24akhbar
| | حداث الفتنة الكبرى ( الحلقة الثانية عشر ) التحكيم وآثار مقتل عمار بن ياسر | |
الدعوة إلى التحكيم إن ما وصل إليه حال الجيشين بعد ليلة الهرير لم يكن يحتمل مزيد قتال، وجاءت خطبة الأشعت بن قيس زعيم كندة في أصحابه ليلة الهرير فقال: " قد رأيتم يا معشر المسلمين ما قد كان في يومكم هذا الماضي، وما قد فني فيه من العرب، فوالله لقد بلغت من السن ما شاء الله أن أبلغ؛ فما رأيت مثل هذا قط، ألا فليبلغ الشاهد الغائب، إن نحن تواقفنا غدًا إنه لفناء العرب، وضيعة الحرمات، أما والله ما أقول هذه المقالة جزعًا من الحرب، ولكني رجل مسن، وأخاف على النساء والذرارى غدًا، إذا نحن فنينا، اللهم إنك تعلم أني قد نظرت لقومي ولأهل ديني فلم آلُ." وجاء خبر ذلك إلى معاوية فقال: أصاب ورب الكعبة، لئن نحن التقينا غدًا لتميلن الروم على ذرارينا ونسائنا، ولتميلن أهل فارس على أهل العراق وذراريهم، وإنما يبصرهذا ذوو الأحلام والنهي، ثم قال لأصحابه: اربطوا المصاحف على أطراف القنا. وهذه رواية عراقية لا ذكر فيها لعمرو بن العاص ولا للمخادعة والاحتيال ـ وإنما كانت رغبة كلا الفريقين ولن يضير معاوية أو عمرًا شيء أن تأتي أحدهم الشجاعة فيبادر بذلك وينقذ ما تبقى من قوى الأمة المتصارعة، إنما يزعج ذلك السبئية الذين أشعلوا نيران هذه الفتنة، وتركوا لنا ركامًا من الروايات المضللة بشأنها، تحيل الحق باطلاً، وتجعل الفضل كالمناداة لتحكيم القرآن لصون الدماء المسلمة جريمة ومؤامرة وحيلة، ونسبوا لأمير المؤمنين على أقوالاً مكذوبة تعارض ما في الصحيح، على أنه قال: وما رفعوها لكم إلا خديعة ودهنًا ومكيدة. ومن الشتائم قولهم عن رفع المصاحف: إنها مشورة ابن العاهرة ووسّعوا دائرة الدعاية المضادة على عمرو بن العاص رضي الله عنه حتى لم تعد تجد كتابًا من كتب التاريخ إلا فيه انتقاص لعمرو بن العاص وأنه مخادع وماكر بسبب الروايات الموضوعة التي لفقها أعداء الصحابة الكرام. إن رواية أبى مخنف تفترض أن عليًا رفض تحكيم القرآن لما اقترحه أهل الشام، ثم استجاب بعد ذلك له تحت ضغط القراء الذين عرفوا بالخوارج فيما بعد. وهذه الرواية تحمل سبًا من على لمعاوية وصحبه يتنزه عنه أهل ذاك الجيل المبارك، فكيف بساداتهم وعلى رأسهم أمير المؤمنين على؟! ويكفى للرواية سقوطًا أن فيها أبا مخنف الرافضي المحترق، فهي رواية لا تصمد للبحث النزيه، ولا تقف أمام روايات أخرى لا يتهم أصحابها بهوى مثل ما يرويه الإمام أحمد بن حنبل عن طريق حبيب بن أبى ثابت قال: " أتيت أبا وائل أحد رجال على بن أبى طالب فقال: كنا بصفين، فلما استحر القتل بأهل الشام قال عمرو لمعاوية: أرسل إلى علىًّ المصحف؛ فادعه إلى كتاب الله، فإنه لا يأبى عليك، فجاء به رجل فقال: بيننا وبينكم كتاب الله : "أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُم مُّعْرِضُونَ" [آل عمران:23]، فقال على: نعم، أنا أولى بذلك. وفي هذه الروايات الصحيحة رد على دعاة الفتنة، ومبغضي الصحابة الذين يضعون الأخبار المكذوبة، ويضعون الأشعار وينسبونها إلى أعلام الصحابة والتابعين الذين شاركوا في صفين؛ ليظهروهم بمظهر المتحمس لتلك الحرب ليزرعوا البغضاء في النفوس ويعملوا ما في وسعهم على استمرارالفتنة. إن الدعوة إلى تحكيم كتاب الله دون التأكيد على تسليم قتلة عثمان إلى معاوية وقبول التحكيم دون التأكيد على ديارب اهدى معاوية في طاعة على والبيعة له، تطور فرضته أحداث حرب صفين، إذ إن الحرب التي أودت بحياة الكثير من المسلمين، أبرزت اتجاها جماعيًا رأى أن وقف القتال وحقن الدماء ضرورة تقتضيها حماية شوكة الأمة وصيانة قوتها أمام عدوها، وهو دليل على حيوية الأمة ووعيها وأثرها في اتخاذ القرارات. إن أمير المؤمنين عليًا رضي الله عنه قَبِل وقف القتال في صفين، ورضي التحكيم وعدَّ ذلك فتحًا ورجع إلى الكوفة، وعلق على التحكيم آمالاً في إزالة الخلاف، وجمع الكلمة، ووحدة الصف، وإعادة حركة الفتوح من جديد. العوامل التي اسهمت في وصول الطرفين لفكرة التحكيم وقبولها أ- أنه كان آخر محاولة من المحاولات التي بذلت لإيقاف الصدام وحقن الدماء سواء تلك المحاولات الجماعية أو المحاولات الفردية التي بدأت بعد موقعة الجمل ولم تفلح، أما الرسائل التي تبودلت بين الطرفين لتفيد وجهات نظر كل منهما، فلم تُجد هي الأخرى شيئًا، وكان آخر تلك المحاولات ما قام به معاوية في أيام اشتداد القتال حيث كتب إلى على رضي الله عنه يطالبه بوقف القتال فقال: فإني أحسبك أن لو علمت وعلمنا أن الحرب تبلغ بك ما بلغت لم نجنها على أنفسنا، فإنا إن كنا قد غُلبنا على عقولنا فقد بقى منا ما ينبغي أن نندم على ما مضى ونصلح ما بقى. ب- تساقط القتلى وإراقة الدماء الغزيرة ومخافة الفناء، فصارت الدعوة إلى إيقاف الحرب مطلبًا يرنو إليه الجميع. جـ- الملل الذي أصاب الناس من طول القتال، حتى وكأنهم على موعد لهذا الصوت الذي نادى بالهدنة والصلح، وكانت أغلبية جيش على في اتجاه الموادعة، وكانوا يرددون: قد أكلتنا الحرب، ولا نرى البقاء إلا عن الموادعة ، وهذا ينقض ذلك الرأي المتهافت الذي رُوِّج بأن رفع المصاحف كان خدعة من عمرو بن العاص، والحق أن فكرة رفع المصاحف لم تكن جديدة وليست من ابتكار عمرو بن العاص، بل رُفع المصحف في الجمل ورشق حامله كعب بن سور قاضى البصرة بسهم وقُتل. د- الاستجابة لصوت الوحي الداعي للإصلاح، قال تعالى: [size=21]" فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ" [النساء:59] مقتل عمّار بن ياسر رضي الله عنه كان عمّار بن ياسر، رضي الله عنه، قد جاوز الرابعة والتسعين عامًا، وكان يحارب بحماس، يحرض الناس، ويستنهض الهمم، ولكنه بعيد كل البعد عن الغلو، فقد سمع رجلاً بجواره يقول: كفر أهل الشام. فنهاه عمار عن ذلك وقال: إنما بغوا علينا، فنحن نقاتلهم لبغيهم، فإلهنا واحد، ونبينا واحد، وقبلتنا واحدة. ولما رأى عمار رضي الله عنه تقهقر أصحابه، وتقدم خصومه، أخذ يستحثهم ويبين لهم أنهم على الحق ولا يغرنهم ضربات الشاميين الشديدة، فقال ضمن ما قاله رضي الله عنه: من سره أن تكتنفه الحور العين فليقدم بين الصفين محتسبًا، فإني لأرى صفًا يضربكم ضربًا يرتاب منه المبطلون، والذي نفسي بيده، لو ضربونا حتى يبلغوا منا سعفات هجر، لعلمنا أنا على الحق وأنهم على الباطل، ولعلمنا أن مصلحينا على الحق وأنهم على الباطل. وأضاف: أزفت الجنة وزينت الحور العين، من سره أن تكتنفه الحور العين، فليتقدم بين الصفين محتسبًا. فكان عمارعاملاً مهمًا من عوامل حماس جيش العراق ورفع روحهم المعنوية مما زادهم عنفًا وضراوة وتضحية في القتال، حتى استطاعوا أن يحولوا المعركة لصالحهم. ويعد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمار، رضي الله عنه، والذي بشره بمقتله على يد الفئة الباغية من الأحاديث الصحيحة والثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم وجاء في السيرة النبوية لابن هشام أثناء بناءالمسجد بالمدينة ما يلي: عمّار والفئة الباغية : قال : فدخل عمار بن ياسر، وقد أثقلوه باللَّبِن ، فقال يا رسول الله قتلوني ؟ يحملون علىّ ما لا يحملون . قالت أم سلمة زوجٍ النبي صلى الله عليه وسلم : فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفُض وَفْرَته بيده : وكان رجلا جَعْدا، وهو يقول: "ويح ابن سُمَية ليسوا بالذين يقتلونك. إنما تقتلك الفئةُ الباغية " وقد جاء في البخاري عن أبى سعيد الخدري رضي الله عنه قال: كنا نحمل لبنة؛ وعمّار لبنتين لبنتين، فرآه النبي صلى الله عليه وسلم، فينفض التراب عنه ويقول: «ويح عمّار تقتله الفئة الباغية، يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار».قال عمّار: أعوذ بالله من الفتن. وقال ابن عبد البر: تواترت الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«تقتل عمارًا الفئة الباغية»، وكان خزيمة بن ثابت حضر صفين وكان كافا سلاحه، فلما رأى مقتل عمار سل سيفه وقاتل أهل الشام، وذلك لأنه سمع هذا الحديث عن عمار. وقد كان لمقتل عمّار، رضي الله عنه – أثر في معركة صفين، فقد كان علمًا لأصحاب رسول الله يتبعونه حيث سار، واستمر في القتال حتى قُتل, وكان لمقتل عمّار أثر في معسكر معاوية أيضا، فهذا أبو عبد الرحمن السلمي دخل في معسكر أهل الشام، فرأى معاوية وعمرو بن العاص وابنه عبد الله بن عمرو، وأبا الأعور السلمي، عند شريعة الماء يسقون. وكانت هي شريعة الماء الوحيدة التي يستقي منها الفريقان، وكان حديثهم عن مقتل عَمّار بن ياسر، إذ قال عبد الله بن عمرو لوالده: لقد قتلنا هذا الرجل وقد قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم «تقتله الفئة الباغية» فقال عمرو لمعاوية: لقد قتلنا الرجل وقد قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال. فقال معاوية: اسكت فوالله ما تزال تدحض في بولك، أنحن قتلناه؟ إنما قتله من جاء به فانتشر تأويل معاوية بين أهل الشام انتشار النار في الهشيم، وجاء في رواية صحيحة أن عمرو ابن حزم دخل على عمرو بن العاص فقال: قتل عمار وقد قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تقتله الفئة الباغية». فقام عمرو بن العاص فزعًا يرجع حتى دخل على معاوية فقال له معاوية: ما شأنك؟ فقال: قُتل عمار. قال معاوية: فماذا؟ قال عمرو: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له: «تقتلك الفئة الباغية».فقال له معاوية: دحضت في بولك، أو نحن قتلناه؟! إنما قتله على وأصحابه، وجاءوا به حتى ألقوه بين رماحنا، أو قال: بين سيوفنا . وفي رواية صحيحة أيضًا، جاء رجلان عند معاوية يختصمان في رأس عمّار، يقول كل واحد منهما: أنا قتلته؛ فقال عبد الله بن عمرو بن العاص: ليطب به أحدكم نفسًا لصاحبه، فإني سمعت رسول الله يقول: «تقتله الفئة الباغية». قال معاوية: فما بالك معنا؟ قال: إن أبى شكاني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أطع أباك ما دام حيًا ولا تعصه. فأنا معكم ولست أقاتل . من الروايات السابقة نلاحظ أن الصحابي الفقيه عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما حريص على قول الحق والنصح، فقد رأى أن معاوية وجنده، هم الفرقة الباغية لقتلهم عمارًا، فقد تكرر منه هذا الاستنكار في مناسبات مختلفة؛ ولا شك أن مقتل عمّار رضي الله عنه قد أثر في أهل الشام بسبب هذا الحديث، إلا أن معاوية – رضي الله عنه – أوّل الحديث تأويلاً غير مستساغ ولا يصح في أن الذين قتلوا عمارًا هم الذين جاءوا به إلى القتال. وقد أثر مقتل عمار كذلك على عمرو بن العاص، بل كان استشهاد عمار دافعًا لعمرو بن العاص للسعي لإنهاء الحرب، وقد قال رضي الله عنه: ـ"وددت أني مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة" وهذا من إخباره بالغيب وإعلام نبوته صلى الله عليه وسلم وهو من أصح الأحاديث. بعض آراء العلماء حول تفسير مقتل عمار بن ياسر رضي الله عنه وقال القرطبى: وقال الإمام أبو المعالي في كتاب الإرشاد، فصل.. على رضي الله عنه، كان إمامًا حقًا في توليته، ومقاتلوه بغاة، وحسن الظن بهم يقتضي أن يظن بهم قصد الخير وإن أخطأوه، وقال أيضًا: وقد أجاب على رضي الله عنه عن قول معاوية بأن قال: فرسول الله صلى الله عليه وسلم إذن قتل حمزة حين أخرجه. وقال ابن كثير: فقول معاوية: إنما قتله من قدمه إلى سيوفنا، تأويل بعيد جدًا، إذ لو كان كذلك لكان أمير الجيش هو القاتل للذين يقتلون في سبيل الله، حيث قدمهم إلى سيوف الأعداء. وقال ابن تيمية: وهذا القول لا أعلم له قائلاً من أصحاب الأئمة الأربعة ونحوهم من أهل السنة، ولكن هو قول كثير من المروانية ومن وافقه. وقال الذهبي في كتابه تاريخ الإسلام: وقال حارثة بن مضرب: قرئ علينا كتاب عمر: إني بعثت إليكم -يعني إلى الكوفة- عمار بن ياسر أميراً، وابن مسعود معلماً ووزيراً، وإنهما لمن النجباء من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، من أهل بدر، فاسمعوا لهما، واقتدوا بهما، وقد آثرتكم بهما على نفسي. وعن ابن عمر قال: رأيت عماراً يوم اليمامة على صخرة، وقد أشرف يصيح: يا معشر المسلمين، أمن الجنة تفرون، أنا عمار بن ياسر، هلموا إلي، وأنا أنظر إلى أذنه وقد قطعت، فهي تذبذب، وهو يقاتل أشد القتال. وعن عبد الله بن أبي الهذيل قال: رأيت عمار بن ياسر اشترى قتا بدرهم، فاستزاد حبلاً، فأبى، فجاذبه حتى قاسمه نصفين، وحمله على ظهره وهو أمير الكوفة. وقد روي أنهم قالوا لعمر: إن عمار غير عالم بالسياسة، فعزله. قال الشعبي: قال عمر لعمار: أساءك عزلنا إياك؟ قال: لئن قلت ذاك، لقد ساءني حين استعملتني، وساءني حين عزلتني. وقال نوفل بن أبي عقرب: كان عمار قليل الكلام، طويل السكوت، وكان عامة أن يقول: عائذ بالرحمن من فتنة، عائذ بالرحمن من فتنة، قال: فعرضت له فتنة عظيمة. وعن ابن عمر قال: ما أعلم أحداً خرج في الفتنة يريد الله إلا عمار ابن ياسر، وما أدري ما صنع. وقال أيوب، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قاتل عمار وسالبه في النار". أخرج أبو نعيم في الحلية، وأخرج ابن سعد عن عبد الرحمن بن أبْزَى رضي الله عنه عن عمار بن ياسر رضي الله عنهما أنه قال وهو يسير إلى صفين على شط الفرات: اللمَّ إنَّه لو أعلم أنه أرضى لك عن أن أرمي بنفسي من هذا الجبل فأتردّى فأسقط فعلت، ولو أعلم أنه أرضى لك عني أن أوقد ناراً عظيمة فأقع فيها فعلت. اللهم لو أعلم أنه أرضى لك عني أن أُلقي نفسي في الماء فأغرق نفسي فعلت، فإني لا أقاتل إلا أريد وجهك، وأنا أرجو أن لا تخيبني وأنا أريد وجهك. القتلى من الجانبين تضاربت أقوال العلماء في عدد القتلى، فذكر ابن أبى خيثمة أن القتلى في صفين بلغ عددهم سبعين ألفًا، من أهل العراق خمسة وعشرون ألفًا، ومن أهل الشام خمسة وأربعون ألف مقاتل، كما ذكر ابن القيم أن عدد القتلى في صفين بلغ سبعين ألفًا أو أكثر، ولا شك أن هذه الأرقام غير دقيقة، بل أرقام خيالية، فالقتال الحقيقي والصدام الجماعي استمر ثلاثة أيام مع وقف القتال بالليل إلا مساء الجمعة فيكون مجموع القتال حوالي ثلاثين ساعة ومهما كان القتال عنيفًا، فلن يفوق شدة القادسية التي كان عدد الشهداء فيها ثمانية آلاف وخمسمائة، وبالتالي يصعب عقلاً أن نقبل تلك الروايات التي ذكرت الأرقام الكبيرة. أمير المؤمنين علي يتفقد القتلى ويترحم عليهم من الجانبين وقد وقف علىٌّ على قتلاه وقتلى معاوية فقال:غفر الله لكم، غفر الله لكم، للفريقين جميعًا, وعن يزيد بن الأصم قال: لما وقع الصلح بين على ومعاوية، خرج على فمشى في قتلاه فقال: هؤلاء في الجنة، ثم خرج إلى قتلى معاوية فقال: هؤلاء في الجنة، ويصير الأمر إلىّ وإلى معاوية. ملك الروم وموقف لن ننساه لمعاوية رضي الله عنه قال ابن كثير: "وطمع في معاوية ملك الروم بعد أن كان أخشاه وأذله، وقهر جندهم ودحرهم، فلما رأى ملك الروم اشتغال معاوية بحرب على تدانى إلى بعض البلاد في جنود عظيمة وطمع فيه، فكتب معاوية إليه: والله لئن لم تنته وترجع إلى بلادك يا لعين لاصطلحن أنا وابن عمي عليك، ولأخرجنك مع جميع بلادك ولأضيقن عليك الأرض بما رحبت" فعند ذلك خاف ملك الروم وانكف، وبعث يطلب الهدنة وهذا يدل على عظمة نفس معاوية وحميته للدين. نهى أمير المؤمنين على عن شتم معاوية ولعن أهل الشام روى أن عليًا رضي الله عنه لما بلغه أن اثنين من أصحابه يظهران شتم معاوية ولعن أهل الشام أرسل إليهما أن كفّا عما يبلغني عنكما، فأتيا فقالا: يا أمير المؤمنين، ألسنا على الحق وهم على الباطل؟. قال: بلى وربّ الكعبة المسدّنة. قالا: فلم تمنعنا من شتمهم ولعنهم؟ قال: كرهت لكم أن تكونوا لعّانين، ولكن قولوا: اللهم احقن دماءنا ودماءهم، وأصلح ذات بيننا وبينهم، وأبعدهم من ضلالتهم حتى يعرف الحقَّ من جهله ويرعوى عن الغيّ من لجج به. وأما ما قيل من أن عليًا كان يلعن في قنوته معاوية وأصحابه، وأن معاوية إذا قنت لعن عليًا وابن عباس والحسن والحسين، فهو غير صحيح، لأنّ الصحابة رضوان الله عليهم كانوا أكثر حرصًا من غيرهم على التقيد بأوامر الشارع الذي نهى عن سباب المسلم ولعنه. فقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: (من لعن مؤمنًا فهو كقتله) وقوله صلى الله عليه وسلم: «ليس المؤمن بطعّان ولا بلعّان» وقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يكون اللعانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة»).كما أن الرواية التي جاء فيها لعن أمير المؤمنين في قنوته لمعاوية وأصحابه ولعن معاوية لأمير المؤمنين وابن عباس والحسن والحسين لا تثبت من ناحية السند حيث فيها أبو مخنف لوط بن يحيى الرافضي المحترق الذي لا يوثق في رواياته. [/size] | |
|