24 ساعة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


 
24 ساعةالأخبارالرئيسيةأحدث الصورالمقالاتالتسجيلدخولالفيديو والمالتيمدياتابعنا على فيس بوك24 يوتيوبتابعنا على تويتر

 

 خطب عيد الفطر 1431هـ "الإنسانية وتحمل الأمانة"

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
24akhbar

24akhbar



خطب عيد الفطر 1431هـ "الإنسانية وتحمل الأمانة" Empty
29082011
مُساهمةخطب عيد الفطر 1431هـ "الإنسانية وتحمل الأمانة"

اسم الخطيب عبد الله بن محمد البصري
أهداف الخطبة
عناصر الخطبة
1/ أقسام الخلائق
2/ رفع الإنسان على غيره من الخلائق
3/ تعلق التكريم بثقل الأمانة
4/ أقسام بني آدم حيال الأمانة التي حملوها
5/ أصل سائر الأمانات
6/ حماية المجتمع من الفساد
7/ تحامل المفسدين على العلماء وطلبة العلم
8/ آداب الاحتفال بالعيد
9/ وصية إلى النساء

أَعيَادُنَا مُتَمَيِّزَةٌ عَن أَعيَادِ البَشَرِ، لَيسَت لِمَولِدِ عَظِيمٍ وَلا لِمَوتِ كَبِيرٍ، وَلا لِتَوَلِّي مَلِكٍ وَلا لِعَزلِ رَئِيسٍ، وَلا هِيَ تَحَلُّلاً مِن قُيُودِ الشَّرعِ، وَلا طَيًّا لِبِسَاطِ العِبَادَةِ، وَلا هَدمًا لِبَنَاءِ الأَعمَالِ الصَّالِحَةِ، أَو تَفَلُّتًا مِنَ الطَّاعَةِ، وَلَيسَت فُرصَةً لإِطلاقِ الجَوَارِحِ في المُنكَرَاتِ، أَو تَمكِينًا لِلنُّفوسِ لاقتِرَافِ مَا حَرَّمَ اللهُ مِن اختِلاطٍ أَو غِنَاءٍ أَو فَاحِشٍ مِنَ القَولِ وَالعَمَلِ، وَلَكِنَّهَا فَرَحٌ شَرعِيٌّ بِإِكمَالِ العِبَادَاتِ، وَمِن ثَمَّ فَهِيَ في ذَاتِهَا عِبَادَاتٌ، يُفرَحُ ..







اللهُ أَكبرُ، اللهُ أَكبرُ، اللهُ أَكبرُ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَاللهُ أَكبرُ، اللهُ أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ.

الحَمدُ للهِ، خَلَقَ فَسَوَّى، وَقَدَّرَ فَهَدَى، وَأَغنَى وَأَقنَى، أَعطَى خَيرًا وَأَتَمَّ سُرُورًا، وَكَفَى ضَيرًا وَدَفَعَ شُرُورًا، بَلَّغَنَا شَهرَ رَمَضَانَ، وَوَفَّقَنَا فِيهِ لِلطَّاعَةِ وَالإِحسَانِ، وَسَتَرَ مَا كَانَ مِنَّا مِن تَقصِيرٍ وَعِصيَانٍ، وَأَشهَدُ أَن لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، يُعطِي عَلَى القَلِيلِ الكَثِيرَ، وَيَعفُو عَنِ الزَّلَلِ وَالتَّقصِيرِ.

وَأَشهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ وَرَسولُهُ البَشِيرُ النَّذِيرُ، وَالسِّرَاجُ المُنِيرُ، أَرسَلَهُ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ، مَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَد فَازَ فَوزًا عَظِيمًا، وَمَن يَعصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَد ضَلَّ ضَلالاً مُبِينًا.

اللهُ أَكبرُ، اللهُ أَكبرُ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَاللهُ أَكبرُ، اللهُ أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ.

أَمَّا بَعدُ: فَأُوصِيكُم -أَيُّهَا النَّاسُ- وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ في الإِسرَارِ وَالإِعلانِ، وَمَخَافَتِهِ -جَلَّ وَعَلا- في الإِظهَارِ وَالإِبطَانِ، فَإِنَّ تَقوَاهُ عُروَةٌ لا تَنفَصِمُ، وَحَبلٌ لا يَنصَرِمُ، وَطَرِيقٌ مَن سَلَكَهَا رَشَدَ وَاهتَدَى، وَمَن جَانَبَهَا ضَلَّ السَّبِيلَ وَتَرَدَّى.

أَلا إِنَّ تَقوَى اللهِ أَكرَمُ نِسبَةٍ *** تَسَامَى بهَا عِندَ الفَخَارِ كَرِيمُ
إِذَا أَنتَ نَافَسْتَ الرِّجَالَ عَلَى التُّقَى *** خَرَجْتَ مِنَ الدُّنيَا وَأَنتَ سَلِيمُ

اللهُ أَكبرُ، اللهُ أَكبرُ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَاللهُ أَكبرُ، اللهُ أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ.

أَيُّهَا المُسلِمُونَ: لَقَد خَلَقَ اللهُ الخَلائِقَ فَجَعَلَهُم أَقسَامًا: مَلائِكَةٌ لا اختِيَارَ لَهُم فِيمَا يَأتُونَ، بَل هُم عَلَى الطَّاعَةِ مَجبُولُونَ: (لا يَعصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُم وَيَفعَلُونَ مَا يُؤمَرُونَ) [النحل:50].

وَحَيَوَانَاتٌ عَجمَاوَاتٌ، لا عَقلَ لَهَا وَلا تَميِيزَ، وَلا تَفرِيقَ لَدَيهَا بَينَ خَيرٍ نَافِعٍ وَشَرٍّ ضَارٍّ، وَإِنَّمَا هِيَ تَبَعٌ لِشَهَوَاتِهَا وَنَزَوَاتِهَا، وَمِن ثَمَّ فَلا تَكلِيفَ عَلَيهَا وَلا حِسَابَ.

وَقِسمٌ ثَالِثٌ كَرَّمَهُ اللهُ وَرَفَعَهُ، فَوَهَبَهُ العَقلَ وَكَمَّلَهُ بِهِ وَجَمَّلَهُ، وَجَعَلَ لَهُ القُدرَةَ عَلَى الاختِيَارِ، وَهَدَاهُ النَّجدَينِ، وَهَؤُلاءِ هُمُ الَّذِينَ خَلَقَهُمُ اللهُ لِعِبَادَتِهِ مِنَ الإِنسِ وَالجِنِّ: (وَمَا خَلَقتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعبُدُونِ) [الذاريات:56].

ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالى رَفَعَ جِنسَ بَني الإِنسَانِ وَفَضَّلَهُم عَلَى غَيرِهِم مِنَ الخَلائِقِ، فَجَعَلَ مِنهُم رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ، قَالَ تَعَالى: (وَلَقَد كَرَّمنَا بَني آدَمَ وَحَمَلنَاهُم في البَرِّ وَالبَحرِ وَرَزَقنَاهُم مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلنَاهُم عَلَى كَثِيرٍ مِمَّن خَلَقنَا تَفضِيلاً) [الإسراء:70].

غَيرَ أَنَّ هَذَا التَّفضِيلَ وَالتَّكرِيمَ وَالتَّشرِيفَ، قُرِنَ بِثِقَلِ الأَمَانَةِ، وَقُوبِلَ بِمَشَقَّةِ التَّكلِيفِ، قَالَ -جَلَّ وَعَلا-: (إِنَّا عَرَضنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ وَالجِبَالِ فَأَبَينَ أَن يَحمِلْنَهَا وَأَشفَقْنَ مِنهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً) [الأحزاب: 72].

لَقَد أَبَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرضُ حَملَ الأَمَانَةِ لِثِقَلِهَا، وَأَشفَقنَ مِنهَا وَاعتَذَرْنَ وَلم يُطِقْنَهَا، وَأَطَاقَ حَمَلَهَا الإِنسَانُ وَتَقَبَّلَهَا وَكَانَ أَهلاً لَهَا، لا لأَنَّهُ أَكبرُ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ جرمًا، وَلا لأَنَّهُ أَقوَى تَحَمُّلاً أَو أَشَدُّ عَزمًا، وَإِنَّمَا لأَنَّ اللهَ تَعَالى أَعطَاهُ العَقلَ وَالتَّفكِيرَ، وَوَهَبَهُ التَّميِيزَ وَالاختِيَارَ، وَأَنزَلَ عَلَيهِ الكُتُبَ، وَأَرسَلَ إِلَيهِ الرُّسُلَ، فَقَامَت عَلَيهِ بِذَلِكَ الحُجَّةُ، وَاتَّضَحَت لَهُ المـــَحَجَّةُ.

غَيرَ أَنَّ الخَلِيقَةَ انقَسَمُوا حِيَالَ الأَمَانَةِ الَّتي حُمِّلُوهَا إِلى أَقسَامٍ ثَلاثَةٍ: مُنَافِقُونَ مُدَاهِنُونَ، وَمُشرِكُونَ جَاحِدُونَ، وَمُؤمِنُونَ مُقِرُّونَ.

فَأَمَّا المُنَافِقُونَ وَالمُشرِكُونَ فَهُمُ الظَّلَمَةُ الجُهَلاءُ، إِذْ قَامَ المُنَافِقُونَ بِالأَمَانَةِ ظَاهِرًا وَخَانُوهَا بَاطِنًا، وَتَرَكَهَا المُشرِكُونَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَ(إِنَّ الشِّركَ لَظُلمٌ عَظِيمٌ) [لقمان: 13]، وَلِذَلِكَ كَانُوا مُعَذَّبِينَ مُبعَدِينَ.

وَأَمَّا المُؤمِنُونَ المُوَفَّقُونَ لِلعِلمِ وَالعَدلِ، فَاتَّقُوا رَبَّهُم وَأَطَاعُوهُ، وَاتَّبَعُوا رُسُلَهُ، وَقَامُوا بِالأَمَانَةِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، فَهُم لِذَلِكَ فَائِزُونَ فَوزًا عَظِيمًا، مَرحُومُونَ، مَتُوبٌ عَلَيهِم: (وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) [الفتح:4]، عَلِيمٌ بمن هُوَ أَهلٌ لِلإِيمَانِ، فَيَقذِفُهُ في قَلبِهِ وَيَزِيدُهُ مِنهُ، حَكِيمٌ فِيمَا يُقَدِّرُ وَيَخلُقُ وَيَصنَعُ: (وَرَبُّكَ يَخلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَختَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الخِيَرَةُ سُبحَانَ اللهِ وَتَعَالى عَمَّا يُشرِكُونَ * وَرَبُّكَ يَعلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُم وَمَا يُعلِنُونَ * وَهُوَ اللهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ لَهُ الحَمدُ في الأُولى وَالآخِرَةِ وَلَهُ الحُكمُ وَإِلَيهِ تُرجَعُونَ) [القصص: 68-70].

اللهُ أَكبرُ، اللهُ أَكبرُ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَاللهُ أَكبرُ، اللهُ أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ.

أَيُّهَا المُسلِمُونَ: إِنَّ مِن أَعظَمِ مَا حُمِّلَ الإِنسَانُ أَمَانَةَ الفِطرَةِ الَّتي فَطَرَهُ اللهُ عَلَيهَا، وَأَخَذَ عَلَيهِ العَهدَ بها وَهُوَ في ظَهرِ أَبِيهِ، وَعَلَيهَا يَخرُجُ مِن بَطنِ أُمِّهِ: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَني آدَمَ مِن ظُهُورِهِم ذُرِّيَّتَهُم وَأَشهَدَهُم عَلَى أَنفُسِهِم أَلَستُ بِرَبِّكُم قَالُوا بَلَى شَهِدنَا أَن تَقُولُوا يَومَ القِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَن هَذَا غَافِلِينَ) [الأعراف:172]، وَقَالَ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ-: "كُلُّ مَولُودٍ يُولَدُ عَلَى الفِطرَةِ".

إِنَّهُ الإِسلامُ، دِيَنُ اللهِ الَّذِي آثَرَنَا بِهِ، وَارتَضَاهُ لَنَا: (اليَومَ أَكمَلتُ لَكُم دِينَكُم وَأَتمَمتُ عَلَيكُم نِعمَتي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسلامَ دِينًا) [المائدة:3].

إِنَّهُ الدِّينُ الَّذِي اختَارَهُ اللهُ لَنَا لِنَكُونَ خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَت لِلنَّاسِ، نَأمُرُ بِالمَعرُوفِ، وَنَنهَى عَن المُنكَرِ وَنُؤمِنُ بِاللهِ.

بِإِحيَائِهِ في قُلُوبِنَا نَحيَا أَهنَأَ حَيَاةٍ وَأَشرَفَهَا، وَبِتَعظِيمِ شَعَائِرِهِ وَحِفظِ حُدُودِهِ نَكُونُ عُظَمَاءَ وَيُعِزُّنَا اللهُ وَيَحفَظُنَا: (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِن تَقوَى القُلُوبِ) [الحج:32]، (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللهِ فَهُوَ خَيرٌ لَهُ عِندَ رَبِّهِ) [الحج:30].

وَقَد جُعِلَت لَنَا في الدِّينِ فَرَائِضُ لِنَحفَظَها ونُؤَدِّيَهَا، وَحُدَّت لَنَا حُدُودٌ لِئَلاَّ نَتَعَدَّاهَا وَنَتَجَاوَزَهَا، وَأُمِرنَا وَنُهِينَا لِنَسمَعَ وَنُطِيعَ، قَالَ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ-: "إِنَّ اللهَ تَعَالى فَرَضَ فَرَائِضَ فَلا تُضَيِّعُوهَا، وَحَدَّ حُدُودًا فَلا تَعتَدُوهَا، وَحَرَّمَ أَشيَاءَ فَلا تَنتَهِكُوهَا، وَسَكَتَ عَن أَشيَاءَ رَحمَةً لَكُم غَيرَ نِسيَانٍ فَلا تَسأَلُوا عَنهَا".

وَقَد جَعَلَ سُبحَانَهُ دِينَهُ طَرِيقًا قَوِيمًا وَاحِدًا: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُستَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُم عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُم وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ) [الأنعام:153].

ثم جَعَلَ سُبحَانَهُ عِلمَ مَا في هَذَا الطَّرِيقِ وَكَيفِيَّةَ سُلُوكِهِ وَالنَّجَاةَ في نِهَايَتِهِ مَربُوطَةً بما جَاءَ بِهِ رَسُولُهُ مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: (مَن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَد أَطَاعَ اللهَ) [النساء:80]، (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نهَاكُم عَنهُ فَانتَهُوا) [الحشر: 7].

إِنَّهُ الأُسوَةُ الحَسَنَةُ، وَالقُدوَةُ المُثلَى، مَن أَطَاعَهُ دَخَلَ الجَنَّةَ، وَمَن عَصَاهُ فَقَد أَبى، الخَيرُ وَالهُدَى في امتِثَالِ أَمرِهِ، وَالسَّلامَةُ مِنَ الرَّدَى بِالسَّيرِ عَلَى سُنَّتِهِ، وَالشَّرُّ وَالضَّلالَةُ في مُخَالَفَتِهِ، وَالفِتَنُ وَالفُرقَةُ في تَنَكُّبِ طَرِيقَتِهِ، (فَلْيَحذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَن أَمرِهِ أَن تُصِيبَهُم فِتنَةٌ أَو يُصِيبَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ) [النور:63].

ذَلِكُم هُوَ الأَصلُ القَوِيمُ، وَالمَبدَأُ العَظِيمُ، الَّذِي تَنبَثِقُ مِنهُ سَائِرُ الأَمَانَاتِ، إِنَّهُ الإِخلاصُ للهِ وَطَاعَةُ رَسُولِهِ، إِنَّهُ امتِثَالُ الأَوَامِرِ وَاجتِنَابُ المَنَاهِي، فَمَن لَزِمَ ذَلِكَ الأَصلَ وَسَارَ عَلَيهِ، وَحَفِظَ حَقَّ اللهِ وَحَقَّ رَسُولِهِ، حَفِظَ حُقُوقَ عِبَادِهِ بَعدَ ذَلِكَ، فَأَدَّى الأَمَانَاتِ إِلى أَهلِهَا، وَرَدَّ الوَدَائِعَ، وَكَتَمَ أَسرَارَ النَّاسِ وَسَتَرَ عُيُوبَهُم، وَحَكَمَ بِالعَدلِ وَتَرَكَ التَّطفِيفَ، وَابتَعَدَ عَنِ الغِشِّ وَاتَّقى الظَّلمَ، وَأَحَبَّ لِلآخَرِينَ مِنَ الخَيرِ مَا يُحِبُّهُ لِنَفسِهِ، قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "لا إِيمَانَ لِمَن لا أَمَانَةَ لَهُ، وَلا دِيَنَ لِمَن لا عَهدَ لَهُ".

اللهُ أَكبرُ، اللهُ أَكبرُ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَاللهُ أَكبرُ، اللهُ أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ.

أَيُّهَا المُسلِمُونَ: وَمِن أَعظَمِ الأَمَانَاتِ الوَاجِبَةِ وُجُوبَ عَينٍ عَلَى كُلِّ فَردٍ في هَذَا الزَّمَانِ، حِمَايَةُ المُجتَمَعِ مِنَ الفَسَادِ، وَجِهَادُ أَهلِ الإِضلالِ وَالإِفسَادِ، وَهِيَ الأَمَانَةُ العَظِيمَةُ وَالمَسؤُولِيَّةُ الجَسِيمَةُ، الَّتي يُؤَكِّدُهَا مَا لم يَعُدْ خَافِيًا عَلَى عَاقِلٍ، وَلا يَشُكُّ فِيهِ إِلاَّ جَاهِلٌ أَو غَافِلٌ، مِن أَنَّ مُجتَمَعَاتِ المُسلِمِينَ مُستَهدَفَةٌ، مُرَادٌ لَهَا أَن تُلقِيَ ثَوبَ التَّدَيُّنِ، وَتَنزِعَ زِينَةَ الاستِقَامَةِ، وَأَن تَخلَعَ رَدَاءَ الفَضِيلَةِ، وَتَغُوصَ في أَوحَالِ الرَّذِيلَةِ، يَعمَلُ عَلَى ذَلِكَ يَهُودٌ مَغضُوبٌ عَلَيهِم، وَنَصَارَى ضَالُّونَ، وَآخَرُونَ مِن دُونِهِم مِنَ المُنَافِقِينَ، لا يَعلَمُهُم كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، حَسَدُوا هَذَا المُجتَمَعَ عَلَى نِعمَةِ الأَمنِ وَالإِيمَانِ، وَلم يُعجِبْهُم مَا هُوَ فِيهِ مِن رَغَدِ عَيشٍ، وَاتِّفَاقِ رَأيٍ، وَاجتِمَاعِ كَلِمَةٍ.

حَسَدُوه عَلَى مَا تَتَمَتَّعُ بِهِ نِسَاؤُهُ مِن تَسَتُّرٍ وَاحتِشَامٍ، حَسَدُوهُ لأَنَّ أَحكَامَهُ تَنطَلِقُ مِن كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ، وَحُرِّيَّتَهُ مَضبُوطَةٌ بِضَوَابِطِ الشَّرعِ، فَلا جَورَ وَلا ظُلمَ، وَلا فَوَاحِشَ وَلا عُهرَ، بَل عَدلٌ وَقِسطٌ، وَنَزَاهَةٌ وَطُهرٌ، وَمِن ثَمَّ فَقَد خَطَّطُوا، بَل شَرَعُوا فِيمَا يَهدِفُونَ إِلَيهِ مِن إِضعَافِ الدِّينِ في قُلُوبِنَا قَبلَ أَن يُعِدُّوا لالتِهَامِنَا كَمَا فَعَلُوا بِمَن حَولَنَا: (قَد بَدَتِ البَغضَاءُ مِن أَفوَاهِهِم وَمَا تُخفِي صُدُورُهُم أَكبرُ قَد بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُم تَعقِلُونَ) [آل عمران:118].

وَإِنَّ مَا رَأَينَاهُ وَشَهِدنَاهُ، مِن تَعَالي وَتِيرَةِ الإِفسَادِ في المُجتَمَعِ، وَتَنَوُّعِ أَسَالِيبِ المُفسِدِينَ، وَتَعَدُّدِ مُحَاوَلاتِ المُحتَالِينَ، وَقَصدِهِم أَعلَى رُمُوزِهِ، وَأَقوَى حَامِلِي أَمَانَتِهِ، مِنَ العُلَمَاءِ وَالدُّعَاةِ وَطَلَبَةِ العِلمِ، وَإِظهَارِهِم بِطُرُقٍ إِعلامِيَّةٍ مَاكِرَةٍ بِمَظهَرِ المُتَنَاقِضِينَ في آرَائِهِم، وَإيقَاعِ مَن ضَعُفَ مِنهُم في مَصَائِدِ الشُّهرَةِ وَحُبِّ الظُّهُورِ، وَاتِّخَاذِهِ مَطِيَّةً لِتَضيِيعِ الأَمَانَةِ وَخِيَانَةِ الدِّيَانَةِ، إِنَّهُ لأَمرٌ مُفزِعٌ، وَخَلْطٌ مُرَوِّعٌ، فَهَل تَرُوجُ عَلَينَا -أُمَّةَ الإِسلامِ- حِيَلُ المُحتَالِينَ، وَنَقَعُ في حَبَائِلِ المُتَرَبِّصِينَ؟! هَل نَغدُو فَرِيسَةً سَهلَةً لِقَنَوَاتٍ مُوَجَّهَةٍ لإِضلالِنَا، وَصُحُفٍ مُسَلَّطَةٍ لإِفسَادِنَا؟! هَل يَذكُرُ التَّارِيخُ يَومًا أَنَّنَا أُمَّةٌ ضَلَّت بِسَبَبِ كَلِمَةِ جَاهِلٍ مُغَفَّلٍ، أَو لَحنِ مُنَافِقٍ عَلِيمِ اللِّسَانِ؟!.

إِنَّنَا لَفِي سَنَوَاتٍ خَدَّاعَاتٍ، صُدِّقَ فِيهَا الكَاذِبُ، وَكُذِّبَ فِيهَا الصَّادِقُ، وَائتُمِنَ فِيهَا الخَائِنُ، وَخُوِّنَ فِيهَا الأَمِينُ، وَنَطَقَ فِيهَا الرُّوَيبِضَةُ التَّافِهُ، وَتَكَلَّمَ في أَمرِ العَامَّةِ صَحَفِيُّونَ جَهَلَةٌ، وَإِعلامِيُّونَ فَسَقَةٌ، وَنَقَدَ الأُمَّةَ مُمَثِّلُونَ حَمقَى طَائِشُونَ، فَوَا عجبًا لأُمَّةٍ تَنقَادُ لِهَذَا الغُثَاءِ ولا تُنكِرُهُ! تَضحَكُ وَالعَدُوُّ يَضحَكُ بها، وَتَلهُو وَهُوَ يَتَرَبَّصُ بها، لَقَد كَانَتِ الأُمَّةُ -وَمَا زَالَت- تَدعُو عَلَى مَن خَانُوهَا وَكَانُوا سَبَبًا في سُقُوطِ عَدَدٍ مِن دُوَلِهَا، مِن لَدُنْ بَني العَبَّاسِ وَمُرُورًا بِالأَندُلَسِ، وَانتِهَاءً بِخِلافَةِ بَني عُثمَانَ! فَمَاذَا نَقُولُ عَن أُولَئِكَ المُتَعَالِمِينَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ إِضَاعَةَ الشَّرِيعَةِ في بَلَدِ الشَّرِيعَةِ؟!.

بمَاذَا نَصِفُ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَقُودُونَ المُجتَمَعَ لأَكلِ الحَرَامِ بِسَنِّ الرِّبَا وَتَشرِيعِ التَّأمِينِ المُحَرَّمِ؟! أَو مَن يَعمَلُونَ لَيلَ نَهَارَ عَلَى إِخرَاجِ نِسَائِهِ لِسُوقِ العَمَلِ المُختَلِطِ، أَو دَعوَتِهِنَّ لِقِيَادَةِ السَّيَّارَاتِ، أَوِ ابتِعَاثِهِنَّ لِلدِّرَاسَةِ في دُوَلِ الكُفرِ؟! مَاذَا يُقَالُ عَمَّن أَضَاعَ أَمَانَةَ اللهِ في وِزَارَتِهِ أَو إِدَارَتِهِ أَو مُؤَسَّسَتِهِ؟! مَاذَا يُقَالُ عَمَّن أَضَاعَ فَرَائِضَ اللهِ في نَفسِهِ وَأَبنَائِهِ وَبَنَاتِهِ وَنِسَائِهِ؟! أَلا يَحِقُّ لِلجِيلِ الَّذِي سَيَلِينَا أَن يَصِمُونَا بِالخِيَانَةِ وَيَصِفُونَا بِقِلَّةِ الدِّيَانَةِ؛ إِذْ نَكَصنَا عَلَى أَعقَابِنَا بَعدَ إِذْ هَدَانَا اللهُ، وَتَهَاوَنَّا بِدِينِنَا، وَتَرَكنَا المُحكَمَ وَنَزَعنَا لِلمُتَشَابِهِ، وَزَهِدنَا في فَتَاوَى أَهلِ العِلمِ الرَّاسِخِينَ، وَطِرنَا فَرَحًا بِفَتَاوَى أَهلِ الشُّذُوذِ وَالمُنتَكِسِينَ؟!.

لَئِن كَانَت مَسؤُولِيَّةُ نَشرِ العِلمِ، وَحَمْلِ أَمَانَةِ الدَّعوَةِ، وَحِمَايَةِ جَنَابِ الشَّرِيعَةِ، تَعني أَهلَ العِلمِ الَّذِينَ أَخَذَ اللهُ عَلَيهِمُ المِيثَاقَ؛ لِيُبَيِّنُوا لِلنَّاسِ وَلا يَكتُمُوا، فَإِنَّ هَذَا لا يُعفِينَا عَامَّةً مِنَ المَسؤُولِيَّةِ، فَمَن لا يَملِكُ عِلمًا فَقَد يَملِكُ مَالاً، وَمَن لا يَملِكُ عِلمًا وَلا مَالاً فَقَد يَملِكُ رَأيًا، وَاللهُ قَد أَمَرَ بِالتَّعَاوُنِ عَلَى البِرِّ وَالتَّقوَى، وَنَهَى عَن التَّعَاوُنِ عَلَى الإِثمِ وَالعُدوَانِ، وَ(إِنَّ السَّمعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنهُ مَسؤُولاً) [الإسراء:36]، وَ"كُلُّكُم رَاعٍ وَكُلُّكُم مَسؤُولٌ عَن رَعِيَّتِهِ"، وَ"إِنَّ اللهَ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُم عَمَلاً أَن يُتقِنَهُ".

وَلَن تَزُولَ قَدَمَا عَبدٍ يَومَ القِيَامَةِ حَتى يُسأَلَ عَن مَالِهِ مِن أَينَ اكتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنفَقَهُ؟! وَالسُّؤَالُ سَيَكُونُ عَمَّا جَاءَ بِهِ المُرسَلُونَ، لا عَن ضَلالاتِ المُتَعَالِمِينَ مِنَ المُفتِينَ: (وَيَومَ يُنَادِيهِم فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبتُمُ المُرسَلِينَ * فَعَمِيَت عَلَيهِمُ الأَنبَاءُ يَومَئِذٍ فَهُم لا يَتَسَاءَلُونَ * فَأَمَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَن يَكُونَ مِنَ المُفلِحِينَ) [القصص:65].

أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ -أَيُّهَا المُسلِمُونَ-، وَلْنُنْفِقْ جُهُودَنَا وَعُقُولَنَا وَعُلُومَنَا وَأَوقَاتَنَا وَأَموَالَنَا الَّتي ائتَمَنَنَا اللهُ عَلَيهَا، لِنُنْفِقْهَا في دَعوَةِ النَّاسِ لِلخَيرِ، وَلْنَبذُلْهَا في بَيَانِ الحَقِّ لهم، وَلْنَحذَرْ مِن أَن نُضِيعَ أَمَانَاتِنَا طَاعَةً لِلشَّيطَانِ، وَاتِّبَاعًا لِخُطُوَاتِهِ، فَـ "إِنَّ اللهَ سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا استَرعَاهُ حَفِظَ أَم ضَيَّعَ، حَتَّى يَسأَلَ الرَّجُلَ عَن أَهلِ بَيتِهِ".

فَلْيَنظُرْ كُلٌّ مِنَّا إِلى مَا تَحتَ يَدِهِ مِن أَمَانَةٍ عَامَّةٍ أَو خَاصَّةٍ فَلْيَحفَظْهَا وَلْيَرْعَهَا، زَوجَةً كَانَت أَم أَولادًا، أَم عَمَلاً لِلدَّولَةِ أَم مَالاً عَامًّا، أَم وِلايَةً أَم مَنصِبًا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا استَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لما يُحيِيكُم وَاعلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَينَ المَرءِ وَقَلبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيهِ تُحشَرُونَ * وَاتَّقُوا فِتنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوَا مِنكُم خَاصَّةً وَاعلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ * وَاذكُرُوا إِذ أَنتُم قَلِيلٌ مُستَضعَفُونَ في الأَرضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُم وَأَيَّدَكُم بِنَصرِهِ وَرَزَقَكُم مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُم تَشكُرُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُم وَأَنتُم تَعلَمُونَ * وَاعلَمُوا أَنَّمَا أَموَالُكُم وَأَولادُكُم فِتنَةٌ وَأَنَّ اللهَ عِندَهُ أَجرٌ عَظِيمٌ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَتَّقُوا اللهَ يَجعَلْ لَكُم فُرقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُم سَيِّئَاتِكُم وَيَغفِرْ لَكُم وَاللهُ ذُو الفَضلِ العَظِيمِ) [الأنفال:24-29].

اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ، لا إِلَهَ إِلا اللهُ، وَاللهُ أَكبرُ، اللهَ أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ.




الخطبة الثانية:

اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ، لا إِلَهَ إِلا اللهُ، وَاللهُ أَكبرُ، اللهَ أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ.

اللهُ أَكبرُ كَبِيرًا، والحَمدُ للهِ كَثِيرًا، وَسُبحَانَ اللهِ بُكرَةً وَأَصِيلاً.

أُمَّةَ الإِسلامِ: وَدَّعتُم شَهرًا كَرِيمًا، وَخَلَّفتُم مَوسِمًا عَظِيمًا، حِيلَ بَينَ قَومٍ وَبَينَ إِدرَاكِهِ، وَاختَرَمَتِ المَنُونُ نُفُوسًا وَلَمَّا تُكمِلْهُ، وَبَلَغنَاهُ بِفَضلِ اللهِ وَبِرَحمَتِهِ، فَتَقَبَّلَ اللهُ ممَّن أَقبَلَ مِنَّا عَلَى الخَيرِ وَأَكثَرَ، وَحَقَّقَ رَجَاءَ مَن صَبَرَ وَصَابَرَ، وَأَحسَنَ عَزَاءَ مِن فَرَّطَ وَتَأَخَّرَ، وَاللهُ تَعَالى يَقُولُ: "يَا عِبَادِي: إِنَّمَا هِيَ أَعمَالُكُم أُحصِيهَا لَكُم، فَمَن وَجَدَ خَيرًا فَلْيَحمَدِ اللهَ، وَمَن وَجَدَ غَيرَ ذَلِكَ فَلا يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفسَهُ".

أَلا فَتُوبُوا إِلى اللهِ جَمِيعًا -أَيُّهَا المُؤمِنُونَ-، وَأَقبِلُوا عَلَيهِ بِقُلُوبٍ صَادِقَةٍ وَقَوَالِبَ نَظِيفَةٍ.

إِنَّ يَومَكُم هَذَا يَومُ عِيدٍ، فَأَتِمُّوا فَرحَتَهُ وَسَعَادَتَهُ بِالتَّوَاصُلِ وَالبِرِّ وَالإِحسَانِ، تَزَاوَرُوا وَصِلُوا أَرحَامَكُم، وَعُودُوا مَرضَاكُم وَأَصلِحُوا ذَاتَ بَينِكُم، وَابسُطُوا أَيدِيَكُم بِالخَيرِ، ومُدُّوهَا بِالعَونِ لِلفُقَرَاءِ وَالمَسَاكِينِ، وَامسَحُوا عَلَى رُؤُوسِ الأَيتَامِ وَالمَكرُوبِينَ، وَ"ارحَمُوا مَن في الأَرضِ يَرحَمْكُم مَن في السَّمَاءِ".

أَخِي المُسلِمَ الكَرِيمَ، يَا مَن قَطَعتَ وَصَرَمتَ، وَوَالَيتَ في الدُّنيَا وَعَادَيتَ، وَتَكَدَّرَت لأَجلِهَا وَصافَيتَ، يَا مَن طَالَ لأَخِيكَ هَجرُكَ، إِلى مَتَى هَذَا الجَفَاءُ وَالجَفوَةُ؟! مَتَى تُفِيقُ مِنَ هَذَا العَمَاءِ وَالغَفوَةِ؟!.

أَخِي مَا بَالُ قَلبِكَ لَيسَ يَنقَى *** كَأَنَّكَ لا تَظُنُّ المَوتَ حَقًّا
أَلا يَا ابنَ الَّذِينَ مَضَوا وَبَادُوا *** أَمَا وَاللهِ مَا ذَهَبُوا لِتَبقَى
وَمَا أَحَدٌ بِزَادِكَ مِنكَ أَحظَى *** وَمَا أَحَدٌ بِزَادِكَ مِنكَ أَشقَى
وَمَا لَكَ غَيرَ تَقوَى اللهِ زَادٌ *** إِذَا جُعِلَتْ إِلى اللَّهَوَاتِ تَرقَى


اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ، لا إِلَهَ إِلا اللهُ، وَاللهُ أَكبرُ، اللهَ أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ.

أُمَّةَ الإِسلامِ: أَعيَادُنَا مُتَمَيِّزَةٌ عَن أَعيَادِ البَشَرِ، لَيسَت لِمَولِدِ عَظِيمٍ وَلا لِمَوتِ كَبِيرٍ، وَلا لِتَوَلِّي مَلِكٍ وَلا لِعَزلِ رَئِيسٍ، وَلا هِيَ تَحَلُّلاً مِن قُيُودِ الشَّرعِ، وَلا طَيًّا لِبِسَاطِ العِبَادَةِ، وَلا هَدمًا لِبَنَاءِ الأَعمَالِ الصَّالِحَةِ، أَو تَفَلُّتًا مِنَ الطَّاعَةِ، وَلَيسَت فُرصَةً لإِطلاقِ الجَوَارِحِ في المُنكَرَاتِ، أَو تَمكِينًا لِلنُّفوسِ لاقتِرَافِ مَا حَرَّمَ اللهُ مِن اختِلاطٍ أَو غِنَاءٍ أَو فَاحِشٍ مِنَ القَولِ وَالعَمَلِ، وَلَكِنَّهَا فَرَحٌ شَرعِيٌّ بِإِكمَالِ العِبَادَاتِ، وَمِن ثَمَّ فَهِيَ في ذَاتِهَا عِبَادَاتٌ، يُفرَحُ فِيهَا الفَرَحَ المَشرُوعَ في الحُدُودِ المَعقُولَةِ، وَتُضبَطُ النُّفُوسُ فِيهَا بِضَوَابِطِ الشَّرعِ، فَالحذَرَ الحَذَرَ مِن مُبَارَزَةِ اللهِ بِالمعَاصِي والمُنكَراتِ في هَذَا اليَومِ العَظِيمِ! وَالحَذَرَ الحَذَرَ مِنَ الأَشَرِ وَالبَطَرِ وَتَبدِيدِ النِّعَمِ! فَإِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَومٍ حَتى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِم.

اللهُ أَكبرُ، اللهُ أَكبرُ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَاللهُ أَكبرُ، اللهَ أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ.

يَا نِسَاءَ المُؤمِنِينَ: أَكَرَمَكُنَّ اللهُ بِأَن أَوجَبَ عَلَى الرِّجَالِ القِيَامَ عَلَيكُنَّ وَالنَّفَقَةَ، وَأَمَرَكُنَّ بِأَن قَالَ: (وَقَرنَ في بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّةِ الأُولى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ) [الأحزاب:33]، فَارْضَينَ بما قَسَمَ اللهُ لَكُنَّ طَاعَةً لَهُ حَيثُ قَالَ: (وَمَا كَانَ لِمُؤمِنٍ وَلا مُؤمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِن أَمرِهِم) [الأحزاب:36]، أَقِمْنَ الصَّلاةَ وَأَطِعْنَ الأَزوَاجَ وَاحفَظْنَ فُرُوجَكُنَّ، وَرَبِّينَ مَن تَحتَ أَيدِيكُنَّ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِن أَكبرِ مَا تَحَمَّلْتُنَّ، فَإِن حَفِظْتُنَّ فَأَبشِرْنَ، فَإِنَّهُ لا جَزَاءَ لَكُنَّ دُونَ الجَنَّةِ، وَإِنْ أَضَعتُنَّ فَقَد عَلِمْتُنَّ الجَزَاءَ، قَالَ نَبِيُّكُنَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "إِذَا صَلَّتِ المَرأَةُ خَمسَهَا، وَصَامَت شَهرَهَا، وَحَصَّنَت فَرجَهَا، وَأَطَاعَت زَوجَهَا، قِيلَ لها: ادخُلِي الجَنَّةَ مِن أَيِّ أَبوَابِ الجَنَّةِ شِئتِ".

حَذَارِ مِنَ التَّزَيُّنِ بما حَرَّمَ اللهُ! فَإِنَّ النَّبيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- لَعَنَ الوَاشِمَاتِ وَالمُستَوشِمَاتِ وَالمُتَنَمِّصَاتِ وَالمُتَفَلِّجَاتِ لِلحُسنِ، المُغَيِّرَاتِ خَلقَ اللهِ.

إِيَّاكُنَّ وَالخَلوةَ بِالأَجَانِبِ! مِن سَائِقٍ أَو بَائِعٍ أَو قَرِيبٍ أَو جَارٍ، أَو مُصَافَحَةَ مَن لَيسَ بِمَحرَمٍ، قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "مَا خَلا رَجُلٌ بِامرَأَةٍ إِلاَّ كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيطَانُ".

وَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "إِيَّاكُم وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ!"، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنصَارِ: أَفَرَأَيتَ الحَموَ يَا رَسُولَ اللهِ؟! قَالَ: "الحَموُ المَوتُ".

وَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "لأَن يُطعَنَ في رَأسِ أَحَدِكُم بِمِخيَطٍ مِن حَدِيدٍ خَيرٌ لَهُ مِن أَن يَمَسَّ امرأةً لا تَحِلُّ لَهُ".

لا تَكُنَّ ممَّن يَتَسَتَّرنَ بِضَيِّقٍ أَو شَفَّافٍ، أَو يَتَعَطَّرنَ أَمَامَ الرِّجَالِ، فَيَنطَبِقَ عَلَيكُنَّ قَولُهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "صِنفَانِ مِن أَهلِ النَّارِ لم أَرَهُمَا: قَومٌ مَعَهُم سِيَاطٌ كَأَذنَابِ البَقَرِ يَضرِبُونَ بها النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلاتٌ مَائِلاتٌ رُؤُوسُهُنَّ كَأَسنِمَةِ البُختِ المَائِلَةِ، لا يَدخُلنَ الجَنَّةَ وَلا يَجِدنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِن مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا".

وَقَولُهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "أَيُّمَا امرَأَةٍ استَعطَرَت فَمَرَّت عَلَى قَومٍ لِيَجِدُوا مِن رِيحِهَا فَهِيَ زَانِيَةٌ".

عِبَادَ اللهِ: اِتَّقُوا اللهَ وَاستَعِدُّوا لِلِقَائِهِ، وَاطلُبُوا مَا عِندَهُ، وَازهَدُوا فِيمَا سِوَاهُ: (اِعلَمُوا أَنَّمَا الحَيَاةُ الدُّنيَا لَعِبٌ وَلَهوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَينَكُم وَتَكَاثُرٌ في الأَموَالِ وَالأَولادِ كَمَثَلِ غَيثٍ أَعجَبَ الكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرِضوَانٌ وَمَا الحَيَاةُ الدُّنيَا إِلاَّ مَتَاعُ الغُرُورِ * سَابِقُوا إِلى مَغفِرَةٍ مِن رَبِّكُم وَجَنَّةٍ عَرضُهَا كَعَرضِ السَّمَاءِ وَالأَرضِ أُعِدَّت لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضلُ اللهِ يُؤتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الفَضلِ العَظِيمِ) [الحديد:20-21].

ملتقى الخطبــــــــــــــــاء
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

خطب عيد الفطر 1431هـ "الإنسانية وتحمل الأمانة" :: تعاليق

لا يوجد حالياً أي تعليق
 

خطب عيد الفطر 1431هـ "الإنسانية وتحمل الأمانة"

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
» خطب عيد الفطر 1431هـ "حرب الشعائر واستفزاز المشاعر"
» خطب عيد الفطر "وقفات مع عيد الفطر"
» خطب عيد الفطر المبارك

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
24 ساعة :: 
مكتبة الخطب والدروس الصوتية والمكتوبة
 :: الدروس والخطب :: خطب عيد الفطر
-
انتقل الى:  
مواضيع مماثلة
أنت بحاجة للبرامج التالية
المواضيع الأخيرة
» محاكمة مبارك: مشادات بين اهالي الشهداء وقوات الامن امام اكاديمية الشرطة
خطب عيد الفطر 1431هـ "الإنسانية وتحمل الأمانة" Icon_minitime02.01.12 9:30 من طرف 24akhbar

» وصول طائرة مبارك والمتهمين لبدء محاكمتهم بتهمة قتل المتظاهرين
خطب عيد الفطر 1431هـ "الإنسانية وتحمل الأمانة" Icon_minitime02.01.12 9:14 من طرف 24akhbar

» العليا للإنتخابات: الإنتخابات في موعدها والكشوف النهائية خلال ساعات
خطب عيد الفطر 1431هـ "الإنسانية وتحمل الأمانة" Icon_minitime15.11.11 7:30 من طرف 24akhbar

» على السلمى يجتمع اليوم مع رافضى "الوثيقة" للوصول لصيغة توافقية
خطب عيد الفطر 1431هـ "الإنسانية وتحمل الأمانة" Icon_minitime15.11.11 7:09 من طرف 24akhbar

» مقتل أكبر تاجر "أعضاء بشرية" فى سيناء
خطب عيد الفطر 1431هـ "الإنسانية وتحمل الأمانة" Icon_minitime15.11.11 7:02 من طرف 24akhbar

» الجماعة السلفية تؤكد مشاركتها فى مليونية "18 نوفمبر" إذا أقر المجلس العسكرى وثيقة السلمي
خطب عيد الفطر 1431هـ "الإنسانية وتحمل الأمانة" Icon_minitime15.11.11 6:57 من طرف 24akhbar

» فيديو: أهداف مباراة مصر والبرازيل 2/0
خطب عيد الفطر 1431هـ "الإنسانية وتحمل الأمانة" Icon_minitime15.11.11 6:49 من طرف 24akhbar

» فضيحة القنوات المصرية داخل الملاعب القطرية: رئيس "ميلودي سبورت" يعتدي على مراسل "مودرن" بالسبّ والضرب
خطب عيد الفطر 1431هـ "الإنسانية وتحمل الأمانة" Icon_minitime15.11.11 6:41 من طرف 24akhbar

» الكسب غير المشروع يقرر التحفظ على أموال "حسن المير" عضو مجلس الشعب السابق
خطب عيد الفطر 1431هـ "الإنسانية وتحمل الأمانة" Icon_minitime14.11.11 6:48 من طرف 24akhbar

» 238 أجنبيا اعتنقوا الإسلام عن طريق خدمة "بلغني الإسلام" عن بعد
خطب عيد الفطر 1431هـ "الإنسانية وتحمل الأمانة" Icon_minitime14.11.11 6:38 من طرف 24akhbar

» جماعة الإخوان تعلن المشاركة فى جمعة "18 نوفمبر" مالم يتم سحب "وثيقة السلمى"
خطب عيد الفطر 1431هـ "الإنسانية وتحمل الأمانة" Icon_minitime14.11.11 5:49 من طرف 24akhbar

» أنصار الأسد يقتحمون السفارة الليبية بدمشق
خطب عيد الفطر 1431هـ "الإنسانية وتحمل الأمانة" Icon_minitime14.11.11 5:42 من طرف 24akhbar

» الدكتور صفوت حجازى يقود قافلة دولية إغاثية لقطاع غزة
خطب عيد الفطر 1431هـ "الإنسانية وتحمل الأمانة" Icon_minitime14.11.11 5:37 من طرف 24akhbar

» المستشار عبد المعز: هناك دول رفضت بالتصويت للمصريين على أراضيها
خطب عيد الفطر 1431هـ "الإنسانية وتحمل الأمانة" Icon_minitime13.11.11 8:13 من طرف 24akhbar

» رئيس مباحث أداب سابق يتهم زوجة حبيب العادلى باحالتة للمعاش عام 2006 بسبب شبكة دعارة تتزعمها المغربية نشوى خزيم صديقتها الشخصية
خطب عيد الفطر 1431هـ "الإنسانية وتحمل الأمانة" Icon_minitime13.11.11 8:07 من طرف 24akhbar

» سلطة قضائية تطالب بـ "إعتقال سوذان مبارك"
خطب عيد الفطر 1431هـ "الإنسانية وتحمل الأمانة" Icon_minitime13.11.11 7:48 من طرف 24akhbar

» الملك عبد الله يعين شقيقه الأصغر نائباً له
خطب عيد الفطر 1431هـ "الإنسانية وتحمل الأمانة" Icon_minitime13.11.11 7:42 من طرف 24akhbar

» رئيس الإنتقالى الليبى: ليبيا ستنتهج " الإسلام المعتدل"
خطب عيد الفطر 1431هـ "الإنسانية وتحمل الأمانة" Icon_minitime13.11.11 7:38 من طرف 24akhbar

» سوريا: الثوار يدعون للتصعيد والعصيان المدنى بعد تعليق العضوية
خطب عيد الفطر 1431هـ "الإنسانية وتحمل الأمانة" Icon_minitime13.11.11 7:34 من طرف 24akhbar

» السعودية توجه الإتهام فى إقتحام سفارتها إلى "سوريا"
خطب عيد الفطر 1431هـ "الإنسانية وتحمل الأمانة" Icon_minitime13.11.11 7:23 من طرف 24akhbar

تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية
قم بحفض و مشاطرة الرابط 24 ساعة على موقع حفض الصفحات

.: زوار هذا الإسبوع :.