يعجز أي قلم عن توصيف ما كنا نشاهده أمامنا في محاكمة الرئيس المخلوع حسنى مبارك.
فلم يكن هناك قبل بضعة أشهر من يعتقد أو يتخيل إمكانية حدوث ذلك في مصر أو في العالم العربي.
فنحن أمام أول محاكمة من نوعها في العالم لرئيس دولة يحاكم أمام محكمة عادية بعد ثورة شعبية، وتتوافر فيها كل إجراءات العدالة والدفاع الكامل للرئيس والمتهمين معه.
ففي كل الثورات التي حدثت في العالم كانت هناك محاكمات فورية في أعقابها تصدر أحكاما عاجلة قد لا تتصف بالعادلة وإنما تعمل روح الانتقام حتى وأن كانت بدوافع وذرائع ثورية.
وفي المحاكمة التي نتابعها الآن فإن مصر ترسل برسائل عديدة للعالم وتتلخص في أنها دولة قانون وأن الكلمة هي للقضاء وأن الشعب هو مصدر كل السلطات.
فالشعب هو الذي أتى بحسني مبارك إلى المحاكمة، والشعب الذي أنهى نظام مبارك الديكتاتوري، والشعب هو الذي يبدأ عصر جديدًا من الحضارة والرقي.
والقيمة الحقيقية لمحاكمة حسنى مبارك لا تتمثل في تهدئة الثوار والاستجابة لمطالبهم وإنما هي محاكمة لإنهاء عصر الفراعنة في مصر، فلم يعد ممكنًا أن يأتينا أي رئيس بعد ذلك ليبدأ فترة حكمة ديموقراطيًا وينتهي فرعونًا يحكم شعب بديكتاتورية مطلقة وبأسلوبه وبرؤيته الخاصة وكأن مصر هي ضيعة خاصة قد ورثها ليحكمها.
فلا يمكن لأي رئيس سيتولى حكم مصر بعد ذلك أن يفكر في القيادة الفردية أو في استغلال النفوذ والسلطة وألا واجه مصيرًا مشابهًا لما يحدث لحسني مبارك الآن.
ومصر حين تحاكم مبارك الآن فإنها تسجل بداية عصر جديد وأن الثورة قد بدأت ترسم شكل هذا العصر الذي يعني المحاسبة والمراقبة وقوة الشعب.
وما يحدث في المحاكمة ليس نوعا من التشفي والتلذذ بمحاكمة رموز النظام السابق وإنما هو تأكيد علي أن العدالة يجب أن تطبق علي الجميع، ومن يثبت براءته فسوف نتقبل ذلك بكل احترام للعدالة وتقدير لها.
ونحن نأمل في أن تكون محاكمة مبارك هي بداية لعودة الأمن والاستقرار في مصر، وأن نغلق بسرعة ملفات الماضي لنتحدث عن المستقبل، وكيفية إعادة روح البناء والتحدي لإنقاذ مصر من انتكاسات اقتصادية واجتماعية وأمنية قد يؤدي تفاقمها إلى انتكاسات للثورة.
فالذي يحدث حاليًا من انفلات أمني على كل المستويات مخيف ومرعب خاصة مع انتشار السلاح واستخدامه على أوسع نطاق وفي كل المناطق، وهو ما يشكل تحديًا للدولة الجديدة التي تحاول إعادة الانضباط والاستقرار للشارع المصري.
أن محاكمة مبارك لا تعني إلا النهاية الكاملة للنظام السابق وهو ما يمثل نجاحًا لثورة يناير التي عليها أن تترجم وتطور أهدافها الآن لبناء الدولة الديموقراطية الجديدة بالإسراع في إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية حتى لا يكون هناك فراغًا في السلطة يضعف من قبضة وهيبة الدولة ويهدد أمنها الوطني والقومي.
لقد انتهي عصر مبارك أمس ولم يعد يستحق كل هذا الاهتمام، لقد أصبح جزءًا من الماضي وعلينا الآن أن نصنع المستقبل.. وهذا هو الأهم.
Sayedelbably@hotmail.comالمزيد من المقالاتسيادة الرئيس المخلوع " هل يؤلمك ذنبك ؟ هوامش من دفتر محاكمة العصابة أمام محكمة التاريخ تراويح الحلم