24akhbar
| | احداث الفتنه الكبرى الحلقه الخامسه | |
[center]الخطوة الأخيرة للهجوم على الخليفة
اتفق أهل الفتنة بعد ذلك فيما بينهم على القيام بخطوتهم العملية النهائية في مهاجمة عثمان في المدينة، وحمله على التنازل عن الخلافة وإلا يقتل، وقرروا أن يأتوا من مراكزهم الثلاثة: مصر والكوفة والبصرة في موسم الحج، وأن يغادروا بلادهم مع الحجاج، وأن يكونوا في صورة الحجاج، وأن يعلنوا للآخرين أنهم خارجون للحج، فإذا وصلوا المدينة، تركوا الحجاج يذهبون إلى مكة لأداء مناسك الحج، واستغلوا فراغ المدينة من معظم أهلها -المشغولين بالحج- وقاموا بمحاصرة عثمان تمهيدا لخلعه أو قتله.
وفي شوال سنة خمس وثلاثين كان أهل الفتنة على مشارف المدينة, خرج المتمردون من مصر في أربع فرق لكل فرقة أمير، ولهؤلاء الأمراء أمير ومعهم شيطانهم عبد الله بن سبأ ، وكان أهل الفتنة من مصر يريدون علي بن أبي طالب خليفة، وكان أهل الفتنة من الكوفة يريدون الزبير بن العوام خليفة، وكان أهل الفتنة من البصرة يريدون طلحة بن عبيد الله وهذا العمل منهم كان بهدف الإيقاع بين الصحابة رضوان الله عليهم، وهو ما ذهب إليه الآجري حيث قال: وقد برأ الله -عز وجل- علي بن أبي طالب t وطلحة والزبير رضي الله عنهم من هذه الفرق، وإنما أظهروا ليموهوا على الناس وليوقعوا بين الصحابة، وقد أعاذ الله الكريم الصحابة من ذلك .
علي يحاور الأحزاب
ونزل المتآمرون في ذي المروة، قبل مقتل الخليفة بما يقارب شهرا ونصفا، فأرسل عثمان إليهم عليا t ورجلا آخر لم تسمه الروايات، والتقى بهم علي t فقال لهم:
ـ تعطون كتاب الله وتعتبون من كل ما سخطتم، فوافقوا على ذلك.
وفي رواية أنهم شادوه، وشادهم مرتين أو ثلاثا، ثم قالوا:
ـ ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول أمير المؤمنين يعرض عليكم كتاب الله فقبلوا فاصطلحوا على خمس:
1ـ المنفي يعود.
2 ـ والمحروم يعطى.
3 ـ ويوفر الفيء.
4 ـ ويعدل في القسم.
5 ـ ويستعمل ذو الأمانة والقوة.
وكتبوا ذلك في كتاب، وأن يرد ابن عامر على البصرة، وأن يبقى أبو موسى على الكوفة .
وهكذا اصطلح عثمان t مع كل وفد على حدة ثم انصرفت الوفود إلى ديارها وبعد هذا الصلح وعودة أهل الأمصار جميعا راضين تبين لمشعلي الفتنة أن خطتهم قد فشلت، وأن أهدافهم الدنيئة لم تتحقق، لذا خططوا تخطيطا آخر يذكي الفتنة ويحييها يقتضي تدمير ما جرى من صلح بين أهل الأمصار وعثمان، وبرز ذلك فيما يأتي
الخطاب المشبوه
في أثناء طريق عودة أهل مصر، رأوا راكبا على جمل يتعرض لهم، ويفارقهم -يُظهر أنه هارب منهم- فكأنه يقول: خذوني، فقبضوا عليه، وقالوا له: ما لك؟ فقال: أنا رسول أمير المؤمنين إلى عامله بمصر، ففتشوه فإذا هم بالكتاب على لسان عثمان وعليه خاتمه إلى عامله، ففتحوا الكتاب فإذا فيه أمر بصلبهم أو قتلهم، أو تقطيع أيديهم وأرجلهم، فرجعوا إلى المدينة حتى وصلوها. ونفى عثمان أن يكون كتب هذا الكتاب، وقال لهم: إنهما اثنتان: أن تقيموا رجلين من المسلمين أو يمين بالله الذي لا إله إلا هو ما كتبت ولا أمللت، ولا علمت، وقد يكتب الكتاب على لسان الرجل وينقش الخاتم، فلم يصدقوه .
وهذا الكتاب الذي زعم هؤلاء المتمردون البغاة المنحرفون أنه من عثمان، وعليه خاتمه يحمله غلامه على واحد من إبل الصدقة إلى عامله بمصر ابن أبي السرح، يأمر فيه بقتل هؤلاء الخارجين هو كتاب مزور مكذوب على لسان عثمان، وذلك لعدة أمور
إن حامل الكتاب المزور قد تعرض لهؤلاء المصريين ثم فارقهم، وهو لم يفعل ذلك إلا ليلفت أنظارهم إليه، ويثير شكوكهم فيه، فلو كان من عثمان لخافهم حامل الكتاب المزعوم، وأسرع إلى والي مصر ليضع بين يديه الأمر فينفذه.
كيف علم العراقيون بالأمر وقد اتجهوا إلى بلادهم، وفصلتهم عن المصريين -الذين أمسكوا بالكتاب المزعوم- مسافة شاسعة؛ وهذا ما احتج به علي بن أبي طالب فقد قال: كيف علمتم يا أهل الكوفة ويا أهل البصرة بما لقي أهل مصر، وقد سرتم مراحل ثم طويتم نحونابل إن عليًّا يجزم: هذا والله أمر أبرم بالمدينة
كيف يكتب عثمان إلى ابن أبي السرح بقتل هؤلاء وابن أبي السرح كان عقب خروج المتمردين من مصر متجهين إلى المدينة كتب إلى الخليفة يستأذنه بالقدوم عليه، وقد تغلب على مصر محمد بن أبي حذيفة، وفعلا خرج ابن أبي السرح من مصر إلى العريش وفلسطين فالعقبة، فكيف يكتب له عثمان بقتلهم وعنده كتابه الذي يستأذنه به منه بالقدوم عليه؟
إن عثمان قد نهى عن قتل المتمردين عندما حاصروه وأبى على الصحابة أن يدافعوا عنه، ولم يأمر بقتال الخارجين دفاعا عن نفسه، فكيف يكتب مثل هذا الكتاب المزور وقد خرجوا عنه من المدينة مظهرين التوبة والإنابة
تخلف حُكيم بن جبلة والأشتر النخعي (وهما من زعماء المتآمرين) بعد خروج المتمردين في المدينة يشير إشارة واضحة إلى أنهما هما اللذان افتعلا الكتاب، إذ لم يكن لهما أي عمل بالمدينة ليتخلفا فيها، وما مكثا إلا لمثل هذا الغرض، فهما صاحبا المصلحة في ذلك. وليس لمروان بن الحكم أية مصلحة، والذين يتهمون مروان في هذا إنما ينسبون إلى الخليفة الغفلة عن مهامه، وأن في ديوان الخلافة من يجري الأمور ويقضي بها دون علمه، وبذلك يبرئون ساحة أولئك المجرمين الناقمين، الغادرين، ثم لو أن مروان زور الكتاب لكان أوصى حامل ذلك الكتاب أن يبتعد عن أولئك المنحرفين، ولا يتعرض لهم في الطريق حتى يأخذوه وإلا لكان متآمرا معهم على عثمان، وهذا محال
إن هذا الكتاب المشئوم ليس أول كتاب يزوره هؤلاء المجرمون، بل زوروا كتبا على لسان أمهات المؤمنين، وكذلك على لسان علي وطلحة والزبير، فهذه عائشة -رضي الله عنها- تُتهم بأنها كتبت إلى الناس تأمرهم بالخروج على عثمان فتنفي وتقول: لا والذي آمن به المؤمنون, وكفر به الكافرون، ما كتبت لهم سوداء في بيضاء حتى جلست مجلسي هذا
لماذا لم تقم أي جهة باستجواب حامل هذا الخطاب الهام ـ والذي ترتب على ظهوره إلى ساحة الأحداث فوران الفتنة وتصاعدها إلى أقصى مدى لها للوقوف على الحقيقة..؟
ويعلق الدكتور بدوي مطر قائلا : ومن المثير للدهشة أيضا أن أياً من كتب التراث لم تحمل مثل هذا السؤال!.. مع أنه السؤال الوحيد الذي كان من المفترض أن يسأل وتتناقله الروايات بدلا من الخوض في نيات الناس وضمائرهم أو سبهم واتهامهم بلا دليل..!
ولعل التفسير الوحيد لهذا هوتعمد عدم الخوض في هذه النقطة إمعانا في الفتنة وتغييبا للحقيقة وهي لعمري مقصد المغرضين قديما وحديثا .
| |
|