الخطب المكتوبة "مداخل الشيطان"
الخطيب:صالح بن عبد الله بن حميد
ملخص الخطبة
سبب عداوة الشيطان للأبوين
- أهمية معرفة صور كيد إبليس ومداخله للنجاة منه
- من خطوات الشيطان : الكفر , البدع والأهواء والشبهات , القول على الله بغير علم , البخل وخوف الفقر ,الغضب , الغلو والتفريط -
سبل النجاة من كيد الشيطان
- بعض التوجيهات والإرشادات في التحذير من مسالك الشيطان
-------------------------
الخطبة الأولى
أما بعد:
فاتقوا الله ـ عباد الله ـ فإن لكل شيء حساباً، ولكل أجل كتاباً، وأنتم بأعمالكم مجزيون.
أيها المسلمون، يقول الله عزَّ وتبارك: يَابَنِى آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ [الأعراف:27].
مارس الشيطان كيده وفتنته مبتدئاً بالأبوين الكريمين. ولقد كان بلاءً عظيماً، دافعه الغيظ والحسد: أَرَءيْتَكَ هَاذَا الَّذِى كَرَّمْتَ عَلَىَّ [الإسراء:62]، دافعه الكبر والخيلاء: إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ [البقرة:34]، ووسيلته الأيْمان الكاذبة: وَقَاسَمَهُمَا إِنّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ [الأعراف:21]. والمقاييس الفاسدة: أَنَاْ خَيْرٌ مّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ [الأعراف:12].
فتنة عظمى، وبلية كبرى حين يعظم سلطان إبليس فيستفز القلوب والعقول والمشاعر في معركة صاخبة. تزمجر فيها الأصوات، وفيها إجلاب الخيل والرجال للمبارزات: وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِى الاْمْوالِ وَالأولَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا [الإسراء:64].
أيها الإخوة في الله، إن تبين صور هذا الكيد الإبليسي، والتأمل في هذا المكر الشيطاني، أمرٌ من الأهمية بمكان؛ من أجل النظر في سبيل الخلاص، وطريق النجاة. فالله قد هدى النجدين، وأوضح الطريقين.
معاشر الأحبة، مداخل الشيطان تأتي من قبل صفات الإنسان، فلإن كان الشيطان خرج من الجنة بالحسد، فإن آدم خرج منها ـ كما يقول العلماء ـ بالحرص والطمع.
وتترقى خطوات الشيطان التي يستدرج فيها ابن آدم حتى يتَّخذه معبوداً له من دون الله عياذاً بالله: أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يبَنِى ءادَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ الشَّيطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ [يس:60]. ياأَبَتِ لاَ تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَانِ عَصِيّاً [مريم:44].
ويقع العبد في ذلك حين يسلم قياده لعدوه، ويفلت الزمام لشهواته، فيتبع كل شيطان مريد كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلاَّهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ [الحج:4]. وفي الحديث: ((إن الشيطان قعد لابن آدم بأطرقه، فقعد له بطريق الإسلام فقال: تسلم وتذر دينك ودين آبائك، وآباء أبيك؟...))(1)[1].
ويأتي من بعد الكفر مسالك أخرى في خطوات البدع والأهواء والشبهات. فكم روَّج الزغل على بعض العارفين، وكم سحر ببهرجه بعض المتعبدين، حتى ألقاهم في تشعبات الآراء، ومسالك الضلال. منتقلاً بهم إلى حالة يقولون فيها على الله ما لا يعلمون: وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُواتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ إِنَّمَا يَأْمُرُكُم بِالسُّوء وَالْفَحْشَاء وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ [البقرة:168-169].
نعم أيها الإخوة، القول على الله بلا علم خطوة من خطوات الشيطان، وهو الأصل في فساد العقائد، وتحريف الشرائع، ويخشى من ذلك على أقوام يخوضون في علوم لا يحسنونها، ويتجرءون على فتاوى لا يحيطون بها، وقد يجرهم في خطواتهم إلى الإفك والإثم، والتزوير والكذب، وحينئذٍ تتنزل عليهم الشياطين تنزلاً هل أنبئكم على من تنزل الشياطين