كتاب أركان الإسلام
ـــــــــــــــــــــــــــ
الحمد لله والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، نبيّنا محمّد بن عبد الله ?. وبعد:-
فإنّ لنشر العلوم الإسلامية أثراً عظيماً في بيان حقيقة الإسلام وتثبيت دعائم الدين والنهوض بالأمّة .
وهذا الهدف النبيل هو ما تسعى الجامعة الإسلامية إلى تحقيقه عن طريق الدعوة والتعليم.
وإسهاماً في تحقيق ذلك قامت عمادة البحث العلمي بالجامعة بالتخطيط والإعداد لكثير من المشاريع العلمية الهادفة، ومنها دراسات رصينة عن الإسلام ومحاسنه ونشرها حرصاً منها على تزويد أبناء الأمّة الإسلامية بأوثق المعلومات وأصحّها، عن الإسلام وعقيدته وتشريعاته.
وهذه الدراسة عن ( أركان الإسلام ) هي أحد برامج العمادة العلمية، حيث وجّهت بعض أعضاء هيئة التدريس بالجامعة للكتابة في الموضوع ثمّ كلّفت اللجنة العلمية بالعمادة بدراسة ما كتبوه واستكمال النقص وإخراجه بالصورة المناسبة، مع الحرص على ربط القضايا العلمية بأدلّتها من الكتاب والسنّة.
وتحرص العمادة - من خلال هذه الدراسة - إلى تمكين أبناء العالم الإسلامي من الحصول على العلوم الدينية النافعة؛ لذلك قامت بترجمتها إلى اللغات العالمية ونشرها وتضمينها شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت).
هذا ونسأل الله جلّ وعلا أن يجزي حكومة المملكة العربية السعودية خير الجزاء وأوفاه على ما تقدّمه من جهود عظيمة لخدمة الإسلام ونشره والذود عن حياضه، وعلى ما تلقاه هذه الجامعة من دعم ورعاية منها.
ونسأل الله تبارك وتعالى أن ينفع بهذه الدراسة وأن يوفّق لإخراج بقيّة مشاريع العمادة العلمية بمنّه وكرمه، كما نسأله تعالى أن يوفّقنا جميعاً لما يحبّه ويرضاه، وأن يجعلنا من دعاة الهدى وأنصار الحقّ.
وصلى الله وسلّم وبارك على عبده ورسوله نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم.
عمادة البحث العلمي
الركن الأول: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله
هاتان الشهادتان هما المدخل إلى الإسلام، وهما ركنه الأعظم، ولا يحكم بإسلام شخص إلا بالنطق بهما والعمل بمقتضاهما، وبذلك يصير الكافر مسلماً.
1.…معنى شهادة أن لا إله إلا الله.
هو النطق بها مع العلم بمعناها والعمل بمقتضاها باطناً وظاهراً، أما النطق بها من غير معرفة بمعناها ولا عمل بمقتضاها فإنه غير نافع بالإجماع، بل تكون حجة عليه. ومعنى (لا إله إلا الله) لا معبود بحق إلا الله وحده سبحانه وتعالى.
وركنا هذه الكلمة (النفي والإثبات) نفي الإلاهية عما سوى الله وإثباتها له وحده لا شريك له، كما تضمنت الكفر بالطاغوت -وهو كل ما عبد من دون الله تعالى من بشر أو حجر أو شجر أو هوى أو شهوة- وبغضه والبراءة منه، فمن قالها ولم يكفر بما يعبد من دون الله لم يأت بهذه الكلمة.
قال تعالى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [سورة البقرة، الآية:163]
وقال تعالى: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [سورة البقرة، الآية:256]
ومعنى (الإله) هو المألوه المعبود بحق، ومن اعتقد بأن الإله هو الخالق الرازق أو القادر على الاختراع زأن الإيمان بذلك وحده يكفي دون إفراد الله بالعبادة فإنه لا تنفعه (لا إله إلا الله) في الدنيا بالدخول في الإسلام ولا تنجيه من العذاب المقيم في الآخرة.
قال تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ} [سورة يونس، الآية:31].
وقال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} [سورة الزخرف، الآية:87].
2.…شروط كلمة التوحيد.
1-…العلم بمعناها -نفياً وإثباتاً- المنافي للجهل؛ نفياً للعبادة عما سواه وإثباتها له وحده لا شريك له فلا يستحقها غيره.
2-…اليقين المنافي للشك. وذلك بأن ينطق بها عن يقين مطمئناً بها قلبه موقناً بمدلولها يقيناً جازماً.
3-…القبول المنافي للرد، وذلك بأن يقبل كل ما اقتضته هذه الكلمة ولسانه، فيصدق بالأخبار ويطيع الأوامر ويجتنب النواهي ولا يتعرض للنصوص بالرد و لا بالتأويل.
4-…الانقياد المنافي للترك، وذلك بأن ينقاد لما دلت عليه تلك الكلمة ظاهراً وباطناً.
5-…الصدق المنافي للكذب، وذلك بأن يقولها العبد صادقاً من قلبه، يوافق قلبه لسانه وظاهره باطنه.
فمن نطق بالشهادة بلسانه وأنكر مدلولها بقلبه فإنه لا ينفعه ذلك كحال المنافقين الذين يقولن بألسنتهم ما ليس في قلوبهم.
6-…الإخلاص المنافي للشرك، وهو تصفية العبد للعمل بصالح النية من جميع شوائب الشرك.
قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} [سورة البينة، الآية:5].
7-…المحبة المنافية للبغض، وذلك بمحبة هذه الكلمة وما تقتضيه ودلت عليه ومحبة أهلها الملتزمين بشروطها وبغض ما ناقض ذلك؛ وعلامة ذلك تقديم محاب الله وإن خالفت هواه وبغض ما يبغضه الله وإن مال إليه هواه، وموالاة من والى الله ورسوله ومعاداة من عادى الله ورسوله.
قال تعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} [سورة الممتحنة، الآية:4].
وقال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ} [سورة البقرة، الآية:165]
ومن قال (لا إله إلا الله) بإخلاص ويقين وخلص من الشرك الأكبر والأصغر والبدع والمعاصي فإن له الهداية من الضلال في الدنيا والأمن من العذاب وتحرم عليه النار.
ويجب على العبد استكمال هذه الشروط، ومعنى استكمالها اجتماعها في العبد والتزامه بها ولا يلزم من ذلك حفظها.
وهذه الكلمة العظيمة (لا لإله إلا الله) هي توحيد الألوهية، وهو أهم أنواع التوحيد الذي وقع فيه الخلاف بين الأنبياء وأقوامهم، ولتحقيقه بعثت الرسل، كما قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [سورة النحل، الآية:36]، وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [سورة الأنبياء، الآية:25]. وإذا أطلق اسم التوحيد ينصرف إليه.
-…تعريفه: توحيد الألوهية هو الإقرار بأن الله ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين ولإفراده بالعبادة وحده لا شريك له.
-…أسماؤه: سمي هذا التوحيد بتوحيد الألوهية أو الإلهية لأنه مبني على إخلاص التأله -وهو شدة المحبة- لله وحده، ويسمى بما يلي:
أ.…توحيد العبادة أو العبودية لأنه مبني على إخلاص العبادة لله وحده.
ب.… توحيد الإرادة، لأنه مبني على إرادة وجه الله بالأعمال.
ج.…توحيد القصد، لأنه مبني على إخلاص القصد المستلزم لإخلاص العبادة لله وحده.
د.…توحيد الطلب، لأنه مبني على إخلاص الطلب من الله تعالى.
ه.…توحيد العمل، لأنه مبني على إخلاص الأعمال لله تعالى.
-…حكمه: توحيد الألوهية فرض على العباد، لا يدخلون الإسلام إلا به، ولا ينجون من النار إلا باعتقاده والعمل بمقتضاه، وهو أول ما يجب على المكلف اعتقاده والعمل به، وأول ما يجب البداءة به في الدعوة والتعليم خلافاً لمن اعتقد غير ذلك، ويدل على فرضيته الأمر به في الكتاب والسنة وأن الله خلق الخلق وأنزل الكتب لأجله.
قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ} [سورة الرعد، الآية:36] وقال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [سورة الذريات، الآية:56].
وقال النبي ? لمعاذ ?: ((إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب فليكن أول تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل ويم وليلة؛ فإنه هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم...)) الحديث أخرجه البخاري ومسلم.
وهذا التوحيد هو أفضل الأعمال على الإطلاق وأعظمها تكفيراً للذنوب، فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث عتبان ? مرفوعاً ((فإن الله حرم على النار من قال لا لإله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله))
و.…اتفاق الرسل على كلمة التوحيد:
اتفقت الرسل جميعاً على دعوة أقوامهم إلى كلمة (لا إله إلا الله) وتخويفهم من الإعراض عنها كما بين القرآن الكريم ذلك في آيات كثيرة، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [سورة الأنبياء، الآية:25]. وقد ضرب رسول الله ? مثلا لاتفاق الأنبياء في الدعوة إليها؛ حيث بين عليه الصلاة والسلام أن الأنبياء إخوة لعلات، أمهاتهم شتى ودينهم واحد، فاصل دين الأنبياء واحد وهو التوحيد وإن اختلفت فروع الشرائع كما أن الأولاد قد يختلفون في الأمهات وأبوهم واحد.
3.…معنى شهادة أن محمد رسول الله.
أ.…معنى شهادة أن محمداً رسول الله هو طاعته فيما أمر وتصديقه فيما أخبر واجتناب ما نهى عنه وزجر وأن لا يعبد الله إلا بما شرع.
ب.… تحقيق شهادة أن محمداً رسول الله.
تتحقق شهادة أن محمداً رسول الله بالإيمان واليقين التام بأن محمداً ? عبد الله ورسوله، أرسله إلى الجن والإنس كافة، وأنه خاتم الأنبياء والرسل. وأنه ? عبد مقرب عند الله ليس له من خصائص الألوهية شيء، وإتباعه ? وتعظيم أمره ونهيه ولزوم سنته قولا وعملاً واعتقاداً.
قال تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً} [سورة الأعراف، الآية:158]، وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً} [سورة سبأ، الآية:28]، وقال تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [سورة الأحزاب، الآية:40]، وقال تعالى: { قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً} [سورة الإسراء: من الآية93]
ويشمل ذلك أموراً:
أولاً: الإقرار برسالته واعتقادها باطناً في القلب.
ثانياً: النطق بذلك والاعتراف به ظاهراً باللسان.
ثالثاً: المتابعة له بالعمل بما جاء به من الحق والترك لما نهى عنه من الباطل. قال تعالى: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [سورة الأعراف: من الآية158].
رابعاً: تصديقه ? في كل ما أخبر به.
خامساً: محبته أشد من محبة النفس والمال والولد والوالد والناس أجمعين، لأنه رسول الله وأن محبته من محبة الله وفي الله.
وحقيقة محبته هي إتباعه بطاعة أوامره واجتناب نواهيه ونصرته وموالاته.
قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [سورة آل عمران: من الآية31] وقال ?: ((لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين)) متفق عليه من حديث أنس ?، وقال تعالى: {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [سورة الأعراف: من الآية157]
سادساً: العمل بسنته وتقديم قوله على قول كل أحد والتسليم له وتحكيم شرعه والرضا به.
قال تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [سورة النساء، الآية:65]
4.…فضيلة الشهادتين.
لكلمة التوحيد فضل عظيم دلت عليه نصوص الكتاب والسنة، ومنها:
أ.…أنها أول أركان الإسلام وهي أصل الدين وأساس الملة، وهي أول ما يدخل به العبد الإسلام، وبها قامت السماوات والأرض.
ب.… أنها سبب لحقن الدم والمال، فمن قالها كانت سبباً في حفظ دمه وماله.
ج.…أنها أفضل الأعمال على الإطلاق وأعظمها تكفيراً للذنوب، فهي سبب دخول الجنة والنجاة من النار، ولو وضعت السماوات السبع والأرضون السبع في كفة ولا إله إلا الله في كفة رجحت بهن لا إله إلا الله.
وروى مسلم عن عبادة مرفوعاً ((من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله حرّم الله عليه النّار))
د.…أنها قد اجتمع فيها الذكر والدعاء والثناء، واشتملت على دعاء العبادة ودعاء المسألة، وهي أكثر الأذكار وجوداً وأيسرها حصولاً، فهي الكلمة الطيبة، والعروة الوثقى، وكلمة الإخلاص، وهي التي قامت بها السماوات والأرض، ولأجلها خلق الخلق وأرسلت الرسل وأنزلت الكتب، وشرعت لتكميلها السنة والفرض، ولأجلها جردت سيوف الجهاد، فمن قالها وعمل بها صدقاً وإخلاصاً وقبولاً ومحبة أدخله الجنة على ما كان من العمل.
* * *
الركن الثاني: الصلاة
تُعدُّ الصلاة أعظم العبادات شأناً وأوضحها برهاناً، أهتم بها الإسلام وأولاها أيما عناية، فبيّن فضلها ومنزلتها بين العبادات، وأنها صلة بين العبد وربه، يظهر بها امتثال العبد أوامر ربّه.
1.…تعريفها:
-…لغة: تطلق الصلاة في اللغة على الدعاء، ومنه قوله تعالى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [سورة التوبة: من الآية103]
-…واصطلاحاً: هي عبادة تشتمل على أقوال وأفعال مخصوصة تفتتح بالتكبير وتختتم بالتسليم.
والمراد بالأقوال: التكبير والقراءة والتسبيح والدعاء، ونحو ذلك.
والمراد الفعال: القيام والركوع والسجود والجلوس ونحو ذلك.
2.…أهميتها لدى الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام:
تُعَدُّ الصلاة من العبادات التي شرعت في الأديان السماوية السابقة لبعثة نبينا محمد ?. فهذا إبراهيم عليه الصلاة والسلام يسأل ربه إقامتها هو وذريته {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي} [سورة إبراهيم: من الآية40]. وكان إسماعيل عليه الصلاة والسلام يأمر أهله بها {وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ} [سورة مريم: من الآية55].
وقال تعالى مخاطباً موسى عليه الصلاة والسلام: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [سورة طه، الآية:14]. وأوصى الله بها نبيه عيسى عليه الصلاة والسلام في قوله تعالى: {وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً} [سورة مريم، الآية:31].
وقد فرض الله تعالى الصلاة على نبينا محمد ? في السماء ليلة الإسراء والمعراج، وكانت في أول فرضيتها خمسون صلاة ثم خففها الله سبحانه وتعالى إلى خمس، فهي خمس في الأداء وخمسون في الثواب.
والصلوات الخمس هي: الفجر والظهر والعصر والمغرب والعشاء، واستقر الأمر على ذلك بإجماع المسلمين.
3.…دليل مشروعيتها:
ثبت مشروعية الصلاة بأدلة كثيرة منها:
أولاً: من الكتاب:
قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [سورة البقرة: من الآية43].
قوله تعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً} [سورة النساء: من الآية103].
قوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ} [سورة البينة: من الآية5].
ثانياً: من السنّة:
1-…حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله ? قال: "بني الإسلام على خمس، شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان" متفق عليه.
2-…حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه وفيه أن رسول الله ? قال: "الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله -?-، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً..." رواه مسلم.
3-…حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي ? بعث معاذاً إلى اليمن فقال: ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة..." متفق عليه.
ثالثاً: الإجماع:
أجمع المسلمون على مشروعية الصلوات الخمس وأنها فرض من فروض الإسلام.
4.…الحكمة في مشروعيتها:
شرعت الصلاة لحكم وأسرار يمكن الإشارة إلى بعضها في الآتي:
1-…عبودية العبد لله تعالى، وأنه مملوك له سبحانه وتعالى، فبهذه الصلاة يشعر الإنسان بالعبودية ويبقى دائماً مرتبطاً بخالقه سبحانه وتعالى.
2-…تجعل الصلاة صاحبها قوي الصلة بالله دائم الذكر له.
3-…تنهى الصلاة صاحبها عن الفحشاء والمنكر، وهي من أسباب تطهير العبد من الذنوب والخطايا.
وقد دل على هذا حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ?: "مثل الصلوات كمثل نهر جار يمر على باب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات" رواه مسلم.
4-…تُعَدُّ الصلاة طمأنينة للقلب وراحة للنفس ومخلصة لها من المصائب التي تكدر صفوها؛ ولهذا كانت قرة عين لرسول الله ?، وكان يفزع إليها إذا حزبه أمر، حتى كان يقول ?: "يا بلال أرحنا بالصلاة" أخرجه أحمد.
5.…من تجب عليه الصلاة:
تجب الصلاة على كل مسلم بالغ عاقل ذكراً كان أم أنثى، فلا تجب على كافر بمعنى أن لا يطالب بها في الدنيا، لأنها لا تصح منه مع كفره، إلا أنه يعاقب عليها في الآخرة؛ لأنه يتمكن من فعلها بالإسلام ولم يفعلها. دلّ على ذلك قوله تعالى: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ. قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ. وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ. وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ. وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ. حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ} [سورة المدثر، الآيات: 42-47]
ولا تجب على صبي؛ لفقده التكليف، ولا على المجنون كذلك، ولا على الحائض والنفساء؛ لإسقاط الشرع عنهما بسبب الحدث المانع منها.
وتجب على ولي الصغير ذكراً كان أم أنثى أن يأمره بالصلاة عند بلوغه سبع سنين ويضربه عليها لعشر، كما ورد في الحديث حتى يعتاد على أدائها والحرص عليها.
6.…حكم تارك الصلاة:
من ترك الصلاة فقد كفر كفراً مخرجاً عن الملة، وهو من المرتدين عن مجمل الإسلام؛ لأنه عصى الله بترك ما فرضه عليه، فيؤمر بالتوبة، فإن تاب ورجع بإقامتها وإلا أصبح مرتداً عن الإسلام فلا يجوز غسله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه في مقابر المسلمين؛ لأنه ليس واحداً منهم.
7.…شروطها:
1-…الإسلام.
2-… العقل.
3-…التمييز.
4-…دخول الوقت.
5-…النيّة.
6-…استقبال القبلة.
7-…ستر العورة. وعورة الرجل من السرة إلى الركبة، أما المرأة فكلها عورة إلا وجهها وكفيها في الصلاة.
8-…إزالة النجاسة عن ثوب المصلي وبدنه والمكان الذي يصلي فيه.
9-…رفع الحدث، ويشمل: الوضوء والغسل من الجنابة.
8.…أوقاتها:
1-…الظهر: وقتها: من زوال الشمس -أي انحرافها عن منتصف السماء ناحية الغروب- إلى أن يصير ظل كلّ شيء مثله.
2-…العصر: ووقتها: من خروج وقت الظهر إلى أن يصير ظل الشيء مثليه، وهو بداية وقت اصفرار الشمس.
3-…المغرب: ووقتها: من غروب الشمس إلى أن يغيب الشفق الأحمر، وهو الحمرة التي تعقب غروب التي تعقب غروب الشمس.
4-…العشاء: ووقتها: يدخل بخروج وقت المغرب إلى نصف الليل.
5-…الفجر: ووقتها: من ظهور الفجر الثاني ما لم تطلع الشمس.
والدليل على ذلك حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله ? قال: "وقت الظهر إذا زالت الشمس وكان ظل الرجل كطوله ما لم يحضر العصر، ووقت صلاة المغرب ما لم يغب الشفق، ووقت صلاة العشاء إلى نصف الليل الأوسط، ووقت صلاة الصبح من طلوع الفجر ما لم تطلع الشمس، فإذا طلعت الشمس فأمسك عن الصلاة.." الحديث. رواه مسلم.
9.…عدد ركعاتها:
عدد ركعات الصلوات المفروضة جميعها سبع عشرة ركعة على النحو التالي:
1-…الظهر: أربع ركعات.
2-…العصر: أربع ركعات.
3-…المغرب: ثلاث ركعات.
4-…العشاء: أربع ركعات.
5-…الفجر: ركعتان.
فمن زاد في عدد ركعات هذه الصلوات أو نقص منها فصلاته باطلة إن تعمّد، وإن كان سهواً تدارك ذلك بسجود السهو.
وهذا في غير صلاة المسافر، حيث يستحب له قصر الرباعية إلى ركعتين، ويجب على المسلم أن يصلي هذه الصلوات الخمس في وقتها المحدد لها إلا لعذر شرعي كالنوم والنسيان والسفر، فمن نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها.
10.…فرائضها:
1-…القيام مع القدرة.
2-…تكبيرة الإحرام.
3-…قراءة الفاتحة.
4-…الركوع.
5-…الرفع منه.
6-…السجود على الأعضاء السبعة.
7-…الجلوس عنه.
8-…التشهد الأخير.
9-…الجلوس له.
10-…الطمأنينة في هذه الأركان.
11-…الترتيب بين هذه الأركان.
12-…السلام.
11.…واجباتها:
واجبات الصلاة ثمانية:-
الأول: جميع تكبيرات الانتقال في الصلاة عدا تكبيرة الإحرام.
الثاني: قول: ((سمع الله لمن حمده)) فهذا التسميع واجب في حق الإمام والمنفرد، أما المأموم فلا يقوله.
الثالث: قول: ((ربنا ولك الحمد)) فهذا التحميد واجب على الجميع، الإمام والمأموم والمنفرد.
الرابع: قول: ((سبحان ربي العظيم)) في ركوع.
الخامس: قول: ((سبحان ربي الأعلى)) في السجود.
السادس: قول: ((رب غفر لي)) بين السجدتين.
السابع: التشهد الأول، وهو أن يقول: ((التحيّات لله والصلوات الطيبات، السلام عليكم أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله)) أو نحو ذلك مما ورد.
الثامن: الجلوس للتشهد الأول.
وكل من ترك واجباً منها عمداً بطلت صلاته، ومن تركه جهلاً أو سهواً فإنه يسجد للسهو.
12.…صلاته الجماعة:
على الرجل المسلم أن يصلي الصلوات الخمس مع جماعة المسلمين في المسجد لينال رضا الله تعالى والأجر منه سبحانه.
وصلاة الجماعة تفضل على صلاة الفرد سبعاً وعشرون درجة، ففي حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله ? قال: "صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة" متفق عليه.
أما المرأة المسلمة فصلاتها في بيتها أفضل من صلاتها مع الجماعة.
13.…مبطلاتها:
تبطل الصلاة بأحد الأمور الاتية:
1-…الأكل والشرب عمداً؛ لإجماع العلماء على أن من أكل أو شرب عامداً فإن عليه الإعادة.
2-…الكلام عمداً في غير مصلحة الصلاة لما رواه زيد بن أرقم ? قل: "كنا نتكلم في الصلاة، يكلم الرجل منا صاحبه وهو إلى جنبه في الصلاة حتى نزلت {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [سورة البقرة: من الآية238] فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام" رواه البخاري ومسلم، وكذلك للإجماع على أن من تكلم في صلاته عامداً وهو لا يريد إصلاح صلاته فإن صلاته فاسدة.
3-… العمل الكثير عمداً، وضابط العمل الكثير (هو ما يخيل للناظر إلى المصلي أنه ليس في صلاة).
4-…ترك ركن أو شرط عمداً بدون عذر كالصلاة بغير طهارة أو الصلاة لغير القبلة؛ لما روى البخاري ومسلم أن النبي ? قال للأعرابي الذي لم يحسن صلاته: "ارجع فصل فإنك لم تصلّ"
5-…الضحك في الصلاة؛ وذلك للإجماع على بطلان الصلاة بالضحك.
14.…أوقات النهي عن الصلاة:
1-…بعد صلاة الفجر حتى ترتفع الشمس.
2-…عند استواء الشمس.
3-…بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس.
وقد دلّ على كراهة الصلاة في هذه الأوقات حديث عقبة بن عامر ?، قال: "ثلاث ساعات كان رسول الله ? ينهانا أن نصلي فيهن وأن نقبر فيهن موتانا، حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس، وحين تضَّف الشمس للغروب حتى تغرب" رواه مسلم.
ولحديث أبي سعيد ? أن النبي ? قال: "لا صلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس، ولا صلاة بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس" متفق عليه.
15.…إجمال صفة الصلاة:
يجب على المسلم الإقتداء برسول الله ?، ومن ذلك صفة الصلاة لقوله ? "صلوا كما رأيتموني أصلي" رواه البخاري.
وكان ? إذا قام إلى الصلاة ووقف بين يدي الله تبارك وتعالى عقد نيّة الصلاة بقلبه، ولم يؤثر عنه أنه نطق بها، وكبّر قائلاً (الله أكبر)، ورفع يديه مع هذا التكبير حذو منكبيه، وأحياناً كان يرفعهما حتى يبلغ بهما شحمة أذنيه، ووضع يمناه على يسراه فوق صدره، واستفتح بدعاء من أدعية الاستفتاح ومنها: (سبحانك اللهم وبحمدك، تبارك اسمك، وتعالى جَدُّك، ولا إله غيرك)، ثم قرأ سورة الفاتحة وسورة، ثم كبّر رافعاً يديه، وركع، ومدّ ظهره في ركوعه حتى لو وضع قدح ماء فوق ظهره ? ما انسكب، قائلاً 0سبحان ربي العظيم) ثلاثاً، ثم رفع رأسه قائلاً 0سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد) رافعاً يديه أيضاً، حتى يستوي قائماً، ثم كبّر وسجد، فإذا سجد جافي -أي باعد- ما بين يديه وجنبيه حتى يبدو بياض إبطيه، ومكّن جبهته وأنفه وكفيه وركبتيه وأطراف قدميه حتى تصيب الأرض، قائلاً 0سبحان ربي الأعلى) ثلاثاً، ثم كبر وجلس مفترشاً أي جالساً على القدم اليسرى، ناصبا القدم اليمنى، موجهاً أطراف أصابعها تجاه القبلة قائلاً في هذا الجلوس (رب اغفر لي وارحمني واجبرني وارفعني واهدني وعافني وارفعني)، ثم كبر وسجد، ثم للركعة الثانية.
وهكذا فعل ? في كل ركعة، فإذا جلس بعد ركعتين للتشهد الأول قال: (التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله) إلى آخر التشهد، ثم يقوم مكبراً رافعاً يديه إذا استوى قائماً، وهو الموضع الرابع في الصلاة الذي كان يرفع فيها يديه، فإذا جلس للتشهد الأخير وهو في الثالثة من صلاته المغرب أو الرابعة من الظهر والعصر والعشاء جلس متوركاً أي جلس على مقعدته اليسرى، وأخرج قدمه اليسرى من تحت ساقه اليمنى، ونصب القدم اليمنى مستقبلاً بها القبلة، وجمع أصابع كفه تاركاً السبّابة للإشارة أو التحريك ملقياً ببصره إليها، فإذا فرغ من تشهده سلّم عن يمينه وعن شماله قائلاً (السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله) حتى يبدو بياض خديه ?.
وقد بينت هذه الصفة في عدة أحاديث عن رسول الله ?.
هذه بعض أحكام الصلاة التي عليها يتوقف صلاح العمل، فإن صلحت صلح سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله، وهي أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة، فإن أداها كاملة فاز برضا الله تعالى، وإن نقص منها شيئاً هلك، والصلاة ناهية عن الفحشاء والمنكر فهي علاج للنفس البشرية من نوازع الشر حتى تصفو من الرذائل.
* * *
الركن الثالث: الزكاة
1.…تعريفها:
-…الزكاة لغة: هي النماء والزيادة، وتطلق على المدح والتطهير والصلاح، وسُمِيَ المخرج زكاة لأنه يزيد به المال بالبركة ويطهر المرء بالمغفرة.
-…واصطلاحاً: هي حقّ واجب في مال خاص لطائفة مخصوصة في وقت مخصوص.
2.…مكانتها في الإسلام:
الزكاة أحد أركان الإسلام الخمسة، وهي قرينة الصلاة في مواضع كثيرة من كتاب الله، من ذلك قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [سورة البقرة: من الآية43] وقوله تعالى: {وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ} [سورة البينة: من الآية5] وقال ?: (بني الإسلام على خمس...) وذكر منها ((إيتاء الزكاة)) متفق عليه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
وشرع الله الزكاة تطهيراً لنفوس البشرية من الشح والبخل والطمع ومواساة للفقراء والمساكين والمحتاجين، وتطهيراً للمال وتنميته وإخلال البركة فيه، ووقايته من الآفات والفساد، وإقامة المصالح العامة التي تتوقف عليها حياة الأمة وسعادتها، وقد ذكر الله تعالى الحكمة من أخذ الزكاة في كتابه حيث قال: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [سورة التوبة: من الآية103]
3.…حكمها:
الزكاة فرض واجب على كل مسلم ملك نصباً من مال بشروطه، حتى الصبي والمجنون يخرج عنهما وليهما، ومن جحد وجوبها وهو عالم عامد فقد كفر، ومن منعها بخلاً وتهاوناً يعتبر بذلك فاسقاً ومرتكباًَ لكبيرة عظيمة من كبائر الذنوب، وهو تحت مشيئة الله إن مات على ذلك، لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [سورة النساء: من الآية48] وتؤخذ منه الزكاة ويعزر لارتكابه محرّماً.
وقد توعد الله تبارك وتعالى مانع الزكاة بقوله: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ. يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لانْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} [سورة التوبة، من الآية:34 والآية35] وعن أبي هريرة ? قال: قال رسول الله ?: ((ما من صاحب كنز لا يؤدي زكاته إلا أحمي عليه في نار جهنم، فيجعل صفائح، فيكوى بها جنباه وجبنيه حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار...)) الحديث متفق عليه وهذا لفظ مسلم.
4.…شروط وجوبها
شروط وجوب الزكاة خمسة:
الأول: الإسلام، فلا يجب على كافر.
الثاني: الحرية، فلا يجب في مال العبد عند أكثر أهل العلم، وكذا المكاتب لأنه عبد ما بقي عليه درهم.
الثالث: ملك النصاب، فإن نقص المال عن النصاب فلا زكاة فيه.
الرابع: تمام الملك، فلا زكاة في دين الكتابة ولا في حصة المضارب من الربح قبل القسمة، ولا في الدين على معسر حتى يقبضه. ولا زكاة في الأموال الموقوفة على سبيل الخير والبر كالمجاهدين والمساجد والمساكين ونحو ذلك.
الخامس: الحول، فلا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول، إلا في الخارج من الأرض من الحبوب والثمار الزكوية، فإن زكاتها حين حصادها وقطافها، لقوله تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [سورة الأنعام: من الآية141] والمعادن والركاز حكمها في ذلك حكم الخارج من الأرض، لأنه مال مستفاد من الأرض.
ونتاج السائمة وربح التجارة حوله حول أصله، يضمه إلى ما عنده ويزكيه إذا بلغ نصاباً.
ولا يشترط في الزكاة البلوغ ولا العقل، فتجب في مال الصبي والمجنون عند أكثر أهل العلم.ج.…أن يعجل الفطر بعد تحقيقه من غروب الشمس، قال عليه الصلاة والسلام: "لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر" متفق عليه.
5.…الأموال الزكوية:
تجب الزكاة في خمسة أجناس من الأموال:
الأول: الأثمان من الذهب والفضة، وكذلك ما يقوم مقامهما من العملات الورقية المتداولة.
ومقدار الزكاة فيها ربع العشر، وهو ما يساوي (5ر2%). ولا تجب الزكاة فيها حتى يحول عليها الحول وتبلغ نصاباً.
ومقدار نصاب الذهب عشرون مثقالا، ووزن المثقال يساوي (25ر4) جراماً، فيكون نصاب الذهب (85) جراماً.
ومقدار نصاب الفضة مائتا درهم، ووزن الدرهم يساوي (975ر2) جراماً، فيكون نصاب الفضة (595) جراماً.
وأما الأوراق النقدية المعاصرة فمقدار نصابها أن تساوى قيمتها -حين حولان الحول ووقت إخراج الزكاة- قيمة (85) جراماً من الذهب أو (595) جراماً من الفضة، لذلك يختلف نصابها بحسب قوتها الشرائية بالنسبة إلى مقدار النصاب من الذهب أو الفضة، فإذا كان ما يملكه من العملات النقدية يستطيع أن يشتري به أحد المقدارين السابقين من الذهب أو الفضة أو يزيد -وجبت فيه الزكاة، بصرف النظر عن اختلاف مسمياتها- ريالات أو دينارات أو فرنكات أو دولارات أو غير ذلك، وبصرف النظر عن صفتها عملات ورقية أو معدنية أو غير ذلك، ومن المعلوم أن أسعار العملات تختلف من وقت لآخر، فعلى المزكي أن ينظر إلى قيمتها عند وجوب الزكاة فيها وهو وقت حولان الحول على ما بيده فيها. وأما ما زاد على النصاب من الأثمان فتخرج منه الزكاة بحسبه. ودليل ذلك حديث علي ? عنه قال: قال: رسول الله ?: ((إذا كانت لك مائتان درهم وحال عليها الحول ففيها خمسة دراهم، وليس عليك شيء حتى يكون لك عشرون ديناراً وحال عليها الحول ففيها نصف دينار، فما زاد فبحساب ذلك، وليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول)) رواه أبو داود وهو حديث حسن.
والحلي إن كان معداً للادخار والكراء فتجب فيه الزكاة بلا خلاف، أما إن كان معداً للاستعمال فالراجح من قولي أهل العلم وجوب الزكاة فيه، وذلك لعموم النصوص الواردة في وجوب زكاة الذهب والفضة، ولما رواه أبو داود والنسائي والترمذي عن عمر بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنهم ((أن امرأة أتت النبي ? ومعها ابنة لها وفي يدي بنتها مسكتان غليظتان من ذهب، فقال لها: أتعطين زكاة هذا؟ قالت: لا، قال: "أيسرك أن يسورك الله بهما يوم القيامة سوارين من نار" فخلعتهما وألقتهما إلى النبي ?، وقالت: هما لله ولرسوله)) ولما روى أبو داود وغيره عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((دخل على رسول الله ? فرأى في يدي فتخات من ورق فقال: ما هذا يا عائشة؟ فقلت: صنعتهن أتزين لك يا رسول الله، قال: أتؤدين زكاتهم؟ قلت: لا، أو ما شاء الله، قال: هو حسبك من النار))
وأما المعادن والمصوغات غير الذهبية -كالجواهر واللآلئ- فلا زكاة فيها عند أحد من أهل العلم، إلا أن تكون للتجارة فتزكى زكاة عروض التجارة.
الثاني: بهيمة الأنعام.
وهي افبل والبقر والغنم، وتجب فيها الزكاة إذا كانت سائمة -وهي التي ترعى أكثر الحول؛ لأن للأكثر حكم الكل، والدليل قوله ? ((في كل إبل سائمة صدقة)) رواه أحمد وأبو داود والنسائي، وقوله ? ((في صدقة الغنم في سائمتها)) رواه البخاري- وبلغت نصاباً وحال عليها الحول.
ونصاب بهيمة الأنعام كما يلي:
الإبل…5…9…شاة
…10…14…شاتان
…15…19…ثلاث شياه
…20…24…أربع شياه
…25…35…بنت مخاض لها سنة
…36…45…بنت لبون لها سنتان
…46…60…حقة لها ثلاث سنين
…61…75…جذعة لها أربع سنين
…76…90…بنتا لبون
…91…120…حقتان
…كل ما زاد على 120…في كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة عند جمهور أهل العلم.
البقر…30…39…تبيع أو تبيعة، لهما سنة
…40…59…مسنة، لها سنتان
…60…69…تبيعان
…70…79…تبيع ومسنة
…كل ما زاد على 79…في كل ثلاثين تبيع وفي كل أربعين مسنة
الغنم…40…120…شاة
…121…200…شاتان
…201…300…ثلاث شياه
…كل ما زاد على 300…في كل مائة شاة
والدليل على ذلك حديث أنس رضي الله عنه أن أبا بكر كتب له هذا الكتاب لما وجهه إلى البحرين: بسم الله الرحمن الرحيم، هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله ? على المسلمين والتي أمر الله بها رسوله، فمن سُئِلها من المسلمين على وجهها فليعطها ومن سئل فوقها فلا يعط، في أربع وعشرون من الإبل فما دونها من الغنم من كل خمس شاة، فإذا بلغت ستا وثلاثين إلى خمس وأربعين ففيها بنت لبون أنثى، فإذا بلغت ستاً وأربعين إلى ستين ففيها حقة، طروقة الجمل، فإذا بلغت واحدة وستين إلى خمس وسبعين ففيها جذعة، فإذا بلغت -يعني ستاً وسبعين- إلى تسعين ففيها بنتا لبون، فإذا بلغت إحدى وتسعين إلى عشرين ومائة ففيها حقتان طروقتا الجمل، فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة، ومن لم يكن معه إلا أربع من الإبل فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربها، فإذا بلغت خمساً من الإبل ففيها شاة، وفي صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين إلى عشرين ومائة شاة، فإذا زادت على عشرين ومائة إلى مائتين شاتان، فإذا زادت على ثلاثمائة ففي كل مائة شاة، فإذا كانت سائمة الرجل ناقصة من أربعين شاةً شاة واحدة فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربها)) الحديث رواه البخاري، ولحديث معاذ بن جبل ? ((أن النبي ? بعثه إلى اليمن فأمره أن يأخذ من كل ثلاثين بقرة تبيعاً أو تبيعة، وفي كل أربعين مسنة)) رواه أحمد وأصحاب السنن.
ونتاج السائمة يضم إلى ما عنده من أصله إذا بلغ نصاباً، وإن لم يبلغ الأصل نصاباً إلا به اعتبر به الحول من حين بلوغ النصاب.
وإن أعدت بهيمة الأنعام للتجارة فتزكى زكاة عروض التجارة، وإن أعدت للاستعمال أو للتنمية فليس فيها زكاة، لحديث أبي هريرة ? ((ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة)) أخرجه البخاري ومسلم.
الثالث: الزروع والثمار.
وتجب فيها الزكاة إذا بلغت نصاباً عند الجمهور، والنصاب عندهم خمسة أوسق؛ لقوله ? ((ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة)) متفق عليه، والوسق ستون صاعاً.
فمقدار النصاب ثلاثمائة صاع. وزنة النصاب بالبر الجيد ما يقارب (800ر652) كيلو جرام.
ولا يشترط في المزروع والثمار حولان الحول، لقوله تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [سورة الأنعام: من الآية141]
والمقدار الواجب فيها العشر فيما سُقي بلا كلفة، ونصب العشر فيما سُقي بمؤنة، لقوله ? ((فيما سقت السماء والأنهار والعيون أو كان عثرياً العشر، وفيما سُقي بالسواني أو النضح نصف العشر)) أخرجه البخاري.
الرابع: عروض التجارة.
وهي ماأعده المسلم للتجارة من أيِّ صنف كان، وهو أعم أموال الزكاة وأشملها، وتجب فيها الزكاة إذا بلغت نصاباً، والمعتبر في ذلك أن تبلغ قيمتها نصاب الذهب والفضة، -عشرون ديناراً وهو ما يساوي (85) جراماً من الذهب أو مائتا درهم وهو ما يساوي (595) جراماً من الفضة- فتقوّم عروض التجارة إذا حال عليها الحول بالأحظ للفقراء من الذهب والفضة، ولا تعتبر فيها قيمة الشراء، بل المعتبر قيمتها أثناء إخراج الزكاة بعد تمام الحول.
والمقدار الواجب فيها ربع العشر من كامل القيمة، وربح التجارة يضم إلى ما عنده من أصله إذا بلغ نصاباً ولا ينتظر به حولاً جديداً، أما إذا لم يبلغ الأصل نصاباً إلا مع الربح فيعتبر بدء الحول من حين وقت بلوغ النصاب.
الخامس: المعادن والركاز
أ -…المعادن:
هي كل ما خرج من الأرض مما يخلق فيها من غيرها مما له قيمة وليس نباتاً. مثل الذهب والفضة والحديد والنحاس والياقوت والنفط وغيرها وتجب فيها الزكاة لعموم قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} [سورة البقرة: من الآية267] ولا ريب أن المعادن مما أخرجه الله تعالى من الأرض.
وذهب جمهور أهل العلم إلى اعتبار بلوغه النصاب لوجوب الزكاة فيه. وإلى أن الواجب فيه ربع العشر، قياساً على قدر الواجب في زكاة النقدين.
ولا يشترك له حولان الحول، ويجب فيه الزكاة حين تناوله.
ب -…الركاز:
أما الركاز فهو ما وجد في الأرض من دفائن الجاهلية، أو دفائن من تقدم من الكفار وإن لم يكونوا جاهلية، في دار إسلام أو دار حرب أو دار عهد. وكان عليه أو على بعضه علامة كفر كأسمائهم أو سماء ملوكهم أو صورهم أو صلبهم أو صدر أصنامهم فقط.
فأما إن كان عليه أو على بعضه علامة المسلمين كاسم النبي ? أو أحد من خلفاء المسلمين أو آية من القرآن الكريم فهو لقطة، وإن لم تكن عليه علامة كالأواني والحلي والسبائك فهو لقطة، لا يملك إلا بعد التعريف، لأنه مال مسلم لم يعلم زوال ملكه عنه.
وتجب الزكاة في الركاز، ويجب فيه الخمس؛ لحديث أبي هريرة ? أن رسول الله ? قال: ((وفي الركاز الخمس)).
وتجب الزكاة في قليله وكثيره عند جمهور أهل العلم، ومصرفه عندهم مصرف الفيء، وباقي الركاز لواجده عند جميع أهل العلم، لفعل عمر ? حيث دفع باقي الركاز لواجده.
6.…مصارف الزكاة:
أهل الزكاة الذين يجوز صرفها إليهم ثمانية، وهم:
أولاً: الفقراء: وهم الذين لا يجدون شيئاً من المعيشة، أو يجدون بعض كفايتهم منها، فهؤلاء يعطون كفايتهم من الزكاة لعام كامل.
ثانياً: المساكين: وهو الذين يجدون نصف كفايتهم أو أكثرها، وهو بهذا المعنى أحسن حالاً من الفقراء فهؤلاء يعطون تمام كفايتهم لعام كامل.
ثالثاً: العاملون عليها: وهم العمال الذين يقومون بجمع الزكاة من أصحابها، ويحفظونها، ويوزعونها على مستحقيها بأمر الإمام، فهؤلاء يعطون من الزكاة قدر أجرة عملهم.
رابعاً: المؤلفة قلوبهم: وهم قسمان: كفار، ومسلمون.
-…فالكافر يعطى من الزكاة إذا رُجيَ إسلامه. أو حصل بإعطائه كف شره عن المسلمين، ونحو ذلك.
-…والمسلم يعطى من الزكاة لتقوية إسلامه، أو رجاء إسلام نظيره، ونحو ذلك.
خامساً: الرقاب: وهم العبيد الأرقاء المكاتبون الذين لا يجدون وفاء، فيعطى المكاتب ما يقدر به على العتق والتخلص من الرق.
سادساً: الغارمون: وهم المدنيون، وهم نوعان: عارم لنفسه، وعارم لغيره.
-…فالعارم لنفسه: هو الذي عليه دين تحمله لحاجة نفسه ولا يقدر على تسديده، فيعطى من الزكاة ما يسدد به دينه.
-…والغارم لغيره: هو من تحمل دينا لإصلاح ذات البين، فيعطى من الزكاة ما يعينه على حمالته وإن كان غنياً.
سابعاً: في سبيل الله: والمراد به عند الإطلاق: الجهاد، فيعطى من الزكاة المجاهدون المتوعون الذين لا رواتب لهم من بيت المال.
ثامناً: ابن السبيل: هو المسافر المنقطع في سفره، الذي لا يجد من النفقة ما يوصله إلى بلده، فيعطى من الزكاة ما يمكنه من الرجوع إلى بلده.
وذكر الله تعالى هذه الأصناف في قوله: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [سورة التوبة:60]
7.…زكاة الفطر
أ.…حكمة مشروعيتها:
شرعت زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين وإغناء لهم عن السؤال يوم العيد، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((فرض رسول الله ? زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين) رواه أبو داود وابن ماجه.
ب.…حكمها:
هي فرض واجب على كل مسلم ومسلمة وكبير وصغيرن حرّ وعبد لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((فرض رسول الله ? زكاة الفطر من رمضان صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير على العبد والحرّ، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة)) متفق عليه. ويستحب إخراجها عن الجنين.
ويجب أن يخرجها عن نفسه وعمن تلزمه نفقته من زوجه أو قريب، ولا تجب إلا على من فضل عن قوته وقوت من تلزمه نفقته يوم العيد وليلته.
ج.…مقدارها:
المقدرا الواجب فيها صاع من غالب قوت البلد من برأ وشعير أو تمر أو زبيب أو أقط أو أرز أو ذرة، والصاع يعادل ما يقارب (176ر2) كيلو جرام تقريباً.
ولا يجوز إخراج القيمة فيها عند جمهور أهل العلم، لأن ذلك خلاف ما أمر به الرسول ?، ولأنه مخالف لعمل الصحابة رضي الله عنهم.
د.…وقت إخراجها:
لها وقتان؛ وقت جواز قبل العيد بيوم أو يومين، ووقت فضيلة من طلوع فجر يوم العيد إلى قبيل أداء صلاة العيد، لأمره ? وسلم بها قبل خروج الناس إلى الصلاة، ولا يجوز تأخيرها عن صلاة العيد، فإن أخرها فهي صدقة من الصدقات ويأثم في هذا التاخير.
ه.…مصرفها:
تصرف زكاة الفطر للفقراء والمساكين، لأنهم أولى بها من غيرهم.
* * *
الركن الرابع: صيام شهر رمضان
1.…تعريفه:
الصيام لغة: الإمساك مطلقاً.
وشرعاً: هو إمساك عن المفطرات من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس.
2.…حكمه:
صيام شهر رمضان أحد أركان الإسلام ومبانيه العظام؛ لقوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [سورة البقرة، الآية:183]، ولما روى ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ?: "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله" متفق عليه.
وفرض صيام رمضان على الأمة الإسلامية في السنة الثانية من الهجرة.
3.…فضله وحكمة مشروعيته:
شهر رمضان موسم عظيم لطاعة الله عزّ وجلّ، وبلوغه نعمة كبيرة، وفضل من الله الكريم، يمنّ به على من يشاء من عباده، لتزداد حسناتهم، وترفع درجاتهم، وتحمى سيئاتهم، وتقوى صلتهم بخالقهم جلّ وعلا، ليكتب لهم الأجر العظيم، والثواب الجزيل، وينالوا رضاه، وتمتلئ قلوبهم بخشيته وتقواه.
ومما ورد في فضله:
أ.…قوله تبارك وتعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [سورة البقرة، الآية:185]
ب.…ما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ?: "من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه" متفق عليه.
ج.…وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله ?: "... يضاعف الحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله عزّ وجلّ: إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه من أجلي، لل