أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تطالب بالثأر لقتل عثمان بن عفان
قدم
طلحة والزبير إلى مكة ولقيا عائشة رضي الله عنهم جميعًا وكان وصولهما إلى
مكة بعد أربعة أشهر من مقتل عثمان تقريبًا، أي في ربيع الآخر من عام36هـ،
ثم بدأ التفاوض في مكة مع عائشة، رضي الله عنها، للخروج والمطالبة بدم الخليفة المقتول .
لقد توافرت مجموعة من العوامل في مكة جعلتهم يفكرون في طريقة جادة لتحقيق مطلبهم، ومن هذه العوامل:
1 ـ أن بنى أمية قد هربوا من المدينة واستقروا في مكة.
2 ـ أن عبد الله بن عامر أمير البصرة في عهد عثمان كان في مكة وهو يحث على الخروج ويعرض المعونة المادية.
3ـ
أن يعلى بن أمية الذي خرج من اليمن لإعانة الخليفة عثمان وصل إلى مكة، وقد
قتل الخليفة ومعه من المال والسلاح والدواب شيء لا بأس به.
كانت
السيدة عائشة والزبير وطلحة ومن معهم يسعون لإيجاد رأى إسلامي عام في
مواجهة الطغمة السبئية التي قتلت عثمان، وأصبحت ذات شوكة لا يستهان بها،
وذلك من خلال تعريف المسلمين بما أتى هؤلاء السبئيون والغوغاء من أهل
الأمصار ، فلقد
بات واضحًا عند الصحابة من الفريق الذي كان يرى رأي عائشة رضي الله عنها
أن الغوغاء والسبئيين لهم وجود في جيش علىّ، وأنه لأجل ذلك فإن عليًا رضي
الله عنه يصعب عليه مواجهتهم، خشية منه على أهل المدينة، ومن ثم فإنه
ينبغي عليهم أن يحاولوا السعي لإفهام المسلمين، وتقوية الجانب المطالب
بإقامة الحدود، لتتم إقامتها بأقل الخسائر في دماء الأبرياء.وتم الاتفاق على التوجه للبصرة بعد تحديدها كمكان مثالي للبدأ بالأخذ بالثأر.
السيدة عائشة توضح الغرض من خروجها
1-
روى الطبري أن عثمان بن حنيف وهو والى البصرة من قبل أمير المؤمنين على بن
أبى طالب أرسل إلى عائشة رضي الله عنها عند قدومها البصرة يسألها عن سبب
قدومها،فقالت رضي الله عنها:
"خرجت في المسلمين أُعلمهم ما أتى هؤلاء القوم وما فيه الناس وراءنا، وما ينبغي لهم أن يأتوا في إصلاح هذا، وقرأت [size=21]"لاَ
خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ
مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ" [النساء:114]. فنهض في الإصلاح ممن أمر الله عز وجل وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلمالصغير والكبير والذكر والأنثى، فهذا شأننا إلى معروف نأمركم به وتحضكم عليه ومنكر ننهاكم عنه ونحثكم على تغييره."[/size]
2- وروى ابن حبان أن عائشة رضي الله عنها كتبت إلى أبى موسى الأشعري والى علىّ على الكوفة :
"
فإنه قد كان من قتل عثمان ما قد علمت، وقد خرجت مصلحة بين الناس، فمر من
قبلك بالقرار في منازلهم، والرضا بالعافية حتى يأتيهم ما يحبون من صلاح
أمر المسلمين."
3-
ولما أرسل علىُّ القعقاع بن عمرو لعائشة ومن كان معها يسألها عن سبب
قدومها، دخل عليها القعقاع فسلم عليها، وقال: أي أُمه، ما أشخصك وما أقدمك
هذه البلدة؟ قالت: أي بنى، إصلاح بين الناس.
4-
وبعد انتهاء الحرب يوم الجمل جاء علىٌّ إلى عائشة – رضي الله عنها – فقال
لها: غفر الله لك. قالت: ولك، ما أردت إلا الإصلاح. فتقرر أنها ما خرجت
إلا للإصلاح بين الناس.
وفيه
رد على من طعن في عائشة رضي الله عنها من الشيعة الروافض في قولهم: إنها
خرجت من بيتها وقد أمرها الله بالاستقرار فيه في قوله: [size=21]"وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى" [الأحزاب:33]،
فإن سفر الطاعة لا ينافي القرار في البيت وعدم الخروج منه إجماعًا، وهذا
ما كانت تراه أم المؤمنين عائشة في خروجها للإصلاح للمسلمين وكان معها
محرمها ابن أختها عبد الله بن الزبير.[/size]
ويقول ابن العربي:
"وأما
خروجها إلى حرب الجمل فما خرجت لحرب ولكن تعلق الناس بها وشكوا إليها ما
صاروا إليه من عظيم الفتنة وتهارج الناس، ورجوا بركتها في الإصلاح، وطمعوا
في الاستحياء منها إذا وقفت للخلق، وظنت هي ذلك، فخرجت مقتدية بالله في
قوله: [size=21]"لاَ
خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ
مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ" [النساء:114]. والأمر بالإصلاح، مخاطب به جميع الناس من ذكر أو أنثى حر أو عبد."
[/size]
مرور السيدة عائشة على ماء الحوأب
ثبت
مرور السيدة عائشة على ماء الحوأب من طرق صحيحة؛ فعن يحيى بن سعيد بن
القطان، عن إسماعيل بن أبى خالد، عن قيس ابن حازم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأزواجه:
«كيف بإحداكن تنبح عليها كلاب الحوأب».
ومن طريق شعبة عن إسماعيل ولفظ شعبة: أن عائشة لما أتت على الحوأب سمعت نباح الكلاب، فقالت: ما أظنني إلا راجعة، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا:
أيتكن تنبح عليها كلاب الحوأب.
فقال لها الزبير: أترجعين ؟ عسى الله عز وجل أن يُصلح بك بين الناس.
الروافض والصيد في الماء العكر
وهناك
روايات أخرى وردت في هذا الموضوع، كلها باطلة سندًا ومتنًا، ومغزى هذه
الروايات وهدفها هو الطعن على كبار الصحابة وفضلائهم، وبيان أن مقصدهم من
خروجهم هذا، هو تحقيق مطامع دنيوية شخصية من مال ورئاسة وغيرها، وأن
الغاية تبرر الوسيلة، وأنهم لا يتورعون في سبيل ذلك عن إشعال الحرب
والفتنة بين المسلمين، وتركز الروايات على الصحابيين الجليلين طلحة
والزبير – رضي الله عنهما , كما يريد مفتري هذه الروايات أن يبين ويؤكد أن
هذين الصحابيين ومن معهما من أفراد المعسكر يتجرءون على انتهاك حرمات
الله؛ فهم يقسمون ويحلفون لأم المؤمنين بأيمان مغلظة أن هذا ليس ماء
الحوأب، وزيادة على ذلك أتوا بسبعين نفسًا وفي رواية بخمسين نفسًا يشهدون
على صدق قولهم، فكان هذا العمل كما افترى المسعودي الشيعي الرافضي أول
شهادة زور في الإسلام.
وصول طلحة والزبير وعائشة رضي الله عنهم إلى البصرة
عندما
وصل طلحة والزبير وعائشة رضي الله عنهم ومن معهم إلى البصرة نزلوا جانب
الخريبة, ومن هناك أرسلوا إلى أعيان وأشراف القبائل يستعينون بهم على قتلة
عثمان، كان كثير من المسلمين في البصرة وغيرها، يودون ويرغبون في القود من
قتلة عثمان رضي الله عنه إلا أن بعض هؤلاء يرون أن هذا من اختصاص الخليفة
وحده، وأن الخروج في هذا الأمر بدون أمره وطاعته معصية، ولكن خروج هؤلاء
الصحابة المشهود لهم بالجنة، وأعضاء الشورى ومعهم أم المؤمنين عائشة حبيبة
رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفقه النساء مطلقًا، ومطلبهم الشرعي لا غبار عليه ولا ينكره صحابي واحد، جعل الكثير من البصريين على اختلاف قبائلهم ينضمون إليهم.
وأقبل
حُكَيم بن جبلة بعدما خطبت عائشة رضي الله عنها في أهل البصرة، فأنشب
القتال وأشرع أصحاب عائشة وطلحة والزبير رضي الله عنهم رماحهم وأمسكوا
ليمسكوا، فلم ينته حكيم ومن معه، ولم يثن، وظل يقاتلهم، وطلحة والزبير
كافون إلا ما دافعوا عن أنفسهم، وحكيم يذمر خيله ويركبهم بها, وعلى الرغم
من ذلك، فإنه عائشة رضي الله عنها ظلت حريصة على عدم إنشاب القتال، فأمرت
أصحابها أن يتيامنوا بعيدًا عن المقاتلين، وظلوا على ذلك حتى حجز الليل
بينهم, ومضى حكيم بن جبلة فيمن غزا معه عثمان بن عفان رضي الله عنه وحصره
من نزاع القبائل كلها، فلقد كانوا قد عرفوا أن لا مقام لهم بالبصرة،
فاجتمعوا إليه، ووافقوا أصحاب عائشة، فاقتتلوا قتالاً شديدً، وظل منادى
عائشة رضي الله عنها يناديهم ويدعوهم إلى الكفّ فيأبون, وجعلت رضي الله
عنها تقول: لا تقتلوا إلا من قاتلكم. لكن حكيمًا لم يُرَع للمنادى، وظل
يُسَعَّر القتال، عندئذ وبعد ما تبينت للزبير وطلحة – رضي الله عنهما –
طبيعة هؤلاء الذين يقاتلون، وأنهم لا يتورعون ولا ينتهون عن حرمة، وأن لهم
هدفًا في إنشاب القتال، قالا: الحمد لله الذي جمع لنا ثأرنا من أهل البصرة، اللهم لا تبق منهم أحدًا.