منذ اليوم الأول "للثورة الشعبية الليبية" التي تطالب بخلع الزعيم معمر القذافي، كانت ثنائية الإعلام السعودي ووسطه الشرعي، منحازين "بشكل تام" لمطالب الجماهير الثائرين في أغلب المدن الليبية، التي انطلقت في السابع عشر من فبراير/شباط الجاري، وشاعت مفردات لم تكن شائعة في الإعلام المحلي وصحافة الرأي مثل "مطالب الثورة" و"سقوط الديكتاتور"، و"النظام المرعب".
وامتد هذا التغير إلى اللغة الإعلامية لقنوات التلفزة الرسمية وتغطيتها لما يجري في ليبيا، من "إظهار حجم الفظائع التي تعرض لها المدنيون"، من قبل المرتزقة الأفارقة الذين استعان بهم النظام الليبي للقضاء على المحتجين وترهيبهم.
وأكد مراقبون أن المعالجة الإعلامية لم تكن هي ذاتها في ثورتي "تونس ومصر"، وما صاحبها من "ارتباك واضح" في تغطيتهما، وعزوا الأمر إلى "الخلافات السياسية بين الرياض وطرابلس".
الوجهة الإعلامية
الصحفي المتخصص حمد العشيوان أكد أن "محور الفجوة السياسية، وعدم وجود علاقات إستراتيجية قوية بين البلدين، يتربع على منهجية التناول الإعلامي".
وأضاف للجزيرة نت أن "المعالجة للثورة الشعبية الليبية، اختلفت من الألف إلى الياء"، وقال العشيوان "إن ثمة ضوءا أخضر للإعلام السعودي بدعم مطالب الشعب الليبي"، مشيرا إلى أن "الموقف السياسي كان مفهوما وواضحا للأجهزة المختلفة، خاصة الصحف، بمنحها حرية التحرك في إدارة الملف الليبي".
ولم يختلف كثيرا عن العشيوان، الباحث الإعلامي سلطان عبد الله -الذي سبق أن قام بمسح إعلامي لمواقف الصحف السعودية من ثورة مصر- في أن "العلاقات السياسية غير المستقرة بين السعودية وليبيا هي التي دفعت الوسائل الإعلامية لدعم الشعب الليبي بطريقة مباشرة أو غير مباشرة".
وربط الباحث سلطان أثناء حديثه للجزيرة نت بين تصاعد حدة الإعلام في التأييد وبين ما أسماه "مؤامرات" الزعيم الليبي ضد السعودية عامة، و"تورطه" الشخصي في محاولة اغتيال العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز، حينما كان وليًّا للعهد في ديسمبر/كانون الأول 2003، بعد المشادة الكلامية بين القذافي والملك عبد الله في قمة شرم الشيخ العربية في مارس/آذار 2003.
كما ساهمت الخلفيات التاريخية السياسية -وفقا لسلطان عبد الله- في تصعيد الإعلام السعودي بالنقد المباشر للنظام السياسي الليبي وزعيمه بشكل شخصي، قبل الثورة
البيانات الشرعية
ولم يكن الإعلام هو "المنحاز فقط لليبيين"، حيث صعدت "الحركة الشرعية السعودية" من موقفها عبر "تبيان موقفها" من الأحداث، خاصة من قبل كبار رموز التيار السلفي، مثل علامة الرياض الشيخ عبد الرحمن البراك، الذي "أفتى بجواز الخروج على القذافي".
وبالتزامن مع ذلك خرجت العديد من البيانات الشرعية -ولا تزال تخرج حتى الساعة- المنادية بخلع القذافي ومحاكمته، ودعت العسكريين إلى عصيان أوامره والتمرد عليه.
هذا التصاعد لم يكن "بنفس القوة والتحرك" في تونس ومصر، ومما يمكن ملاحظته أيضا أن المؤسسة الدينية الرسمية ممثلة في هيئة كبار العلماء، لم تطلق رأيها في "الأحداث الليبية"، مثلما حدث في تصريحات المفتي العام الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ، بشأن الثورة في مصر ووصفه لها بأنها "فتنة وانحراف".
وفي رؤية تحليلية "للانحياز الشرعي" قال أستاذ السياسة الشرعية والعلاقات الدولية الدكتور سعد بن ماطر العتيبي في تعليق للجزيرة نت "إن من أسس القواعد في السياسة الشرعية، أنه حينما يخرج علماء بلد ما برأي شرعي موحد ومتفق عليه، فإن بقية علماء الأمة يناصروهم، وهذا ما حدث تحديدًا في ليبيا، عندما خرج علماؤها وأفتوا بفقدان القذافي لشرعيته، وعلى هذا الأساس جاءت نصرة علماء السعودية لإخوانهم في ليبيا".