خطب الحج والعمرة
اسم الخطيب عبدالله بن حسن القعود
أهداف الخطبة عناصر الخطبة 1/ عظمة العمل بالإخلاص والمتابعة 2/ اختيار أهل الفقه والصلاح 3/ تحري النفقة الحلال 4/ تجنب الرفث والفسوق والجدال 5/ حرمة إيذاء المسلم
فيجب على كل مسلم فرض الحج أن يقتدي برسول الله، فيبحث إذا أراد أن يحرم مثلاً كيف أحرم رسول الله وكيف علّم النّاس الإحرام ثم إذا أراد أن يطوف بالبيت أو أن يسعى بين الصفا والمروة، كيف طاف وسعى رسول الله، وهكذا دواليكم في الخروج إلى مِنى ثم إلى نمرة فعرفات ثم في الإفاضة منها إلى المشعر الحرام ثم في الانصراف منه، وفي رمي الجمار والنحر والحلق والطواف ..
الحمد لله حمداً كثيراً طيّباً مباركاً فيه، كما يحبُّه ربنا ويرضاه، وأشهدُ أن لا إله إلا الله شهادةً أرجو بها النجاة يوم نلقاه، وأشهدُ أنَّ سيِّدنا ونبيِّنا محمداً عبده ورسوله صلّى الله وسلّم عليه وعلى آله وأصْحابه وأتباعه صلاةً وسلاماً دائمين إلى يوم الدين.
أمَّا بعد:
فيا أيُّها المسلمون: في هذه المناسبة الطيبة العظيمة المحببة إلى النّفوس المسلمة، والتي يجتمع فيها للعامل شرف الزَّمان والمكان ونزول القرآن، مناسبة حج بيت الله الحرام الذي جعل الله قلوب الناس تهوي إليه وجعله لهم مثابة وأمناً.
لا يرجع الطرف عنها حين ينظرها *** حتى يعود إليها الطرف مشتاقاً
هذه المناسبة التي من وقعت له على الوجه المطلوب كفرت بها ذنوبه وحطت بها عنه خطاياه. يقول سبحانه وتعالى بعد أن أمر بإتمام الحج والعمرة وما يطلب فيهما: (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) [البقرة:203].
أي من انصرف من الحجاج في اليوم الثاني عشر أو انصرف في اليوم الثالث عشر فإنَّه ينصرف ولا إثم عليه أي قد حطت عنه ذنوبه ولكن هذا الوعد للمتعجل والمتأجل منهم مشروط حصوله بتقوى الله في الحج الذي هو سبب هذا الحط. قال تعالى بعد ذلك: (لِمَنِ اتَّقَى) أي اتّقى الله في حجه. يفسره ويوضحه قوله صلى الله عليه وسلم: "من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمُّه".
أُذكركم -والذكرى تنفع المؤمنين- أذكر مَن اعتزم تلبية نداء الله والتعرُّض لنفحات بِرّه وقدسه في مكان وزمان وأحوال النّفحات والْقُدسيَّات بأنَّ الحج عبادة عظيمة.
ومعلوم أنَّ الْعبادة لا تكون صحيحة ولا مقبولة ولا نافعة عند الله إلا إذا تَوَفَّر فيها الإخلاص والمتابعة، الإخلاص لله لقوله تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ) [البينة:5]، ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنِّيات، وإنَّما لكلِّ امرئٍ ما نوى" والمتابعة لرسوله لقوله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) [الأحزاب:21]، وقوله: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) [الحشر:7].
وقول رسوله: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردّ" أي مردودٌ على صاحبه. فيتحتم أولاً وقبل كل شيء على مريد الحج أو العمرة أن يقصد بعمله وجه الله تعالى والدَّار الآخرة، وأن يجرِّده من أطماع الدُّنيا ويبتعد به عن الرِّياء والسمعة والمفاخرة وغير ذلكم من الأعمال التي يُرفع معها عمل والعِياذ بالله، بل تحبط معها الأعمال ويعذَّب بها صاحبها.
يقول تعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [هود:15-16]، (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَدْحُوراً) [الإسراء:18] ويقول عليه الصلاة والسلام: "يقول الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه" رواه مسلم.
كما يجب عليه -ثانياً- أن يكون متقيداً في حجِّه وسائر عباداته بما صحّت به الأخبار وأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، امتثالاً لأمر الله: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) [الحشر:7] وقول رسوله: "خذوا عني مناسككم" أي تعلّموا منّي أعمال حَجِّكم واقْتَدوا بي فيها.
فاتّقوا الله -أيُّها المسلمون-؛ وإذا نوَيتم الحجّ أو العمْرة فأخلِصوا النيّة فيها لله وحده، وإذا تلبّستم بهما، فأتموهما لله كما أمركم تعالى بذلك في قوله: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) [البقرة:196] وتمامهما يتمثّل في إخلاصهما لله وحده، والتأسّي فيهما برسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن التأسّي به فيها لسهل ويسير والحمد لله.
فصفة حجِّه وفتاواه في الحجّ معلومة لدى علماءِ المسلمين، ثابتة محفوظة بنقل الثقات عن الثقات رواها جابر بن عبد الله وعبد الله بن عمرو وابن عباس وعائشة وغيرهم من كبار الصحابة رضوان الله عليهم ممّن حجّوا معه صلى الله عليه وسلم.
فيجب على كل مسلم فرض الحج أن يقتدي برسول الله، فيبحث إذا أراد أن يحرم مثلاً كيف أحرم رسول الله وكيف علّم النّاس الإحرام ثم إذا أراد أن يطوف بالبيت أو أن يسعى بين الصفا والمروة، كيف طاف وسعى رسول الله، وهكذا دواليكم في الخروج إلى مِنى ثم إلى نمرة فعرفات ثم في الإفاضة منها إلى المشعر الحرام ثم في الانصراف منه، وفي رمي الجمار والنحر والحلق والطواف والإقامة بمنىً ورمي الجمرات أيَّامها والنفر.
وإنَّه ليجدُر بالمسلم أن يختار لصحبته في سفر الحج وفي تلكم المواقف المقدسة ومهابط الرحمة والغفران، أهل التقى والفقه في الدين ممّن يعينون على أداء المناسك على الوجه الأكمل، ولعل عملاً صالحاً يرفع لأحدهم فيشفع أو دعوة تُستجاب فتنفع أو رحمة تنزل فتعمّ، ففي الحديث: "هم القوم لا يشقى بهم جليسهم".
كما يجدر بالمسلم أيضاً؛ بل يجب على كل من يرجو ثواب الحج وقبوله: ألاَّ يدخله إلاَّ بنفقة طيّبة، ففي الحديث الصحيح: الذي رواه مسلم: "إنّ الله طيّب لا يقبل إلا طيباً" والطيّب هو الحلال الذي لا شبهة فيه.
وفي معنى هذا الحديث ما رواه الطبراني عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا خرج الحاج بنفقة طيّبة ووضع رجله في الغرز فنادى: لبّيك اللَّهُمَّ لبيك، ناداه مُنادٍ من السماء: لبيك وسعديك، زادك حلال، وراحلتك حلال، وحجُّك مبرور غير مأْزور، وإذا خرج بالنفقة الخبيثة فوضع رجله في الغرز فنادى لبيك، ناداه مُنادٍ من السماء: لا لبيك ولا سعديك زادك حرام ونفقتك حرام وحجُّك مأزور غير مبرور".
كما يجب على كلِّ مسلم فرض الحج وجوباً حتميًّا أن يتجنَّب الرفث والْفسوق والجدال في الحج: ومن أفظع الْفسوق إيذاء المسلمين ومضارّتهم؛ ولاسيّما وفد الله منهم وضيوف رحابه: حجَّاج بيته، وزوَّار بقاعه المقدّسة، وأشنع المضارّة مضارّتهم حال تلبّسهم بالعبادة؛ كبعد الإحرام وفي الطواف ولدى رمي الجمار وما إلى ذلكم.
فمضارّة المسلمين شنيعة وقبيحة: في كلِّ مكانٍ وزمانٍ. يقول صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم عن عائشة رضي الله عنها: "من ضارَّ مسلماً ضارّه الله، ومن شقَّ على مسلم شقَّ الله عليه"، وتتضاعف شناعة المضارَّة ويشتدُّ إثمها، إذا ضارَّ صاحبها وافداً على الله أو ولياً من أولياء الله أو في مكانٍ أو زمانٍ حرام (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) [الحج:25]
فيا أيُّها المزمعون على الحج: إنَّكم ستتوجَّهون إلى جوادٍ كريم مطّلع عليم، فتوجَّهوا إليه تعالى بإخلاص وعزيمةٍ صادقة ورغبٍ ورهب، وعزم على التزام الفضائل، والْبُعد عن الرَّذائل، وتوبة صادقة، نصوح، من جميع ما أَسلَفْتُم من الذنوب، وجانِبوا الرفث والْفسوق والجدال في الحج، وأطعموا الطعام، وطيب الْكلام، وأفشوا السلام يطيب مسعاكم ويبرُّ حجُّكم وتفوزوا برضا الله ورضوانه وعفوه وغُفرانه، إنَّه تعالى هو أهل التَّقوى وأهل المغفرة.