رسالة المساجد_شهادة الإسلام
كتبها_فضيلة الشيخ د.عبد العزيزبن فوزان الفوزان
المسجد ورسالته:المسجد: هو مكان الصلاة للجماعة وللجمعة، وكل ما اتخذه الناس مصلى فهو مسجد؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «وجُعلَت لي الأرض مسجدا وطهورا»، وإن كان مسمى المسجد صار أخص من سائر الأرض، والمسجد في الإسلام وكما كان في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-ليس مكان إقامة الصلاة فحسب، بل كان منطلق أنشطة كثيرة، فكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعقد فيه الاجتماعات، ويستقبل فيه الوفود، ويقيم فيه حلق الذكر والعلم والإعلام، ومنطلق الدعوة والبعوث، ويبرم فيه كل أمر ذي بال في السلم والحرب.
وأول عمل ذي بال بدأه النبي -صلى الله عليه وسلم- حين قدم المدينة مهاجرا أن شرع في بناء المسجد، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا قدم أن سفر بدأ بالمسجد، كما ورد في الصحيح .
أما الآن ومع تدرج الزمن وتغير أساليب الحياة فقد تحول كثير من وظائف المسجد إلى مؤسسات أخرى وهيئات ودوائر، لكن لا يعني ذلك أن المسجد انتهت رسالته، أو لم يعد له دوره وتأثيره، بل بقي الكثير .
ولو لم يكن للمسجد إلا إقامة الصلاة وما يقام فيه من الحلقات لكان ذلك أمرا عظيما، كيف والصلاة هي ركن الإسلام وعمود الدين، وأعظم شعائر الإسلام الطاهرة .
ومع ذلك لا يزال المسجد مهيأ للقيام بأدوار عظيمة في التعليم، والتربية، والوعظ، والتوجيه، والإرشاد، والتكافل الاجتماعي، والحسبة .
وفي أيامنا -وبعد النهضة الشاملة في هذه البلاد المباركة- نرى المساجد بدأت -بحمد الله- تستعيد شيئًا من مكانتها، سواء فيما يتعلق ببنائها والعناية بها، حيث لا تزال حكومة خادم الحرمين الشريفين وفقها الله، ممثلة بوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد تولي المساجد عناية طيبة .
وأهل الخير والإحسان لا يزالون بحمد الله يبذلون بنفوس سخية في سبيل عمارة المساجد وخدمتها.
وبدأت المساجد كذلك تأخذ نصيبها من قبل سائر المواطنين الصالحين، فهي تشهد -بحمد الله- نشاطًا ملحوظًا في تحفيظ القرآن، وحلق العلم والذكر، والوعظ والإرشاد، والمحاضرات والندوات، والدروس العلمية، والحلقات والدورات، والمكتبات، وغيرها.
لكن هذه الأنشطة تحتاج إلى مزيد من التنسيق والتخطيط والتنظيم، وحسن الإعداد وجودة الأداء .
كما أنها بحاجة إلى الإشراف المباشر عليها من قبل المشايخ وطلاب العلم، وتركز المسؤولية في ذلك -فيما أرى- على الأئمة والخطباء والمؤذنين بالدرجة الأولى .
وقد قامت نماذج جيدة في نشاط المسجد في كثير من المدن في المملكة، يجب أن يفاد منها، خاصة في المساجد ذات النشاط الناجح، والمرافق والخدمات الكاملة، فإنها يجب أن يستفيد منها سائر الأئمة والخطباء.
فالخلاصة: المساجد أهم وسيلة، وأسلم مكان، وأفضل بقعة ينطلق منها العلماء وطلاب العلم لتوجيه الناس وتعليمهم وتفقيههم، وحل مشكلاتهم، ولذا كان المسجد منذ عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والقرون الفاضلة هو المكان الذي يصدر عنه كل أمر ذي بال يهم المسلمين في دينهم ودنياهم .
وكان العلماء والولاة هم الذين يتصدرون الأمة، من خلال المسجد .
من المعنيون بتحقيق رسالة المسجد؟
إنّ مما يجب التسليم به سلفا أن العلماء قبل غيرهم هم المعنيون برسالة المسجد، ثم طلابهم الأمثل فالأمثل، وذلك على النحو التالي:
1- العلماء والمشايخ الكبار:
لا شك أن العلماء هم أولى وأول من يقوم بمهام رسالة المسجد، لكن لا يعني ذلك أن أشخاص العلماء هم المنفذون لكل عمل يتعلق بذلك، بل الأمر الطبيعي والوضع السليم أن العلماء يقومون بدورهم من جانب، ويوجهون من دونهم من جانب آَخر، وتحت نظر العلماء وأمرهم وقيادتهم وريادتهم تقوم فئات أخرى من طلاب العلم والمعلمين، الموثوق بهم بتحقيق الرسالة الشرعية للمسجد .
2- القضاة، وهم غالبا من العلماء:
ونظرًا لأنه-في هذه البلاد بحمد الله- لا تخلو مدينة أو قرية كبيرة من قاض أو أكثر، فإنه يجب أن يتولى القاضي مهامه الشرعية من تعليم الناس أصول دينهم ومهمات الأحكام والفتوى، والدروس الشرعية، وتوجيه الناس، والإصلاح بينهم، والإسهام في معالجة مشكلاتهم الاجتماعية، والتنسيق مع الجهات المسؤولة في البلد لدفع كل ما هو من مصالح البلد في الدين والدنيا، وسائر هذه الأنشطة ينبغي أن ينبثق عن المسجد ما أمكن ذلك .
وهذا -أعني الإفادة من القضاة في نشر العلم والفتوى والدعوة -مما ينبغي أن تعنى به الوزارة بالتنسيق مع وزارة العدل ودار الإفتاء.
3- خريجو الكليات والمعاهد الشرعية:
وهم -بحمد الله في هذه البلاد- كثيرون ومتوافرون في أنحاء كثيرة لا تكاد تخلو منهم قرية أو هجرة، فضلا عن المدن، وهم ما بين أئمة وقضاة ومعلمين وكتاب عدل، وموظفين وخلافهم، وفيهم ومنهم علماء وطلاب علم كبار، وسائرهم في العموم يخضعون لتوجيه العلماء والمشايخ، أو كذلك يجب أن يكونوا .
لذا أرى أن من مهام علماء هذه البلاد أن يوجهوا هذه الفئات ويفيدوا من طاقاتهم في بعث رسالة المسجد في إرشاد الناس وتوجيههم، وتعليمهم أمور دينهم، ومساعدتهم في حل مشكلاتهم، ونحو ذلك.
4- سائر طلاب العلم وشباب الدعوة:
وأعني بهم الشباب الذين يتربون على أيدي المشايخ، وينهلون من علمهم وينهجون نهجهم، فهؤلاء ثروة عظيمة تجب العناية بها ،وتعليمها وتوجيهها وتسخير طاقاتها فيما ينفع الأمة ويخدم المجتمع، وينمي الخير بين الناس .
نعم من مهام العلماء الإفادة من طاقات الشباب في تحقيق رسالة المسجد، وليس من الطبيعي ولا من المرضي أن تكون أعمال الشباب وطاقاتهم في الدعوة والتربية والحسبة بمعزل عن المشايخ، وإذا حدث ذلك -لا قدر الله- أعني الفصام بين المشايخ والشباب فسيؤدي ذلك إلى نشوء الأهواء والتعالم والفتن والافتراق، وهذه هي الحالقة، وهي الكارثة، نسأل الله أن يقينا شرها .
وكان السلف لا يسمحون لغير العلماء وطلاب العلم الثقات بالتصدر لنشر العلم أو الوعظ والإرشاد، وكانوا يسمون أولئك الذين يعظون الناس بالحكايات والأقاصيص التي لا أصل لها ويتكلمون بغير علم ولا فقه (القصَّاص)، وكانوا يخرجونهم من المساجد، ولا يأذنون لهم بالكلام فيها، كما كان يفعل عبد الله بن عمر وعلي بن أبي طالب وغيرهما.
ولكن هذا لا يعني عدم السماح لطالب العلم الموثوق بدينه وعلمه بالإرشاد والوعظ، لكن لذلك شروطه وضوابطه التي يعرفها أهل العلم .
المصدر: أثر العلماء في تحقيق رسالة المسجد ص12 - ص17