24 ساعة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


 
24 ساعةالأخبارالرئيسيةأحدث الصورالمقالاتالتسجيلدخولالفيديو والمالتيمدياتابعنا على فيس بوك24 يوتيوبتابعنا على تويتر

 

 خطبة الوداع ووفاته صلى الله عليه وسلم

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
24akhbar

24akhbar



خطبة الوداع ووفاته صلى الله عليه وسلم Empty
16062010
مُساهمةخطبة الوداع ووفاته صلى الله عليه وسلم


ملخص الخطبة

1- مائة وأربعون ألفاً يحجون
حجة الوداع. 2- خطبة يوم التروية. 3- وداع النبي للأحياء من أصحابه ، وزيارة
الأموات منهم. 4- بدء الوجع مع النبي صلى الله عليه وسلم. 5- ما جرى زمن مرض
النبي صلى الله عليه وسلم. 6- اليوم الأخير من حياة النبي. 7- حال الصحابة بعد
وفاته صلى الله عليه وسلم. 8- دفن النبي صلى الله عليه وسلم. 9- رثاء حسان
للنبي.

الخطبة الأولى






أيها الناس،
افسحوا وتباعدوا عن الطرقات، ألا ترون ذلكم الركب المبارك، في يوم السبت لأربع
بقين من ذي القعدة سنة عشر من الهجرة المباركة.


نادى منادي رسول
الله صلى الله عليه وسلم بقصده الحج لهذا العام، فاجتمع حوله مائة وأربعة
وأربعون ألفًا من الناس في مشهد عظيم، فيه معان العزة والتمكين، ألقى الرعب
والفزع في قلوب أعداء الدعوة ومحاربيها، وكان غصة في حلوق الكفرة والملحدين.


قبل ثلاثٍ
وعشرين سنة من ذلكم الوقت كان فردًا وحيدًا، يعرض الإسلام على الناس فيردوه،
ويدعوهم فيكذبوه، في ذلكم الحين كان المؤمن لا يأمن على نفسه أن يصلي في بيت
الله وحرم الله.


ها هم اليوم
مائة وأربعة وأربعون ألفًا يلتفون حول الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم في
مشهدٍ يوحي بأكمل معان النصر والظفر، ويجسد صورة رائعة، تحكي بأن الزمن وإن
طال، فإن الغلبة لأولياء الله وجنده، مهما حوربت الدعوة وضيق عليها، وسامها
الأعداء ألوان العداء والاضطهاد، فإن العاقبة للحق ولأهل الحق العاملين
المصلحين: خطبة الوداع ووفاته صلى الله عليه وسلم Start-iconوَلَمَّا
يَأْتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ ٱلْبَأْسَاء
وَٱلضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ
مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ ٱللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ ٱللَّهِ قَرِيبٌخطبة الوداع ووفاته صلى الله عليه وسلم End-icon

[البقرة:214].


سار ذلكم الركب
المبارك يدوس الأرض، التي عذّب من عذّب فيها، وسحب على رمضائها مَنْ سُحِب،
ساروا يمرّون على مواضع لم تزل ولن تزال عالقة في ذكراهم، سيموا فيها ألوان
العذاب والقهر والعنت، سار صلى الله عليه وسلم ليدخل المسجد الحرام الذي لطالما
استقسم فيه بالأزلام، وعبدت فيه الأصنام، دخله طاهرًا نقيًا، تردد أركانه
وجنباته لا إله إلا الله، ورجع الصدى من جبال بكة ينادي: لبيك اللهم لبيك.


وفي اليوم
الثامن من ذي الحجة نزل بطن الوادي من منى فخطب في ذلكم الجمع الغفير:
((أيها الناس، اسمعوا قولي فإني لا أدري لعلي لا
ألقاكم بعد عامي هذا بهذا الموقف أبدًا.. إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم، كحرمة
يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي
موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن
الحارث، وربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضع من ربانا ربا العباس بن عبد المطلب،
فإنه موضوع كله.




فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة
الله، ولكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحدًا تكرهونه، فإن فعلن ذلك، فاضربوهن ضربًا
غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن واتق اللهوتهن بالمعروف، وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده
إن اعتصمتم به كتاب الله.



أيها الناس، إنه
لا نبي بعدي، ولا أمة بعدكم، ألا فاعبدوا ربكم وصلوا خمسكم، وصوموا شهركم،
وأدوا زكاة أموالكم، طيبة بها أنفسكم، وتحجون بيت ربكم، وأطيعوا ولاة أمركم،
تدخلوا جنة ربكم))
أخرجه
ابن ماجه.



وأخرج مسلم أنه
قال: ((وأنتم تسألون عني، فما أنتم قائلون؟))
قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت، فقال بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء
وينكتها إلى الناس: ((اللهم اشهد)) ثلاث
مرات.


ولما فرغ من خطبته نزل عليه
قوله تعالى: خطبة الوداع ووفاته صلى الله عليه وسلم Start-iconٱلْيَوْمَ
أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ
لَكُمُ ٱلأسْلاَمَ دِيناًخطبة الوداع ووفاته صلى الله عليه وسلم End-icon

[المائدة:3].



وعندما سمعها
عمر رضي الله عنه بكى، فقيل له: ما يبكيك؟ قال: إنه ليس بعد الكمال إلا
النقصان. أخرجه البخاري.


ولما قضى مناسكه
حث المسير عائدًا إلى طيبة الطيبة.


في أوائل صفر
سنة إحدى عشرة للهجرة خرج عليه الصلاة والسلام إلى أحد، فصلى على الشهداء،
كالمودع للأحياء والأموات.


ثم انصرف إلى
المنبر فقال: ((إني فرطكم، وإني شهيد عليكم، وإني
والله لأنظر إلى حوضي الآن وإني أعطيت مفاتيح خزائن الأرض ـ أو مفاتيح الأرض ـ
وإني والله ما أخاف أن تشركوا بعدي، ولكني أخاف عليكم أن تنافسوا فيها))

متفق عليه.


وخرج ليلة مع
غلامه أبي مويهبة إلى البقيع فاستغفر لهم وقال:
((السلام عليكم يا أهل المقابر، ليهن لكم ما أصبحتم فيه بما أصبح الناس فيه،
أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أولها، الآخرة شر من الأولى. وبشرهم
قائلاً: إنا بكم للاحقون))
.


وفي يوم الإثنين
آخر أيام شهر صفر شهد عليه السلام جنازة في البقيع، فلما رجع وهو في الطريق،
أخذه صداع في رأسه واتقدت الحرارة، حتى إنهم كانوا يجدون سورتها فوق العصابة
التي تعصب بها رأسه، فدخل على عائشة وقالت: وارأساه! قال:
((بل أنا وارأساه، وما ضرك لو مت قبلي فغسلتك
وكفنتك وصليت عليك ودفنتك))
. فقالت: لكأني بك ـ والله ـ لو فعلت ذلك
لرجعت إلى بيتي فعرّست فيه ببعض نسائك. فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم.


وثقل برسول الله
صلى الله عليه وسلم المرض فجعل يسأل أزواجه: أين أنا غدًا؟ أين أنا غدًا؟ ففهمن
مراده، فأذنّ له أن يكون حيث شاء، فانتقل إلى عائشة، يمشي بين الفضل بن عباس
وعلي بن أبي طالب، عاصبًا رأسه تخط قدماه حتى دخل بيتها، وكانت عائشة رضي الله
عنها تقرأ بالمعوذات والأدعية تنفث على نفسه وتمسحه بيده رجاء بركته.


وفي يوم
الأربعاء اتقدت حرارة العلة في بدنه، فاشتد به الوجع، فقال: هريقوا عليّ من سبع
قرب لم تحلل أوكيتهن لعلي أعهد إلى الناس، فأقعدوه في مخضب[1]
لحفصة، وصبوا عليه الماء حتى طفق يقول: ((حسبكم،
حسبكم))
، وعند ذلك أحس بخفة فدخل المسجد وهو معصوب الرأس حتى جلس على
المنبر خطب الناس فقال: ((لعنة الله على اليهود
والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، وقال: لا تتخذوا قبري وثنًا يعبد ثم قال:
من كنت جَلَدْتُ له ظهرًا فهذا ظهري فليستقد منه، ومن كنت شتمت له عرضًا فهذا
عرضي فليستقد منه))
.


ثم نزل فصلى
الظهر، ثم رجع فجلس على المنبر، فقال رجل: إن لي عندك ثلاثة دراهم. فقال:
((أعطه يا فضل))، ثم أوصى بالأنصار قائلاً:
((أوصيكم بالأنصار فإنهم كرشي وعيبتي[2]،
وقد قضوا الذي عليهم، وبقي الذي لهم، فاقبلوا من محسنهم، وتجاوزوا عن مسيئهم))
،
وفي رواية: ((إن الناس يكثرون وتقل الأنصار حتى
يكونوا كالملح في الطعام، فمن ولي منكم أمرًا يضر فيه أحدًا أو ينفعه فليقبل من
محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم))
البخاري.


ثم قال:
((إن عبدًا خيره الله أن يؤتيه من زهرة الدنيا ما
شاء وبين ما عنده، فاختار ما عنده))
.


قال أبو سعيد
الخدري: (فبكى أبو بكر، قال: فديناك بآبائنا وأمهاتنا)، فعجبنا له، فقال الناس:
انظروا هذا الشيخ، يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبد خيره الله بين أن
يؤتيه من زهرة الدنيا وبين ما عنده وهو يقول: فديناك بآبائنا وأمهاتنا، فكان
رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المخير، وكان أبو بكر أعلمنا.


ثم قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أمن الناس عليَّ في
صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متخذًًا خليلاً غير ربي لاتخذت أبا بكر خليلاً،
ولكن أخوة الإسلام ومودته، لا يبقين في المسجد باب إلا سد إلا باب أبي بكر))

متفق عليه.


وفي يوم الخميس
أوصى عليه السلام بإخراج اليهود والنصارى والمشركين من جزيرة العرب، وأوصى
بإجازة الوفود بنحو ما كان يجيزهم.


ومع ما كان عليه
من شدة المرض إلا أنه كان يصلي بالناس جميع الصلوات، فصلى بالناس صلاة المغرب
من يوم الخميس وقرأ بالمرسلات، وعند العشاء زاد ثقل المرض، بحيث لم يستطع
الخروج إلى المسجد.


قالت عائشة:
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أصلى الناس؟!))
قلنا: لا يا رسول الله، وهم ينتظرونك، قال: ضعوا لي ماء في المخضب، ففعلنا
فاغتسل فذهب لينوء فأغمي عليه، ثم أفاق فقال:
((أصلى الناس؟!))
قلنا: لا يا رسول الله، وهم ينتظرونك، فاغتسل فخرج
لينوء فأغمي عليه ثم أفاق فقال: ((أصلى الناس؟))
قلنا: لا يا رسول الله وهم ينتظرونك. فاغتسل فخرج لينوء فأغمي عليه. ثم الثالثة
فأغمي عليه، فأرسل إلى أبي بكر أن يصلي بالناس، فصلى أبو بكر تلك الأيام.


وراجعت عائشة
النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أبا بكر رجل أسيف[3]،
وإنه متى يقوم مقامك لا يُسمِع الناسَ، فلو أمرت عمر، قال:
((مروا أبا بكر فليصلّ بالناس))، فقالت
لحفصة في ذلك فراجعته كما راجعته عائشة، فقال:
((إنكن صواحب يوسف، مروا أبا بكر فليصلّ بالناس))
.


وفي يوم السبت
أو الأحد وجد النبي صلى الله عليه وسلم خفة، فخرج بين رجلين لصلاة الظهر، وأبو
بكر يصلي بالناس، فلما رآه أبو بكر ذهب ليتأخر، فأومأ إليه بأن لا يتأخر، قال:
((أجلساني إلى جنبه، فأجلساه إلى يسار أبي بكر،
فكان أبو بكر يقتدي بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويسمع الناس التكبير))

رواه البخاري.


وفي يوم الأحد
أعتق عليه الصلاة والسلام غلمانه، وتصدق بسبعة دنانير كانت عنده، ووهب للمسلمين
أسلحته، وفي الليل استعارت عائشة الزيت من جارتها للمصباح، وكانت درعه مرهونة
عند يهودي بثلاثين صاعًا من الشعير.


وفي يوم الاثنين
بينا المسلمون في صلاة الفجر ـ كما روى البخاري عن أنس ـ وأبو بكر يصلي بهم، لم
يفجأهم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم كشف ستر حجرة عائشة فنظر إليهم، وهم
في صفوف الصلاة، ثم تبسم وضحك فنكص أبو بكر على عقبيه ليصل الصف، وظن أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يخرج إلى الصلاة.


قال أنس: وهمَّ
المسلمون أن يفتتنوا في صلاتهم فرحًا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فأشار
إليهم بيده أن أتموا صلاتكم، ثم دخل الحجرة وأرخى الستر.


إنها النظرة
الأخيرة، نظرة الوداع وهو يبتسم ويضحك رضًا وسرورًا بثبات أصحابه على الحق،
إنها البسمة الأخيرة التي لن يراها صحبه وأحباؤه بعدها في الدنيا.


إنها طَلَّة[4]
الفراق، لن ينعموا برؤية هذا الوجه الكريم في الدنيا بعد اليوم أبدًا، ولما
ارتفع الضحى دعا النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة رضي الله عنها فسارّها بشيء
فبكت ثم دعاها فسارَّها بشيء فضحكت، قالت عائشة: فسألنا عن ذلك، أي: فيما بعد،
فقالت: سارني النبي صلى الله عليه وسلم أنه يقبض في وجعه الذي توفي فيه فبكيت،
فسارني فأخبرني أني أول أهله يتبعه فضحكت. رواه البخاري.


وبشرها بأنها
سيدة نساء العالمين.


ورأت فاطمة ما
برسول الله صلى الله عليه وسلم من الكرب فقالت: واكرب أباه، فقال لها:
((ليس على أبيك كرب بعد اليوم)).


ودعا الحسن
والحسين فقبلهما، وأوصى بهما خيرًا، ودعا أزواجه فوعظهن وذكرهن، وطفق الوجع
يشتد عليه ويزيد، وهو يقول لعائشة: ((يا عائشة، ما
أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر، فهذا أوان وجدت انقطاع أَبْهَرِي[5]
من ذلك السم))
.


فأوصى الناس
فقال: ((الصلاة. الصلاة، وما ملكت أيمانكم))،
كرر ذلك مرارًا. أخرجهما البخاري.


وبدأ الاحتضار،
فأسندته عائشة إليها، وكانت تقول: إن من نعم الله عليّ أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم توفي في بيتي وفي يومي وبين سحري ونحري، وأن الله جمع بين ريقي وريقه
عند موته.


دخل عبد الرحمن
بن أبي بكر وبيده السواك، وأنا مسندة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأيته
ينظر إليه، وعرفت أنه يحب السواك، فقلت: آخذه لك، فأشار برأسه أن نعم، فتناولته
فاشتد عليه وقلت: ألينه لك، فأشار برأسه أن نعم، فلينته فاستن بها كأحسن ما كان
مستنًا، وبين يديه ركوة[6]
فيها ماء، فجعل يدخل يديه في الماء فيمسح بها وجهه يقول:
((لا إله إلا الله، إن للموت سكرات)) أخرجه
البخاري.


وما إن فرغ من
السواك حتى رفع يده أو إصبعه وشخص بصره نحو السقف، وتحركت شفتاه، فأصغت إليه
عائشة وهو يقول: ((مع الذين أنعمت عليهم من النبيين
والصديقين والشهداء والصالحين، اللهم اغفر لي وارحمني، وألحقني بالرفيق الأعلى،
اللهم الرفيق الأعلى))
، كررها ثلاثًا، ثم مالت يده ولحق بالرفيق الأعلى.


إنا لله وإنا
إليه راجعون. مات الشفيق الرحيم بأمته، مات شمس الحياة وبدرها، مات الداعية
الناصح، مات صاحب القلب الكبير الذي وسع المؤمن والكافر، والبر والفاجر،
والصغير والكبير.


مات من كان
للأيتام أبًا، وللأرامل عونًا وسندًا، مات مهرَبُ الفقراء والمساكين، وملاذ
المعوزين المحتاجين، مات الإمام المجاهد، مات نبي الأمة، وقدوة الخلق، مات خير
البشر، وأحب الخلق إلى الله، مات الذي نعمت برؤياه الأبصار، وتشنّفت بسماع جميل
حديثه الأسماع والآذان.


قال أنس بن
مالك: ما رأيت يومًا قط كان أحسن ولا أضوأ من يوم دخل علينا فيه رسول الله صلى
الله عليه وسلم، وما رأيت يومًا كان أقبح ولا أظلم من يوم مات فيه رسول الله
صلى الله عليه وسلم.


ولما مات قالت
فاطمة: يا أبتاه أجاب ربًا دعاه، يا أبتاه جنة الفردوس مأواه، يا أبتاه إلى
جبريل نفاه.












[1]


المِخضب – بالاتق اللهر -: شبه المِرْكَن، وهي إِجَّانَةٌ تغسل فيها الثياب.
النهاية في غريب الحديث، مادة (خضب).








[2]


أراد أنهم بطانته وموضع سرّه وأمانته، والذي يعتمد عليهم في أموره.
واستعار الكرش والعيبة لذلك؛ لأن المجترّ يجمع علفه في كرشه، والرجل يضع
ثيابه في عيبته. وقيل: أراد بالكرش الجماعة، أي: جماعتي وصحابتي. ويقال:
عليه كرشٌ من الناس، أي: جماعة. النهاية في غريب الحديث، مادة (كرش).








[3]


أَسِيْف، أي: سريع البكاء والحزن. وقيل: هو الرقيق. النهاية في غريب
الحديث، مادة (أسف).








[4]


الطَلّة: اللذيذة من الروائح. القاموس المحيط، مادة (طلل).








[5]


الأبْهَر: عِرْق في الظهر، وهما أبهران. وقيل: هما الأكحلان اللذان في
الذراعين. وقيل: هو عرق مستبطن القلب، فإذا انتقطع لم تبق معه حياة. وقيل:
الأبهر عرق منشئوه من الرأس ويمتد إلى القدم وله شرايين تتصل بأكثر الأطراف
والبدن، فالذي في الرأس منه يسمى: النأمة، ومنه قولهم: أسكت الله نأمته،
أي: أماته، ويمتد إلى الحلق فيسمى فيه الوريد، ويمتد إلى الصدر فيسمى
الأبهر، ويمتد إلى الظهر فيسمى الوتين، والفؤاد معلق به، ويمتد إلى الفخذ
فيسمى النَّسا ويمتد إلى الساق فيسمى الصافن. النهاية في غريب الحديث، مادة
(أبهر).








[6]


الرَّكْوة: إناء صغير من جلد يُشرب فيه الماء، والجمع: رِكاء. النهاية في
غريب الحديث، مادة (ركا).






الخطبة الثانية





أصيب الصحابة
بالذهول لفقد نبيهم ومن ذلك ما كان من موقف عمر بن الخطاب، يقول: إن رجالاً من
المنافقين يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي، وإن رسول الله صلى
الله عليه وسلم ما مات، لكن ذهب إلى ربه كما ذهب موسىٰ بن عمران، فغاب عن قومه
أربعين ليلة ثم رجع إليهم بعد أن قيل قد مات، والله ليرجعن رسول الله صلى الله
عليه وسلم فليقطعن أيدي رجال يزعمون أنه مات.


وأقبل أبو بكر
من بيته بالسنح فدخل المسجد ولم يكلم أحدًا، حتى دخل على عائشة فتيمم رسول الله
صلى الله عليه وسلم وهو مغشي بثوب حِبَرة[1]،
فكشف عن وجهه ثم أكب عليه، فقبّله وبكى ثم قال: بأبي أنت وأمي، لا يجمع الله
عليك موتتين، أما الموتة التي كتبت عليك فقد مُتها.


ثم خرج وعمر
يكلم الناس فقال: اجلس يا عمر، فأبى عمر أن يجلس فأقبل الناس إليه وتركوا عمر،
فقال أبو بكر: أما بعد، من كان منكم يعبد محمدًا صلى الله عليه وسلم فإن محمدًا
قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، قال الله:
خطبة الوداع ووفاته صلى الله عليه وسلم Start-iconوَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ
رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ أَفإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ
ٱنقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَـٰبِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن
يَضُرَّ ٱللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِى ٱللَّهُ ٱلشَّـٰكِرِينَخطبة الوداع ووفاته صلى الله عليه وسلم End-icon

[عمران:144].


قال ابن عباس:
والله لكأن الناس لم يعلموا أن الله أنزل هذه الآية حتى تلاها أبو بكر، فتلقاها
منه الناس كلهم، فما أسمع بشرًا من الناس إلا يتلوها، فأهوى إلى الأرض، وعلم أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات.


وفي يوم
الثلاثاء غسلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير أن يجردوه من ثيابه،
وغسله العباس وعليَّ، والفضل وقُثَم ابنا العباس وشُقْران مولى رسول الله صلى
الله عليه وسلم وأسامة بن زيد، ثم كفنوه في ثلاثة أثواب بيض سَحُولية[2]
من كرسف[3]
ليس فيها قميص ولا عمامة أدرجوه فيها إدراجًا، فحفروا تحت فراشه وجعلوه لحدًا،
حفره أبو طلحة ودخل الناس الحجرة أرسالاً، عشرة عشرة، يصلون على رسول الله صلى
الله عليه وسلم ولا يؤمهم أحد، وصلى عليه أولاً أهل عشيرته، ثم المهاجرين، ثم
الأنصار، ثم النساء، ثم الصبيان.


فمما قال حسان
رضي الله عنه يبكي به رسول الله صلى الله عليه وسلم:


بطيبةَ رَسْمٌ
للرسول ومَعْهَــــدُ منير وقد تعفو الرسـوم وتهمـدُ


ولا تمتحي
الآيات من دار حُرمـة بها منبر الهادي الذي كان يصعد


وواضـحُ آثار
وباقـي معـالــم وربعٌ له فيـه مصلـى ومسجـد


بها حجرات كان
ينــزل وسطها من الله نورٌ يستضـاء ويوقــد


معارف لم تُطمس
على العهد آيها أتاها البلى فالآي منهـا تجـدّد


إلى آخر
القصيدة...


وهكذا طويت أعظم
صفحة في تأريخ البشرية جمعاء، مات القدوة الناصح، وخير البشر، مات أفضل
الأنبياء، لتبقى حياته نبراسًا لأبناء الأمة من بعده، تنير لهم طريق السير إلى
الله، عبادته وأخلاقه، توحيده وجهاده، تعامله وزهادته، أخذه وعطاؤه، بيعه
وشراؤه.


إنها المصيبة
التي ما مر على الأمة لها مثيل ولن يمر، فَلْيَتَعَزَّ أهل المصائب بها.








[1]


حِبَرَة: بُرْدٌ يمانٍ، والجمع: حِبَرٌ وحبرات. النهاية في غريب الحديث،
مادة (حبر).








[2]


سحولية: يُروى بفتح السين وضمها، فالفتح منسوب إلى السَّحول، وهو القصّار؛
لأنه يَسْحَلُها، أي: يغسلها. أو إلى سَحُول وهي: قرية باليمن. وأما الضم
فهو جمع سَحْل وهو الثوب الأبيض النقي، ولا يكون إلا من قطن وفيه شذوذ؛
لأنه نسب إلى الجمع، وقيل: إن اسم القرية بالضم أيضاً. النهاية في غريب
الحديث، مادة (سحل).








[3]


الكُرْسُف: القُطْن. النهاية في غريب الحديث، مادة (كرسف).




الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

خطبة الوداع ووفاته صلى الله عليه وسلم :: تعاليق

لا يوجد حالياً أي تعليق
 

خطبة الوداع ووفاته صلى الله عليه وسلم

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
» بعض آيات النبي صلى الله عليه وسلم"خطبة مكتوبة"
» كتاب زواج صلى الله عليه وسلم من السيدة عائشة رضي الله عنها
» الخطب المنبرية محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأثرها

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
24 ساعة :: 
مكتبة الخطب والدروس الصوتية والمكتوبة
 :: الدروس والخطب
-
انتقل الى:  
مواضيع مماثلة
أنت بحاجة للبرامج التالية
المواضيع الأخيرة
» محاكمة مبارك: مشادات بين اهالي الشهداء وقوات الامن امام اكاديمية الشرطة
خطبة الوداع ووفاته صلى الله عليه وسلم Icon_minitime02.01.12 9:30 من طرف 24akhbar

» وصول طائرة مبارك والمتهمين لبدء محاكمتهم بتهمة قتل المتظاهرين
خطبة الوداع ووفاته صلى الله عليه وسلم Icon_minitime02.01.12 9:14 من طرف 24akhbar

» العليا للإنتخابات: الإنتخابات في موعدها والكشوف النهائية خلال ساعات
خطبة الوداع ووفاته صلى الله عليه وسلم Icon_minitime15.11.11 7:30 من طرف 24akhbar

» على السلمى يجتمع اليوم مع رافضى "الوثيقة" للوصول لصيغة توافقية
خطبة الوداع ووفاته صلى الله عليه وسلم Icon_minitime15.11.11 7:09 من طرف 24akhbar

» مقتل أكبر تاجر "أعضاء بشرية" فى سيناء
خطبة الوداع ووفاته صلى الله عليه وسلم Icon_minitime15.11.11 7:02 من طرف 24akhbar

» الجماعة السلفية تؤكد مشاركتها فى مليونية "18 نوفمبر" إذا أقر المجلس العسكرى وثيقة السلمي
خطبة الوداع ووفاته صلى الله عليه وسلم Icon_minitime15.11.11 6:57 من طرف 24akhbar

» فيديو: أهداف مباراة مصر والبرازيل 2/0
خطبة الوداع ووفاته صلى الله عليه وسلم Icon_minitime15.11.11 6:49 من طرف 24akhbar

» فضيحة القنوات المصرية داخل الملاعب القطرية: رئيس "ميلودي سبورت" يعتدي على مراسل "مودرن" بالسبّ والضرب
خطبة الوداع ووفاته صلى الله عليه وسلم Icon_minitime15.11.11 6:41 من طرف 24akhbar

» الكسب غير المشروع يقرر التحفظ على أموال "حسن المير" عضو مجلس الشعب السابق
خطبة الوداع ووفاته صلى الله عليه وسلم Icon_minitime14.11.11 6:48 من طرف 24akhbar

» 238 أجنبيا اعتنقوا الإسلام عن طريق خدمة "بلغني الإسلام" عن بعد
خطبة الوداع ووفاته صلى الله عليه وسلم Icon_minitime14.11.11 6:38 من طرف 24akhbar

» جماعة الإخوان تعلن المشاركة فى جمعة "18 نوفمبر" مالم يتم سحب "وثيقة السلمى"
خطبة الوداع ووفاته صلى الله عليه وسلم Icon_minitime14.11.11 5:49 من طرف 24akhbar

» أنصار الأسد يقتحمون السفارة الليبية بدمشق
خطبة الوداع ووفاته صلى الله عليه وسلم Icon_minitime14.11.11 5:42 من طرف 24akhbar

» الدكتور صفوت حجازى يقود قافلة دولية إغاثية لقطاع غزة
خطبة الوداع ووفاته صلى الله عليه وسلم Icon_minitime14.11.11 5:37 من طرف 24akhbar

» المستشار عبد المعز: هناك دول رفضت بالتصويت للمصريين على أراضيها
خطبة الوداع ووفاته صلى الله عليه وسلم Icon_minitime13.11.11 8:13 من طرف 24akhbar

» رئيس مباحث أداب سابق يتهم زوجة حبيب العادلى باحالتة للمعاش عام 2006 بسبب شبكة دعارة تتزعمها المغربية نشوى خزيم صديقتها الشخصية
خطبة الوداع ووفاته صلى الله عليه وسلم Icon_minitime13.11.11 8:07 من طرف 24akhbar

» سلطة قضائية تطالب بـ "إعتقال سوذان مبارك"
خطبة الوداع ووفاته صلى الله عليه وسلم Icon_minitime13.11.11 7:48 من طرف 24akhbar

» الملك عبد الله يعين شقيقه الأصغر نائباً له
خطبة الوداع ووفاته صلى الله عليه وسلم Icon_minitime13.11.11 7:42 من طرف 24akhbar

» رئيس الإنتقالى الليبى: ليبيا ستنتهج " الإسلام المعتدل"
خطبة الوداع ووفاته صلى الله عليه وسلم Icon_minitime13.11.11 7:38 من طرف 24akhbar

» سوريا: الثوار يدعون للتصعيد والعصيان المدنى بعد تعليق العضوية
خطبة الوداع ووفاته صلى الله عليه وسلم Icon_minitime13.11.11 7:34 من طرف 24akhbar

» السعودية توجه الإتهام فى إقتحام سفارتها إلى "سوريا"
خطبة الوداع ووفاته صلى الله عليه وسلم Icon_minitime13.11.11 7:23 من طرف 24akhbar

تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية
قم بحفض و مشاطرة الرابط 24 ساعة على موقع حفض الصفحات

.: زوار هذا الإسبوع :.