ملخص الخطبة
وجوب تقوى الله والتعرف إليه في الرخاء ، وكيف يكون ذلك - من ثمرات التقوى النجاة من المهالك ، ونماذج من السيرة والتاريخ (نجاته صلى الله عليه وسلم من المشركين في الغار – يونس عليه السلام – أصحاب الغار) - النجاة يوم القيامة لأهل التقوى ، وقوله تعالى : وإن منكم إلا واردها وبيان معنى الورود وخوف السلف وسبيل النجاة.
-------------------------
الخطبة الأولى
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا ربكم وتعرفوا إليه في حال الرخاء يعرفكم في حال الشدة تعرفوا إلى ربكم بالخضوع له والمحبة والتعظيم وكثرة العبادة ابتغاء مرضاته وتجنب معاصيه خوفا من عقابه الأليم تعرفوا إلى الله بفعل الطاعات ما دمتم في زمن القدرة والإمكان قبل أن تتمنوا العمل فلا تستطيعوا إليه سبيلا.
عباد الله: يقول الله تعالى: وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون فمن اتقى الله تعالى وامتثل أمر الله واجتنب نهيه نجاه بمفازته إذا وقع في هلكة أنجاه الله منها ويسر له الخلاص من ذلك، فالمتقون هم أهل النجاة، وشاهد ذلك ما وقع وما يقع للمتقين. ألم يبلغكم ما وقع لسيد المتقين حيث خرج من مكة ومعه صاحبه أبو بكر يخشيان على أنفسهما من قريش فنجاهما الله تعالى من ذلك وقريش على رؤوسهم يقول أبو بكر: يا رسول الله لو نظر أحدهم إلى قدمه لأبصرنا فيقول له رسول الله : ((لا تحزن إن الله معنا. ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما)) فنجى الله تعالى نبيه بمفازته من غير أن يمسه سوء.
ألم تسمعوا ما وقع لنبي الله يونس حيث ذهب عن قومه مغاضبا لهم لما عصوه فركب البحر فثقلت بهم السفينة فاقترع أهلها أيهم يلقى في البحر لتخف السفينة وينجو بعض من فيها ولا يهلكوا كلهم فوقعت على قوم فيهم نبي الله يونس فألقوا في البحر فالتقم الحوت يونس: فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فاستجاب له رب العالمين فأنجاه من الغم قال الله تعالى: فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون [الصافات:143-144].
ألم يأتيكم نبأ الثلاثة من بني إسرائيل باتوا في غار فانحدرت عليهم من الجبل صخرة سدت الغار فلا يستطيعون الخروج فقالوا إنه لا ينجيكم منها إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم فقال أحدهم: اللهم إنه كان لي أبوان شيخان كبيران فنأى بي طلب الشجر فتأخرت حتى ناما فكرهت أن أوقظهما فانتظرت استيقاظهما حتى طلع الفجر والصبية يتضاغون عند قدمي حتى استيقظ أبواي فشربا غبوقهما. اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة قليلا.
فقال الثاني: اللهم إنه كانت لي ابنة عم أحبها حبا شديدا فأردتها عن نفسها فامتنعت حتى ألجأتها الضرورة سنة من السنين فجاءتني فأعطيتها مائة وعشرين دينارا على أن تخلي بيني وبين نفسها ففعلت فلما قعدت بين رجليها قالت: اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه فانصرفت عنها وهي أحب الناس إلي، وتركت الذهب الذي أعطيتها، اللهم إن كنت فعلت ذلك لأجلك فأفرج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة قليلا إلا أنهم لا يستطيعون الخروج.
فقال الثالث: اللهم إني استأجرت أجراء فأعطيتهم أجرهم إلا واحدا ترك أجره وذهب فثمرت له أجره حتى نما وكثرت منه الأموال فجاءني بعد حين فقال: يا عبد الله أعطني أجري فقلت كل ما ترى من الإبل والبقر والغنم والرقيق فهو أجرك فقال يا عبد الله لا تستهزئ بي فقلت له لا أستهزئ بك فأخذه كله ولم يترك منه شيئا. اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة وخرجوا يمشون.
وهكذا ينجِّي الله المتقين بمفازتهم في هذه الدنيا وينجيهم من مفاوز يوم القيامة وأهوالها ومن عذاب الجحيم وسَمومها قال الله تعالى: وإنْ منكم إلا واردها كان على ربك حتماً مقضياً ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيه جثياً [مريم:71-72].
بكى عبد الله بن رواحة وكان مريضا فقيل ما يبكيك فقال ذكرت قول الله تعالى: وإن منكم إلا واردها فلا أدري أنجو منها أم لا.
وكان أبو ميسرة إذا أوى إلى فراشه بكى ويقول أخبرنا أنا واردوها ولم نخبر أنا صادرون عنها.
اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا أن تنجينا من النار وأن تلحقنا بالمتقين الأبرار وأن تنجينا من مفاوز الدنيا والآخرة يا كريم يا جواد اللهم صل وسلم على نبينا محمد وآله وأصحابه أجمعين.
-------------------------
الخطبة الثانية لم ترد