24akhbar
| | أحداث الفتنة الكبرى ( الحلقة الحادية عشر ) معركة صفين " المأساة الكبيرة " | |
معركة صفين (37هـ) تعد معركة صفين فصلا هاما من فصول الفتنة ، فها نحن نرى المسلمين وقد وقفوا متحاربين في معسكرين ، يقود أحدهم الإمام علي ، والآخر يأتمر بأمر معاوية رضي الله عن الجميع . صورة مأساوية أخرى تضاف إلى تلك الصور التي يحملها ضميرنا بكل ألم ومرارة ، فصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من كانوا بالأمس القريب يدا واحدة على عدوهم ، نراهم في هذه المعركة وقد تربص كل معسكر بالمعسكر الآخر، الرماح موجهة لصدور إخوان الأمس ، والأيدي التي اعتادت أن ترمي العدو بالنبال هاهي توجه نصالها نحو نحورهم ونحور إخوانهم . فشلت كل المشاورات ، وراحت جهود الوساطة بين الطرفين في محاولات الاصلاح وتوفيق ذات البين أدراج الرياح، وبدا إبليس اللعين مع بطانته منتشيا بلحظة انتصار نادرة ، وراح ينفث في نارالفرقة ليزيدها اشتعالا بعد أن نسج خيوط التمزق بحرفية يحسد عليها. فعثمان الذي استحق القتل أول الأمر أو أول المؤامرة ، يجب أن يكون في وسطها شهيدا ليؤخذ بثأره . مفارقة مليئة بالألم ، ومسلسل استهداف الإسلام في أعز بنيه وهم صحابة الرسول عليهم رضوان الله وفي أعز ما يملك وهو وحدة الكلمة يمضي على قدم وساق بلا ملل ولا كلل . قميص ملطخ بالدماء الطاهرة لذي النورين ، وأصابع زوجته الفاضلة الوفية يطيران وسط طوفان الغضب من المدينة إلى الشام ، ليستقر فوق خشبات المنبر بالمسجد الكبيربدمشق، ألا يصلحان وقودا للنار؟..والمسلمون الذين فجعوا في خليفتهم على يد الغوغاء كيف يمكنهم حمل شعلة الغضب وصب جامها فوق رؤوس القتلة ..؟! أسئلة مشروعة ، وغضب له مبرره القوي ، ودعوى للقصاص لابد منها ، ولكن ... متى تطرح هذه الأسئلة ؟.. ولمن توجه..؟ وهذا الغضب العارم المبرر متى وكيف يمكن التنفيث عنه ..؟ ودعوى القصاص التي لامناص عنها من يطرحها ؟.. ومن يقوم بتنفيذها ..؟ أسئلة أخرى كانت في حاجة إلى الحكمة في طرحها ، وإلى الأناة في الرد عليها،ولكن هيهات هيهات ... إن الفرق الكبير والجوهري بين موقعة الجمل وموقعة صفين هو أن المتحاربين في موقعة الجمل كان كل معسكر حريص على أرواح المعسكر الآخر، ولذا بعد قليل من المشاورات واللقاءات تم الصلح ، ولكن السبئية وأذنابهم فعلوا فعل إبليس كما أسلفنا فدارت دائرة الحرب ، وحتى أثناء الحرب كان لصوت الحكمة نصيب فتراجع طلحة والزبير ، لكن في صفين كان الوضع على النقيض من ذلك تماما . ويرصد لنا الدكتور الصلابي الوضع بدقة فيقول :تسلسل الأحداث التي قبل المعركة خرج النعمان بن بشير ومعه قميص عثمان مضمخ بالدماء، ومعه أصابع نائلة التي أصيبت حين دافعت عنه بيدها, وكانت نائلة بنت الفرافصة الكلبية زوج عثمان شامية فورد النعمان على معاوية بالشام، فوضعه معاوية على المنبر ليراه الناس، وعلق الأصابع في كم القميص يرفع تارة ويوضع تارة، والناس يتباكون حوله، وحث بعضهم بعضًا على الأخذ بثأره فهاجت النفوس والعواطف، واهتزت المشاعر ولا غرابة بعد هذا إطلاقًا أن نرى إصرار معاوية ومن معه من أهل الشام بالإصرار على المطالبة بدم عثمان، وتسليم القتلة للقصاص قبل البيعة دوافع معاوية في عدم البيعة: امتنع معاوية وأهل الشام عن البيعة ورأوا أن يقتص على رضي الله عنه من قتلة عثمان ثم يدخلون البيعة, وقالوا: لا نبايع من يؤوى القتلة وتخوفوا على أنفسهم من قتلة عثمان الذين كانوا في جيش على، فرأوا أن البيعة لعلى لا تجب عليهم، وأنهم إذا قاتلوا على ذلك كانوا مظلومين. وكان معاوية رضي الله عنه يرى أن عليه مسئولية الانتصار لعثمان والقود من قاتليه، فهو ولى دمه، والله يقول: " وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا" [الإسراء:33] لذلك جمع معاوية الناس، وخطبهم بشأن عثمان وأنه قتل مظلومًا على يد سفهاء منافقين لم يقدروا الدم الحرام، إذ سفكوه في الشهر الحرام في البلد الحرام، فثار الناس. لقد كان الحرص الشديد على تنفيذ حكم الله في القتلة السبب الرئيسي في رفض أهل الشام بزعامة معاوية بن أبى سفيان بيعة على بن أبى طالب، ورأوا أن تقديم حكم القصاص مقدم على البيعة، وليس لأطماع معاوية في ولاية الشام، أو طلبه ما ليس له بحق، وكان اجتهاد معاوية يخالف الصواب. قال الذهبي في كتابه تاريخ الإسلام: حدثني خلاد بن يزيد الجعفي، ثنا عمرو بن شمر، عن جابر الجعفي، عن الشعبي -أو أبي جعفر الباقر شك خلاد- قال: لما ظهر أمر معاوية دعا علي رضي الله عنه رجلاً، وأمره أن يسير إلى دمشق، فيعتقل راحلته على باب المسجد، ويدخل بهيئة السفر، ففعل الرجل، وكان قد وصاه بما يقول، فسألوه: من أين جئت؟ قال: من العراق: قالوا: ما وراءك؟ قال: تركت علياً قد حشد إليكم ونهد في أهل العراق. فبلغ معاوية، فأرسل أبا الأعور السلمي يحقق أمره، فأتاه فسأله، فأخبره بالأمر الذي شاع، فنودي: الصلاة جامعة، وامتلأ الناس في المسجد، فصعد معاوية المنبر وتشهد ثم قال: إن علياً قد نهد إليكم في أهل العراق، فما الرأي؟ فضرب الناس بأذقانهم على صدورهم، ولم يرفع إليه أحد طرفة، فقام ذو الكلاع الحميري فقال: عليك الرأي وعلينا أم فعال -يعني الفعال- فنزل معاوية ونودي في الناس: "اخرجوا إلى معسكركم، ومن تخلف بعد ثلاث أحل بنفسه" المراسلات للصلح بين علي ومعاوية ومن كتاب عثمان بن عفان رضي الله عنه كتب الدكتور الصلابي بتصرف: ومن المعروف أن الإمام قد بعث على رضي الله عنه كتبًا كثيرة إلى معاوية فلم يرد عليه جوابها، وتكرر ذلك مرارًا إلى الشهر الثالث من مقتل عثمان في صفر، ثم بعث معاوية طُومارًا مع رجل، فدخل به على علىّ فقال له على: ما وراءك؟ قال: جئتك من عند قوم لا يريدون إلا القَوَد,كلهم موتور تركت ستين ألف شيخ يبكون تحت قميص عثمان، وهو على منبر دمشق، فقال على: اللهم إنيّ أبرأ إليك من دم عثمان. بعد معركة الجمل أرسل أمير المؤمنين علىٌّ جرير بن عبد الله إلى معاوية يدعوه إلى بيعته، فلمّا أعطاه كتاب علي طلب معاوية عمرو بن العاص ورءوس أهل الشام فاستشارهم، فأبوا أن يبايعوا حتى يقتل قتلة عثمان، أو أن يسلم إليهم قتلة عثمان، وإن لم يفعل قاتلوه ولم يبايعوه حتى يقتلهم عن آخرهم. فخرج على رضي الله عنه بجيشه حتى وصل قرب قرقيسياء ، فأتته الأخبار بأن معاوية قد خرج لملاقاته وعسكر بصفين، فتقدم على نحوه. القتال على الماء وصل جيش على رضي الله عنه إلى صفين، حيث عسكر معاوية، ولم يجد موضعًا فسيحًا سهلاً يكفي الجيش، فعسكر في موضع وعر نوعًا ما، فوجئ جيش العراق بمنع معاوية عنهم الماء، فهرع البعض إلى على رضي الله عنه يشكون إليه هذا الأمر، فأرسل على إلى الأشعت بن قيس فخرج في ألفين ودارت أول معركة بين الفريقين انتصر فيها الأشعت واستولى على الماء ـ وقد وردت رواية تنفى وقوع القتال في أصله ـ وقد كان القتال على الماء في أول يوم تواجها فيه في بداية شهر ذي الحجة فاتحة شر على الطرفين المسلمين، إذ استمر القتال بينهما متواصلاً طوال هذا الشهر، وكان القتال على شكل كتائب صغيرة، وقد تجنبوا القتال بكامل الجيش خشية الهلاك والاستئصال، وأملاً في وقوع صلح بين الطرفَين. الموادعة بينهما ومحاولات الصلح ما إن دخل شهر المحرم، حتى بادر الفريقان إلى الموادعة والهدنة طمعًا في صلح يحفظ دماء المسلمين، فاستغلوا هذا الشهر في المراسلات بينهم ولم تنجح تلك المحاولات لالتزام كل فريق منهما برأيه وموقفه. وقد انتقد ابن كثير التفصيلات الطويلة التي جاءت في روايات أبى مخنف ونصر بن مزاحم، بخصوص المراسلات بين الطرفين . ثم عادت الحرب على ما كانت عليه في شهر ذي الحجة من قتال الكتائب والفرق والمبارزات الفردية، خشية الالتحام الكلي إلى أن مضى الأسبوع الأول منه، إلا أن عليًا أعلن في جيشه أن غدًا الأربعاء سيكون الالتحام الكلي لجميع الجيش، ثم نبذ معاوية يخبره بذلك. يقول شاهد عيان:اقتتلنا ثلاثة أيام وثلاث ليال حتى تاتق اللهرت الرماح ونفدت السهام ثم صرنا إلى المسايفة فاجتلدنا بها إلى نصف الليل حتى صرنا نعانق بعضنا بعضًا، ولما صارت السيوف كالمناجل تضاربنا بعمد الحديد، فلا تسمع إلا غمغمة وهمهمة القوم، ثم ترامينا بالحجارة وتحاثينا بالتراب وتعاضينا بالأسنان وتكادمنا بالأفواه. ليلة الهرير يوم الجمعة(ثالث أيام القتال) ويقول ابن كثير في وصف ليلة الهرير ويوم الجمعة: وتعاضوا بالأسنان يقتتل الرجلان حتى يثخنا ثم يجلسان يستريحان، وكل واحد منهما ليهمر على الآخر، ويهمر عليه، ثم يقومون فيقتتلان كما كانا، فإنا لله وإنا إليه راجعون، ولم يزل ذلك دأبهم حتى أصبح الناس من يوم الجمعة وهم كذلك، وصلى الناس الصبح إيماء وهم في القتال حتى تضاحى النهار وتوجه النصر لأهل العراق على أهل الشام. | |
|