الحج إلى بيت الله الحرامعبد الله بن صالح القصيرملخص الخطبة1- يوم عرفة يوم تكفير السيّئات 2- فرضية الحج 3- فوائد الحج للمسلم
الخطبة الأولى
أما بعد:
فيا أيها الناس، اتقوا الله ـ تعالى ـ وأطيعوه، وحجوا بيته الحرام وعظموه، واتخذوا الشيطان عدوا وأغيظوه؛ بالمسارعة إلى الخيرات، والتوبة إلى الله من الزلات، وذكر الله في سائر الأوقات، والوقوف – إذا تيسر لكم – مع حجيج المسلمين في عرفات، فقد صح عن جابر عن نبيكم أنه قال: ((إذا كان يوم عرفة إن الله ينزل إلى السماء الدنيا فيباهي بهم الملائكة فيقول: انظروا إلى عبادي أتوني شعثاً غبراً ضاحين من كل فج عميق، أشهدكم أني قد غفرت لهم. فيقول الملائكة: يا رب! فلان كان يرهق – أي يقع في شيء من المعاصي – وفلان وفلانة، قال: يقول الله ـ عز وجل ـ: لقد غفرت لهم)). قال رسول الله : ((فما من يوم أكثر عتيقاً من النار من يوم عرفة))[1].
وصح عن أنس قال: وقف النبي بعرفات وكادت الشمس أن تغرب فقال: ((يا بلال! استنصت لي الناس))، فقام بلال فقال: أنصتوا لرسول الله ، فأنصت الناس، فقال: ((معشر الناس! أتاني جبرائيل آنفا فأقرأني من ربي السلام وقال: إن الله غفر لأهل عرفات وأهل المشعر وضمن عنهم التبعات)) فقام عمر بن الخطاب فقال: يا رسول الله لنا خاصة؟ قال: ((هذا لكم ولمن أتى من بعدكم إلى يوم القيامة))، فقال عمر ـ رضي الله عنه ـ: كثر خير الله وطاب[2].
وفي الموطأ بسند صحيح عن طلحة بن عبد الله بن كريز مرسلاً أن رسول الله قال: ((ما رُئي الشيطان يوماً هو فيه أصغر ولا أدحر ولا أحقر ولا أغيظ منه يوم عرفة، وما ذاك إلا لما يرى من تنزُّل الرحمة وتجاوز الله عن الذنوب العظام، إلا ما كان من يوم بدر)) [3].
عباد الله، لشهود هذه الفضائل الكبيرة وغيرها من المنافع الكثيرة فرض الله عليكم الحج مع الاستطاعة، وجعله نافلة بعد الفريضة إلى قيام الساعة، فقال ـ سبحانه ـ: وَللَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلْبَيْتِ مَنِ ٱسْتَطَـٰعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً[آل عمران:97]. وقال ـ جل ذكره ـ: وَأَذّن فِى ٱلنَّاسِ بِٱلْحَجّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَىٰ كُلّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلّ فَجّ عَميِقٍ لّيَشْهَدُواْ مَنَـٰفِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ فِى أَيَّامٍ مَّعْلُومَـٰتٍ [الحج:27، 28].
وصح عن النبي أنه قال: ((أيها الناس، قد فرض الله عليكم الحج فحجوا)) [4]، وقال : ((الحج مرة، فمن زاد فتطوع)) [5]، وذلك كله من رحمة الله بالعباد ولطفه بهم في المعاش وفي المعاد.
أيها المسلمون، الحج عبادة جليلة وفريضة عظيمة، تشمل أنواعا من التقرب إلى الله ـ تعالى ـ في غاية من الذل والخضوع والمحبة له ـ سبحانه ـ، في أوقات ومناسك معظمة ومواطن محترمة، يبذل المسلم من أجل شهودها النفس والنفيس، ويتجشّم الأسفار ويتعرض للأخطار، وينأى عن الأوطان ويفارق الأهل والأولاد والإخوان، كل ذلك محبة لله ـ تعالى ـ وشوقاً إليه، وطاعة له وتقرباً إليه، ولذلك يتكرم الله ـ تعالى ـ على عباده فيجازيهم على هذا الإحسان بالإحسان الذي صحت به الأخبار وفصلته الآثار.
ففي الصحيحين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : ((العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)) [6]. وفي الصحيحين أيضا عنه أن النبي قال: ((من حج – وفي لفظ مسلم: من أتى – هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كهيئته يوم ولدته أمه)) [7] يعني نقياً من الذنوب.
وعن ابن مسعود عن النبي قال: ((تابعوا بين الحج والعمرة؛ فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)) [8].
وروي عنه أنه قال: ((هذا البيت دعامة الإسلام ،فمن خرج يؤم هذا البيت من حاج أو معتمر كان مضموناً على الله إن قبضه أن يدخله الجنة، وإن رده رده بأجر وغنيمة)) [9].
أيها المؤمنون، وفي مناسك الحج والوقوف بمشاعره يتحقق للعبد – من الرغبة في الخير ونشاط الهمة في أنواع من الطاعات؛ من صلاة، وطواف وصدقات، وذكر، وتلاوة القرآن، وإحسان إلى الناس بالدعوة إلى الخير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنصيحة – ما يرجى أن تضاعف عليه الأجور، وترتفع الدرجات، ويحط من الخطيئات ما لا يدخل تحت حصر، ولا يحيط به وصف.
وقد صح عن النبي أنه قال: ((صلاة في المسجد الحرام خير – وفي لفظ: أفضل – من مائة ألف صلاة فيما سواه)) [10]، فإذا كان هذا في الصلاة فيرجى أن تكون الأعمال كلها مضاعفة كذلك نظراً لشرف المكان وفضل الزمان وكمال الحال.
وقد صح عن النبي أنه قال: ((من دل على خير فله مثل أجر فاعله)) [11]، وقال: ((من دعا إلى هدى كان له مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا)) [12]، وقال: ((فوالله لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حُمُر النَّعَم)) [13].
فاتقوا الله عباد الله، وهلموا لشهود تلك المنافع، وعظموا الرغبة إلى ربكم، وأحسنوا إن الله يحب المحسنين.
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه، وجعلنا من خاصة أوليائه وأحبابه.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.
[1] أخرجه ابن خزيمة ح (2840) ، وابن حبان ح (3853) بنحوه ، وأخرجه البغوي في شرح السنة ح (1931) ، وهو ضعيف لأن فيه عنعنة أبي الزبير وهو مدلس ، انظر السلسلة الضعيفة للألباني رقم (679). وقد ثبتت مباهاة الله بعباده في هذا اليوم عند مسلم ح (1348).
[2] لم أجده.
[3] موطأ مالك (1/422) ، وهو مرسل.
[4] أخرجه مسلم ح (1337).
[5] إسناده صحيح ، أخرجه أحمد (1/255) ، والدارمي ح (1788).
[6] صحيح البخاري ح (1773) ، صحيح مسلم ح (1349).
[7] صحيح البخاري ح (1819) ، صحيح مسلم ح (1350).
[8] صحيح ، أخرجه أحمد (1/387) ، والترمذي ح (810) وقال : حسن غريب ، وأخرجه النسائي ح (2630) ، وابن ماجه ح (2887).
[9] قال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/209) : رواه الطبراني في الأوسط وفيه محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير وهو متروك.
[10] صحيح ، أخرجه أحمد (3/343) ، وابن ماجه ح (1406).
[11] أخرجه مسلم ح (1893).
[12] أخرجه مسلم ح (2674).
[13] أخرجه البخاري ح (3009) ،
ومسلم ح (2406).