الخطب المكتوبةمحمد بن صالح العثيمين
الخطبة الأولىأما بعد:
فإن في مجتمعنا مشكلة من أهم المشاكل كل من سمعناه يشكو منها عند ذكرها ويود بكل قلبه أن يسلك الناس طريقا إلى حلها، ألا وهي مشكلة الزواج فإنها مشكلة من وجهين، الأول: من جهة المغالاة في المهور والتزايد فيها وجعلها محلا للمفاخرة حتى بلغت إلى الحال التي هي عليها الآن. ولقد صار بعض الناس الآن يزيد في تطويرها ويدخل المهر أشياء جديدة تزيد الأمر كلفة وصعوبة، حتى أصبح المهر في الوقت الحاضر مما يتعسر أو يتعذر على كثير من الناس فتجد الكثير يتعب تعبا كبيرا في أول حياته وعنفوان شبابه، ولا يكاد يدرك ما يحَصَّل به المرأة التي تحصنه، كل هذا بسبب هذا التصاعد الذي لا داعي له في المهور، وهذا مما يعوق عن النكاح الذي أمر الله به ورسوله، وهو خلاف المشروع، فإن المشروع في المهور تخفيفها قال النبي : ((أعظم النكاح بركة أيسره مؤونة)).
وتزوجت امرأة بنعلين فأجاز النبي نكاحها وقال للرجل: ((التمس ولو خاتما من حديد)) فالتمس فلم يجد شيئا فقال النبي : ((هل معك شيء من القرآن))؟ قال نعم سورة كذا وكذا فقال النبي : ((زوجتكما)) أو قال: ((ملكتكها بما معك شيء من القرآن)).
وقال له رجل يا رسول الله إني تزوجت امرأة على أربع أواق يعني مائة وستين درهما، فقال النبي : ((على أربع أواق كأنما تنحتون الفضة من عُرْض هذا الجبل، ما عندنا ما نعطيك ولكن عسى أن نبعثك في بعث تصيب منه)).
وقال أمير المؤمنين عمر : (لا تغلوا صدق النساء فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى في الآخرة كان أولاكم بها النبي ) [رواه الخمسة وصححه الترمذي].
فيا أيها القادر: لا تغال في المهر ولا تفاخر في الزيادة فيه فإن في مجتمعك من إخوانك من لا يستطيع مباراتك، فالأولى أن تأخذ بالأيسر اتباعا للمشروع وتحريا لبركة النكاح ورأفة بإخوانك الذين يعجزون عما تقدر عليه، وإذا دخلت على أهلك ورغبت فأعطهم ما تشاء ولو أننا نسلك طريقة لتسهيل الأمر وتخفيف حدة المغالاة بتأجيل بعض المهر بأن نقدم من المهر ما دعت الحاجة إليه في النكاح، ونؤجل الباقي في ذمة الزوج لكان هذا جائزا وحسنا، وفي ذلك تسهيل على الزوج ومصلحة للزوجة، فإن ذلك أدعى لبقائها معه لأنه لو طلقها لحل المهر المؤجل إذا لم يكن له أجل معين، فانظروا رحمكم الله هذه المشكلة بعين الاعتبار ولا تجعلوا المهور محلا للمفاخرة والمباهاة ويسروا ييسر الله عليكم.
أما الوجه الثاني، من هذه المشكلة: فهي امتناع الأولياء من قبول الُخَّطاب، فإن بعض الأولياء يمتنع من تزويج من له عليها ولاية، وهذا لا يجوز إذا كان الخاطب كفؤا ورضيته المخطوبة لقوله تعالى في المطلقات إذا أراد زوجها نكاحها بعد تمام العدة فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف وقال النبي : ((إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد عريض)) قالوا يا رسول الله وإن كان فيه قال ((إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه ثلاث مرات)) هذا وفي منع المرأة من تزويجها بكفؤها ثلاث جنايات جناية الولي على نفسه بمعصية الله ورسوله، وجناية على المرأة حيث منعها من كفؤها الذي رضيته، وجناية على الخاطب حيث منعه من حق أمر الشارع بإعطائه إياه.
وإذا امتنع الولي من تزويج موليته بكفء رضيته سقطت ولايته وصارت الولاية لمن بعده الأحق فالأحق، كما قال أهل العلم رحمهم الله، وقالوا: إذا تكرر منه هذا صار فاسقا ناقص الإيمان والدين، حتى قال كثير من أهل العلم لا تقبل شهادته ولا تصح إمامته ولا ولايته ولا جميع أفعاله وتصرفاته التي يشترط لها العدالة فاتقوا الله أيها الناس واتقوا الله أيها الأولياء وزوجوا من ترضون دينه وخلقه ولا تمنعوا النساء، فإن في ذلك تعطيلا للرجال والنساء وتفويتا لمصالح النكاح وانتشارا للمفاسد.
إذا لم يتزوج أبناؤنا ببناتنا فبمن يتزوجون؟ وإذا لم نزوج بناتنا بأبنائنا فبمن نزوجهن؟ أترضون أن يتزوج أبناؤنا بنساء أجنبيات بعيدات عن بيئتنا وعاداتنا ولهجاتنا فتتغير البيئة والعادة واللهجة بجلبهن وربما حصل منهن اتعاب للزوج بكثرة طلبهن السفر إلى بلادهن أو غير ذلك.
أترضون أن تبقى بناتنا بدون أزواج يحصنون فروجهن وينجبن منهن الأولاد الذين بهم قرة أعينهن. إنه لا بد من أن يتزوج أبناؤنا ببناتنا، ولكن علينا أن نتعاون لتسهيل الطرق أمامهم مخلصين لله قاصدين بذلك تحصيل ما أمر الله به ورسوله فإن الخير في طاعة الله ورسوله ولقد منع رجال من تزويج من لهن عليهن ولاية لينالوا حطاما من الدنيا فباءوا بالخسران والندامة.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم [النور:32].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم. . .
-------------------------
الخطبة الثانية
لم ترد .