 / ص 487)
( أَعْتِقُوا عَنْهُ ) : أَيْ عَنْ قَتْله وَعِوَضه
( بِكُلِّ عُضْو مِنْهُ ) : أَيْ مِنْ الْعَبْد الْمُعْتَق بِفَتْحِ التَّاء
( عُضْوًا مِنْهُ ) : أَيْ مِنْ الْقَاتِل
( مِنْ النَّار ) : مُتَعَلِّق بِيُعْتِق وَلَعَلَّ الْمَقْتُول كَانَ مِنْ الْمُعَاهَدِينَ وَقَدْ قَتَلَهُ خَطَأً وَظَنُّوا أَنَّ الْخَطَأ مُوجِب لِلنَّارِ لِمَا فِيهِ مِنْ نَوْع تَقْصِير حَيْثُ لَمْ يَذْهَب طَرِيق الْحَزْم وَالِاحْتِيَاط كَذَا فِي الْمِرْقَاة .
(3) - صحيح البخارى برقم(1237 ) وصحيح مسلم برقم(282)
عَنْ أَبِى ذَرٍّ - رضى الله عنه - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « أَتَانِى آتٍ مِنْ رَبِّى فَأَخْبَرَنِى - أَوْ قَالَ بَشَّرَنِى - أَنَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِى لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ » . قُلْتُ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ قَالَ « وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ » .
وفي شرح النووي على مسلم - (ج 1 / ص 201)
وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ )فَهُوَ حُجَّة لِمَذْهَبِ أَهْل السَّنَة أَنَّ أَصْحَاب الْكَبَائِر لَا يُقْطَع لَهُمْ بِالنَّارِ ، وَأَنَّهُمْ إِنْ دَخَلُوهَا أُخْرِجُوا مِنْهَا وَخُتِمَ لَهُمْ بِالْخُلُودِ فِي الْجَنَّة . وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا كُلّه مَبْسُوطًا . وَاَللَّه أَعْلَم .
وفي فتح الباري لابن حجر - (ج 4 / ص 261)
قَوْله : ( فَقُلْت وَإِنْ زَنَى أَوْ سَرَقَ ) قَدْ يَتَبَادَر إِلَى الذِّهْن أَنَّ قَائِل ذَلِكَ هُوَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمَقُول لَهُ الْمَلَك الَّذِي بَشَّرَهُ بِهِ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، بَلْ الْقَائِل هُوَ أَبُو ذَرّ وَالْمَقُول لَهُ هُوَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا بَيَّنَهُ الْمُؤَلِّف فِي اللِّبَاس . وَلِلتِّرْمِذِيِّ " قَالَ أَبُو ذَرّ يَا رَسُول اللَّه " وَيُمْكِن أَنْ يَكُون النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَهُ مُسْتَوْضِحًا وَأَبُو ذَرّ قَالَهُ مُسْتَبْعِدًا ، وَقَدْ جَمَعَ بَيْنهمَا فِي الرِّقَاق مِنْ طَرِيق زَيْد بْن وَهْب عَنْ أَبِي ذَرّ . قَالَ الزَّيْن بْن الْمُنِير : حَدِيث أَبِي ذَرّ مِنْ أَحَادِيث الرَّجَاء الَّتِي أَفْضَى الِاتِّكَال عَلَيْهَا بِبَعْضِ الْجَهَلَة إِلَى الْإِقْدَام عَلَى الْمُوبِقَات ، وَلَيْسَ هُوَ عَلَى ظَاهِره فَإِنَّ الْقَوَاعِد اِسْتَقَرَّتْ عَلَى أَنَّ حُقُوق الْآدَمِيِّينَ لَا تَسْقُط بِمُجَرَّدِ الْمَوْت عَلَى الْإِيمَان ، وَلَكِنْ لَا يَلْزَم مِنْ عَدَم سُقُوطهَا أَنْ لَا يَتَكَفَّل اللَّه بِهَا عَمَّنْ يُرِيد أَنْ يُدْخِلهُ الْجَنَّة ، وَمِنْ ثَمَّ رَدَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَبِي ذَرّ اِسْتِبْعَاده . وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمُرَاد بِقَوْلِهِ " دَخَلَ الْجَنَّة " أَيْ صَارَ إِلَيْهَا إِمَّا اِبْتِدَاء مِنْ أَوَّل الْحَال وَإِمَّا بَعْد أَنْ يَقَع مَا يَقَع مِنْ الْعَذَاب ، نَسْأَل اللَّه الْعَفْو وَالْعَافِيَة . وَفِي هَذَا الْحَدِيث " مَنْ قَالَ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه نَفَعَتْهُ يَوْمًا مِنْ الدَّهْر ، أَصَابَهُ قَبْل ذَلِكَ مَا أَصَابَهُ " وَسَيَأْتِي بَيَان حَاله فِي كِتَاب الرِّقَاق . وَفِي الْحَدِيث أَنَّ أَصْحَاب الْكَبَائِر لَا يُخَلَّدُونَ فِي النَّار ، وَأَنَّ الْكَبَائِر لَا تَسْلُب اِسْم الْإِيمَان ، وَأَنَّ غَيْر الْمُوَحِّدِينَ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّة . وَالْحِكْمَة فِي الِاقْتِصَار عَلَى الزِّنَا وَالسَّرِقَة الْإِشَارَة إِلَى جِنْس حَقّ اللَّه تَعَالَى وَحَقّ الْعِبَاد ، وَكَأَنَّ أَبَا ذَرّ اِسْتَحْضَرَ قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا يَزْنِي الزَّانِي حِين يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِن " لِأَنَّ ظَاهِره مُعَارِض لِظَاهِرِ هَذَا الْخَبَر ، لَكِنَّ الْجَمْع بَيْنهمَا عَلَى قَوَاعِد أَهْل السُّنَّة بِحَمْلِ هَذَا عَلَى الْإِيمَان الْكَامِل وَبِحَمْلِ حَدِيث الْبَاب عَلَى عَدَم التَّخْلِيد فِي النَّار . قَوْله : ( عَلَى رَغْم أَنْف أَبِي ذَرّ ) بِفَتْحِ الرَّاء وَسُكُون الْمُعْجَمَة وَيُقَال بِضَمِّهَا وَكَسْرهَا ، وَهُوَ مَصْدَر رَغَمَ بِفَتْحِ الْغَيْن وَكَسْرهَا مَأْخُوذ مِنْ الرَّغْم وَهُوَ التُّرَاب ، وَكَأَنَّهُ دَعَا عَلَيْهِ بِأَنْ يُلْصَق أَنْفه بِالتُّرَابِ .
مشكل الآثار للطحاوي - (ج 8 / ص 489)
باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من جوابه لمن قال له بعد قوله : « من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة » : وإن زنى ، وإن سرق ؟ وبقوله له : « وإن زنى ، وإن سرق »
3366 - حدثنا أبو أمية ، وفهد ، قالا : حدثنا عمر بن حفص بن غياث ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا الأعمش ، قال : حدثنا زيد بن وهب ، قال : حدثنا والله أبو ذر بالربذة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أتاني جبريل صلى الله عليه وسلم فأخبرني أنه من مات من أمتي لا يشرك بالله عز وجل شيئا دخل الجنة » قلت : يا رسول الله ، وإن زنى وإن سرق ؟ قال : « وإن زنى ، وإن سرق »
3367 - وحدثنا أبو أمية ، وفهد ، قالا : حدثنا عمر بن حفص ، قال : حدثنا أبي ، عن الأعمش ، قال : حدثني أبو صالح ، عن أبي الدرداء نحوه ، قال : قلت : يا رسول الله ، وإن زنى وإن سرق ؟ قال : « وإن زنى وإن سرق ، وإن رغم أنف أبي الدرداء » وحدثنا أبو أمية وفهد ، قالا : حدثنا عمر بن حفص ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا الأعمش ، قال : قلت لزيد بن وهب ، يعني لما حدثه الحديث الذي ذكرناه في أول هذا الباب أنه بلغني أنه أبو الدرداء ، فقال : أشهد لحدثنيه أبو ذر بالربذة وحدثنا بكار بن قتيبة ، قال : حدثنا أبو داود ح وحدثنا محمد بن خزيمة ، قال : حدثنا مسلم بن إبراهيم الأزدي ، قالا : حدثنا هشام بن أبي عبد الله ، عن حماد ، عن زيد بن وهب ، عن أبي ذر ، قال حماد : ما بيني وبين أبي ذر غيره ، قال : « انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو الغرقد ، وانطلقت معه ، ثم ذكر مثل الحديث الأول سواء حدثنا أبو أمية ، قال : حدثنا روح بن عبادة ، عن حاتم بن أبي صغيرة ، قال : حدثنا حبيب بن أبي ثابت ، أن أبا سليمان الجهني حدثه ، قال : حدثني أبو ذر ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم ذكر مثله حدثنا أبو أمية ، قال : حدثنا عبد الله بن بكر السهمي ، وعبيد الله بن موسى العبسي ، قالا : حدثنا مهدي بن ميمون ، عن واصل الأحدب ، عن المعرور بن سويد ، عن أبي ذر ، ثم ذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله ، غير أنه قال : » أتاني آت من ربي عز وجل « ولم يذكر جبريل صلى الله عليه وسلم
3368 - وحدثنا أبو أمية ، قال : حدثنا الحسن بن موسى الأشيب ، قال : حدثنا شيبان يعني النحوي ، عن منصور بن المعتمر ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن سلمة بن نعيم وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من لقي الله عز وجل لا يشرك به شيئا ، دخل الجنة وإن زنى وإن سرق »
3369 - وحدثنا أبو أمية ، قال : حدثنا أبو عمر الحوضي ، قال : حدثنا مرجى بن رجاء ، عن محمد بن الزبير ، عن رجاء بن حيوة ، عن أم الدرداء ، عن أبي الدرداء ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : « قال جبريل عليه السلام : » من قال : لا إله إلا الله ، دخل الجنة « قال : قلت : وإن زنى وإن سرق ؟ قال : » وإن زنى وإن سرق «
3370 - حدثنا أبو أمية ، قال : حدثنا عبد الله بن جعفر الرقي ، قال : حدثنا أبو المليح ، عن يزيد بن يزيد ، عن يزيد بن الأصم ، عن أبي هريرة رضي الله عنه : « ولمن خاف مقام ربه جنتان ( سورة : الرحمن آية رقم : 46) ، قال : يا رسول الله : وإن زنى وإن سرق ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : » وإن زنى وإن سرق ، وإن رغم أنف أبي هريرة «
3371 - وحدثنا أحمد بن داود ، قال : حدثنا مسدد ، قال : حدثنا يحيى القطان ، قال : حدثنا نعيم بن حكيم ، قال : حدثني أبو مريم ، قال : سمعت أبا الدرداء يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : « من شهد أن لا إله إلا الله ، أو مات لا يشرك بالله عز وجل شيئا ، دخل الجنة ، أو لم يدخل النار » قال : قلت : وإن زنى وإن سرق ؟ قال : « وإن زنى وإن سرق ، وإن رغم أنف أبي الدرداء »
3372 - حدثنا أبو أمية ، قال حدثنا روح بن عبادة ، قال : حدثنا حماد ، قال : أخبرنا أبو عمران ، عن أبي بكر بن أبي موسى ، عن أبيه أبي موسى أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم في نفر من قومه ، فقال : « أبشروا وبشروا من وراءكم ، أنه من قال : لا إله إلا الله صادقا بها دخل الجنة » فخرجوا يبشرون الناس ، فلقيهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه فبشروه ، فردهم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : « من ردكم ؟ » فقالوا : ردنا عمر ، فقال : « لم رددتهم يا عمر ؟ » قال : إذا يتكل ( الاتكال : الاعتماد على رحمة الله والتكاسل في العمل) الناس يا رسول الله « وفيما ذكرنا في الباب الذي قبل هذا الباب ما يغني عن الكلام في هذا الباب غير أنا نأتي في هذا الباب بمعنى فيه توكيد ما جئنا به في ذلك الباب إن شاء الله وهو أنه إذا كان من قال : » لا إله إلا الله « قد قالها عارفا بما يجب على أهلها ، فقد قالها وهو عارف بمقام الله عز وجل وبما يرجوه أهلها عند خوفهم خلافه والخروج عن أمره ، وفي ذلك ما يدل على أن حال الزنى وحال السرقة اللذين كانا منه قد زال عنهما إلى ضدهما على ما قد ذكرنا في ذلك الباب الأول ، ودل على ذلك أيضا ما في حديث أبي موسى الذي ذكرناه في هذا الباب أنه من قال : لا إله إلا الله صادقا بها وكان معنى قوله : » صادقا بها « والله أعلم أي : موفيا لها حقها ، وقد ذكرنا في هذا الباب أيضا حديث يزيد بن الأصم عن أبي هريرة : ولمن خاف مقام ربه جنتان (سورة : الرحمن آية رقم : 46) ، وقد كان الباب الأول أولى به ، فذهب عنا ذكره هناك ، فذكرناه هاهنا ؛ لأن البابين جميعا من جنس واحد وقد سأل سائل عن معنى قول الله : فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات ( سورة : الفرقان آية رقم : 70) ، ما قيل في ذلك ؟ فكان جوابنا له في ذلك والله عز وجل نسأله التوفيق أن الذي وجدناه عن المتقدمين فيه :
3373 - ما قد حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن سفيان ، عن إبراهيم بن مهاجر ، عن مجاهد : فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات ( سورة : الفرقان آية رقم : 70) ، قال : « الإيمان مكان الكفر » والذي وجدناه مما يقوله أهل العربية فيه أن ذلك على الحذف ، وأنه بمعنى : أولئك الذين يبدل الله مكان سيئاتهم حسنات ، فحذف ، كمثل قوله عز وجل : واسأل القرية التي كنا فيها ( سورة : يوسف آية رقم : 82) ، بمعنى : واسأل أهل القرية التي كنا فيها ، فحذف ذكر أهل القرية ، وهم المرادون ، والله أعلم ، وبه التوفيق
وفي تأويل مختلف الحديث - (ج 1 / ص 49)
قالوا: حديثان متناقضان، قالوا: رويتم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ثم رويتم أنه قال: من قال لا غله إلا الله فهو في الجنة وإن زنى وإن سرق. وفي هذا تناقض واختلاف.
قال أبو محمد: ونحن نقول: إنه ليس ههنا بنعمة الله تناقض ولا اختلاف لأن الإيمان في اللغة التصديق يقول الله تعالى: " وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين " أي بمصدق لنا ومنه قول الناس ما أومن بشيء مما تقول أي ما أصدق به. والموصوف بالإيمان ثلاثة نفر رجل صدق بلسانه دون قلبه كالمنافقين فيقول قد آمن كما قال الله تعالى في المنافقين: " ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا " وقال: " إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى " ثم قال: " من آمن منهم بالله واليوم الآخر " لأنهم لا يؤمنون بالله واليوم الآخر ولو كان أراد بالذين آمنوا ههنا المسلمين لم يقل: " من آمن بالله واليوم الآخر " لأنهم لا يؤمنون بالله واليوم الآخر وإنما أراد المنافقين الذين آمنوا بألسنتهم والذين هادوا والنصارى ولا نقول له مؤمن كما أنا لا نقول للمنافقين مؤمنون وإن قلنا قد آمنوا لأن إيمانهم لم يكن عن عقد ولا نية وكذلك نقول لعاصي الأنبياء صلى الله عليهم وسلم عصى وغوى ولا نقول عاص ولا غاو لأن ذنبه لم يكن عن إرهاص ولا عقد كذنوب أعداء الله عز وجل.
ورجل صدق بلسانه وقلبه مع تدنس بالذنوب وتقصير في الطاعات من غير إصرار فنقول: قد آمن وهو مؤمن ما تناهى عن الكبائر فإذا لا بسها لم يكن في حال الملابسة مؤمناً يريد مستكمل الإيمان. ألا ترى أنه صلى الله عليه وسلم قال: لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن يريد في وقته ذلك لأنه قبل ذلك الوقت غير مصر فهو مؤمن وبهد ذلك الوقت غير مصر فهو مؤمن تائب ومما يزيد في وضوح هذا الحديث الآخر إذا زنى سلب الإيمان فإن تاب ألبسه.
ورجل صدق بلسانه وقلبه وأدى الفرائض واجتنب الكبائر فذلك المؤمن حفاً المستكمل شرائط الإيمان وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم يؤمن من لم يأمن جاره بوائقه يريد ليس بمستكمل الإيمان وقال: لم يؤمن من لم يأمن المسلمون من لسانه ويده أي ليس بمستكمل الإيمان وقال: لم يؤمن ن بات شبعان وبات جاره طاوياً أي لم يستكمل الإيمان. وهذا شبيه بقوله: لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله تعالى عليه يريد لا كمال وضوء ولا فضيلة وضوء. وكذلك قول عمر رضي الله عنه: لا إيمان لمن لم يحج. يريد لا كمال إيمان والناس يقولون فلان لا عقل له. يريدون ليس هو مستكمل العقل ولا دين له أي ليس بمستكمل الدين.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: من قال لا إله إلا الله فهو في الجنة وإن زنى وإن سرق فإنه لا يخلو من وجهين أحدهما أن يكون قاله على العاقبة يريد أن عاقبة أمره إلى الجنة وإن عذب بالزنا والسرقة. والآخر أن تلحقه رحمة الله تعالى وشفاعة رسوله صلى الله عليه وسلم فيصير إلى الجنة بشهادة أن لا إله إلا الله. حدثني إسحق بن إبراهيم ابن حبيب بن الشهيد عن أبيه عن جده عن الحسن أنه قال: لا إله إلا الله ثمن الجنة. وحدثني محمد بن يحيى القطعي قال: أنا عمر بن علي عن موسى ابن المسيب الثقفي قال: سمعت سالم بن أبي الجعد يحدث عن المعرور بن سويد عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يقول ربكم ابن آدم إنك إن تأتني بقراب الأرض خطيئة بعد أن لا تشرك بي شيئاً جعلت لك قرابها مغفرة ولا أبالي. وحدثني أبو مسعود الدرامي هو من ولد خراش قال: حدثني جدي عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خيرت بين الشفاعة وبين أن يدخل شطر أمتي الجنة فاخترت الشفاعة لأنها أعم وأكثر لعلكم ترون أن شفاعتي للمتقين لا ولكنها للمتلطخين بالذنوب.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

أسباب رفع العقوبة عن العبد لإبن تيمية :: تعاليق

لا يوجد حالياً أي تعليق
 

أسباب رفع العقوبة عن العبد لإبن تيمية

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
» أسباب رفع العقوبة عن العبد لإبن تيمية
»  أسباب رفع العقوبة عن العبد لإبن تيمية
» كتاب رفع العقوبة عن العبد لإبن تيمية جزء من الأجزاء

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
24 ساعة :: 
مكتبة شبكة شهادة الإسلام
 :: جديد الكتب
-
انتقل الى:  
مواضيع مماثلة
أنت بحاجة للبرامج التالية
المواضيع الأخيرة
» محاكمة مبارك: مشادات بين اهالي الشهداء وقوات الامن امام اكاديمية الشرطة
أسباب رفع العقوبة عن العبد لإبن تيمية Icon_minitime02.01.12 9:30 من طرف 24akhbar

» وصول طائرة مبارك والمتهمين لبدء محاكمتهم بتهمة قتل المتظاهرين
أسباب رفع العقوبة عن العبد لإبن تيمية Icon_minitime02.01.12 9:14 من طرف 24akhbar

» العليا للإنتخابات: الإنتخابات في موعدها والكشوف النهائية خلال ساعات
أسباب رفع العقوبة عن العبد لإبن تيمية Icon_minitime15.11.11 7:30 من طرف 24akhbar

» على السلمى يجتمع اليوم مع رافضى "الوثيقة" للوصول لصيغة توافقية
أسباب رفع العقوبة عن العبد لإبن تيمية Icon_minitime15.11.11 7:09 من طرف 24akhbar

» مقتل أكبر تاجر "أعضاء بشرية" فى سيناء
أسباب رفع العقوبة عن العبد لإبن تيمية Icon_minitime15.11.11 7:02 من طرف 24akhbar

» الجماعة السلفية تؤكد مشاركتها فى مليونية "18 نوفمبر" إذا أقر المجلس العسكرى وثيقة السلمي
أسباب رفع العقوبة عن العبد لإبن تيمية Icon_minitime15.11.11 6:57 من طرف 24akhbar

» فيديو: أهداف مباراة مصر والبرازيل 2/0
أسباب رفع العقوبة عن العبد لإبن تيمية Icon_minitime15.11.11 6:49 من طرف 24akhbar

» فضيحة القنوات المصرية داخل الملاعب القطرية: رئيس "ميلودي سبورت" يعتدي على مراسل "مودرن" بالسبّ والضرب
أسباب رفع العقوبة عن العبد لإبن تيمية Icon_minitime15.11.11 6:41 من طرف 24akhbar

» الكسب غير المشروع يقرر التحفظ على أموال "حسن المير" عضو مجلس الشعب السابق
أسباب رفع العقوبة عن العبد لإبن تيمية Icon_minitime14.11.11 6:48 من طرف 24akhbar

» 238 أجنبيا اعتنقوا الإسلام عن طريق خدمة "بلغني الإسلام" عن بعد
أسباب رفع العقوبة عن العبد لإبن تيمية Icon_minitime14.11.11 6:38 من طرف 24akhbar

» جماعة الإخوان تعلن المشاركة فى جمعة "18 نوفمبر" مالم يتم سحب "وثيقة السلمى"
أسباب رفع العقوبة عن العبد لإبن تيمية Icon_minitime14.11.11 5:49 من طرف 24akhbar

» أنصار الأسد يقتحمون السفارة الليبية بدمشق
أسباب رفع العقوبة عن العبد لإبن تيمية Icon_minitime14.11.11 5:42 من طرف 24akhbar

» الدكتور صفوت حجازى يقود قافلة دولية إغاثية لقطاع غزة
أسباب رفع العقوبة عن العبد لإبن تيمية Icon_minitime14.11.11 5:37 من طرف 24akhbar

» المستشار عبد المعز: هناك دول رفضت بالتصويت للمصريين على أراضيها
أسباب رفع العقوبة عن العبد لإبن تيمية Icon_minitime13.11.11 8:13 من طرف 24akhbar

» رئيس مباحث أداب سابق يتهم زوجة حبيب العادلى باحالتة للمعاش عام 2006 بسبب شبكة دعارة تتزعمها المغربية نشوى خزيم صديقتها الشخصية
أسباب رفع العقوبة عن العبد لإبن تيمية Icon_minitime13.11.11 8:07 من طرف 24akhbar

» سلطة قضائية تطالب بـ "إعتقال سوذان مبارك"
أسباب رفع العقوبة عن العبد لإبن تيمية Icon_minitime13.11.11 7:48 من طرف 24akhbar

» الملك عبد الله يعين شقيقه الأصغر نائباً له
أسباب رفع العقوبة عن العبد لإبن تيمية Icon_minitime13.11.11 7:42 من طرف 24akhbar

» رئيس الإنتقالى الليبى: ليبيا ستنتهج " الإسلام المعتدل"
أسباب رفع العقوبة عن العبد لإبن تيمية Icon_minitime13.11.11 7:38 من طرف 24akhbar

» سوريا: الثوار يدعون للتصعيد والعصيان المدنى بعد تعليق العضوية
أسباب رفع العقوبة عن العبد لإبن تيمية Icon_minitime13.11.11 7:34 من طرف 24akhbar

» السعودية توجه الإتهام فى إقتحام سفارتها إلى "سوريا"
أسباب رفع العقوبة عن العبد لإبن تيمية Icon_minitime13.11.11 7:23 من طرف 24akhbar

تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية
قم بحفض و مشاطرة الرابط 24 ساعة على موقع حفض الصفحات

.: زوار هذا الإسبوع :.