ملخص الخطبة
1- في الإسلام عيدان فقط : الفطر والأضحى.
2- نشأة الاحتفال بالمولد النبوي.
3- حديث مسهب عن الفاطميين.
4- تفنيد شبهات الذين يحتفلون بالمولد.
الخطبة الأولىأيها الإخوة المؤمنون: لقد مر معنا بعض الثوابت والأصول المهمة التي يجب أن يعلمها كل مسلم والتي منها :-
أ – وجوب محبة النبي صلى الله عليه وسلم ومحبة آل بيته وأصحابه رضي الله عنهم أجمعين.
ب – أن من لزوم محبته صلى الله عليه وسلم، طاعته واتباعه فيما فعل وترك.
ج – أن كل قربة لا تقبل إلا بشرطين: الإخلاص والمتابعة.
د – أن العبادات توقيفية، أي الأصل فيها المنع حتى تثبت بالدليل، والأصل في العادات الإباحة حتى يثبت منعها بالدليل.
وأيضاً من الثوابت الشرعية التي يجب على كل مسلم الالتزام بها، أن الله عز وجل شرع لنا عيدين حوليين، وعيداً أسبوعياً، أما العيدان الحوليان فهما، الفطر والأضحى، وأما العيد الأسبوعي فهو يوم الجمعة.
ولذلك منع النبي صلى الله عليه وسلم أهل المدينة من اتخاذ يومين يلعبون فيهما غير يومي الفطر والأضحى، فحينما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وجد أهلها يلعبون في يومين لهما، فقال لهم صلى الله عليه وسلم: ((لقد أبدلكم الله خيرا منهما: يومي الفطر والأضحى)) ولذلك لا يصح اتخاذ أي يوم حولي للفرح والسرور والاحتفال به، غير يومي الفطر والأضحى، سواء سمي ذلك اليوم عيدا أو سمي باسم آخر، فتغيير الاسم لذلك اليوم لا يبيح الاحتفال به، فالعيد ما سمي عيداً إلا للعود، ولأنه يعود، سواء سمي عيداً، أو يوماً للذكرى أو خلافه وسواء كان لمناسبة دينية أو وطنية أو اجتماعية أو ما شابهها فإنـه عيد ولو لم يطلق عليه كلمة عيد ما دام يعود كل عام أو كل قرن أو ربع قرن أو نصف قرن.
فهذه القاعدة الجليلة يجب أن يعيها المسلمون ويتفهموها حتى تستبين لهم الطريق، ومن أراد الزيادة فعليه بكتاب شيخ الإسلام رحمه الله- اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم - وكتاب الشيخ بكر أبو زيد وفقه الله - اليوبيل بدعة في الإسلام - حتى تتضح له الأمور.
وبعد معرفة هذه الأصول والقواعد الشرعية نتكلم عن المولد النبوي وحكم الاحتفال به، وحتى تتضح لنا الأمور، ونكون على بينة من أمرنا، لا بد أن نتعرف على تاريخ الاحتفال به، ومن هو أول من احتفل به.
أيها الإخوة: إن أول من احتفل بيوم المولد النبوي هم العبيديون كما ذكر ذلك كثير من المؤرخين، ومنهم المقريزي في كتابه – المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار.
فالعبيديون، الذين سموا أنفسهم بالفاطميين، كذباً وزوراً، فنسبوا أنفسهم إلى أولاد علي رضي الله عنه، وسموا دولتهم بالدولة الفاطمية، والتي تأسست في الربع الأول من القرن الهجري الرابع وانتهت في منتصف القرن السادس، هم أول من ابتدع الاحتفال بالمولد النبوي. يقول ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية الجزء الحادي عشر.
- وقد كانت مدة ملك الفاطميين حوالي280 سنة، فصاروا كأمس الذاهب، كأن لم يغنوا فيها وكان أول ملك منهم، المهدي وكان من سلمية، حداداً اسمه عبيد، وكان يهودياً، فدخل بلاد المغرب وتسمى بعبيد الله وادعى أنه شريف علوي فاطمي، وقال عن نفسه أنه المهدي - إلى أن قال رحمه الله – وظهرت في دولتهم البدع والمنكرات وكثر أهل الفساد، وقل عندهم الصالحون من العلماء والعباد، وكثر بأرض الشام لنصرانية والدرزية والحشيشية.
وقد نقل ابن كثير قول العلماء في القرن الخامس الهجري وفتواهم عن هذه الدولة العبيدية – والتي جاء فيها :- إن هؤلاء أدعياء خوارج لا نسب لهم في ولد علي بن أبي طالب رضي الله عنه ولا يتعلقون بسبب، وأنه منزه عن باطلهم، وأن الذي ادعوه إليه باطل وزور، وقد كان هذا الإنكار لباطلهم شائع في الحرمين، وأن هذا الحاكم - أي أحد الحكام العبيديون في تلك الفترة – بمصر هو وسلفه كفار فساق فجار ملحدون زنادقة معطلون، وللإسلام جاحدون، ولمذهب المجوسية والثنوية معتقدون، قد عطلوا الحدود وأباحوا الفروج وأحلوا الخمر وسفكوا الدماء وسبّوا الأنبياء، ولعنوا السلف وادعوا الربوبية.ا.هـ.
وذكر أيضاً رحمه الله في نفس الكتاب كيف فعل هؤلاء العبيديون في الاحتفالات التي صنعوها في يوم المولد النبوي وفي يوم مولد الحاكم وفي غيرها من الموالد التي أحدثوها، حيث كان الناس يؤمرون بالسجود عند ذكر اسم الحاكم أو عند مروره في الشوارع والعياذ بالله، فكانت هذه الدولة وحكامها هم أول من احتفل بالمولد النبوي.
وهنا يتبادر سؤال مهم للأذهان لماذا هذا اليهودي الرافضي المجوسي هو أول من احتفل بالمولد النبوي؟ هل صنع هذا حباً في النبي صلى الله عليه وسلم؟ لا والله، بل هو - على ما أظن - كره في النبي صلى الله عليه وسلم، لأن اختيار يوم الثاني عشر من ربيع الأول للاحتفال به، إنما هو احتفال وفرح بيوم وفاته صلى الله عليه وسلم[1] .. واليهود فرحوا بموته ويفتخرون بأنهم هم الذين قتلوه بوضع السم له في الشاة ،كما هو معلوم للجميع، ولا أظن إلا أن هذا اليهودي العبيدي قد لبّس على الناس وفعل عدة احتفالات بعدة موالد، حتى لا ينكشف أمره، وجعل الاحتفال بيوم الثاني عشر من ربيع الأول من كل عام بزعمه احتفالاً بيوم المولد النبوي.
ومما يدل على صحة ظني هذا ما كان يفعله في الاحتفال من أمور محرمة لا يقبل المجاهرة بها الفساق من المسلمين، فكيف بمن هو يدعي محبة النبي صلى الله عليه وسلم؟ وينسب نفسه إلى الأشراف؟ ومن ولاة أمر المسلمين؟
ولكن لجهل الناس بهؤلاء الحكام، وبتلك الدولة، انطلت عليهم الحيلة، وانساقوا وراءها في فعلها وبدعتها .. وبعد انتهاء حكم العبيدين، ماتت تلك الاحتفالات البدعية.
ولكن في القرن السابع الهجري، قام حاكم إربل واسمه أبو سعيد الكوكبري ابن زين الدين علي بن تبكتكين فأحيا تلك البدعة وقام بالاحتفال بيوم المولد النبوي ونقل ابن كثير رحمه الله في الجزء الثالث عشر من كتابه البداية والنهاية كلاماً لبعض المشاهدين للاحتفال، فقال: حكى بعض من حضر سماط المظفر – أي سرادق ذلك الحاكم – في بعض الموالد .. كان يمد في ذلك السماط خمسة آلاف رأس مشوي، وعشرة آلاف دجاجة، ومائة ألف زبدية، وثلاثين ألف صحون حلوى، وكان يحضر عنده في المولد أعيان العلماء والصوفية، فيخلع عليهم ويطلق لهم، ويعمل للصوفية سماعاً من الظهر إلى الفجر، ويرقص بنفسه معهم.ا.هـ.
أيها الإخوة: هذا تاريخ الاحتفال بيوم المولد النبوي – بدايته من يهودي، بداية فاسقة، ثم أحياها حاكم مبتدع يحب السماع والرقص، فيامن تحتفل بيوم المولد النبوي، إن قدوتك هم هؤلاء العبيديون ومن سار في ركابهم، فهل ترضى أن تقتدي بهم وقد سمعت قول أهل العلم فيهم؟ أما من ترك الاحتفال بيوم المولد فقدوته النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي والحسن والحسين والعباس وأبناؤه وكل الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.
وقدوته الأئمة الأربعة وكبار التابعين وكل العلماء في القرون المفضلة والمحدثين فأي الفريقين أهـدى سبيلاً؟
أيها الإخوة: لقد أفتى العلماء أنه لا يصح اتخاذ يوم المولد للذكرى ولا للاحتفال، ولا يصح تخصيصه بذكر معين ولا اجتماع معين، ولا يصح أيضاً اتخاذ أي يوم آخر لأي مناسبة كانت، سواء مناسبة اجتماعية أو وطنية أو سياسية، للذكرى أو الاحتفال، فإن ذلك بدعة ضلالة وإحداث في الدين، وطعن في رسالة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم.
[1] قال فالثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم توفي يوم الاثنين، الثاني عشر من ربيع الأول . الخطبة الثانية
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
لقد سمعت من بعض الناس أنه يود أن يعبر عن حبه للنبي صلى الله عليه وسلم وذلك في اليوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول من كل عام الذي يصـادف – حسب قول بعض المؤرخين، رغم عدم ثبوت ذلك، يوم مولده صلى الله عليه وسلم - بقراءة شيء من القرآن والسيرة النبوية وإطعام الطعام والصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، وأنا لا أشك في أن هؤلاء الناس يحبون النبي صلى الله عليه وسلم ويريدون بفعلهم هذا أن يعبروا عن حبهم له صلى الله عليه وسلم.
ويريدون أن يتقربوا إلى الله بفعلهم هذا ويرجون بذلك شفاعته صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، ولكن الرد عليهم: هو رد عبد الله بن مسعود رضي الله عنه على أولئك النفر الذين جلسوا يسبحون الله في المسجد كما مر معنا فقال لهم: (وكم من مريد للخير لا يدركه). وأيضاً قوله لهم: (لقد جئتم ببدعة ظلما أو قد فضلتم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم).
ونحذرهم من هذا العمل، كما حذر الإمام مالك رحمه الله ذلك الرجل الذي أراد أن يحرم من عند المسجد النبوي من جوار القبر، حيث قال له: لا تفعل إني أخشى عليك الفتنة، إني سمعت الله يقول: فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم.
ونقول أيضاً: إن الذي أُنزل عليه القرآن علمنا متى؟ وكيف نقرأ القرآن؟ وعلمنا حبه وطاعته صلى الله عليه وسلم، وعلمنا متى وكيف نصلي عليه؟ وكيفية الصلاة عليه وفضل ذلك؟ وما من خير إلا ودلنا عليه، وما من شر إلا وحذرنا منه، وما من أمر يحقق لنا شفاعته يوم القيامة إلا وأخبرنا به فلا حاجة لنا لهذا الاجتماع والذكر المخصوص لأنه بدعة ضلالة.
قد يقول قائل: إن النبي صلى الله عليه وسلم صام يوم الاثنين، فحينما سئل عن صيامه ذلك اليوم قال: ((ذلك يوم ولدت فيه)) فماذا تقول؟ .. والرد هو أين الدلالة على الاحتفال بيوم مولده في هذا الحديث؟ أو الاجتماع والذكر فيه؟! لا يوجد في لفظ هذا الحديث ولا في معناه ما يشير من قريب أو بعيد لما تهدف إليه، ولذلك ما فهم الصحابة كلهم ولا الأئمة الأربعة ومنهم الإمام الشافعي رحمه الله وهو من آل البيت – لم يفهموا من هذا الحديث ما يدل على أن يُتخذ يوم مولده للاجتماع للذكر. إنما فهموا من ذلك الحديث ترغيب النبي صلى الله عليه وسلم في صيام يوم الاثنين من كل أسبوع، وخاصة أنه ورد حديث آخر يرغب في صيام يومي الاثنين والخميس من كل أسبوع، لأن الأعمال تعرض في هذين اليومين. فمن أهدى سبيلاً؟ الصحابة والأئمة أم من جاء بعدهم؟ الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون فمن صام يوم الاثنين من كل أسبوع فهو على صراط مستقيم ومتبع هدى سيد المرسلين.
وهناك من يستدل بآيات وأحاديث أخرى ليس فيها دلالة على المولد النبوي، مثل الاستدلال بقوله تعالى: قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون فقال قائلهم: إن الله أمر بالفرح برحمته في هذه الآية، وأن النبي صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين، فهذا دليل على جواز الفرح والسرور بيوم مولده، والاجتماع لذلك في كل عام.
فنقول له: إذا قلنا أن المقصود بالرحمة هنا هو الرسول صلى الله عليه وسلم فإن الآية لا تدل على ذلك، والفرح في هذه الآية لا يدل على ما تقول، وإن قولك هذا لم يقله أحد من المفسرين أبداً سواء من الصحابة أو من التابعين ومن تبعهم من كبار المفسرين، فهل أنتم أفهم من أولئك العلماء الأفذاذ؟ بل إن في قولك هذا وتفسيرك للفرح بأنه المقصود به الاحتفال بالمولد النبوي اتهام للنبي صلى الله عليه وسلم ولصحابته بأنهم لم يفهموا مراد ربهم من هذه الآية، ولم يقوموا بتنفيذ أمر الله بالفرح مثل ما قمت أنت به، فهل أنت ومن ساروا في ركابك – الذين يقولون على الله بغير علم – أهدى وأفهم من رسول الله وصحابته؟ كلاَّ الله بل أنتم أضل وأذل أيها المبتدعة، قال الله تعالى: وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون وقال تعالى: وإن كثيراً لبضلون بأهوائهم بغير علم إن ربك هو أعلم بالمعتدين. وقال تعالى: فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس بغير علم وقال تعالى: أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم.
نسأل الله العافية من الضلال بعد الهدى ومن التقليد الأعمى.
وإن من المضحك المبكي استدلال بعض أهل البدع على جواز إقامة الاحتفال بالمولد النبوي. بأن أبا لهب عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين يخفف العذاب عنه يوم الاثنين من كل أسبوع، لأنه اعتق ثويبة فرحاً بمولد النبي صلى الله عليه وسلم حينما جاءته البشرى في ذلك اليوم، ومستندهم في هذه الرواية ما رواه البخاري عن عروة بن الزبير أن زينب ابنة أبى سلمة أخبرته أن أم حبيبة بنت أبي سفيان أخبرتها أنها قالت: يا رسول الله أنكح أختي بنت أبي سفيان فقال: ((أوتحبين ذلك؟)) فقلت: نعم، لست لك بمخلية، وأحب من شاركني في خير أختي. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن ذلك لا يحل لي)). قلت فإنا نُحدَّث أنك تريد أن تنكح بنت أبي سلمة. قال ((بنت أم سلمة ؟)) قلت: نعم. فقال: ((لو أنها لم تكن ربيبتي في حجري، ما حلت لي إنها لابنة أخي من الرضاعة. أرضعتني وأبا سلمة ثويبة، فلا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن)).
قال عروة: وثويبة مولاة لأبي لهب وكان أبو لهب أعتقها فأرضعت النبي صلى الله عليه وسلم، فلما مات أبو لهب أُريهَ بعض أهله بشر حِيبَةٍ، قال له: مإذا القيت؟ قال أبو لهب: لم ألق بعدكم، غير أني سقيت في هذه بعتاقتي ثويبة. [انظر باب النكاح في صحيح البخاري باب 19].
لاحظوا - أيها الإخوة - أن الإمام البخاري رحمه الله ذكر هذه المعلومة عن عروة وهو تابعي وليس بصحابي .. فلو أن التابعي حدّث عن النبي صلى الله عليه وسلم دون ذكر الصحابي الذي بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم لا يعتد بذلك الحديث ولا يؤخذ به، فهو مرسل، والمرسل عند المحدثين من درجات الضعيف، فكيف إذا كانت الرواية تروى عن شخص مجهول؟ وقيل أن سبب ذكـره بصيغة المبني للمجهول (أُريه) لأنه مشرك أي أن الذي رأى أبا لهب في المنام مشرك، وليس النبي صلى الله عليه وسلم علماً أن تلك الرؤيا لذلك المجهول حتى لو كان مسلماً لا يؤخذ منها حكم، ولا يعتدّ بها بأي حال من الأحوال، وخاصة أن الثابت بالقرآن والسنة أن الكافر لا يجزى بعمله إلا في الدنيا، أما في الآخرة فليس له إلا النار، قال تعالى: وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءًً منثوراً، ثم إن الرواية لم تذكر أن أبا لهب أعتق ثويبة في يوم مولد النبي صلى الله عليه وسلم بسبب فرحه بمولد النبي صلى الله عليه وسلم كما يقال، فليس في الرواية ما يدل على ذلك لا من قريب ولا من بعيد، وإنما ذكرت أنه أعتق ثويبة دون ذكر سبب ذلك الإعتاق، والثابت أن إعتاق ثوبية ما كان إلا بعد ما كبرت، وبعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في الإصابة. في تمييز الصحابة لابن حجر حيث قال رحمه الله في ترجمة ثوبية: (ثوبية التي أرضعت النبي صلى الله عليه وسلم وهي مولاة أبي لهب .. ثم قال: وقال ابن سعد أخبرنا الواقدي عن غير واحد من أهل العلم قالوا: كانت ثويبة مرضعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، يصلها وهو بمكة، وكانت خديجة تكرمها، وهي على ملك أبي لهب وسألته أن يبيعها لها فامتنع، فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، أعتقها أبو لهب، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث إليها بصلة وبكسوة حتى جاء الخبر أنها ماتت سنة سبع، مرجعه من خيبر، ومات ابنها مسروح قبلها.
قلت: الكلام لابن حجر – ولم أقف في شيء من الطرق على إسلام ابنها مسروح، وهو محتمل.ا.هـ.
إذاً هي لم تعتق إلا بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم ثم لو كان دليلهم هذا صحيحاً - وأنى لهم ذلك - فأين صحة الاستدلال على جواز الاحتفال بالمولد النبوي، فلا الدليل ثابت ولا الاستدلال به صحيح، إنما هي ظلمات بعضها فوق بعض، نسأل الله العافية.
لقد كان أبو لهب يتابع النبي صلى الله عليه وسلم حينما كان يدعو الناس بمكة، فيأتي بعده ويكذبه ويتهمه بالسحر وبالجنون، ويعرف الناس بنفسه بأنه أعرف الناس به حتى يصد الناس عن دعوته، فكان من أشد الناس عداوة وإيذاءً للنبي صلى الله عليه وسلم، وإنه من شدة إيذائه للنبي صلى الله عليه وسلم وشدة كفره، نزل القرآن بالحكم عليه بالخلود في النار، وهو ما زال حياً يرزق، أفلا يناقض هذا ما يشير به هؤلاء المبتدعة إلى أنه كان فرحاً بمولد النبي صلى الله عليه وسلم؟! ولا أظن أن عاقلاً يقول مثل قولهم هذا، ولكنني أتعجب من أهل البدع وجرأتهم على الكذب والاستخفاف بعقول الناس حتى يذكروا هذه القصة ليستشهدوا بها على مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي، فهل أبو لهب قدوتكم أيضاً؟ نعوذ بالله من العمى بعد البصيرة.
إن كل ما يستشهد به من يبيح الاحتفال بيوم المولد النبوي، من شواهد وأدلة إما أن يكون كذباً وزوراً، أو يكون غير صالح للاستدلال ولا يدل من قريب ولا من بعيد على ذلك، إنما هو من المغالطة والشغب والتلبيس على عوام الناس، ليظهروا أمامهم أنهم متبعون للدليل وهم أبعد الناس عن الدليل.
أيها الإخوة: إن مما يدل دلالة عقلية على بطلان الاحتفال بيوم المولد النبوي أن كل الفرق الضالة تحتفل به .. فالرافضة الذين يتهمون عائشة رضي الله عنها ويلعنون الشيخين أبا بكر وعمر، ويكفرون بعض الصحابة، يحتفلون بالمولد النبوي، والنصيرية والبهائية والصوفية عباد القبور والأضرحة، وغيرهم، وغيرهم كثير من الفرق التي أفتى العلماء بضلال وكفر بعضها.
بل بعض هذه الفرق تكفر الأخرى، ولكنهم كلهم يشتركون في الاحتفال بالمولد النبوي .. فهـل هذه الفـرق محبة للنبي صلى الله عليه وسلم؟ كذلك يُدعى في يوم الاحتفال بالمولد النبوي الرسميّ الذي تقيمه بعض حكومات البلاد الإسلامية يُدعى السفراء الكفار من اليهود والنصارى، ويُدعى الفجار من الممثلين والممثلات والمطربين والمطربات، ويدعى المنحرفون من أصحاب الأفكار الهدامة، فهل هؤلاء فرحون بمولد النبي صلى الله عليه وسلم؟ ثم ما يقال ويفعل ويمارس، وما يؤكل ويشرب في هذه الاحتفالات وما يحدث فيها من أمور مشينة، لا يرضاها الله ولا رسوله ولا المسلمون المتبعون لسنته صلى الله عليه وسلم، وهي أمور مشاهدة معلومة لا داعي لذكرها، إنما هي كلها دلائل على بطلان هذا الاحتفال، ويدل على أنه بدعة ضلالة.
وإن من أشنع ما يكون في هذه الاحتفالات، هو ما يعتقده الدعاة إليها أن من لم يحضر هذه الاحتفالات أو لا يفعلها فهو لا يحب النبي صلى الله عليه وسلم ومعلوم أن من لم يحب النبي صلى الله عليه وسلم فهو منافق كافر.
وأيضاً يعتقدون أن النبي صلى الله عليه وسلم يحضر بنفسه هذه الموالد أو أن روحه تحضر هذه الاحتفالات ويعتقدون أن النبي صلى الله عليه وسلم يجيب دعواتهم واستغاثاتهم، وأنه يعلم الغيب وبيده مقاليد السموات والأرض وبيده إقطاع الجنة لمن يشاء، لا أقول هذا الكلام من عندي، إنما هو مذكور ومنشور في كتبهم وأشرطتهم المسجلة التي ليست ببعيدة عمن يريد تناولها أو سماعها.
لقد وقع هؤلاء المبتدعة في إثم عظيم حيث ضللوا - وهم يشعرون أو لا يشعرون - كل الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة وكل من لم يحتفل بيوم المولد النبوي إلى يوم القيامة وذلك حين قالوا بأن من لم يحتفل بالمولد النبوي مبغض للنبي صلى الله عليه وسلم.
وسقطوا سقطة عظيمة حينما قرروا أن النبي صلى الله عليه وسلم أو روحه الشريفة تحضر هذه الاحتفالات .. فكأن الذي يتحكم في خروج النبي صلى الله عليه وسلم من قبره، أو إهباط روحه الشريفة من أعلى عليين إلى الدنيا هم الذين يقيمون الاحتفالات .. بيوم مولده. وازدادوا فسوقاً على فسوقهم باستغاثتهم بالنبي صلى الله عليه وسلم وطلب الحاجات منه واعتقادهم أنه صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب وبيده مقاليد السموات والأرض نعوذ بالله من الضلال والعمى.
أفلا يدل ذلك كله أيها الإخوة على بطلان هذه الاحتفالات؟ وأنها كلها ضلالات؟ بلى ورب الكعبة، إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد. أما نحن المتبعون لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، السلفيون الذين نتبع سلفنا الصالح، المقتدون بهدي سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم نترك هذه الاحتفالات بيوم مولده لأن النبي صلى الله عليه وسلم ترك ذلك مع وجود الداعي والمقتضي له، ونترك فعل هذه الاحتفالات لأن الصحابة تركوها وما فعلوها، ولأن الأئمة الأربعة تركوها وما فعلوها، فهم قدوتنا في ذلك، أما أنتم يا من تفعلون هذه الأمور إما أن يكون قدوتكم أولئك الذين طردهم عبد الله بن مسعود من المسجد، فأصبحوا من الخوارج الذين قاتلوا الصحابة، كما أخبر بذلك عبد الله بن مسعود رضي الله عنه حيث ذكر أن أولئك الذين ابتدعوا تلك البدعة في المسجد .أنهم كانوا مع أولئك الذين قاتلوا الصحابة في النهر وان و إما أن يكون قدوتكم الدولة العبيدية اليهودية الكافرة حيث هم أول من احتفل بيوم المولد النبوي. أفمن يمشي مكباً على وجهه أهدى أمن يمشي سوياً على صراط مستقيم.
قال تعالى:
ويوم يعض الظالم على يديـه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلاً يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلاناً خليلاً لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولاً وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً من المجرمين وكفى بربك هادياً ونصيراً.