مكتبة الخطب
الخطب المكتوبة
ملخص الخطبة
1 – خطر التشبه بأعداء الإسلام 2 – التشبه يؤدي إلى المحبة والألفة 3 – الإحتفال بالأعياد المحدثة 4 – صور في التشبه بالكفار 5 – التخنث في الإعلام
-------------------------
الخطبة الأولى
أما بعد:
أيها المسلمون:
اتقوا الله تعالى، واعلموا أنه لا عز لنا ولا فلاح ولا نجاح إلا باتباع صراط الله المستقيم.
قال تعالى: وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون [الأنعام:153].
واتباع الرسول فيما جاء به هو الوسيلة إلى الوصول إلى الصراط المستقيم، الذي لا يزيغ عنه إلا هالك مريض.
عباد الله!
لقد انتشر في زماننا هذا أمراض غريبة، جرف سيلها أكثر الناس، لا أقول: إنها أمراض جسمية؛ فتلك أخف، بل هي أمراض فكرية، والأمراض الفكرية أشد فتكاً من الأمراض الجسمية.
ألا وإن من تلك الأمراض: مرض التشبه بأعداء الإسلام.
والتشبه بالأعداء محرم؛ فعن ابن عمر، عن النبي ؛ أنه قال: ((من تشبه بقوم؛ فهو منهم)) (1).
فالتشبه بالكفار تنكر للإسلام، واستبدال لتعاليمه بغيره، وكفى بذلك إثماً.
فالمسلم الذي يتشبه بالكفار بأي نوع من أنواع التشبه الظاهر في لباسه أو عاداته أو حركاته؛ فإن ذلك يدل على أن لديه شعوراً باطنياً بمودة من يتشبه به؛ فإن التشبه إنما يصور عن إعجاب وإحساس بتفوق الآخرين عليه.
قال ابن القيم رحمه الله: (لو اجتمع رجلان في سفر أو بلد غريب، وكانت بينهما مشابهة في العمامة أو الثياب أو الشعر أو المركوب أو نحو ذلك؛ لكان بينهما من الائتلاف أكثر مما بين غيرهما، وكذلك تجد أرباب الصناعات الدنيوية يألف بعضهم بعضاً ما لا يألفون غيرهم، فإذا كانت المشابهة في أمور دنيوية تورث المحبة والموالاة؛ فكيف بالمشابهة في أمور دينية! فإن إفضاءها إلى نوع من الموالاة أكثر وأشد، والمحبة والموالاة تنافي الإيمان).
والنهي عن التشبه بالكفار يعم كل ما هو من سمات الكفار؛ فالمسلم منهي عن التشبه بما عليه الأمم الأخرى من حوله من عبادات وأعمال وعادات ضارة وأخلاق فاسدة.
ومما نهي عنه التشبه بالكفار في أعيادهم، ومسألة الأعياد والاحتفالات البدعية من أشد وأخطر ما تساهل فيه المسلمون بعد القرون الفاضلة؛ فقد سارع كثير منهم إلى التشبه بالأمم الأخرى في أعيادها واحتفالاتها، فأحدث بعضهم بدعة الاحتفال بالمولد النبوي، والاحتفال بليلة الإسراء والمعراج، وتلك الأعياد الوطنية والقومية التي تزداد يوماً بعد يوم بين المسلمين، وغيرها من الأغلال والآصار التي ابتليت بها الأمة الإسلامية، ما أنزل الله بها من سلطان؛ فالله سبحانه وتعالى لم يشرع للمسلمين سوى عيدين، هما عيد الأضحى، وعيد الفطر، ومسألة الأعياد من المسائل الشرعية التعبدية التي لا يجوز الابتداع فيها ولا الزيادة ولا النقص؛ فلا يجوز إحداث أعياد غير ما شرع الله ورسوله.
قال ابن القيم: فكل اجتماع عام يحدثه الناس ويعتادونه في زمن معين أو مكان معين أو هما معاً؛ فإنه عيد، كما أن كل أثر من الآثار القديمة أو الجديدة يحييه الناس ويرتادونه؛ فإنه يكون عيداً، وذلك كأسواق الجاهلية وآثارها وأوثانها؛ فقد كان للناس قبل الإسلام أعياد زمانية ومكانية كثيرة، وكلها حرمها الإسلام وأماتها، وشرع للمسلمين عيدين فقط.
فإذا عرفنا ذلك وعرفنا أن ما شاع بين المسلمين من أعياد واحتفالات لم يكن يفعله الرسول بل نهى عنه، ولم يكن الصحابة ولا التابعون يفعلون ذلك، بل كانوا ينهون ويحذرون من الوقوع فيه؛ فهذا يكفي للحكم على هذه الأعياد والاحتفالات المحدثة بأنها دسيسة من دسائس المبطلين، وغفلة وجهل من أكثر المسلمين، مهما بررها الناس ورضوها والتمسوا لها الفتاوى والتأويلات التي لا تستند إلى كتاب الله ولا سنة رسوله أصلاً، وكل أمر لم يعهد في عصر الصحابة والقرون المفضلة؛ فإنما قام على الباطل، ويقال لمن فعله أو أحله: هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين [النمل:64]. ولن يجدوا إلا قول من سبقوهم: إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون [الزخرف:22].
فالأعياد والاحتفالات البدعية من شرائع الكفار؛ فلا يجوز للمسلمين أن يتشبهوا بما هو من خصائص الكفار وشعائرهم الباطلة؛ فهي إما مبتدعة في دينهم أصلا، وإما منسوخة بالإسلام.
وإذا فعل المسلمون القليل من الأعياد المبتدعة؛ فسيؤدي ذلك إلى فعل الكثير؛ لأن هذا أمر لا ضابط له إلا الشرع، ومن ثم تكثر الأعياد وتشغل المسلمين عن عبادتهم وعن أمور معاشهم ومصالحهم وهذا ما حدث فعلاً؛ فمعظم بلاد المسلمين لهم احتفالات وأعياد؛ فعيد لميلاد الرسول، وآخر لميلاد الرئيس أو اعتلائه على العرش، وثالث للوطن، ورابع للاستقلال، وسادس للمرأة، وسابع للطفل، وثامن للأم، وتاسع للربيع، وعاشر للنصر.
وهكذا إلى ما لا يحصى من الأعياد التي أولها قطر و آخرها طوفان، ويضاف إلى ذلك ما تستنزفه هذه الأعياد من الأموال والجهود والطاقات والأوقات التي تضيع هدراً على المسلمين!!
فهل يفطن أولئك الذين لا يزالوا يبيحون للمسلمين مثل هذه الأعياد ويشرعونها لهم ويوهمون بأن الإسلام لم يحرم هذا؟ فإذا كانت عميت أبصارهم وبصائرهم عن الدليل؛ فهل عميت عن الواقع؟! لكن؛ من لم يجعل الله له نوراً؛ فما له من نور.
ومن التشبه كذلك ما أحدثه الناس اليوم من أخلاق الجاهلية المذمومة وسماتها وأعرافها وتقاليدها وآثارها ونحو ذلك؛ مما يحاول الذين يقدسون الأوطان ونحوهم إحياءه ونشره بين المسلمين، تحت شعارات الأصالة والقومية والوطنية، وإحياء التراث، والتغني بالأمجاد، والفخر بالآثار ونحو ذلك من الشعارات التي لا مستند لها من كتاب الله وسنة رسوله ، كل هذا يدخل في النهي عن سنن الجاهلية المذمومة شرعاً، وإن ألبسوه لباس التقدم والمدنية.
وقسم آخر من التشبه، وهو التشبه بالشيطان؛ فقد ورد النهي عن التشبه بالشيطان وأحواله وأعماله؛ مثل الأكل بالشمال والشرب بها؛ فإن هذا من عمل الشيطان، ونحن منهيون عن كل ما هو من عمل الشيطان وإذا كان التشبه بالشيطان منهي عنه؛ فإن كل ما هو من خصال المتبعين للشيطان والغاوين من الفساق والمجرمين والظلمة ونحوهم يكون منهياً عنه، وذلك بحكم اتباعهم للشيطان ونحن نهينا عما هو من سبيل الشيطان وعمله.
فيجب على المسلم المتمسك بدينه أن يتجنب كل ما هو من شعارات هؤلاء، وأن يحذر من معاشرتهم، ويبتعد عن أماكن تجمعاتهم؛ لأنها مواطن شبهة.
ومن شعارات هؤلاء في عصرنا الألبسة الضيقة والطويلة، والتختم بالذهب، وحلق اللحى، وإسبال الثياب، وحمل الصور، واصطحاب الكلاب، والتدخين، والتعلق بالفن الساقط والطرب، وغير ذلك مما هو معروف في كل بلد من بلاد المسلمين؛ كما أن لهم سمات وملابس ومراكب ومجمعات يعرفها الناس في كل بيئة بحسب ما فيها من أعراف وعادات.
فيلزم كل مسلم أن يتجنب كل ما هو من خصائص هؤلاء الفساق، وأن تكون له شخصيته المميزة التي تلتزم بالآداب الشرعية، وأن لا يختلط بهذه الأصناف إلا بقدر الضرورة؛ كأن يريد دعوتهم للحق، وإنكار ما هم عليه من منكر، وأمرهم بالمعروف، واستصلاحهم، أو تضطره المعايشة لبيع وشراء ونحوه؛ بشرط أن لا يكون له معهم عشرة وود.
ومن أنواع التشبه بالكفار ما ابتلي به كثير من نساء المسلمين من التشبه بالكافرات في لباسهن وسمتهن، فيلبسن ثياباً لا تسترهن: إما لقصرها بحيث تظهر السيقان والأذرع والأعضاء والنحور والصدور، أو ثياباً ضيقة تصف حجم الجسم وتقاطيعه وتظهر مفاتنه، يضاف إلى ذلك التساهل عند كثير من النساء في كشف الوجوه أو سترها بساتر شفاف لا يخفي لونها ولا يستر جلدها، وكذلك ما يفعلن برؤوسهن من جمع شعورهن وربطها من فوق متدلية إلى القفا، يفعلن هذا تحت سمع وبصر الرجال الذين أمروا بأن يقوا أنفسهم وأهليهم ناراً، ولكنهم لم يعبؤا بهذه الأمانة التي سيسألون عنها يوم لا ينفع مال ولا بنون.
وقد ثبت عن النبي ؛ أنه قال: ((صنفان من أمتي من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات، مائلات مميلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا))(2).
عباد الله!
وبالرغم من أن عصرنا هذا من أسوأ العصور؛ فقد كثرت فيه البدع، إلا أننا لا نزال نجد طائفة تنكر هذه المبتدعات وتصدع بالحق، وتحذر المسلمين من الوقوع في البدع.
أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
------------------------
-
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً.
أما بعد:
أيها المسلمون!
اتقوا الله تعالى، وأطيعوه، وراقبوه في جميع تصرفاتكم وأفعالكم، فإنه يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
واعلموا أن الشارع قد جعل لكل من الرجل والمرأة خصائص تناسبه ومجالاً يدور فيه، وحرم على كل واحد منهما التعدي على مجال الآخر، ومن ذلك أنه حرم تشبه الرجل بالمرأة، والمرأة بالرجل في لباس أو غيره في أي مجال من المجالات، وأكثر ما يحدث هذا في حالات التمثيل في الأندية وغيرها؛ حيث يقوم بعض الشباب بتمثيل دور امرأة في مسرحية، يلبس ثياب المرأة، ويضع الأصباغ التي تقربه من شكلها.
ومن العجب العجاب أن يقوم رجل فضله الله على المرأة وللرجال عليهن درجة [البقرة:228]. فينزل نفسه مختاراً إلى درجة المرأة؛ ليمثلها في لباسها وهيأتها وكلامها وهذا الشاب نفسه؛ لو قيل له: يا شبيه المرأة! لاستشاط غضبا، ورأى ذلك مسبة له!! فانظروا إلى هذا التناقض يغضب من قول يشبهه بالمرأة، ويراه مسبة له، ثم يحقق بنفسه تلك المشابهة، والفعل أبلغ من القول، ومن ثم، فإن المشاهدين لهذا الشخص سيسخرون منه.
فيا شباب الإسلام!
إن تمثيل الرجل لدور المرأة لن يحل مشكلة، وإصلاح المجتمع لا يكون بمثل هذه الطرق المحرمة؛ فالطرق المحرمة فاسدة بنفسها.
وهذا العمل أيضاً خطير من الناحية الشرعية؛ فقد ثبت في " صحيح البخاري " من حديث ابن عباس رضي الله عنهما؛ قال: ((لعن رسول الله المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال))(3).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: ((لعن رسول الله الرجل يلبس لبسة المرأة، والمرأة تلبس لبسة الرجل)).
ويدخل في هذا من فعل هذا الفعل من النساء والرجال، ولو لحظة؛ فإن بعض النساء حينما تكون في مناسبة، تتقمص شخصية رجل، وتلبس لباسه؛ لتضحك الحاضرات؛ فهي داخلة تحت هذا الوعيد.
واللعن هو الطرد والإبعاد عن مواقع الرحمة، وما أعظم خطره! فمن طرد وأبعد عن رحمة ربه؛ فهو خاسر في الدنيا وفي الآخرة.
قال عمر بن عبد العزيز: لقد خاب وخسر من خرج من رحمة الله التي وسعت كل شيء، وحرم جنة عرضها السماوات والأرض.
فاتق الله أيها الشاب في نفسك، واترك كل ما لا يليق بشهامة الرجال، ولا تشغل نفسك بما يضرك في دينك ودنياك، ولا يغرنك رفاق السوء الذين يزينون المعصية من جنود الشيطان، ولا تغرنك الحياة الدنيا فبعد الشباب هرم قريب أو موت أقرب، وبعد الموت بعث وجزاء، ثم تجد ما قدمت يداك: إن خيراً فخير، وإن شراً فشر.
__________
(1)
رواه أبو داود .