مكتبة الخطب
الخطب المكتوبة
صالح الونيان
بريدة
جامع الإمام محمد بن عبد الوهاب
-------------------------
ملخص الخطبة
1 - الأمر بالعلم مقدم على الأمر بالعمل 2 - فضل العلم والإخلاص في طلبه وصفات طالب العلم 3 - أحوال الناس تجاه العلم 4 - مسئولية الجميع في رعاية أبناء أمتنا ( الطلاب ) 5 - دور المعلم في البناء
-------------------------
الخطبة الأولى
أما بعد:
أيها المسلمون!
اتقوا الله تعالى، وتعلموا أحكام دينكم، وتفقهوا فيه؛ لأن هذا طريق الخير؛ فمن يرد الله به خيراً يفقهه في الدين.
واعلموا أن الله تعالى رفع شأن العلماء العاملين:
فقال تعالى: قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون [الزمر:9].
وقال تعالى: يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات [الزمر:9].
عباد الله:
لقد أمر الله تعالى بتعلم العلم قبل القول والعمل؛ قال تعالى: فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك [المجادلة:11].
قال البخاري رحمه الله في (صحيحه): (باب: العلم قبل القول والعمل).
ولقد بين النبي فضل العلماء العاملين؛ حيث قال : ((وإن العالم ليستغفر له من في السماوات والأرض، حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء هم ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، وإنما ورثوا العلم؛ فمن أخذه؛ أخذ بحظ وافر))(1).
وقال بعض العلماء: تعلم العلم؛ فإنه يقومك ويسددك صغيراً ويقدمك ويسودك كبيراً، ويصلح زيغك وفسادك، ويرغم عدوك وحاسدك، ويقوم عوجك وميلك، ويحقق همتك وأملك.
ليس يجهل فضل العلم إلا أهل الجهل؛ لأن فضل العلم إنما يعرف بالعلم، فلما عدم الجهال العلم الذي به يتوصلون إلى فضل العلم؛ جهلوا فضله، واسترذلوا أهله، وتوهموا أن ما تميل إليه نفوسهم من الأموال المقتناة والطرق المشتهاة أولى أن يكون إقبالهم عليها وأحرى أن يكون اشتغالهم بها.
وقد بين علي بن أبي طالب رضي الله عنه فضل ما بين العلم والمال، فقال: (العلم خير من المال، العلم يحرسك وأنت تحرس المال، العلم حاكم و المال محكوم، مات خزان الأموال وبقي خزان العلم، أعيانهم مفقودة وأشخاصهم في القلوب موجودة).
وربما امتنع بعض الناس عن طلب العلم لكبر سنه واستحيائه من تقصيره في صغره أن يتعلم في كبره، فرضي بالجهل أن يكون موسوماً به، وآثره على العلم أن يصير مبتدئاً فيه، وهذا من خدع الجهل وغرور الكسل، لأن العلم إذا كان فضيلة؛ فرغبة ذوي الأسنان فيه أولى، وابتداء بالفضيلة فضيلة، ولأن يكون شيخاً متعلماً أولى من أن يكون شيخاً جاهلاً.
عباد الله:
وتعلم العلم على نوعين:
النوع الأول: واجب على كل مسلم ومسلمة، ولا يقدر أحد على تركه، وهو تعلم ما يستقيم به دينه؛ كأحكام العقيدة والطهارة والصلاة والزكاة والصوم والحج على الوجه الذي يتمكن به من أداء هذه العبادة على وجهها الصحيح.
ولكن بعض الناس فرط في هذا، فتراه يؤدي العبادة بطريقة خاطئة ،ومع ذلك لم يحاول تعلم أحكامها، بينما تجده حريصاً على دنياه، يطلبها من كل وجه، ومن هذا عمله؛ سيسأله الله على تفريطه؛ فليعد للسؤال جواباً، وللجواب صواباً.
والنوع الثاني من تعلم العلم: ما زاد عن ذلك؛ من تعلم بقية أحكام الشريعة في المعاملات والتفقه في أمور العبادات؛ فهذا واجب على الكفاية، إذا قام به من يكفي من المسلمين؛ سقط الإثم عن الباقين، وإن تركه الكل؛ أثموا.
عباد الله!
وفي هذه الأيام يستعد الطلاب والطالبات لاستقبال عام دراسي جديد، يبتدئونه يوم غد؛ يقضون هذا العام بين أوراق المدارس والمعاهد والكليات؛ لينهلوا من مناهل العلم والمعرفة على حسب مستوياتهم واتجاهاتهم، ويشجعهم ويدفعهم إلى ذلك أولياء أمورهم، وهذا شيء طيب، وقد تقدم الترغيب في طلب العلم.
ولقد حث النبي أصحابه على القراءة والتفقه في الدين، وخير مثال ضربه لنا في هذا المجال كان في إطلاقه لأسرى بدر بعد أن اشترط عليهم أن يعلم كل واحد منهم نفراً من المسلمين القراءة والكتابة.
معاشر طلاب العلم!
لابد أن يكون طلب العلم خالصاً لوجه الله تعالى، لا يراد به عرض من الدنيا، وذلك ليعم نفعه، ويؤجر صاحبه، وكذلك إذا أحاط طالب العلم علماً بالمسألة؛ فالواجب عليه أن يطبقها على نفسه، ويعمل بها؛ ليكون علمه نافعاً؛ فإن العلم النافع ما طبقه الإنسان عملياً، والعمل بالعلم هو ثمرة العلم، والجاهل خير من عالم لم ينتفع بعلمه ولم يعمل به؛ فإن العلم سلاح: فإما أن يكون سلاحاً لك على عدوك، وإما أن يكون سلاحاً موجهاً إلى صاحبه.
عباد الله!
قولوا لي بربكم: ما فائدة العلم بلا عمل؟ أرأيتم لو أن إنساناً درس الطب وأصبح ماهراً ولم يعالج نفسه ولا غيره؛ فما فائدة علمه وتعبه؟!
عباد الله!
وإن القلب ليعتصره الألم حينما نرى بعض من طرقوا أبواب العلم الشرعي أو انتقلوا في مراحل التعليم، ولكن أخلاقهم على خلاف ما تعلموا، تعلموا من الأحكام الشيء الكثير، ولكن الأثر مفقود، تجد الواحد منهم يعلم حكم إسبال الثياب ويسبل ثيابه، ويعلم حكم حلق اللحى ويقارفه، ويعلم حكم موالاة الكفار ويستقدمهم، ويعلم حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر، ويعلم حكم الربا ويتعامل به أو يتحايل عليه، ويعلم حكم خلوة الرجل الأجنبي بالمرأة الأجنبية واستقدم سائقاً ويضعه مع محارمه يخلو بهن أو هو يخلو بالخادمة أو غيرها من النساء الأجنبيات، ويعلم أن مصافحة الرجل الأجنبي للمرأة الأجنبية لا يجوز ومع ذلك يصافح النساء الأجنبيات؛ فمن هذه حاله؛ فعلمه وبال وحجة عليه، نسأل الله السلامة والعافية. وكم من جامع للكتب من كل مذهب يزيد مع الأيام في جمعه عمى!!
فإذا تعلم وطبق؛ فعليه أن يدعو إلى ذلك.
معاشر طلاب العلم!
وهناك شروط يتوفر بها علم الطالب، وينتهي معها كمال الراغب، مع ما يلاحظ به من التوفيق ويمد به من العون:
أولها: العقل الذي يدرك به حقائق الأمور.
الثاني: الفطنة التى يتصور بها غوامض العلوم.
والثالث: الذكاء الذي يستقر به حفظ ما تصوره وفهم ما علمه.
الرابع: الرغبة التي يدوم بها الطلب ولا يسرع إليها الملل.
والخامس: الاكتفاء بمادة تغنيه عن كلف الطلب.
والسادس: الفراغ الذي يكون معه التوفر ويحصل به الاستكثار.
السابع: عدم القواطع المذهلة من هموم وأشغال.
الثامن: الظفر بعالم سمح بعلمه متأن في تعليمه.
فإذا استكمل هذه الشروط؛ فهو أسعد طالب وأنجح متعلم وكذلك عليه أن يتأدب مع معلمه ويوقره ويحترمه ويعترف بفضله قال بعض العلماء: من لم يتحمل ذل التعلم ساعة؛ بقي في ذل الجهل أبداً.
وقال بعض الشعراء مبيناً مغبة ازدراء المعلم:
إن المعلم والطبيب كليهما لا ينصحان إذا هما لم يكرما
فاصبر لدائك إن أهنت طبيه واصبر لجهلك إن جفوت معلما
عباد الله!
فإذا تعلم الإنسان، وحصل قدراً من العلم، فليعلم أنه قليل بجانب ما جهل، وعليه أن لا يدخله العجب، وليعلم أنه لا سبيل إلى الإحاطة بالعلم كله؛ فلا عار أن يجهل بعضه، وعليه أن يقول لما لا يعلم: لا أعلم. ولا ينبغي أن يجهل من نفسه مبلغ علمها، ولا أن يتجاوز بها قدر حقها، وقد قسم الخليل بن أحمد أحوال الإنسان، فقال:
(الرجال أربعة:
رجل يدري ويدري أنه يدري؛ فذلك عالم؛ فاسألوه.
ورجل يدري ولا يدرى أنه يدري؛ فذلك ناسٍٍ؛ فذكروه.
ورجل لا يدري ويدري أنه لا يدري؛ فذلك مسترشد؛ فأرشدوه.
ورجل لا يدري ولا يدري أنه لا يدري؛ فذلك جاهل؛ فارفضوه )
اللهم! إنا نعوذ بك من فتنه القول كما نعوذ بك من فتنة العمل، ونعوذ بك من التكلف لما لا نحسن، ونعوذ بك من العجب بما نحسن.
أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
-------------------------
الخطبة الثانيةالحمد لله رب العالمين حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً.
أما بعد:
أيها المسلمون!
اتقوا الله تعالى، وراقبوه، واعلموا أن كلا منكم على ثغر من ثغور الإسلام؛ فحذار أن يؤتى الإسلام من قبله.
عباد الله! إخوتى أولياء أمور الطلاب! إخوتى أساتذة أبناء المسلمين!
مما لا يخفى على الجميع أن أبناء اليوم رجال الغد، وهم الذين سيتولون في المستقبل توجيه سفينة المجتمع وإدارة شئونه؛ فإذا قمنا اليوم بتوجيههم الوجهة الصالحة التي أمر بها ديننا الحنيف؛ تخلصت مجتمعاتنا تحت إدارة هذه الصفوة من الشباب الطيب من أمراض اجتماعية متفشية في المجتمعات؛ مثل النفاق، والوساطة، وأكل السحت.. وغيرها.
وأولياء أمور الطلاب والطالبات والمدرسين والمدرسات يقع عليهم العبء الأكبر؛ لأنهم يقضون معظم أوقاتهم مع الطلاب؛ الأب مع أبنائه في البيت، والمدرس مع طلابه في المدرسة؛ فينبغي أن يكون كل منهم متفهماً لرسالة الآخر.
ويبلغ التأثير أعلاه حينما يكون الأب والمدرس كل منهما ملتزم بأحكام الإسلام في العبادات والمعاملات والأخلاق؛ فإذا كان الأب والمدرس كل منهما ملتزماً بأحكام الإسلام، معتزاً بإسلامه، شاعراً بواجبه في الدعوة إلى الله والتوجيه؛ أفاض على من يقوم بتربيته من نور هذا الإيمان الذي يحمله بين جنبيه ويمشي به في الناس.
فليكن شعارك أخي المدرس: ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين [فصلت:33].
وليعلم كل من المدرس وولي أمر الطالب والطالبات: أنه راع فيهم، ومسؤول عنهم، ومطلوب منه النصح لهم.
ولعلم أنه: ((ما من عبد يسترعيه الله رعية، يموت يوم يموت وهو غاش لها؛ إلا حرم الله عليه الجنة))(2).
وليعلم أنه إن ترك هذه البراعم الغضة؛ فإن رياح الشهوات ستعصف بها، وإن أعداء الإسلام سيجلبون عليها بقضهم وقضيضهم، حتى يسلخوهم من الدين، فيعودوا حرباً عليه:
لمثل هذا يذوب القلب من كمد إن كان في القلب إسلام وإيمان
وليعلم كل من اشتغل بالتدريس: أن أقل ما ينتظر من المدرس المسلم أن يكون مظهره إسلامياً، وأن يتفق قوله وفعله وسلوكه مع روح الإسلام ومبادئه.
فمثلاً: إذا دخل على طلابه؛ قابلهم بوجه طلق، قال : ((لا تحقرن من المعروف شيئاً، ولو أن تلقَ أخاك بوجه طلق))(3)، وحياهم بتحية الإسلام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، لا بتحية العوام: صباح الخير أو: مساء الخير!! وليبدأ حديثه بحمد الله والصلاة على رسوله ، فـ ((كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله؛ فهو أقطع))(4) إلى غير ذلك من الأمور التي تغرس في نفوس الصغار الأخلاق الحميدة.
عباد الله!
وتختل الموازين حينما يتولى التدريس غير ملتزم بأحكام الإسلام، متهاون في أوامر الله، قد استحوذ عليه الشيطان؛ لأن المطلوب منه الإرشاد إلى كل خلق حسن، والتحذير من كل خلق ذميم، ولكن فاقد الشيء لا يعطيه!!
فالطالب الذي يرى مدرسه في حالة من الميوعة والتسيب؛ كيف يتعلم الفضيلة؟!
والطالب الذي يسمع من مدرسه كلمات السب والشتم؛ كيف يتعلم حلاوة المنطق؟!
والطالب الذي يرى مدرسه يتعاطى الدخان؛ سيسهل عليه هذا الأمر!!
والطالبة التي مدرستها تسير خلف ما يصدره لها الأعداء من أزياء فاضحة وأخلاق سافلة؛ كيف تتعلم الفضيلة؟!
والطالبة التي ترى مدرستها متبرجة، كيف تلتزم بالحجاب؟!
والطالبة التي ترى مدرستها تركب مع السائق وحدها؛ كيف تبتعد عن الاختلاط بالأجانب والخلوة بهم؟!
وقس على هذه الأمور غيرها.
عباد الله!
هذا وإن بعض الآباء قد أغمضوا أعينهم عن أخلاق أبنائهم وبناتهم، ولم ينظروا في قدوتهم؛ هل هي حسنة أم سيئة؟! وهذا أمر قد ينذر بالخطر.
بل إن بعض الآباء - هداهم الله - إذا وفق أبناؤهم بأساتذة صالحين مصلحين؛ تجدهم ينسفون ما تعلم أبناؤهم من أساتذتهم من أفكار صالحة.
فالإبن في المدرسة يتعلم أن الغناء من المحرمات، ولكن والده يجلب له آلات اللهو، وبأغلى الأثمان، ويخلي بينه وبينها!!
وكذلك الولد يتعلم أن الخلوة بالأجنبية حرام، ووالده يناقض ذلك، ويجلب له امرأة أجنبية باسم الخدمة، ويترك الأبناء ينظرون إليها وهي سافرة لا يأمرها بالحجاب!!
والبنت في المدرسة تتعلم أن الخلوة بالأجانب حرام، ووالدها يجلب لها سائقاً أجنبياً، ويدعه يذهب بها وحدها إلى المدرسة أو غيرها!!
متى يبلغ البنيان يوماً تمامه إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم
هذا؛ والواقع الذي ذكرته ليس على سبيل التعميم؛ فهناك أساتذة أكفاء، على مستوى من الخلق والدين، وكذلك الحال بالنسبة للآباء، ويظهر أثر ذلك جليا على أخلاق الناشئين؛ فيوم أن ترى الشباب ملتزماً وذا خلق فاضل؛ تعلم أنه قد وفق بمن أحسن توجيهه، وتضافرت الجهود من المدرسة والبيت على ذلك، ويوم أن ترى قطعاناً من الشباب يهيمون في كل بقعة، ويجتمعون فيتكلمون في بعض الأحيان، وقد علا الشتم مجالسهم، ويسخرون بمن يأمرهم بالمعروف؛ تعرف أنه قد ترك لهم الحبل على الغارب حتى شبوا وتفلتوا، وإذا زال الحياء من الله ومن عباده، فحدث ولا حرج.
فلا و الله ما في العيش خير ولا الدنيا إذا ذهب الحياء
يعيش المرء ما استحيا بخير ويبقى العود ما بقي اللحاء
_
_________
(1) 1 محمد:19.
(2) 2 رواه مسلم.
(3) 3 رواه مسلم .
(4) 4 الحديث رواه ابن ماجه في سننه في (كتاب النكاح ، باب خطبة النكاح ) من حديث ابى هريرة وقال السندى " الحديث قد حسنة ابن الصلاح والنووي وأخرجه ابن حبان في "
صحيحه" .
(1/3)