القصص والروايات _اللبوة
عبدالرحمن بن محمد بن علي الهرفي
الداعية بمركز الدعوة بالمنطقة الشرقية
مدينة الحمراء تغرق في ظلام دامس الساعة الثانية مساءً .. هدوء القرى واضح وجلي في هذه المدينة .
وفي أحد أحياء تلك المدينة الهادئة يقبع بيت صغير لا يميزه شيء عن غيره من البيوت ، له سور صغير وحديقة خلفية زرع فيها صاحب الدار بعض الخضراوات والفواكه ..
إحدى غرف المنزل الأربع أعدت لاستقبال الضيوف ..
أما الثانية فهي مكتبة مليئة بالكتب ، كتب على الدواليب الحديدية ، وفوق الكتب كتب ، وعلى الأرض كتب ، وفي وسط هذه المكتبة مكتب خشبي صغير ..
وثالثة لنوم الأطفال
ورابعة لنوم رب الدار ومطبخ ودروتي مياه . وفي منتصف الدار صالة متوسطة الحجم .
جميع من في البيت نيام .. وفجأة
يطرق الباب بشدة . يزداد الطرق .. بدأ أحدهم يرفس الباب بشدة .. كاد الباب الخشبي أن يسقط من شدة الضرب ..
استيقظ أهل الدار . جرى الطفل ذي الاثني عشر عاما تجاه الباب
الطفل : من .. من ؟!
صوت غليظ : افتح الباب وإلا كسرناه .. الشرطة .. الشرطة.. بسرعة افتح الباب.
ويواصل ضرب الباب
الطفل : حسنا .. توقف عن ضرب الباب لأتمكن من فتحه .
يتوقف الطرق .
يفتح الطفل الباب .. يهجم عدد من الرجال على الباب .. يسقط الطفل على الأرض من شدة اندفاعهم .. يقوم وقد ملأ الذهول وجهه .
الطفل : من أنتم ؟ ماذا تريدون منّا ؟
يركله أحد رجال الشرطة على بطنه .. يركع من شدة الألم ويتأوه ؛ فيرفسه آخر ؛ ليسقط على الأرض وهو يبكي من شدة الألم .
يقهقه الجنود من شدة الضحك .. ويبكي الطفل من شدة الألم .
صوتٌ حازمٌ من داخل المنزل : فارس .. فارس قم يا ولدي .. البكاء للنساء .. أنت رجل مسلم .. قم واجه الظلمة كما علمك أبوك .
يدخل رجل قصير القائمة نحيل الجسد حاد الملامح وعلى كتفه تاج .
الضابط : أهلا باللبوة .. صدق من قال : إن زوجة عاصم لبؤة .
أم فارس : الليث ينكح لبؤة .. والأتان ينكحها حمار .
الضابط يضحك : حمار .. حمار .. لولا أنني في قمة السعادة اليوم لحطمت عنقك لهذه الكلمة .. ( يبتسم ابتسامة سخرية )
ولكن ايتها الخبيثة لماذا اخترت الحمار بالذات ألأن ( وحرك يده بحركة معينة وغمز بعينه ) أعجب اللبوة ؟
ضج الجنود بالضحك .
أم فارس : سيأتي يوم نضحك نحن منكم .
الضابط ( وقد ) تغيرت سحنته ونظر بكل ود لفارس : فارس حبيبي أين بابا ؟
فارس : لا أعلم .
الضابط : فارس ، لا تكذب .. ألم يعلمك أبوك أن الكذب حرام .. وأن الذي يكذب سيذهب للنار ؟
فارس : بلى .. ولكني لم أكذب فأنا لا أعلم أين أبي .
يدفعه الضابط بقسوة ويتقدم ليدخل لداخل الدار .
أم فارس : توقف أين تدخل ؟
الضابط : عندي أمر بالتفتيش .
أم فارس : أرني الأمر من حقي أن أراه .
ينظر الضابط إلى أم فارس بحقد ونفاد صبر .. ثم يليقى الورقة تجاهها .
أم فارس : فارس أحضر الورقة .
يتقدم فارس ويحضر الورقة . تفتحها أمه وتنظر فيها بسرعة .
أم فارس : فتش كما تشاء ، ولكنني سأخبر المدعي العام أنك ألقيت ورقته على الأرض .
الضابط وقد بدأ يفقد صوابه : تهددينني يا حمارة .. يا خنـزيرة .. سأكسر رأسك . أتفهمين .
خرجت أم فارس من خلف الجدار الذي كانت خلفه طوال الوقت ، وقد حملت أحد أطفالها بين يديها ، وتشبث بعبائتها ولد وبنت :
أفعل ما تشاء لن أخافك ولن أخشاك .. مت بغيظك .
تخرج أم فارس خارج المنزل الذي أمتلأ برجال الشرطة .
الضابط : أبحثوا عن عصام في كل مكان ، لا تبقوا شبرا إلا بحثتم فيه .
يبدأ الجند في البحث . يلقون بكل شيء ويبحثون في كل مكان ، ولكن لم يجدوا الرجل .
الضابط بضيق : الظاهر أننا لن نجده اليوم .. هذا ما يظهر .
الضابط يفكر قليلا ثم يقول : هيا لنذهب ( ويشير إلى الجنود بالخروج ) .
يلتفت وهو خارج من المنزل وينظر في وجه أم فارس الذي خمرته : خيرا سنذهب ولكن أخبري عصام أننا نريده وسنعرف كيف نقبض عليه .
خرج الجميع من المنزل ، أغلق فارس الباب وقلبه يدق بعنف ، ليلتفت وينظر لإخوانه نظرة رحمة . تلك النظرة التي حفظها من والده ، وينظر إلى أمه فيراها ساجدة لله تعالى .
يسمع فارس صوت والده يأتي من داخل المنزل .
عصام يبتسم : بطل يا فارس . مجاهد شجاع بحق .
يفتح يديه ليحتضن فارس وأمه وأخوانه ، تخفي أم فارس دمعة فارقت محجرها ويلحظها عصام .
عصام : ولدى ، لماذا جاءوا ؟؟ ماذا يريدون مني ؟؟
فارس : يريدون سجنك يا أبي .
عصام : لماذا يريدون سجني يا ولدي ؟
فارس يتذكر كلام والده جيدا : إنهم جند الشيطان ، يسجنون كل موحد ، كل من قال : لا إله إلا الله وأتى بحقها .
عصام : أنت رائع يا فارس رائع يا أبن اللبؤة . يبتسم فارس وأمه .
يكشر أحد الأطفال ويقول : وأنا رائع يا أبي أيضا ، أنا كنت أعرف أنك في القبو ولم أتكلم ، لأن المسلم يحفظ السر ولا يخون ، أليس كذلك يا أبي ؟؟
يقهقه عصام وزوجه من شدة الضحك .
عصام : نعم كذلك ، نعم كذلك يا بطل .
يتناهى لسمعهم أذان الفجر والمؤذن يقول : أشهد ألا لا إله إلا الله .