مع دخول الثورة الليبية الباسلة أسبوعها الثاني على التوالي مازال الشعب الليبي الأبي حتى كتابة هذه السطور يضحي بالغالي والنفيس وبكل ما يملك، ويقدم روحه وحياته فداء لخلاص وطنه وتحريره من براثن حكم غاشم ونظام فاشي، ظل لأكثر من أربعة عقود قابعاً وقامعاً لحريته وحقه في تقرير مصيره. فها هو الشعب الليبي يلحق بركب قطار الحريات في الوطن العربي، الذي انطلق من رحم الثورة التونسية وسلك طريقه من قلب ميدان تحرير الثورة المصرية، محطماً أغلال الاستبداد والطغيان التي فرضها عليه نظام العاق لشعبة معمر القذافي.
ها هم شرفاء ليبيا أحفاد شيخ المناضلين عمر المختار ينتفضون في وجه الظلم والعدوان لنظام غاشم استبد وسعى في الأرض فساداً طوال 42 عاماً مستنفذاً مقدرات وموارد شعبه، ليكنز لنفسه وأولاده وحاشيته الثروات والممتلكات، لينفقها على سلطان زائل وحكم بائد طلباً لعزة ذاتية ومكانة مرموقة بين الأمم على حساب قمع وإذلال شعبه، الذي جعله على هامش الأمم بعد أن كان في المصاف الأولى، بأفعاله الهوجاء، وتصرفاته الصبيانية، التي لا تليق برئيس أمة عظيمة، كالأمة الليبية.
نعم لقد صبر الشعب الليبي كثيراً – وأي صبر- على القذافي بخزعبلاته، وشطحاته المجنونة، لكنه لم يعد يتحمل التأخر والتخلف الذي وضعه فيه طوال حكمه: بلا تعليم عصري، بلا رعاية صحية متقدمة، خدمة اجتماعية متخلفة، ثقافة قبائلية ملوثة يقدمها لأبناء شعبه وبلا تقدم تكنولوجي ملموس، لكن ساعة الحسم قد حانت وها هو ينتفض ليزيل عن نفسه خزي أُلصق به لأكثر من أربعين عاماً، هذا الخزي المسمى بـ "القذافي" الذي لم يسأم طوال فترة حكمه الغابر عن إدعاء بطولة مزيفة وزعامة كاذبة، فأي تقدم حقيقي فعله لشعبه ووطنه طوال تلك الفترة؟.
لكن يبدو أن العاق القذافي لا يريد أن يكتفي بكل ما فعله بهذا الشعب العظيم، من ظلم وإجحاف وقمع لحريته فحسب، بل بات مصراً ومن خلفه أولاده، الذين يقودون بأنفسهم حالياً حملة قتله وإبادته بكل الوسائل غير المشروعة للإجهاز عليه تماماً من أجل بقاءه ونظامه الفاشي على مقعد الحكم الذي يتزلزل من تحته.
إن الجرائم الوحشية التي يرتكبها القذافي حالياً من قتل جماعي وإبادة حقيقية لشعب بأكمله، وتشريد الآلاف وتهجيرهم، لا يمكن وصفها سوى أنها جرائم وممارسات لا تقل وحشية وإجرام عما يرتكبه عتاة الإجرام من الرؤساء والزعماء في العالم سواء في التاريخ القديم أو الحديث، وربما يكون قد فاق بعضهم دموية وعنفاً.
فها هو القذافي وفى أقل من أسبوع سفك دماء المئات وربما الآلاف من الشهداء الليبيين والعرب المقيمين في ليبيا، دون أن يرتدع أو يتراجع، ولم يدرك للحظة أنه يفعل كل ذلك بأبناء شعبه الذين ارتضوه رئيساً لهم وحاكما عليهم لأكثر من أربعة عقود متتالية .. لكنه يبدو كاليهود بات قلبه كالحجر بل أشد قسوة، فلا يوجد زعيم عاقل يهدد بحرق شعبه علانية ويتعهد بجعل وطنه كتلة من النار واللهب، ليس إلا من أن أجل أن يبقى على كرسي الحكم.
ها هو الوجه الوحشي الحقيقي للعاق القذافي انبرى عنه في أقل من أسبوع ليذيق شعبه أقسى ألوان الظلم، وأبشع جرائم القتل والإبادة، لا تقل عن تلك الجرائم التي يرتكبها قادة الاحتلال الصهيوني في حق أبناء الشعب الفلسطيني.
ها هو القذافى المدعو كذباً بـ "ملك ملوك أفريقيا" قد توج نفسه بلقب جديد، كان جدير به منذ سنوات طويلة، لكنه حان الوقت ليضعه ضمن ألقابه الخزعبلية التي أطلقها على نفسه، فها هو يستحق وبجدارة لقب "سفاح الرؤساء العرب"، فلم يشهد التاريخ العربي الحديث من قبل أن قام رئيس أو زعيم عربي بقتل وإبادة أبناء شعبة بهذا الشكل الوحشي كما يفعله العاق القذافي اليوم ضد أبناء ليبيا الشرفاء.
ها هو القذافى قد دخل عالم الإجرام من أوسع أبوابه، وتزينت قائمة المجرمين باسمه ليحتل نفس المرتبة التي يحتلها أقرانه الصهاينة أمثال أرئيل شارون وشيمون بيرز وايهود باراك، في قائمة القتل والإبادة البشرية. فهؤلاء هم أقران القذافى الحقيقيين الذين خطى على دروبهم وسار في أعقابهم باستخدامه لأبشع وسائل القتل والعنف ضد شعبه.
ها هو القذافى الذي أماط عن وجهه القبيح، بات الوجه الآخر لعملة السفاح شارون شبيهه في أعمال القمع والقتل. فلم يعد هناك فرق بين القذافى العربي وشارون اليهودي كلاهما متوحشان مخبولان، بلا عقل، عطشى للدم، ظمئ للقتل لا يعشقان سوى الدمار والخراب. فجرائم القذافى الوحشية التي ارتكبها، ولا يزال يصر على ارتكابها في حق أبناء الشعب الليبي الشريف طوال الأيام الماضية من قتل وترويع وأباده غير مسبوقة، لا تقل عن ممارسات السفاح الصهيوني شارون ضد الشعب الفلسطيني سواء في عمليات طرد وتهجير الفلسطينيين عام 1948، أو من خلال عمليات الإبادة الوحشية ضدهم، ولعل مجزرة صابرا وشاتيلا التي أسفرت عن مقتل المئات من الفلسطينيين، لا تقل وحشية عما اقترفه القذافى وجيوشه من المرتزقة الأفارقة التي استأجرها بملايين الدولارات بأموال شعبه لقتل شعبة وترويعه. ولعل مجازره المشينة في الزاوية وبنغازي والحديث عن مقتل آلاف الليبيين وليس المئات هو خير دليل على وجه الشبة الإجرامي بين القذافى وشارون. فأيديهما الملطخة بدماء الشهداء الليبيين والفلسطينيين تجعل من الصعب التفريق بينهما، بل عند سماع مجازرهما الوحشية لا يمكنك أن تقول سوى "شارون العرب وقذافي اليهود". فهنيئاً للعاق القذافى بلقبه الجديد، وندعو الله عز وجل أن يلقى نفس مصير قرينه السفاح شارون مستلقياً في غيبوبة دائماً لا هو في الحياة ولا هو في الممات ليكون عبره لمن يعتبر - وليس تشفياً أو شماتة - ربما يكون في ذلك شفاء لصدور آلاف المضطهدين الذين عانوا من استبداده وظلمه طوال حكمة الغابر.
ونقول للشعب الليبي المغوار، عودة حميدة فها هم ثوار ليبيا وأحفاد عمر المختار يسطرون تاريخ أمتهم من جديد ليعيدوا أمجادها، ويضعوا وطنهم بسواعدهم القوية وأرواح شهدائهم الطاهرة في المصاف الأولى بين أمم العالم، وتسيير الثورة الليبية المباركة على خطى ثورتي تونس ومصر في إسقاط الفساد والاستبداد لتكتمل حلقة التحرر العربي من أغلال استعباد الأنظمة العربية.
لم يعد حالياً أمام القذافي سوى خيار واحد هو التراجع والتنحي، ليمتثل لرغبة الشعب الليبي، لكن عناده وطغيانه لن يقوده إلا لمزبلة التاريخ، شأنه كشأن الطغاة الذين سبقوه، ليلقى ذليلاً مدحوراً في قاعها على ما اقترفه في حق أبناء شعبة من ظلم وطغيان لا يرتكبه سوى فاجر كافر، ولن يتذكره أحد سوى بلقب واحد من بين ألقابه الكاذبة، وهو لقب شارون العرب.