بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ثم أما بعد:
فإن لكل خطيب طريقته وأسلوبه في إعداد خطبته والتفاعل معها. لذا كان الهدف من إنشاء هذه الصفحة المستقلة، هو الإفادة من خبرات الإخوة الخطباء وعرض تجاربهم على إخوانهم في أنحاء المعمورة.
والمنبر، يهيب بالإخوة الخطباء التفاعل مع هذه الزاوية والمشاركة في إثرائها بالتجارب والخبرات. والله الموفق.
كيف تحضر خطبة الجمعة:
عند البدء في تحضير خطبة الجمعة، لابد من مراعاة التسلسل التالي، حتى تكون الخطبة محكمة ومنظمة.
الخطوة الأولى:اطرح على نفسك السؤال التالي، ولتكن إجابته في كلمتين أو ثلاث:
ماذا أريد أن أقول؟؟!
إن الإجابة المركزة على هذا السؤال، هي أساس خطبتك.
إ
جابة صحيحة: وجوب صلاة الجماعة أو أهمية صلاة الجماعة فهناك فروقات دقيقة بين الموضوعين، فالخطيب الذي يرغب الحديث عن وجوب صلاة الجماعة، سيتطرق إلى مناقشة الأدلة وتوضيحها وربما احتاج إلى الرد على شبهات المخالفين.
وأما الحديث عن أهمية صلاة الجماعة، فمختلف تماماً من حيث الاستدلال والهدف. فالهدف من الموضوع الأول تحذير الناس وتخويفهم وتذكيرهم بأهمية الصلاة جماعة وعاقبة من فرط في ذلك.
وأما الموضوع الثاني، فيعتمد على الترغيب وإثارة الهمم ورفعها.
والخطيب الذي لا يدرك الفرق بين الموضوعين، يخرج المصلون من مسجده وهم لا يدرون ماذا خطب صاحبهم؟!
إجابة خاطئة:
أهمية الصلاة والتحذير من التهاون بها وبيان أن بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة والحرص على أمر الأبناء بها.
فهذه الإجابة من الخطيب، تدل بوضوح على عدم وضوح الرؤية لديه حول موضوع محدد.
لذا نؤكد أن الإجابة على السؤال لابد وأن تكون مختصرة ومحددة وعلى شكل عنوان، تسمى به الخطبة.
الخطوة الثانية:لماذا هذا الموضوع؟! ما الدافع لطرح هذا الموضوع؟!
ما الفائدة في طرح هذا الموضوع؟!
وتعتبر هذه الخطوة أهم مراحل إعداد الخطبة على الإطلاق، فالإجابة الدقيقة المرتبة، ستكون بمثابة متن الخطبة وعناصرها الرئيسة، التي لابد من بحثها وتفصيلها.
وإذا لم تكن لديك إجابة مفصلة ودقيقة، فتريث أيها الأخ الفاضل، فخطبتك قد تكون ركيكة، بعيدة عن الموضوعية والتناسق.
إجابة موفقة للسؤال السابق:لنفرض أن الخطيب اختار الحديث عن حكم ترك الصلاة؟! فيسأل نفسه: لماذا اخترت هذا الموضوع؟!
فتكون الإجابة:
1- لتهاون الناس في أداء هذا الركن العظيم من أركان الإسلام.
2- لأن تارك الصلاة يكفر ويخرج عن دين الإسلام.
3- لأن كفره يترتب عليه أحكام خاصة تحكم علاقته بمن حوله من الأقارب والأباعد من المسلمين.
4- انتشار ظاهرة الإرجاء وتشجيع الكسالى والفسقة على المعاصي واقتراف المنكرات.
فهذه الأسباب الأربعة، أسباب قوية تدفعك لطرح هذه الموضوع. وستشكل العناصر الرئيسة لخطبتك.
فمثلاً:
السبب الأول:
سيكون بمثابة الافتتاحية لخطبتك. فتستهل الخطبة ببيان أن الناس تهاونوا في أمر عظيم.
وأما السبب الثاني: فسيكون محور الحديث، إذ يلزمك إثبات كفر تارك الصلاة بالآيات والأحاديث والآثار وأقوال أهل العلم.
والسبب الثالث: خير ما تختم به خطبتك، مخوفاً العباد ومحذراً لهم من العقوبات المترتبة على ترك الصلاة، ومصير علاقته وولايته بأقرب الناس إليه من زوجةٍ وولد.
والسبب الرابع:يكون تنبيهاً موجزاً في الخطبة الثانية تبين فيه ضلال القائلين بهذا القول. مع ملاحظة الإجمال والدقة في طرح الموضوع، لأن تفصيله لا يناسب كونه في الخطبة الثانية ذات الوقت الضيق وكما رأيت فقد أضحت إجابتك على السؤال هي متن الخطبة وبنيتها الأساسية.
الخطوة الثالثة:ما مدى مناسبة الموضوع للزمان؟ وللبيئة؟!
سؤال مهم جداً، ويحتاج إلى نباهة وفطنة من الخطيب، فمراعاة الزمان وأحوال الناس وما يشغلهم من قضايا، عوامل رئيسة في قبول الخطبة وتأثيرها.
فلا شك أن موضوعاً كالصلاة، هو خير موضوع ولكنه قد لا يكون مناسباً من حيث الزمان أو البيئة؟! فتنبه.
مثال عدم مناسبة الزمان:
إذا اختار الخطيب طرح موضوع حكم ترك الصلاة في أزمنة معينة.
قد يكون الطرح غير مناسب البتة، بالرغم من أهمية الموضوع وجلالته.
فمثلاً: لا يحسن بالخطيب طرح هذا الموضوع وهو يستقبل شهر رمضان المبارك، كأن توافق الخطبة يوم الثامن والعشرين من شعبان، إذ يتوقع الناس حديثاً من الصيام وأحكامه وتذكيراً بها.
أو يكون وقت الخطبة في السابع من أيام العشر الأول من ذي الحجة والناس يستعدون لسماع أحكام وآداب لا يسع الخطيب تأخيرها عن وقتها.
مثال لعدم مناسبة الموضوع للبيئة أو المكان:
فموضوع الصلاة السابق الذكر، قد لا يناسب مجتمعاً محافظاً على الصلوات حريصاً عليها. وحينما أقول لا يناسب طرحه، فالمقصود أن غيره أولى منه، لا أنه غير مفيد أو غير هام. بل كلٌ من عند ربنا وهو علم نافع ومدارسة للعلم وذكرٌ يثاب المرء على سماعه.
ولكن قد يحتاج الناس إلى موضوعات أكثر أهمية من حيث الأولوية.
الخطوة الرابعة:براعة الاستهلال!
إن اختيارك لمقدمة مناسبة لها أكبر الأثر في حصول الأثر المرجو من الخطبة. وقد تكسب أذهان الحضور وتركيزهم منذ اللحظة الأولى أو تفقده كذلك. فرب مقدمة موفقة، شدت عقول الناس وانتباههم ومشاعرهم. وأخرى غير موفقة أو غير معبرة تجعل من الصعوبة بمكان الاستحواذ على انتباه المصلين.
وبعض الخطباء يبالغ في المقدمة ويطيل فيها لدرجة تؤثر على وقت الخطبة.
وقد يكون من المناسب أحياناً، بل من المفيد أن يبدأ الخطيب حديثه دون مقدمة، فيستهل خطبة بقوله: حديثنا اليوم معاشر المؤمنين سيكون حول ترك الصلاة.
وهذا قد يكون – أحياناً – أبلغ وأفضل وأحفظ للوقت وأرعى للتركيز، والله أعلم.
الخطوة الخامسة:خاتمة الموضوع!
يظن بعض الخطباء خطأ، أن لكل موضوع خاتمة مستقلة، ولا شك أن هذا المفهوم غير مطرد، وإن كان هو الغالب.
والهدف من اختيار الخاتمة المناسبة هو التأكد من حصول الأثر وتحقق الأهداف التي طرحها الخطيب في الخطوة الثانية.
فإذا شارف الخطيب على إنهاء خطبته، ولم يتمكن من التعريج المناسب والمفصل لعناصر خطبته، ولم يكمل بيانها، فعليه مراجعة الخطبة مجدداً. فبراعة الختام وأهميته، لا تقل بحال عن براعة الاستهلال.
وبعد أيها الأخ الفاضل، وفقك الله لمرضاته.
فالخطابة كما تكون كسبية لها طرق ودروب يسلكها الراغب، فهي كذلك وهبية، من الكريم الوهاب، والموفق من جمع الله له الأمرين، فسل الله من فضله.
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم.