طمأنتنا مديرية أمن المنيا إلى أن الذين تم اختطافهم فى المحافظة خمسة أشخاص فقط وليس 12 كما قيل من قبل. الخبر نشرته صحيفة الأهرام التى ذكرت يوم الاثنين 31/10 إن أجهزة الأمن فى المنيا «أكدت» المعلومة، فى نفى قاطع لشائعة اختطاف 12 شخصا، وأرادت بذلك أن ترطب جوانح القلقين وتهدئ من روع الخائفين، وتقنعهم بأن المسألة «بسيطة» ولا تستدعى ذلك الفزع الذى ترددت اصداؤه فى أنحاء المحافظة.
وزيادة فى طمأنة الناس. ولتأكيد أن المخطوفين ليسوا أكثر من خمسة انفار، من بين 83 مليون نسمة فى مصر، فإن خبر الأهرام أورد بيانا حصريا بحالات المخطوفين، فذكر أنه فى بلدة «سمالوط» اختطف شاب ذكرت اسمه وطلب من أسرته مبلغ مائة ألف جنيه لتسليمه. وبعد دفع المبلغ، فإن المختطفين طمعوا وحنثوا بوعدهم وطالبوا الأسرة بدفع مائة ألف دولار أخرى. خطفت أيضا فى سمالوط طالبة بالصف الثانى الثانوى، كما خطف شاب يملك محلا للهواتف النقالة كان يستقل دراجته البخارية، الأمر الذى أثار غضب الأهالى ودفعهم إلى التظاهر أمام مقر الشرطة بالمدينة، حيث أعلنوا عن تشكيل لجان شعبية من بينهم لحماية المواطنين، وإسقاط الشرطة من حسابهم. الحالة الرابعة كانت لأحد العاملين بمكتب الخبراء بمدينة المنيا، الذى اعترض طريقه أثناء ذهابه إلى عمله أربعة مسجلين (هل تم ذلك أثناء النهار؟!) فانزلوه من سيارته، ونقلوه إلى سيارة أخرى لهم، وطالبوا أسرته بدفع فدية قيمتها مليون جنيه. أما الحالة الخامسة فهى للواء طبيب طالب مختطفوه أسرته بدفع 700 ألف جنيه لإطلاق سراحه، وبعد مفاوضات اتفق على دفع 200 ألف فقط وأعيد الرجل إلى بيته.
الخبر ينطبق عليه بشدة ذلك المثل الذى يتحدث عن شخص «جاء يكحلها فأعماها». أعنى أن مسئولى الأمن فى المحافظة أرادوا أن يزيلوا لبسا فكشفوا عن فضيحة. إذ حين يحدث ذلك فى أى مكان. فليس له سوى تفسير واحد هو أن الشرطة عاجزة عن الحفاظ على الأمن، وإنها فقدت هيبتها بحيث أصبح بمقدور الاشقياء أن يتمادوا فى غيهم، ولا يترددوا فى تحديها والاستهتار بها. وحين يقرر الناس أن يشكلوا من جانبهم لجانا شعبية لكى تدافع عنهم فمعنى ذلك أنهم يئسوا من أن تقوم الشرطة بواجبها، وأنهم فقدوا الثقة فى قدرتها على حمايتهم. وسواء كان مدير الأمن معذورا أم غير معذور، فإن ذلك الفشل والعجز ينسب إليه. وفى هذه الحالة فهو إما أن يطلب إعفاءه من منصبه دفاعا عن كرامته، أو أن يصارح الناس بقصور إمكاناته ويطلب من المحافظ ومجتمع المحافظة أن يتعاونا معه فى علاج ذلك القصور، حتى إذا اقتضى الأمر أن يضع اللجان الشعبية التى اعتزم الناس تشكيلها تحت رعايته وإشرافه. أما أن يسكت المحافظ ويقف متفرجا، ويكتفى المدير أو مديرية الأمن بتصحيح المعلومة والتأكيد على أن حالات الخطف خمسا فقط وليست اثنتى عشرة، فذلك يعد استخفافا بالناس. ذلك أن المشكلة ليست فى عدد المختطفين، بحيث تتغاضى عن الاختطاف لو كان العدد قليلا وتتصدى له إذا كبر وزاد على عشرة أشخاص، ولكن المشكلة فى مبدأ خطف أى مواطن من الشوارع والجرأة التى واتت الأشقياء بحيث أصبحوا يستسهلون ابتزاز العائلات والحصول منها على أموال طائلة جراء إطلاق المخطوفين.
ما أثار انتباهى ليس فقط ذلك الخبر الذى يبعث على القلق والدهشة، ولكن أيضا أن صفحة حوادث الأهرام التى صححت عدد المختطفين فى المنيا نشرت فى اليوم ذاته أربعة أخبار أخرى كلها تدور حول الخطف. عناوينها كما يلى: إعادة طالب اختطفته سيدة وابنتها لارتباطه بعلاقة عاطفية معها ــ مسجل خطر يخطف سيدة من زوجها بالعياط ــ مقاول يستأجر 7 بلطجية لاختطاف زميله لخلافات مالية ــ اللجان الشعبية بالسويس تعيد فتاة لأهلها اختطفها بلطجى.
إذا لاحظت أن هذه أخبار يوم واحد فذلك يعنى أننا بصدد ظاهرة فى المجتمع تفشت فى أجواء غياب الشرطة والفوضى الأمنية التى أريد لها أن تشيع فى مصر بعد الثورة. وأخشى إذا استمر الحال على ذلك النحو أن تخصص الصحف زاوية للمخطوفين هذا الصباح، وأن يتحول الخطف إلى خبر عادى يألفه الناس ويتعايشون معه، بحيث ينتظر كل مواطن قادر دوره فى الخطف.
إن الظاهرة تجدد الأسئلة المعلقة منذ أشهر حول أسباب الفوضى الأمنية، وهل هى ناجمة عن تخبط فى السياسات أم عن نقص فى الإمكانات أم عن عجز فى القدرات أم أنها راجعة إلى تدبير شيطانى يراد له أن يثير تعاطفنا مع النظام السابق الذى اقترن فيه الأمن بتوحش الشرطة وإذلال كل المصريين .. طوال الأشهر الماضية تتردد مثل هذه الأسئلة ولكننا اكتشفنا أخيرا أن ذلك كان من قبيل النفخ فى قربة مقطوعة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مقالات فهمى هويدى
من تونس إلى من يهمه الأمر ليبيا المحررة والمحيرة درس فى الصحافة يحدث اليوم فى تونس